جميعنا سمعنا هذا: جيل الألفية نرجسيون، ويشعرون بالجدارة، ويطلقون العنان لأهوائهم أكثر من الأجيال السابقة. على أي حال سيظل الدليل على ذلك مثيراً للجدل ومقسماً الناس إلى فريقين، ولكن سواء توافق على هذا أو تراه غريباً، فإن فكرة زيادة نسبة النرجسية فيما بين طلاب الجامعة على مدار الخمس وعشرين سنة الماضية مثيرة للقلق من منظور مؤسسي؛ لأن جيل الألفية هو جيل القادة القادم من الأساتذة النرجسيين. وعلى الرغم من أننا نعلم أن النرجسية يمكن أن تكون مفيدة أحياناً، ربطتْ الأبحاث شعور النرجسين بالأهلية والاستحقاق وإيمانهم أن القواعد لا تنطبق عليهم دائماً إلى مجموعة من السلوكيات التي تأتي بنتائج عكسية في العمل مثل الاحتيال والفظاظة في مكان العمل والتنمر وجرائم أصحاب المهن المرموقة اجتماعياً التي تعرف بـ "جرائم أصحاب الياقات البيضاء".
الأساتذة النرجسيون
ولذا، عام 2011، أجرى جيم ويسترمان، الأستاذ في "كلية ووكر للأعمال" (Walker College of Business) بجامعة "أباليشن ستيت" (Appalachian State)، دراسة على 16 أستاذاً جامعياً و536 طالباً جامعياً في مجال إدارة الأعمال وعلم النفس. أراد ويسترمان معرفة ما إذا كان طلاب جيل الألفية أكثر نرجسية من أسلافهم (واتضح أنهم كذلك)، وأراد على وجه التحديد معرفة ما إذا كان طلاب إدارة الأعمال لديهم مستويات أعلى من النرجسية من طلاب علم النفس (وقد اتضح ذلك أيضاً). ووفقاً لويسترمان، تمثّل السؤال المنطقي التالي فيما إذا كان لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة دوراً في هذه الاستنتاجات.
وقد نشر ويسترمان وزملاؤه مؤخراً نتائج بحثهم في "المجلة الدولية لتعليم الإدارة" (The International Journal of Management Education). وفي أحدث دراسة أجروها على 267 طالباً جامعياً في مجال إدارة الأعمال و9 أساتذة جامعيين في إحدى الجامعات الأمريكية، وجدوا أن "التوافق النرجسي"، أو مدى توافق مستويات النرجسية لدى الطلاب مع أستاذتهم، كان متعلقاً بشكل كبير بالدرجة النهائية التي حصل عليها الطالب في الصف الدراسي. فالطلاب الذين كانوا نرجسيين بالقدر نفسه كأساتذتهم حصلوا على درجات أعلى من الطلاب الذين كانوا إما أكثر أو أقل نرجسية من أستاذتهم، وقد بدا أن هذا التأثير مدفوع جزئياً بالتصورات التي لدى الطلاب حول مدى صعوبة الصف ومكانة الأستاذ الجامعي لديهم.
وهو في الأساس نوع من التوافق بين الشخصيات؛ وله تأثير على نتائج الطلاب.
فقد جعل الباحثون الطلاب يملؤون "مقياس الشخصية النرجسية" (Narcissistic Personality Inventory)، وهو دراسة استقصائية وضعت في الثمانينات وتستخدم عادة في أبحاث علم النفس الاجتماعي لقياس درجة النرجسية، في منتصف الفصل الدراسي. (وملأه أيضاً أعضاء هيئة التدريس في نهاية الفصل الدراسي عند تسليم درجات الطلاب). كان على المستجيبين للدراسة الاختيار ما بين عبارتين، عبارة نرجسية وأخرى غير نرجسية. على سبيل المثال، عليهم أن يختاروا إما "التواضع ليس من طباعي" أو "أنا شخص متواضع في الأساس"، وإما "يمكنني عادة إخراج نفسي من أي موقف" أو "أحاول أن أتقبل عواقب تصرفاتي".
لفهم لماذا قد تؤثر الشخصيات غير المتوافقة على درجات الطلاب، أجرى الباحثون أيضاً دراسة استقصائية على الطلاب حول مدى صعوبة الصف ومدى تقديرهم لأساتذتهم. والفكرة هنا هي أن " التوافق النرجسي" قد يؤثر على شعور الطلاب تجاه الصف والأستاذ، وهو ما يؤثر بدوره على درجاتهم. وقد حدد الباحثون بعض العوامل مثل العمر والنوع والمعدل التراكمي والمرحلة الدراسية ونسبة الحضور.
تأثير الأساتذة النرجسيين على الطلاب
أظهرت النتائج أن توافق الشخصيات كان في صالح الطلاب. فالطلاب الأقل نرجسية تألقوا مع الأساتذة الأقل نرجسية، فحصلوا على درجات أعلى، ورأوا أن الصف أقل صعوبة، ووقّروا أستاذهم بدرجة كبيرة. والأمر نفسه ينطبق على الطلاب والأساتذة الأكثر نرجسية.
أما الطلاب الذين كانوا إما أكثر أو أقل نرجسية من أساتذتهم فقد كانوا أسوأ حالاً. فالطلاب الأقل نرجسية عانوا في الصفوف حيثما يدرِّس لهم أساتذة أكثر نرجسية، وحصلوا على درجات أقل، وكانوا يرون أن الصف أكثر صعوبة، ولم يوقّروا أساتذتهم بدرجة كبيرة. والطلاب الأكثر نرجسية الذين يتعلمون على يد أساتذة أقل نرجسية كانت نتائجهم مماثلة.
يجدر التنبيه إلى أنّ هذه الدراسة كانت ارتباطية، ويبدو أن نقطة الضعف الرئيسة فيها هي إجرائها على عينة صغيرة نسبياً من الأساتذة. إلا أنَّ الباحثين صرّحوا أن الاستنتاجات تُشير إلى وجود أثر مترتب على وجود أساتذة نرجسيين في مجال إدارة الأعمال: فهم في الواقع لا يُشجعون الطلاب الأقل نرجسية، ولكنهم يكافؤونهم (من ناحية الدرجات وتوفير فرص توظيف)، ويقدمون نموذجاً للسلوك المستقبلي إلى الطلاب الأكثر نرجسية. لذا، كما صرّح الباحثون، فإن اكتشاف طرق لتقليل درجة النرجسية لدى أعضاء هيئة التدريس قد يُعد محوراً أساسياً في أي استراتيجية لتقليل درجة النرجسية لدى الطلاب، وبالتالي ستقل نسبتها فيما بين القوة العاملة.
في حين أن هدف الدراسة تمثل في اكتشاف مستويات النرجسية فيما بين الطلاب الجامعيين والأساتذة في إدارة الأعمال، لم يكن من الصعب تخيُّل كم يمكن لفكرة "التوافق النرجسي" أن تؤدي دوراً في مكان العمل. أتساءل عما إذا كانت علاقات العمل بين المدراء والموظفين النرجسيين أفضل من تلك التي بين الشخصيات المختلفة عن بعضها. فعلى سبيل المثال، إذا كنت نرجسياً مثل مديرك، هل يزيد ذلك من فرصك في الحصول على ترقية أو مشاريع مهمة أو أجر أعلى؟
إنه مجرد تخمين بالطبع، وقد حذّر ويسترمان من تعميم استنتاجاته على سياقات أخرى. فمكان العمل مختلف للغاية عن الفصل الدراسي، فقد أوضح ويسترمان أن "العلاقات أطول أجلاً، والتفاوت في السلطة غالباً ما يكون أكبر وأكثر بروزاً". على سبيل المثال، بينما لأغلب الموظفين رئيس واحد فقط يمكنه اتخاذ القرارات المغيرة للحياة، يدرس الطلاب على يد العديد من الأساتذة، وهو ما يجعل من الصعب تحديد مدى أهمية الدرجات التي يحصل عليها الطالب لحياته المهنية.
قال ويسترمان "إذا وضعنا هذه الأمور في الاعتبار، سأتفاجأ إذا وجدتُ أنّ التوافق بين الشخصيات النرجسية يتعلق بتحقيق نتائج إيجابية في مكان العمل، فالنرجسيون يُعطون الانطباع أنهم فاتنون وأذكياء، وما إلى ذلك، في التعاملات قصيرة الأجل، ولكن في التعاملات على المدى الطويل (كما في علاقات العمل) يظهرون على حقيقتهم".
ومع ذلك، رغم عيوب الشخصيات النرجسية، هناك أدلة عديدة على أن الأشخاص ينجذبون إليهم، لا لشيء إلا لأنهم عادة ما يكونون شخصيات جذابة للغاية. ومعرفة كيف يلعب التوافق بين الشخصيات دوراً في هذه الجاذبية قد يساعدنا في مقاومتها.
اقرأ ايضاً: