تُعتبر هديل مديرة محبوبة لفريق صغير. وكونها لطيفة ومحترمة يجعلها هذا حساسة لاحتياجات الآخرين. فتحل المشاكل وتميل لأن ترى في الإخفاقات فرصاً ثانية، هي دائماً متفاعلة كما أنها مصدر للطمأنينة بالنسبة إلى زملائها. يشعر مديرها بأنه محظوظ لوجود مرؤوسة مثلها يسهل التعامل معها، وغالباً ما يهنئها لما تظهره من ذكاء عاطفي عالي المستوى. ويحاول أن يسألها مراراً عن عناصر الذكاء العاطفي، ترى هديل فعلاً أنّ الذكاء العاطفي هو إحدى قواها، وتشعر بالامتنان لشي واحد على الأقل لا تحتاج للعمل عليه كجزء من تطوير قيادتها. لكن الغريب في الأمر أنها على الرغم من نظرتها الإيجابية، بدأت تشعر وكأنها عالقة في عملها، وأصبحت غير قادرة على إظهار نوع الأداء الذي تبحث عنه شركتها. بدأت تفكر: لعل هذا يتجاوز ما بإمكان الذكاء العاطفي تحقيقه.
النظرة المحدودة للذكاء العاطفي
يمكننا القول أنّ الفخ الذي وقعت به هديل ومديرها معروف: هما يعرّفان الذكاء العاطفي في نطاق محدود جداً. ولكونهما يركّزان فقط على اجتماعية هديل وحساسيتها وجاذبيتها، فقد فاتتهم بعض العناصر الضرورية للذكاء العاطفي ربما تجعل منها قائداً أقوى وأكثر فاعلية. تسلط مقالة صدرت مؤخراً عن هارفارد بزنس ريفيو الضوء على المهارات التي يفتقدها مدير لطيف وإيجابي مثل هديل: القدرة على إيصال الملاحظات القاسية للموظفين، والشجاعة لإزعاج الآخرين ودفع عجلة التغيير، والتفكير الإبداعي بعيداً عن المألوف.
اقرأ أيضاً: عزز ذكاءك العاطفي من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة (بحاجة لاشتراك)
لكن هذه الفجوات ليست نتيجة لذكاء هديل العاطفي، بل هي ببساطة دليل على أنّ مهارات ذكائها العاطفي متفاوتة. واكتشفنا من نموذج الذكاء العاطفي والتميز القيادي الذي قمنا بتطويره على مدى 30 سنة درسنا خلالها قوى القادة المتميزين أنّ امتلاك مجموعة متوازنة جيداً من مقدرات محددة من الذكاء العاطفي يهيئ فعلاً القائد لهذه الأنواع من التحديات الصعبة.
عناصر الذكاء العاطفي
للذكاء العاطفي نماذج عديدة لكل منها مجموعته الخاصة من القدرات، وغالباً ما تُجمع سوياً في المفردات العامية الشائعة تحت "اسم معدل العاطفة" (Emotional Quotient “EQ”)، لكننا نفضل تسميتها "بالذكاء العاطفي" (EI Emotional Intelligence)، والذي نحدده بأربعة نطاقات: الوعي الذاتي، إدارة الذات، الوعي الاجتماعي، إدارة العلاقات. ضمن هذه النطاقات تتداخل 12 كفاءة من كفاءات الذكاء العاطفي والمقدرات المتعلّمة والقابلة للتعلم والتي تجعل الأداء المتميز في العمل أو في القيادة ممكناً (انظر الصورة في الأسفل). منها نواح واضح أنّ هديل قوية فيها: العاطفة والنظرة الإيجابية والتحكم بالنفس. لكنها تتضمن أيضاً قدرات حيوية كالإنجاز والتأثير وإدارة النزاعات والعمل الجماعي والقيادة الملهمة. وهي تتطلب تفاعلاً عاطفياً بنفس القدر الذي تتطلّبه المجموعة الأولى، ويجب أن تكون أيضاً حاضرة بالقدر نفسه ضمن أولويات تطوير أي قائد طموح.
مثلاً، إذا كانت هديل تتمتع بالقوة في إدارة الصراعات، فهي لابد أنها ستكون ماهرة أيضاً في إيصال الملاحظات السلبية. وإذا كانت تميل لاستخدام التأثير، فسيكون عليها إعطاء تقييمات صعبة كطريقة لقيادة مرؤوسيها ومساعدتهم على التطور. ولنفترض مثلاً أنّ لدى هديل زميل متعجرف وسليط اللسان: بدلاً من تلطيف الأجواء عند كل احتكاك بينهما، يمكنها باستخدام توازن أوسع من مهارات الذكاء العاطفي أن تطرح الأمر على زميلها مباشرة مستعينة بضبط النفس العاطفي للسيطرة على ردة فعلها بينما تخبره بما تجده مزعجاً على وجه التحديد في أسلوبه. كما يمكن القول أنّ طرح الأمور المتأزمة للنقاش هو أساس إدارة الصراعات. كذلك بإمكان هديل الاستفادة من استراتيجية التأثير لتشرح لزميلها أنها تريد أن تراه ناجحاً، وبأنه إذا راقب تأثير أسلوبه على المحيطين به فسوف يفهم أنّ الجميع سيستفيدون إذا هو تغير.
اقرأ أيضاً: "الذكاء العاطفي" ودوره في رفع التحفيز والإنجاز (مفتوح للجميع)
وبالمثل، إذا قامت هديل بتطوير قوة القيادة الملهمة لديها، فسوف تنجح أكثر في إحداث التغيير، حيث بإمكان القادة الذين يملكون هذه القوة أن يؤكدوا على رؤية أو رسالة تُحدث صدى عاطفي لديهم ولدى مرؤوسيهم على حد سواء، وهذا مكون أساسي لحشد التحفيز اللازم للمضي في اتجاه جديد. وفي الواقع، كشفت دراسات عديدة ارتباطاً وثيقاً بين الذكاء العاطفي وإحداث التغيير والقيادة الحكيمة.
يحتاج القادة كي يتفوقوا أن يطوروا مجموعة متوازنة من القوى عبر مختلف كفاءات الذكاء العاطفي. أما النتائج الممتازة للأعمال فستتبع ذلك.
إذاً، كيف تعرف المواضع التي تحتاج لتحسينها في ذكائك العاطفي، خاصة إذا كنت تشعر أنك قوي في بعض النواحي؟
مراجعة بسيطة لهذه الكفاءات الاثنتي عشرة في ذهنك سيجعلك تستشعر النواحي التي تحتاج لبعض التطوير. هناك عدد من النماذج الرسمية للذكاء العاطفي، يأتي العديد منها مع أدوات التقييم الخاصة به. عند اختيار الأداة التي تستخدمها، خذ بالاعتبار مدى جودة تنبؤها بنتائج القيادة. البعض من هذه الأدوات يقيّم نظرتك لنفسك، وهذه مرتبطة باختبارات الشخصية التي تتناول أيضاً "مخطط الذات" للشخص. هناك أدوات أُخرى تعرّف الذكاء العاطفي على أنه مقدرة، كتلك التي طورها رئيس جامعة ييل بيتر سالوفي وزملائه وهو اختبار (MSCEIT) (منتج متوفر تجارياً) ويرتبط بشكل وثيق باختبار قياس معدل الذكاء أكثر من أي اختبار آخر للذكاء العاطفي.
أهمية التقييمات الشاملة في قياس الذكاء الاصطناعي
نوصي بتقييمات شاملة من نوع (360 درجة) تجمع بين كل من التقييم الذاتي وآراء الآخرين الذين يعرفونك جيداً. هذا التقييم الخارجي مفيد خاصة في تقييم جميع نواحي الذكاء العاطفي، بما فيها الوعي الذاتي (كيف تعرف أنك لا تملك وعياً ذاتياً؟). يمكنك الحصول على قياس تقريبي لمكامن قوتك وضعفك بالطلب ممن يعملون معك إعطاء رأيهم. إذ أنه كلما سألت أناساً أكثر، حصلت على صورة أفضل.
ووُجد أنّ التقييمات الرسمية الشاملة من نوع (360 درجة)، التي تشمل ملاحظات منهجية مجهولة المصدر عن سلوكك من أشخاص يعملون معك، لا ترتبط كثيراً باختبار معدل الذكاء أو بالشخصية لكنها المتنبئ الأفضل بفعالية القائد والأداء الفعلي للأعمال والتفاعل والرضا عن العمل (والحياة). ويندرج ضمن هذه الفئة النموذج الخاص بنا، ولائحة الكفاءة العاطفية والاجتماعية (ESCI 360)، وهي أداة تقييم متوفرة تجارياً قمنا بتطويرها مع مجموعة "كورن فيري هاي" (Korn Ferry Hay Group) لقياس الكفاءات الاثنتي عشرة للذكاء العاطفي، وهي تعتمد في تقييم القائد على تقييم الآخرين لتصرفاته الملحوظة. وتشير الأبحاث إلى أنه كلما كبرت الفجوة بين تقييم القائد لنفسه وبين رؤية الآخرين له، تناقصت قوى الذكاء العاطفي التي يبديها القائد وضعفت نتائج الأعمال أيضاً.
تُعتبر أدوات التقييم هذه هامة جداً لإجراء تقييم شامل لذكائك العاطفي، لكن تبقى الخطوة الأولى الهامة لمعالجة مكامن الضعف في ذكائك العاطفي هي إدراك أنّ هذه الكفاءات كلها جزء من ذكائك العاطفي. كما يعد التدريب أيضاً الطريقة الأكثر فعالية لتحسين مواقع الضعف في الذكاء العاطفي. أضف لهذا أنّ حصولك على دعم من خبير أثناء النجاحات والإخفاقات التي تواجهك بينما تتدرب على طريقة جديدة له قيمة لا تقدر بثمن.
حتى الأشخاص الذين يملكون العديد من القوى القيادية الواضحة يمكنهم التأهب ليفهموا بشكل أفضل تلك النواحي المتعلقة بعناصر الذكاء العاطفي التي لدينا مساحة لتطويرها. فلا تصغّر من شأن تطورك كقائد بالاعتقاد أنّ الذكاء العاطفي كله يتمحور حول كونك لطيفاً ومرحاً، أو أنّ ذكاءك العاطفي سيكون مثالياً إذا كنت مثالياً، أو الأسوأ افتراض أنّ الذكاء العاطفي لا يمكنه مساعدتك على التفوق في عملك.
اقرأ أيضاً: