ماذا تعرف عن “اكتناز المواهب” وتصاعد حرب اصطياد الموظفين؟

4 دقائق
اكتناز المواهب
shutterstock.com/Elnur

لا بد أنكم سمعتم بمصطلح "اكتناز الذهب والفضة"؛ أي احتكارهما وعدم استخدامهما في المعاملات وتحريك الأسواق، حيث يعد هذا النوع من الاكتناز ضاراً في الصالح العام للمجتمع وحركة الاقتصاد، ولذا فهو غير محبذ في بعض الأديان والقوانين. حسناً، ما رأيكم اليوم بظهور مصطلح جديد اسمه "اكتناز المواهب"، نعم. ثمة تحذير أطلقه كيفن أوكس، الرئيس التنفيذي لمعهد "إنتاجية الشركات" (آي فور سي بي) (The Institute for Corporate Productivity - i4cp) ومؤلف كتاب "تجديد الثقافة: 18 إجراءً قيادياً لبناء شركة راسخة" فقد نشر مقالاً في "هارفارد بزنس ريفيو" بعنوان "اسمح لأصحاب الأداء المتميز بالتنقل ضمن الشركة"، وتحدث حرفياً عن هذه المشكلة، وذكر أن ثمة فكرة تسود في بعض الأقسام في الشركات تسمى "اكتناز المواهب"، ودعا مدير القسم الذي لديه موظف يتمتع بمهارة عالية أو موظف نجم متميز، إلى السماح له بالتنقل بين أقسام الشركة للمساهمة في تحسين أدائها ونشر مهاراته وتطويرها عبر الاحتكاك مع تخصصات أخرى.

مبدئياً يمكن أن نكتشف التشابه بين الذهب وبين أصحاب الأداء المتميز أو أصحاب المواهب، إذ إن كليهما نادر وغالي الثمن. وهذه ميزة تزداد وضوحاً يوماً بعد يوم. ووفقاً لاستطلاع أجراه "المنتدى الاقتصادي العالمي"، أعرب ما يقرب من 8 بين كل 10 رؤساء تنفيذيين عالميين عن قلقهم إزاء صعوبة العثور على أشخاص يتمتعون بالمهارات المناسبة. كما نشرت شركة "بين آند كومباني" دراسة تفصيلية لـ 25 شركة عالمية، قارنت خلالها ممارسات هذه الشركات مع تلك التي يُنظر إليها على أنها "الأفضل"، فكانت الاكتشافات مفاجئة، حيث وجدوا وسطياً أن 1 فقط من كل 7 موظفين في الشركات أي 15% من القوى العاملة هم أصحاب الأداء البارز أو "النجوم". وفي المقال الذي نشر هذه النتائج في "هارفارد بزنس ريفيو" بعنوان "أفضل الشركات هي التي تستفيد من ’نجومها’ الحاليين"، بين البحث أن بعض الشركات تعتمد على توظيف نجومها من أصحاب المواهب في المجالات التي يمكنهم أن يحققوا فيها الأثر الأكبر على أداء الشركة، إذ تعهد هذه الشركات الوظائف ذات المهمات الحساسة بمواهب عالية الأداء، ويدعو خبراء شركة "بين" إلى النظر إلى "النجوم" على أنهم مورد مهم من موارد الشركة، إذ تعاني المؤسسات خلال نقلها المواهب القيمة من قسم إلى آخر، فقد يحتكر القسم تلك الموهبة أو يرفض التخلي عنها، وهو ما يؤدي إلى حدوث أزمة نقص في المواهب إذا تصرفت كل الأقسام بهذه الطريقة. فتحاول الشركات الناجحة الاستفادة على أفضل وجه ممكن من مواهبها الحالية وتجنب نقص المواهب الناتج عن بقاء هؤلاء المميزين في أماكن محددة.

وبالعودة إلى الخبير كيفن أوكس، صاحب مصطلح "اكتناز المواهب"، فإنه يعتقد أن مدراء الأقسام هم العائق الأكبر أمام عدم السماح بتنقل أصحاب المواهب والمهارات لنشر مهاراتهم في باقي أقسام الشركات، لأن المدير يريد أن يحتكر هذه المهارة له ولقسمه فقط، ويثبت أحد الأبحاث أن نصف الشركات قالت إن عدم قدرة المدراء على تشجيع تنقّل أصحاب المواهب هي أكبر عقبة أمامهم. حيث يحرص المدراء على التمسك بالموظفين النجوم في فرقهم لدرجة أنهم غالباً ما يلجؤون إلى التحايل في سبيل الاحتفاظ بهم. وقد أثبتت عدة دراسات حول تنقّل أصحاب المواهب أن نقل الموظفين على نحو نشط إلى أدوار مختلفة بين مختلف أقسام المؤسسة هو أحد الأساليب الأقلّ استخداماً للتطوير وتعزيز الثقافة، ولكنه الأسلوب الأكثر فعّالية في الشركات اليوم. كما بيّن بحث أجراه "معهد إنتاجية الشركات" (i4cp) أن المؤسسات عالية الأداء (وفقاً لقياس نمو الإيرادات والربحية والحصة السوقية ورضا العملاء) تركّز على تنقّل أصحاب المواهب أكثر من الشركات ذات الأداء المتدني بمقدار الضعف. وفي تجربة جديدة في عالم الأعمال، أطلقت شركة "نورثروب غرومان"، برنامج "باث وايز" لاختيار العمل الأنسب لمهارات الموظفين، عبر الطلب من الموظفين الجدد تأدية العمل في ثلاثة مناصب مختلفة لمدة عام كامل، قبل اختيار المسار الذي يرغبون في اتباعه، بحسب مقال "أنت بحاجة إلى نهج قائم على المهارات لتعيين الموهوبين وتطويرهم".

هذا الموظف النجم المتنقل بين الأقسام الذي يجلس في كل قسم لمدة محددة ليساعده على التحسن أو التطور أو إطلاق مشروع محدد، قد يسمى أيضاً "موظف بلا حقيبة" كما عرض ذلك الدكتور راسل قاسم في مقاله "هل نحتاج إلى موظف بلا حقيبة؟"، ويوضح في هذا المقال المهم أن "الموظف من دون حقيبة ليس استشارياً"، فقد تستعين غالبية المؤسسات باستشاريين في تخصصات مختلفة، وهنا لا يجب الخلط بين عمل الاستشاري وبين عمل الموظف بلا حقيبة، فالاستشاري عادة ما يكون متخصصاً في مجال معيّن، وينحصر عمله غالباً في إبداء الرأي وإنجاز الدراسات. إلا أن الموظف بلا حقيبة يؤدي أدواراً مختلفة فقد يكون دوره إنجاز عمل مكتبي، أو إجراء دراسة، أو دعم فريق عمل، أو استكمال متطلبات إنشاء قسم معيّن، وغير ذلك من المهمات التي هي على درجة كبيرة من التنوّع. كذلك فإن الموظف بلا حقيبة يمتلك خبرة أكبر في العمل الداخلي ضمن المؤسسة ومنظومة القيم والثقافة المؤسسية السائدة، الأمر الذي يؤهله لأداء أكثر كفاءة. يقول كارتر ماكنمارا، مؤسس معهد "تطوير الاستشاريين" في كتابه "الدليل العملي لتقديم الاستشارات والتطوير المؤسسي": "إن الخبير الداخلي في المؤسسة يمتلك مرونة أكبر وهو قادر على زج كم أكبر من الموارد لإنجاح العمل المطلوب مقارنة بالاستشاري الذي يلتزم بنطاق متفق عليه مسبقاً".

لقد فرض التسارع في المهارات الجديدة المطلوبة وندرة المهارات في ظهور هذه الفئة النادرة كالذهب من أصحاب المواهب، أشخاص يتمتعون بالمرونة وسرعة التعلم، ولديهم مهارات العصر التقني واللغات الحديثة والذكاء المتقد والتنظيم العالي، وهؤلاء هم الذين تسميهم شركة "شيبستيد" النرويجية بـ "رؤوس الحربة الرقميين"، وربما يذكرنا هذا الاسم بمصطلح "الحرب من أجل المواهب" الذي بات يتردد في السنوات الأخيرة، حيث يستخدم مصطلح "اصطياد المهارات" للبحث عن موظفين نجوم قائمين على رؤوس عملهم وسعداء في حياتهم، لتستهدفهم شركات مثل "نتفليكس"، التي تقوم بعمليات الاصطياد هذه بشكل حثيث، ولديها استراتيجية واضحة تقول "ادفعوا لأصحاب المهارات والمواهب ضعف أجرهم الحالي" ليتركوا عملهم الحالي وينضموا إلى "نتفليكس". يبدو أن التنافس وربما الحرب من أجل المواهب سيشتعل ويزداد أكثر فأكثر كما في مقال "لماذا يُعتبر التنافس على المواهب الجديدة خاطئاً؟"، لكن انتشار ثقافة العمل عن بعد ستسمح لشركات خارج الحدود باستهداف المهارات داخل الدول وزعزعة سوق المواهب، لكنه بالنتيجة أمر مفيد برأيي، فسينقلنا إلى المرحلة الجديدة التي يعرف فيها الناس علناً المعايير الجديد للمهارات والمواهب التي اختلفت عن معايير أيام زمان.

وقد وصلت معارك صيد المواهب إلى الدول العربية، حيث بين التقرير الأخير لشبكة لينكد إن "منشور تفاصيله على موقع فورتشن العربية)، وهو يتحدث عن الوظائف الأكثر نمواً في السنوات الخمس الماضية في الدول العربية، وبين أن وظيفة "أخصائي جذب المواهب" كانت من الوظائف الخمس الأكثر نمواً في مصر والسعودية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي