فكرة كبيرة: تحضيرات ما قبل اتخاذ القرارات المهمة

19 دقيقة
ما قبل اتخاذ القرار

بفضل بعض الكتب الرائجة الجديدة التي تتحدث عن مرحلة ما قبل اتخاذ القرار، أصبح الكثير من المسؤولين التنفيذيين يدركون كيف يمكن للتحيز تدمير العقلانية في مجال الأعمال. التحيّز التأكيدي (وهو الميل للبحث عن المعلومات وتفسيرها بطريقة تتوافق مع معتقدات وافتراضات الفرد)، على سبيل المثال، يدفع التحيز التأكيدي الناس إلى تجاهل البرهان الذي يتعارض مع مفاهيمهم المسبقة. وبالتالي، يدفعهم الارتساء (أي التحيّز المعرفي لوصف ظاهرة بشرية شائعة) إلى الاعتماد على معلومة واحدة أو معلومات قليلة لاتخاذ القرارات؛ في حين أنّ النفور من الخسارة يجعلهم حذرين للغاية. ومع ذلك، أظهر بحثنا أنّ الوعي بآثار التحيّز لم يؤثّر كثيراً على تحسين جودة القرارات المتعلّقة بالعمل على المستوى الفردي أو المستوى التنظيمي.

كيفية التصدي للتحيز في مرحلة ما قبل اتخاذ القرار

على الرغم من انتشار الحديث بشأن التحيّز بين المدراء في الآونة الأخيرة إلا أنّ الحديث بمفرده لن يلغي التحيّز، ولكن يمكن اتخاذ خطوات من أجل التصدّي له. فقد تبيّن في دراسة لشركة ماكنزي شملت أكثر من ألف استثمار كبير في مجال الأعمال أنّ المؤسسات عندما عملت على التخفيف من آثار التحيّز في عمليات صنع القرار لديها، حقّقت عائدات أكبر وصلت إلى 7%. يُحدث الحد من التحيز فرقاً بالفعل، وفي هذه المقالة سنتطرّق إلى طريقة مباشرة لاكتشاف التحيز والتقليل من آثاره في أكثر أنواع القرارات شيوعاً التي يتّخذها المسؤولون التنفيذيون: مراجعة توصية من شخص آخر، وتحديد قبولها أو رفضها أو نقلها إلى المرحلة التالية.

تبدو هذه المراجعات سهلة بما يكفي بالنسبة إلى معظم المسؤولين التنفيذيين. أولاً، يجب عليهم فهم الوقائع ذات الصلة بسرعة (الحصول على الوقائع من الأشخاص الذين يعرفون عنها أكثر منهم). وثانياً، يتعيّن عليهم معرفة ما إذا كان الأشخاص الذين يقومون بالتوصية يميّعون الوقائع بطريقة أو بأخرى. وأخيراً، عليهم استخدام خبراتهم ومعرفتهم ومنطقهم من أجل أن يقرّروا ما إذا كانت التوصية صحيحة أم لا.

اقرأ أيضاً: لماذا نحتاج إلى تدقيق الخوارزميات قبل اتخاذ القرار؟

ومع ذلك، يمكن في كل مرحلة من مراحل هذه العملية أن تحدث تشوهات في إطلاق الأحكام بسبب التحيز المعرفي. لا يستطيع المسؤولون التنفيذيون فعل الكثير بشأن تحيزهم الشخصي، كما سنرى، ولكنهم مع الوقت، وباستخدام هذه الأدوات، سينشئون عمليات اتّخاذ قرارات تحد من أثر التحيز في مؤسساتهم. وعند فعل ذلك، سيساعدون في رفع مستوى جودة القرارات التي تتّخذها مؤسساتهم.

التحدي المتمثل في تجنّب التحيّز

دعنا أولاً نطرح السؤال عن سبب عجز الناس عن إدراك تحيزهم الشخصي.

يرى علماء الإدراك أنّ ثمة أسلوبين للتفكير: الحدسي، والتأملي - ركّز الكثير من الأبحاث النفسية في العقود الأخيرة على التمييز بينهما، وعمم المفهوم ريتشارد ثالر وكاس سانستين في كتابهمها بعنوان "نادج" أو "الترغيب" (Nudge)- في أسلوب التفكير الحدسي، أو النظام الأول، يتدفّق التفكير والانطباعات والأواصر والمشاعر والنوايا والاستعداد للعمل من دون عناء. فيُنتج النظام الأول تمثيلاً ثابتاً للعالم من حولنا ويسمح لنا بتنفيذ أمور مثل المشي وتجنب العوائق والتفكير في شيء آخر في الوقت نفسه. وغالباً ما نكون في هذا النمط عندما ننظّف أسناننا أو نمازح أصدقاءنا أو نلعب التنس؛ فنحن لا نركّز بوعي على طريقة فعل هذه الأمور بل نفعلها وحسب.

في المقابل، التفكير التأملي، أو النظام الثاني، بطيء ومجهد ومتعمد. يرافقنا هذا النمط في العمل عندما نعمل على ملء نموذج الضرائب أو تعلّم قيادة السيارة. النمطان الأول والثاني ينشطان باستمرار، ولكن النظام الثاني غالباً ما يكون مراقباً لما نفعله ويتحرك عندما تكون المخاطر كبيرة أو عندما نكتشف خطأً واضحاً، أو عندما يكون التفكير المنطقي القائم على القواعد مطلوباً. ولكن النظام الأول هو الذي يحدّد أفكارنا في معظم الوقت.

صُمم نظام الرؤية والذاكرة الترابطية لدينا (وهما جانبان مهمان للنظام الأول) من أجل إنتاج تفسير واحد متّسق لما يجري حولنا. وعملية الشعور هذه تُعتبر حسّاسة للغاية على السياق؛ خذ على سبيل المثال كلمة "بنك"، سيرى معظم الذين يقرأون هارفارد بزنس ريفيو أنّها تشير إلى مؤسسة مالية، ولكن في حال قرأ هؤلاء أنفسهم الكلمة في "مجلة فيلد آند ستريم" (Field & Stream) يُحتمل أن يفهموها بطريقة مختلفة. السياق معقد: فهو، بالإضافة إلى الإشارات المرئية والذاكرة والأواصر، يشتمل أيضاً على الأهداف والمخاوف وغيرها من المدخلات. ونظراً لأن النظام الأول يدرك تلك المدخلات ويطور سردية لها فإنّه يقمع القصص الأخرى البديلة.

النظام الأول جيد جداً في تكوين قصص سياقية ونحن لا ندرك عملياته، ولذلك قد يؤدي إلى تضليلنا. غالباً ما تكون القصص التي ينتجها دقيقة عموماً، ولكن ثمة استثناءات، والتحيز الإدراكي هو أحد الأمثلة الرئيسة الموثّقة جيداً. من السمات الخبيثة للإخفاقات الإدراكية أننا لا نمتلك طريقة لمعرفة حدوثها: فنحن لا نستطيع تحديد متى نرتكب أخطاء بديهية، والتجربة لا تساعدنا في التعرف عليها. (على العكس، إذا تعاملنا مع مشكلة صعبة باستخدام تفكير النظام الثاني وفشلنا في حلّها سندرك هذه الحقيقة ونحن منزعجون).

العجز عن الشعور بأننا ارتكبنا خطأً ما يُعتبر أساسياً لفهم سبب تقبّلنا لتفكيرنا الحدسي الذي لا يتطلّب جهداً في ظاهره، كما يفسّر سبب غياب حماسنا للقضاء على التحيّز في أنفسنا حتى عندما ندرك وجوده. وفي كل الأحوال، من الصعب علينا إصلاح الأخطاء التي لا يمكننا رؤيتها.

بالإضافة إلى ذلك، يوضح هذا الأمر لماذا لم يقدم خبراء الإدارة الذين يكتبون عن التحيز الإدراكي الكثير من الأمور التي تساعدنا عملياً، ولماذا يكون موضوع كتاباتهم الرئيس "لقد أُعذر من أنذر". ولكن لا يكفي أن تعرف أنّ لديك تحيز من أجل التغلّب عليه، كما أنّك قد تتقبّل فكرة أنّ لديك تحيّز ولكنّك لن تستطيع التخلّص منه بنفسك.

على الرغم من ذلك، ثمة ما يدفع للأمل عندما ننتقل من الفرد إلى المستوى الجماعي، ومن صانع القرار إلى عملية صنع القرار، ومن المسؤول التنفيذي إلى المؤسسة. وكما وثّق الباحثون في مجال الإدارة التشغيلية، فإنّ واقع أنّ الأفراد لا يدركون التحيّز لديهم لا يعني أنّه لا يمكن تحييد التحيّز - أو الحدّ منه على الأقلّ - على المستوى التنظيمي.

وهذا صحيح لأنّ معظم القرارات تتأثر بالكثير من الناس، ولأنّ صناع القرار يمكنهم تحويل قدرتهم على اكتشاف التحيز في تفكير الآخرين لصالحهم. قد لا نكون قادرين على التحكم في حدسنا، ولكن يمكننا تطبيق التفكير العقلاني للكشف عن حدس الآخرين الخاطئ وتحسين إطلاق الأحكام لديهم. (بمعنى آخر، يمكننا استخدام تفكير النظام الثاني لدينا لتحديد أخطاء النظام الأول في التوصيات التي قدمها لنا الآخرون).

هذا بالضبط ما يَتوقّع من المسؤولين التنفيذيين فعله في كلّ مرة يراجعون فيها التوصيات ويتّخذون القرار النهائي، إذ غالباً ما يطبّق المسؤولون التنفيذيون عملية ضبط غير منتظمة - مثل إضافة "هامش أمان" إلى التكلفة المتوقعة - من أجل تفسير التحيز الملموس. وأكثر صناع القرار يركزون على المحتوى عندما يراجعون التوصيات ويطعنون فيها، لذلك نقترح إضافة مراجعة منهجية لعملية التوصية، أي مراجعة تهدف إلى تحديد التحيّز الذي أثّر على الأشخاص الذين يقدّمون المقترحات. وتتمثّل الفكرة في أن يعود أعضاء الفريق أدراجهم من أجل تحديد المكان الذي قد يكون التفكير الحدسي أبعدهم فيه عن المسار.

سنتعرّف في القسم التالي على كيفية إجراء مراجعة للعملية بالاعتماد على تجارب فعلية لثلاثة مسؤولين تنفيذيين من شركات مختلفة - وهم إبراهيم وسارة وداوود (أسماء مستعارة) - طلبنا منهم النظر في أنواع مختلفة من المقترحات:

تغيير جذري في الأسعار

يعمل إبراهيم كنائب لرئيس قسم المبيعات في شركة لخدمات الأعمال. في الآونة الأخيرة، أوصى نائب الرئيس الإقليمي الأول وعدد من زملائه بإجراء إصلاح شامل لهيكل التسعير لدى الشركة، وكانت حجّتهم أنّ الشركة خسرت عدداً من المناقصات لصالح المنافسين فضلاً عن بعض أفضل مندوبي المبيعات فيها بسبب مستويات الأسعار غير المستدامة. ولكن اتخاذ خطوة خاطئة قد يكون مكلفاً للغاية وربما يؤدّي إلى حرب أسعار.

نفقات رأسمالية كبيرة

تعمل سارة كمديرة مالية لشركة تصنيع ذات رأسمال كبير. اقترح نائب رئيس التصنيع في إحدى وحدات أعمال الشركة ضخّ استثمار كبير في موقع تصنيع واحد. يضمّ الطلب جميع المكونات المعتادة - الإيرادات المتوقعة، وتحليل العائد على الاستثمار في ظل سيناريوهات مختلفة، وما إلى ذلك. ولكن الاستثمار سيكون كبيراً جداً - خصوصاً بالنسبة لشركة كانت تخسر المال لبعض الوقت.

عملية استحواذ كبرى

يعمل داوود كرئيس تنفيذي لشركة صناعات متنوعة. اقترح فريق تطوير أعماله شراء شركة تكون عروضها مكملة لخط الإنتاج في أحد الأعمال الأساسية للشركة. ولكن الصفقة المحتملة ستأتي في أعقاب عدد من عمليات الاستحواذ الناجحة والمكلفة، بالإضافة إلى أنّ الهيكل المالي للشركة استنفد كامل موارده.

بينما نتعمّد وصف هذه المراجعة من منظور صناع القرار كأفراد، يمكن للمؤسسات أيضاً اتخاذ خطوات لتضمين بعض هذه الممارسات في عمليات صنع القرار الأوسع نطاقاً.

الرقابة على جودة القرارات: قائمة مرجعية

لمساعدة المسؤولين التنفيذيين على التدقيق في القرارات، طوّرنا أداة تستند إلى قائمة مرجعية من 12 سؤالاً تهدف إلى اكتشاف العيوب في التفكير - أي اكتشاف التحيز المعرفي لدى الفرق التي تقدم التوصيات. تتوزع الأسئلة على ثلاث فئات: أسئلة يجب على صنّاع القرار طرحها على أنفسهم، وأسئلة يجب عليهم استخدامها من أجل تحدّي الأشخاص الذين يقترحون مساراً للعمل، وأسئلة تهدف إلى تقييم المقترح. من المهم الأخذ بعين الاعتبار أن يكون الأفراد الذين يستخدمون فحص الجودة هذا مستقلين تماماً عن الفرق التي تقدم التوصيات، نظراً لأنّ الشخص لا يمكنه التعرّف على التحيّز لديه.

اقرأ أيضاً: الأخطاء الأربعة الأكثر شيوعاً في اتخاذ القرارات

ثلاث فئات من الأسئلة لتجنب التحيز المعرفي

أسئلة يجب على صنّاع القرار طرحها على أنفسهم:

1. هل هناك أي سبب للاشتباه في وجود أخطاء بدوافع، أو أخطاء مدفوعة بالمصلحة الذاتية لفريق التوصية؟

لا ينبغي لصناع القرار أن يطرحوا هذا السؤال مباشرة على الأشخاص الذين يعملون على المقترحات، إذ يستحيل تقريباً في كل الأحوال فعل ذلك من دون الظهور بمظهر المشكّك باجتهادهم ونزاهتهم، وهو نقاش لا ينتهي بطريقة جيدة أبداً.

ليست المسألة هنا مسألة خداع مقصود. بالطبع قد يتعمّد الناس الكذب في بعض الأحيان، ولكنّ الخداع الذاتي والتسويغ هما أكثر المشاكل شيوعاً. وقد أظهر البحث أنّ المهنيين الذين يؤمنون بأنّ قراراتهم "ليست للبيع (مثل الأطبّاء) لا يزالون متحيّزين تجاه مصالحهم الخاصة.

على سبيل المثال، يجب أن يدرك إبراهيم أنّ خفض الأسعار من أجل الاستجابة للضغوط التنافسية سيؤثّر مادياً على عمولات فريق المبيعات (خصوصاً إذا كانت المكافآت تقوم على الإيرادات وليس الهوامش). وداوود بدوره يجب أن يتساءل عما إذا كان الفريق الذي يوصي بعملية الاستحواذ يَتوقّع أن يدير الشركة المستحوَذ عليها وما إذا كان متأثّراً بدوافع "بناء الإمبراطورية".

من الطبيعي أن يُعمل على تفضيل نتائج معينة في كل توصية. لذلك، ينبغي لصناع القرار ألّا يركّزوا على تقييم خطر حدوث خطأ بدافع، بل على تحديد ما إذا كان هذا الخطأ كبيراً. المقترح الذي يقدّمه مجموعة أفراد يستفيدون أكثر من المعتاد من النتيجة - سواء من الناحية المالية أو القوة التنظيمية أو السمعة أو الخيارات الوظيفية في الكثير من الأحيان - يتطلّب رقابة على الجودة بشكل خاص. كما يتعيّن على المراجعين أيضاً الحذر من الخيارات الضارّة التي تتضمّن بديلاً واقعياً واحداً فقط - وهو الخيار الذي يفضله فريق التوصية. في مثل هذه الحالات، ينبغي لصنّاع القرار الاهتمام أكثر بالأسئلة المتبقية في قائمة المراجعة هذه، خصوصاً تلك التي تتناول التحيّز المتفائل.

2. هل وقع الأشخاص الذين عملوا على التوصية في حبّها؟

جميعنا عرضة للانفعال الاستكشافي ( affect heuristic): عندما نقيّم شيئاً نحبّه نميل إلى التقليل من المخاطر والتكاليف المرتبطة به وإلى تعظيم فوائده؛ وعندما نقيّم شيئاً لا نحبّه نفعل العكس. يلاحظ المسؤولون التنفيذيون هذه الظاهرة في القرارات التي تتضمّن عنصراً عاطفياً قوياً، مثل تلك المتعلّقة بالموظّفين أو العلامات التجارية أو المواقع الجغرافية.

يفضّل البعض ترك هذا السؤال من دون إجابة، مع أنّ الإجابة عنه عادة ما تكون سهلة. يُحتمل أن يدرك داوود بسهولة ما إذا كان فريق الصفقة قد حافظ على نظرة محايدة بشأن عملية الاستحواذ. فإذا كانوا قد أصبحوا عاطفيين سيكون العلاج مرة أخرى إجراء فحص دقيق لجميع مكونات التوصية وكلّ حالات التحيّز التي قد تكون أثّرت على الأشخاص الذين عملوا عليها.

3. هل كان هناك آراء معارضة داخل فريق التوصية؟

إذا كان الجواب نعم، فهل استُكشفت على نحو كاف؟ في الكثير من ثقافات الشركات يدعي الفريق الذي يعرض توصية على رؤسائه أنّ التوصية قد حظيت بإجماع كل أعضاء الفريق. يمكن أن يكون الإجماع حقيقياً في بعض الأحيان، ولكنه قد يشكل وحدة خبيثة يفرضها قائد الفريق، أو حالة من التفكير الجماعي - أي ميل الجماعة إلى الحد من النزاعات عن طريق الاتفاق على قرار لأنّه يبدو أنه يحظى بدعم المجموعة. ويُرجّح أن يميل الفريق إلى التفكير الجماعي خصوصاً إذا كان يضم أشخاصاً من خلفيات وآراء متنوعة قليلاً. على سبيل المثال، ينبغي لسارة أن تخشى في حال لم يتحدّث أحد من فريق التصنيع الذي يقترح الاستثمار الكبير عن أي مخاوف أو خلافات.

بغض النظر عن سبب المعارضة، فإنّ غيابها ضمن فريق يعالج مشكلة معقدة يجب أن يدقّ ناقوس الخطر. يجب على المسؤول التنفيذي، على المدى الطويل، أن يسعى جاهداً إلى خلق مناخ تُعتبر فيه الخلافات الجوهرية جزءاً مثمراً من عملية اتخاذ القرار (وحلّها بموضوعية)، بدلاً من أن تكون علامة على وجود نزاع بين الأفراد (وقمعهم). وعلى المدى القصير، إذا واجه صانع القرار توصية تعرّضت فيها المعارضة إلى القمع بوضوح لا يعود أمامه إلا خيارات قليلة. وبما أنّ طلب الخروج بخيارات إضافية من مجموعة أخرى يُعتبر أمراً غير عملي في كثير من الأحيان، فقد يكون الخيار الأفضل هو التماس وجهات النظر المعارضة بترّو من أعضاء الفريق الذي يعمل على التوصية، وربما يكون ذلك خلال اجتماعات خاصة. أما آراء الأشخاص الذين تحدوا الضغط من أجل التوافق في عملية صنع القرار فهي تستحق اهتماماً خاصاً.

أسئلة يجب على صناع القرار طرحها على الفريق الذي يقدم التوصيات:

4. هل يمكن أن يتأثّر تشخيص الحالة كثيراً بالأمور المتماثلة البارزة؟

تشير الكثير من التوصيات إلى قصة نجاح سابقة، حيث يُشجّع صانع القرار على تكرار قصة النجاح هذه عن طريق الموافقة على الاقتراح. فريق تطوير الأعمال الذي يناصر عملية الاستحواذ المعروضة على داوود اعتمد هذه المقاربة مستخدماً لدعم قضيته مثالاً لصفقة ناجحة أبرمها مؤخراً. يكمن الخطر، بالطبع، في أنّ التماثل قد يكون أقل ارتباطاً بالصفقة الحالية مما يبدو، كما أنّ استخدام أمر مماثل أو أكثر يؤدي دائماً إلى استدلالات خاطئة.

صانع القرار الذي يشك في أنّ استخدام أمر مماثل من حدث سابق قد أثّر على الحكم الذي أطلقه الفريق (وهو نوع من الخلل المعرفي يُعرف باسم التحيّز للأمور البارزة) سيرغب في اكتشاف تشخيصات بديلة. ويمكن فعل ذلك من خلال طلب المزيد من الأمور المتماثلة وتحليل دقيق للأمثلة المتشابهة كما هي. (لمزيد من التفاصيل حول تقنية القيام بذلك، وهو ما يُسمّى التنبّؤ بفئة المرجع، راجع "أوهام النجاح: كيف يقوّض التفاؤل قرارات المسؤولين التنفيذيين" (Delusions of Success: How Optimism Undermines Executives’ Decisions)، لكاتبيه دان لوفالو ودانيال كانيمان، هارفارد بزنس ريفيو، يوليو/تموز 2003). ويستطيع صانع القرار، على نحو غير رسمي، حثّ الفريق على استخدام مجموعة أوسع من المقارنات. يمكن لداوود أن يطلب وصفاً لخمس صفقات حديثة غير التي تمّ الاستحواذ عليها في الآونة الأخيرة، وتشبه إلى حدّ ما الصفقة التي يجري النظر فيها.

5. هل أُخذ بعين الاعتبار بدائل موثوقة؟

تتضمن عملية اتخاذ القرار الجيدة تقييماً للبدائل الأخرى بشكل كامل وبطريقة موضوعية ومستندة إلى الوقائع. ومع ذلك، عند محاولة حلّ مشكلة ما، يكون الأفراد والمجموعات عرضة لتوليد فرضية معقولة ومن ثمّ البحث فقط عن دليل يدعمها.

تتمثل إحدى الممارسات الجيدة في الإصرار على أن يقدّم الأشخاص بديلاً أو بديلين على الأقلّ للتوصية الرئيسة مع شرح إيجابيات وسلبيات كلّ منها. ويتعيّن هنا على صانع القرار أن يسأل ما يلي: ما هي البدائل التي أخذتها بعين الاعتبار؟ في أيّ مرحلة ستتخلّى عنها؟ هل بحثت عن معلومات تدحض فرضيتك الرئيسة أو بحثت فقط عن الأدلّة المؤكّدة الموصوفة في التوصية النهائية التي قدّمتها؟

تشتمل بعض المقترحات على قائمة بسيطة "للمخاطر والإجراءات المخففة"، أو مجموعة من البدائل غير المعقولة التي تجعل التوصية تبدو جذابة. غير أنّ التحدّي الحقيقي يكمن في التشجيع على القبول الحقيقي لعدم اليقين والاعتراف الصادق بالخيارات المتعدّدة.

يجب على إبراهيم في المراجعة التي يجريها أن يشجّع زملاءه في مجال المبيعات على التعرف على الأمور المجهولة التي تحيط بمقترحهم. فقد يقبل الفريق في النهاية بأنّه لا يمكن التنبّؤ بردود فعل المنافسين على خفض الأسعار الشامل. كما يجب أن يكونوا بعد ذلك على استعداد لتقييم خيارات أخرى، مثل برنامج تسويق هادف يستهدف شرائح العملاء التي تمتلك فيها شركة إبراهيم ميزة تنافسية.

6. إذا توجب عليك اتخاذ هذا القرار مرة أخرى خلال عام، ما هي المعلومات التي تريدها، وهل يمكنك الحصول على مزيد منها الآن؟

يتمثّل أحد التحديات التي يواجهها المسؤولون التنفيذيون عند مراجعة التوصية في افتراض أنّ "ما تراه هو كلّ ما هنالك" (WYSIATI). ولأنّ عقلياتنا البديهية تنتج رواية متماسكة تستند إلى الدليل الذي لدينا، وتسدّ الثغرات فيها، نميل إلى تجاهل ما هو مفقود. على سبيل المثال، وجد داوود أنّ مقترح صفقة الاستحواذ مقنعة قبل أن يدرك أنّه لم يشاهد الدراسات الإعدادية القانونية في محفظة براءات الاختراع التابعة للشركة المستهدفة - قد لا يشكّل ذلك مشكلة كبيرة إذا كانت عملية الاستحواذ تهدف إلى كسب عملاء جدد، ولكنّه يثير سؤالاً هاماً إذ كان الهدف توسيع خط الإنتاج.

لإجبار نفسك على فحص مدى كفاية البيانات، يقترح الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال، ماكس بازرمان، طرح السؤال أعلاه. ففي حين تكون البيانات غير متوفّرة في الكثير من الحالات، غير أنّه في بعض الأحيان سيُكشف عن معلومات مفيدة.

ومن الأمور المفيدة أيضاً، القوائم المرجعية التي تحدّد المعلومات ذات الصلة بنوع معين من القرارات. يمكن لداوود أن يستفيد من تجربته في مراجعة المقترحات المتعلّقة بصفقات الاستحواذ وتطوير قوائم البيانات التي يجب جمعها لكلّ أنواع الصفقات التي تجريها شركته، مثل اكتساب تكنولوجيا جديدة أو شراء منفذ للوصول إلى عملاء جدد.

يتعمّد الناس الكذب في بعض الأحيان، ولكن الخداع الذاتي والتسويغ هما أكثر المشاكل شيوعاً.

7. هل تعرف من أين جاءت الأرقام؟

الدراسة المركزة للأرقام الرئيسة التي يستند إليها المقترح ستساعد صناع القرار على اكتشاف أيّ ارتساء متحيّز (أي التحيّز المعرفي لوصف ظاهرة بشرية شائعة). ومن الأسئلة التي يمكن طرحها: ما هي الأرقام التي تشكّل وقائع وما هي الأرقام التي تشكّل تقديرات في هذه الخطة؟ هل طُوّرت هذه التقديرات عن طريق تعديل أرقام أخرى؟ من الذي وضع الرقم الأول قيد التداول؟

يمكن أن نجد ثلاثة أنواع شائعة من الارتساء في القرارات التجارية. في الحالة التقليدية، تُستخدم التقديرات الأولية التي تكون غالباً أفضل التخمينات في حين لا يجري التاكّد من دقّتها. على سبيل المثال، استخدم الفريق الذي قدم المقترح إلى سارة تقديرات تخمينية حول عنصر تكلفة مهم لمشروع استثمار رأسمالي.

تستند التقديرات في حالات كثيرة إلى استقراء من التاريخ، كما فعل فريق داوود عندما توقّع مبيعات الشركة المستهدفة من خلال رسم خط مستقيم. يُعتبر هذا أيضاً شكلاً من أشكال الارتساء، إذ لا يمكن لأحد أن يفترض دائماً أنّ التوجّهات التي بنى عليها ستستمر. وأخيراً، قد يكون بعض الارتساء متعمّداً بوضوح، مثل عندما يضع المشتري سقفاً منخفضاً في المفاوضات حول السعر. يكمن الفخ الذي يرافق الارتساء في اعتقاد الناس بأنّهم يستطيعون تجاهله دائماً، ولكنّهم في الواقع لا يستطيعون. فالقضاة الذين يُطلب منهم ضرب النرد قبل النطق بالحكم (وهو حكم خلال تجربة لحسن الحظّ) سينكرون بالطبع أنّ الزهر قد أثر عليهم، ولكنّ تحليل قراراتهم يُظهر أنّهم تأثّروا به.

عندما يبدو أنّ التوصية تستند إلى مرجع أولي وتتحيّز له، ويكون للرقم المطروح تأثير جوهري، يجب على صانع القرار أن يطلب من الفريق الذي يقف وراء المقترح تعديل تقديراته بعد إجراء بعض التغييرات. إذا اكتشفت سارة أنّ ميزانية الاستثمار التي طُلب منها الموافقة عليها مستمدّة من تكلفة مشروع سابق، يمكنها إعادة إرساء الفريق على رقم وصلت إليه بطريقة مختلفة، مثل نموذج خطّي يستند إلى مشاريع استثمارية نُفّذت في أقسام أخرى، أو إلى معايير تنافسية. لا يهدف ذلك إلى الوصول مباشرة إلى رقم مختلف أو "نسخ ولصق" ممارسات المنافسين الرئيسيين، بل يهدف إلى إجبار الفريق على النظر في افتراضاته من منظور آخر.

8. هل تستطيع رؤية تأثير الهالة؟

يعمل هذا التأثير عندما نرى إحدى القصص على أنّها أبسط ومتماسكة عاطفياً أكثر مما هي عليه بالفعل. وقد يجعلنا نعزو نجاحات الشركات وإخفاقاتها إلى شخصيات القادة، كما يبيّن فيل روزنزويغ في كتابه "تأثير الهالة" (The Halo Effect). قد يكون ذلك أدى إلى ربط فريق داوود نجاح هدف الاستحواذ بالإدارة العليا وافتراض أنّ أداءها المتميز الأخير سيستمر طالما ظل المدراء في أماكنهم.

الشركات التي تُعتبر "شركات ممتازة" كثيراً ما تتمحور حول الهالات. ويميل الناس إلى افتراض أن جميع ممارساتها يجب أن تكون مثالية، بمجرد وصفها بهذه الطريقة من قبل أحد الخبراء. أشار فريق سارة، في عرضه لمقترح الاستثمار الرأسمالي، على سبيل المثال، إلى مشروع مماثل نفّذته شركة تحظى باحترام كبير في صناعة دورية أخرى. وورد في المقترح أنّ الشركة راهنت على استثمار صناعي ناجح تقريباً ثمّ أثمر عندما انتعش الاقتصاد كما أنّ السعة الإضافية  استُخدمت بالكامل.

في الحالة العادية يجب على سارة أن تسأل ما إذا كان هناك ما يبرر الاستدلال. هل يمتلك الفريق الذي يقدم التوصية معلومات محدّدة بشأن قرار الشركة الأخرى، أم أنّ الفريق يدلي بافتراضات بناءً على سمعة الشركة عموماً؟ إذا كان الاستثمار ناجحاً بالفعل، كم أثّرت الصدفة في هذا النجاح، مثل التوقيت المحظوظ؟ وهل يشبه وضع الشركة الأخرى وضع شركة سارة؟

مثل هذه الأسئلة الصعبة نادراً ما تُطرح، ويعود ذلك في جزء منه إلى أنّه قد يبدو من غير المقبول أن نضع جانباً مقارنة خارجية نُفّذت بصورة عابرة. ومع ذلك، إذا حاولت سارة تجاهل المقارنة سيبقى لديها عن التوصية انطباع إيجابي مبهم ويصعب تغييره. من الممارسات الجيدة والبسيطة نسبياً نذكر أولاً تقييم ملاءمة المقارنة ("ماذا عن هذه الحالة، هل هي قابلة للمقارنة مع حالتنا؟")، ومن ثمّ الطلب من الأشخاص الذين يعملون عليها اقتراح أمثلة أخرى من شركات أقلّ نجاحاً ("ماهي الشركات الأخرى في قطاعنا التي استثمرت في أعمال تجارية متراجعة، وكيف انتهى بها الأمر؟").

9. هل الأشخاص الذين يعملون على التوصية متعلّقون بالقرارات السابقة؟

لا تبدأ الشركات من الصفر كلّ يوم، فتاريخها وما تعلمّته منه يُعتبران في غاية الأهمية. ولكن التاريخ قد يضلّلنا عندما نعمل على تقييم خيارات في إشارة إلى نقطة بداية سابقة بدلاً من الإشارة إلى المستقبل. النتيجة الأكثر وضوحاً هي مغالطة التكلفة الغارقة: عند النظر في استثمارات جديدة يجب علينا تجاهل النفقات السابقة التي لا تؤثر على التكاليف أو الإيرادات المستقبلية، ولكنّنا لا نفعل ذلك. لاحظ أنّ فريق سارة كان يقيّم تحسين القدرة في خطّ الإنتاج الذي كان يعاني مالياً - وذلك بشكل جزئي لأنّه كان خطّ إنتاج فرعي كما قال الفريق. ولذلك ينبغي لسارة أن تطلب من الفريق النظر في هذا الاستثمار على طريقة الرئيس التنفيذي القادم: إذا لم أقرّر شخصياً بناء المصنع في المقام الأول، هل سأستثمر في زيادة القدرة؟

أسئلة تركّز على تقييم المقترح:

10. هل الحالة الأساسية مفرطة في التفاؤل؟

تضمّ معظم التوصيات توقّعات تميل إلى الإفراط في التفاؤل. وتُعدّ الثقة المفرطة أحد العوامل المساهمة، ويمكن أن تؤدّي على سبيل المثال إلى دفع فريق داوود للتقليل من شأن التحدّي المتمثّل بدمج الشركة المستحوَذ عليها وتحقيق التآزر. تُعتبر المجموعات التي تمتلك سجلاً حافلاً بالنجاح أكثر عرضة لهذا التحيّز من غيرها، لذلك يجب أن يأخذ داوود حذره إذا كان فريق تطوير الأعمال قد حقّق سلسلة من النجاحات.

من العوامل التي تلعب دوراً هما أيضاً في الكثير من الأحيان هو خطأ التخطيط. وينشأ هذا الخطأ جرّاء التفكير "من وجهة نظر داخلية" والذي يركّز حصراً على الحالة المطروحة ويتجاهل تاريخ المشاريع المماثلة، وهو يشبه رسم مستقبل الشركة من خلال خططها والعقبات التي تتوقّعها فقط. أمّا التفكير "من وجهة نظر خارجية" للتوقّع فهو تفكير إحصائي بطبيعته يستخدم الجوانب القابلة للتعميم لمجموعة واسعة من المشاكل من أجل التوصّل إلى توقّعات. وبالنسبة إلى سارة، ينبغي لها أن تضع ذلك في الاعتبار عند مراجعة المقترح الذي يقدّمه فريقها: عند إعداد جدول زمني لاستكمال بناء المصنع المقترح، هل استخدم الفريق مقارنة من أعلى إلى أسفل (وجهة نظر خارجية) في مشاريع مماثلة، أو هل وضع تقديراً للوقت اللازم لكلّ خطوة - نهج من أسفل إلى أعلى (وجهة نظر داخلية) يُرجّح أو يؤدّي إلى التقليل من شأن المقترح؟

يتمثّل العامل الثالث للفشل في توقّع طريقة استجابة المنافسين لقرار ما. على سبيل المثال، عند اقتراح تخفيض الأسعار لم يضع فريق إبراهيم في الاعتبار رد فعل منافسي الشركة المتوقع: وهو بدء حرب أسعار.

تتفاقم كلّ حالات التحيّز هذه في معظم المؤسسات بسبب التفاعل الحتمي (والالتباس المتكرّر) بين التوقعات والتقديرات من جهة، والخطط أو الأهداف من جهة أخرى. ولذلك، يجب أن تكون التوقعات دقيقة، في حين يجب أن تكون الأهداف طموحة، ويجب على القيادة العليا ألّا تخلط بين مجموعتي الأرقام.

يُعدّ تصحيح حالات التحيز المتفائلة أمراً صعباً، ومطالبة الفرق بمراجعة تقديراتها لن تكون كافية. يجب أن يأخذ صانع القرار زمام القيادة من خلال تبنّي وجهة نظر خارجية بدلاً من وجهة النظر الداخلية التي يتبنّاها الأشخاص الذين يقدّمون المقترحات.

ثمة عدد من الأساليب التي تساعد على تعزيز وجهة النظر الخارجية. يمكن لسارة إنشاء قائمة بالمشاريع الاستثمارية المتشابهة وأن تطلب من فريقها النظر في الوقت الذي استغرقه كلّ من هذه المشاريع لإنجازها، ومن ثمّ إخراج كل المعلومات الداخلية حول المشروع من المعادلة. ففي بعض الأحيان، يؤدّي إخراج ما يبدو أنّه من الأمور القيّمة من المعادلة إلى توقعات أفضل. وفي بعض الحالات الأخرى، يمكن لصناع القرار أيضاً أن يضعوا أنفسهم مكان منافسيهم، ويمكن أن يكون استخدام "ألعاب الحرب" بمثابة ترياق قوي لتجنّب النقص في التفكير برد فعل المنافسين بشأن الخطوات المقترحة.

11. هل الحالة الأسوأ سيئة بما يكفي؟

عند اتخاذ قرارات مهمة، تطلب الكثير من الشركات من فرق الاستراتيجية لديها اقتراح مجموعة من السيناريوهات، او اقتراح أفضل الحالات وأسوئها على الأقلّ. ولكن، لسوء الحظّ، غالباً ما تكون الحالات الأسوأ غير سيئة بما يكفي. لذا يتعيّن على صانع القرار أن يطرح السؤال التالي: من أين جاءت الحالات الأسوأ؟ ما مدى حساسيتها على ردود فعل منافسينا؟ ما الذي يمكن أن يحصل ونحن لم نفكّر فيه؟

يتوقّف مقترح الاستحواذ الذي يراجعه داوود على توقعات المبيعات للهدف، ومثل معظم توقعات المبيعات في تقارير الدراسات الإعدادية يتبع هذا المقترح خطاً حاداً ومباشراً وتصاعدياً. يمكن لداوود أن يطلب من فريقه إعداد مجموعة من السيناريوهات التي تعكس مخاطر الاندماج، ولكن يُرجّح أن يفوّت الفريق المخاطِر التي لم يختبرها بعد.

من الأساليب المفيدة في مثل هذه الحالات أسلوب "الاحتضار" الذي أطلقه عالم النفس غاري كلاين، بحيث يضع المشاركون أنفسهم في المستقبل ويتصوّرون أنّ الأسوأ قد حصل بالفعل بينما يصنعون قصة حول كيفية حدوث الأمر. يمكن لفريق داوود أن يأخذ مثل هذا السيناريو بعين الاعتبار مثل رحيل مسؤولين تنفيذيين رئيسيين لا يتلاءمون مع ثقافة الشركة المستحوَذ عليها، ومشاكل تقنية مع خطوط الإنتاج الرئيسة للهدف، ونقص في الموارد اللازمة للاندماج. وعندها سيكون الفريق قادراً على النظر في إمكانية التخفيف من هذه المخاطر أو إعادة تقييم المقترح.

12. هل يبدو الفريق الذي يقدّم التوصية شديد الحذر؟

على الجانب الآخر، تُعدّ النزعة إلى الإفراط في التحفّظ مصدراً لضعف الأداء المزمن في المؤسّسات غير المرئية إنّما الخطيرة. يشكو الكثير من المسؤولين التنفيذيين من أنّ الخطط التي تضعها فرقهم ليست مبتكرة أو طموحة بما فيه الكفاية.

يصعب مواجهة هذه المسألة لسببين؛ الأول والأهمّ، أنّ الأشخاص الذين يعملون على التوصيات عرضة للنفور من الخسارة: عندما يفكّرون في اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر تكون رغبتهم في تجنّب الخسائر أقوى من رغبتهم في تحقيق المكاسب، فلا أحد يريد، سواء كان فرداً أو فريقاً، أن يكون مسؤولاً عن مشروع فاشل. ثانياً، وجود عدد قليل جداً من الشركات التي تجري اختبارات صريحة لمستوى المخاطرة الذي تفترضه يؤدّي إلى زيادة نفور المدراء من الخسارة.

يساعد هذا في إيضاح سبب استبعاد زملاء سارة لتكنولوجيا جديدة توفر بديلاً للاستثمار المقترح: اعتبروا الأمر مخاطرة كبيرة. وبالتالي، لكي تتمكّن سارة من دفع فريقها إلى استكشاف هذا الخيار، يمكنها تقديم تأكيدات أو (بشكل أكثر مصداقية) تقاسم المسؤولية عن المخاطرة معهم بصراحة. عند إطلاق مشاريع جديدة، يعالج الكثير من الشركات هذه المشكلة عن طريق إنشاء وحدات تنظيمية منفصلة ذات أهداف وميزانيات مختلفة، ولكنّ التعامل مع النزعة المفرطة في التحفّظ حيال العمليات "العادية" لا يزال يمثل تحدياً.

تطبيق عملية الرقابة على الجودة على القرارات

يجب أن تكون الأسئلة السابقة مفيدة لأيّ شخص يعتمد كثيراً على تقييمات الآخرين من أجل اتخاذ قرار نهائي. ولكن ثمّة وقت ومكان محدّدان لطرح هذه الأسئلة، وثمّة طرق محدّدة لجعلها جزءاً لا يتجزأ من عمليات صنع القرار في مؤسستك.

متى تستخدم القائمة المرجعية؟

لم يوضع هذا النهج من أجل اتخاذ قرارات روتينية تتطلّب من المسؤول التنفيذي وضع ختمه عليها رسمياً وحسب. فسارة، المديرة المالية، سترغب في استخدامه في تغطية النفقات الرأسمالية الكبيرة وليس في ميزانية التشغيل الخاصة بالقسم المسؤولة عنه. تكمن النقطة المهمة للرقابة على الجودة في القرارات المهمة والمتكررة  وبالتالي تبرير العملية الرسمية. ومن الأمثلة على قرارات "الرقابة على الجودة"، الموافقة على مشروع في مجال البحث والتطوير، والبتّ في النفقات الرأسمالية الكبيرة، والاستحواذ على شركة متوسطة الحجم.

مَن يجب أن يقوم بالمراجعة؟

كما ذكرنا سابقاً، تفترض فكرة الرقابة على الجودة أن يُفصل فعلاً صانع القرار عن الفريق الذي يقدّم التوصية، لأنّ المسؤول التنفيذي سيؤثّر في الكثير من الحالات على مقترح الفريق علانية أو خفية، وربّما يكون ذلك عن طريق اختيار أعضاء الفريق الذين تكون آراؤهم معروفة مسبقاً، أو توضيح تفضيلاتهم مسبقاً، أو الإدلاء بآراء خلال مرحلة العمل على التوصية. في هذه الحالة، يصبح المسؤول التنفيذي حكماً عضواً في فريق التوصية ولن يستطيع الحكم على جودة المقترح لأنّه أثّر عليه بما أدلى به من تحيّز.

في بعض الأحيان، يؤثر المدراء التنفيذيون ضمنياً على مقترحات الفرق، ربما عن طريق اختيار أعضاء الفريق الذين تكون آراؤهم معروفة مسبقاً.

التداخل بين مراحل القرار والعمل يُعتبر علامة واضحة وشائعة على حدوث هذا الأمر. وإذا اتُّخذَت بالفعل خطوات لتنفيذ القرار خلال الوقت اللازم لاتّخاذه، يُحتمل أن يكون المسؤول التنفيذي المسؤول عن القرار النهائي قد أوصل مسبقاً النتيجة الموصى بها والتي يفضّلها.

الانضباط

أخيراً، يجب أن يستعدّ المسؤولون التنفيذيون ليكونوا منهجيين. هذا الأمر لا ترحّب به جميع الثقافات، وكما قال أتول غواندي في كتابه "بيان القائمة المرجعية (The Checklist Manifsto)، فإنّه نظراً أنّ كلّ عنصر من عناصر القائمة المرجعية يميل إلى أن يبدو معقولاً وغير مفاجئ، من المغري استخدام القوائم المرجعية جزئياً وانتقائياً. الأطباء الذين تبنّوا "القائمة المرجعية لمنظمة الصحة العالمية حول السلامة الجراحية"، أدركوا أنّ الإجراءات البسيطة مثل التحقق من حساسية الدواء على المريض أمر منطقي. ولم يحقّقوا نتائج مرضية إلّا عن طريق تصفّح القائمة المرجعية بشكل كامل ومنهجي وروتيني - وهي نتائج أدت إلى انخفاض مذهل في المضاعفات الطبية والوفيات. وبالتالي، فإنّ استخدام القوائم المرجعية مسألة انضباط وليست مسألة عبقرية، بينما قد يكون الالتزام الجزئي وصفة للفشل التام.

التكاليف والمكاسب

هل يُعتبر تطبيق الرقابة على جودة القرارات استثماراً جيداً للمجهود؟ لا يريد المسؤولون التنفيذيون الذين يعانون من ضغوط متعلّقة بالوقت تأخير الإجراءات، كما أنّ عدد الشركات المستعدّة لتخصيص موارد لممارسة الرقابة على الجودة قليل جداً.

ولكنّ إبراهيم وسارة وداوود في النهاية فعلوا ذلك وتجنّبوا مشاكل خطيرة. لقد قاوم إبراهيم الإغراء المتمثّل في خفض الأسعار كما كان فريقه ينادي وذلك من أجل تجنّب الخطر الكامن في تدمير الربحية وإثارة حرب أسعار. وعمد بدلاً من ذلك إلى تحدي فريقه واقتراح خطة تسويق بديلة لاقت نجاحاً في نهاية الأمر. وسارة بدورها رفضت الموافقة على استثمار يهدف إلى تبرير استثمارات سابقة أدّت إلى تكاليف غارقة في الشركة نفسها، قبل أن يقترح فريقها لاحقاً الاستثمار في تقنية جديدة تعزّز التنافسية. وأخيراً، وقّع داوود على الصفقة التي اقترحها فريقه ولكن بعد إجراء دراسات إعدادية إضافية أدّت إلى الكشف عن مشاكل أفضت إلى انخفاض كبير في السعر المحدّد لعملية الاستحواذ.

لا يكمن التحدي الحقيقي للمسؤولين التنفيذيين الذين يرغبون في تطبيق الرقابة على جودة القرارات في الوقت أو التكلفة، بل في الحاجة إلى بناء الوعي بأنّ الكلّ عرضة للفشل حتى المدراء ذوي الخبرة والكفاءة الرائعة والنية الحسنة. تحتاج المؤسسات إلى إدراك أنّ مفتاح الاستراتيجية السليمة يتمثّل في التحضير لمرحلة ما قبل اتخاذ القرار للحصول على عملية اتخاذ القرارات المنضبطة وليس عبقرية الفرد، كما يتوجّب عليها خلق ثقافة نقاش مفتوح يمكن أن تزدهر فيها مثل هذه العمليات.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي