إدارة التغيير بخطوات ناعمة

5 دقائق

ملخص: يشير بحث جديد أجراه قادة في شركة "إنفوسيس" (Infosys) إلى أن التغيير الدائم وطويل الأجل يصبح أكثر فعالية عندما يحدث من خلال سلسلة من التغييرات البسيطة، وقد تبين ذلك في مجموعة متنوعة من القطاعات. حدد المؤلفان 3 استراتيجيات لإدارة التغيير بخطوات ناعمة بنجاح: تقسيم التغيير الكبير إلى خطوات بسيطة، وتغيير السلوك من خلال إجراء تعديلات طفيفة في العادات والأنشطة الروتينية، والقياس والتعلم والتطور باستمرار.

لطالما ارتبط التحول في قطاع الأعمال بمبادرات كبيرة وطويلة الأمد. وبعد الركود الاقتصادي الكبير، أصبحت هذه المبادرات أصغر وأسرع وأكثر تركيزاً، ومع ذلك فإن إدارة التغيير لا تزال تُنفَّذ وفق نهج انحداري متسلسل في الغالب. كانت نقطة التحول في مارس/آذار عام 2020، عندما أصبح مرض "كوفيد-19" بمثابة جرس إنذار أجبر جميع الشركات على مستوى العالم على إعادة التفكير في قدرتها على التغيير وبسرعة.

مررنا في شركة "إنفوسيس" بهذه التجربة في أثناء تحولنا الذي تم على مدار عدة سنوات، ثم مرة أخرى في أثناء الجائحة. وأردنا مقارنة تجربتنا بتجارب الشركات الأخرى، لذلك استطلعنا آراء 1,000 من قادة الشركات العالمية لفهم ما تفعله أفضل الشركات لإقناع موظفيها بالبيئة الجديدة وإدماجهم فيها.

وجدنا من خلال هذا البحث أن إجراء مجموعة من التغييرات البسيطة المنسقة بشكل متواصل هو أفضل نهج لإحداث تغيير كبير ودائم في المؤسسة. وعندما يتم إجراء هذه التغييرات البسيطة بشكل مستمر على مدى فترة من الزمن يكون لها تأثير مضاعف يؤدي إلى إحداث تغيير وتحول أكبر حجماً. نطلق على هذا النهج "إدارة التغيير بخطوات ناعمة" أو "التغييرات البسيطة هي التوجه الجديد".

كانت إدارة التغيير بخطوات ناعمة عاملاً رئيسياً في مبادرة "الشركة المفعمة بالحياة" (Live Enterprise) التي حولت "إنفوسيس" إلى شركة رقمية على مدار 3 سنوات. فقد أُعيد تصور تجربة الموظف وإجراءات تسيير الأعمال مثل عملية إعداد الموظفين الجدد، وتم إنشاء "مدرج رقمي" لإطلاق العنان للقدرات من خلال تطبيقات بسيطة يتم إطلاقها كل 6 أسابيع. وهذا ساعد "إنفوسيس" على أن تكون أكثر مرونة خلال جائحة "كوفيد-19" عندما انتقلت 99% من قوتنا العاملة بسلاسة إلى العمل عن بُعد، وزاد معدل رضا الموظفين بشكل كبير، وكانت نتائج قيمة العميل أعلى من أي وقت مضى.

تعتمد إدارة التغيير بخطوات ناعمة على الدوافع البشرية والنظريات السلوكية، وليس على النماذج وعمليات التواصل التي عادة ما تكون متقطعة وتفتقر إلى الطابع الشخصي وعامة. تضمن الاجتماعات اليومية القصيرة التي تُعقد وقوفاً أن تظل مبادرات التغيير متزامنة مع الاحتياجات سريعة التطور، كما أنها تتطلب معايير أقل لقياس التقدم المحرز. ويؤدي مجموع العديد من التغييرات البسيطة إلى إحداث التغيير الأكبر، ما يخلق تأثيراً تراكمياً يحقق تحسينات غير خطية مع زيادة احتمالية النجاح بشكل عام.

استراتيجيات لإدارة التغيير بخطوات ناعمة

يُعد تبني هذه العادات أمراً ضرورياً، ولكنه غالباً ليس بالأمر السهل. من خلال تجاربنا وبحوثنا، توصلنا إلى 3 أساليب لإجراء التغيير بخطوات ناعمة تؤدي بدورها إلى إجراء تغيير ناجح.

تقسيم التغيير الكبير إلى خطوات بسيطة

يستغرق تحوّل المؤسسات واسع النطاق وقتاً طويلاً، وعادة ما يستغرق تحقيق القيمة وقتاً أطول. ومع ذلك، فإن التفكير في الأجزاء البسيطة يسمح للمؤسسة بتفكيك التحول الأكبر إلى عدد من المبادرات الأصغر التي يكون لكل منها هدف ونتائج محددة جيداً. وتنفِّذ هذه المبادرات فِرق صغيرة تتألف من مواهب هجينة تتمتع بمهارات في تخصصات متعددة.

على سبيل المثال، للامتثال للوائح متزايدة الصرامة، تعين على شركة رائدة في تصنيع المأكولات الخفيفة تحسين إمكانية تتبع مكوناتها. وكان هذا يعني مطالبة العمال المحليين في المصانع في جميع أنحاء أوروبا بتغيير الممارسات القديمة في إنتاج الأغذية. ولتقليل المخاطر، نفّذ الفريق المعني ببرنامج التحسين مشاريع قطرية صغيرة لإدماج اللغة المحلية والمتطلبات التنظيمية. وبعد ذلك، قسّمت فِرق المشروع التغييرات إلى أجزاء أصغر مثل إجراء تغيير ميداني أو تحسين لوحة الألوان. وهذا عجّل بتقبُّل الموظفين للتغيير، على الرغم من أنهم كانوا يعملون مع النُظم القديمة نفسها لفترة طويلة وكانوا يقاومون التغيير.

للبدء في التفكير على مستوى الأجزاء أو الخطوات البسيطة، اسأل عن سبب الحاجة إلى إجراء التغيير، وما إذا كانت قيمته ستتزايد بشكل تدريجي أم أسي، وما هو التغيير المطلوب في السلوك. يمكن للفِرق المرنة المساعدة في تجزئة العمليات الحالية ثم إعادة تصورها في سياق جديد مع تصميم التغيير المتوخى لكل مرحلة سريعة تم تنظيمها لتحقيق أهداف البرنامج الأكبر.

تغيير السلوك من خلال إجراء تعديلات طفيفة في العادات والأنشطة الروتينية

تستخدم إدارة التغيير بخطوات ناعمة مزيجاً متناسقاً من التلميحات ووسائل الترغيب والاقتراحات، إلى جانب تقديم مكافآت محددة الأهداف وتقدير الجهود. فهي تعتمد على الأفكار البارزة التي وردت في كتب مثل "الترغيب" (Nudge) و"العادات الذرية" (Atomic Habits) من خلال تطبيقها على البرامج الكبيرة والانتقال من المهام والأهداف الفردية إلى الفريق والمبادرة الشاملة. ويجب أن يؤدي كل تغيير بسيط إلى إجراء تعديل طفيف في عادة أو روتين. ونحن نطلق على ذلك "الروتين +1"؛ وهي خطوة بسيطة ولكنها إيجابية تؤدي في النهاية إلى التحول السلوكي النهائي بأقل قدر من المقاومة والمخاطر على طول الطريق.

أجرينا دراسة على 150 ألف عامل لدى شركة "إنفوسيس" في 2,500 مشروع قبل الجائحة وفي أثنائها لفهم الكيفية التي طُبقت بها أساليب إجراء التغيير بخطوات ناعمة على مبادرة لصقل المهارات على مستوى الشركة. من خلال تغيير معيار تعلم واحد فقط في كل مرة وتقديم تدفق مستمر من الدعم المعنوي الإيجابي، غيّر "الروتين +1" سلوك الموظف بشكل تدريجي ولكن بنجاح. فقد قلل من العقبات التي تحول دون التعلم باستخدام سلسلة من وسائل الترغيب الفردية على منصة التعلم الخاصة بنا. في السابق، كان التدريب عبر الإنترنت يتطلب دورات تدريبية رسمية قد تستغرق ساعة أو سلسلة من الدورات التي قد تتطلب يوماً بأكمله، ويتم تقديمها بشكل دوري وتتطلب تسجيلاً رسمياً. وفي الغالب كان يسير ذلك وفق سيناريو "كل شيء أو لا شيء"؛ فقد كان الموظفون يؤخرون التدريب بسبب الضيق المتصور في الوقت. ولكن بمجرد تجزئة التدريب إلى وحدات أصغر واستخدام وسائل ترغيب ذكية عبر البريد الإلكتروني، أصبح من الأسهل على الموظفين إنجاز التدريب وتحقيق تقدم باستمرار. والنتيجة: يقضي موظفو "إنفوسيس" الآن 35 دقيقة في المتوسط يومياً لصقل مهاراتهم على نحو استباقي، ما يساعدهم على إرساء روتين جديد وتحقيق أهداف التعلم والعمل.

القياس والتعلم والتطور باستمرار

مع تعميم برامج إجراء التغيير بخطوات ناعمة، ستحتاج إلى تقييم هذه المبادرات بشكل متكرر للتأكد من أنها تحقق النتائج المرجوة. عندما تنحرف هذه المبادرات عن المسار، حلل البيانات وأعد التفكير وصحح المسار من خلال التكرار. وأدمج عملية قياس التغيير في الأدوات الحالية وقيِّم التغيير حسب الملاءمة والتقبل والسلوك والقيمة.

أظهر بحثنا أن المشاريع التجريبية يجب أن تشمل 2.5% من المستخدمين النهائيين. ويجب استخدام الدروس المستفادة من التجربة لتحسين نطاق عملية تطبيق التغيير وتوسيع نطاقها عبر قاعدة المستخدمين بأكملها. يصبح تقبُّل التغيير ملحوظاً عندما تكون نسبته ما بين 20 إلى 40%، ثم يصبح التغيير أمراً عادياً أو مألوفاً عند تقبله بنسبة 60%. وعند نسبة 80%، يُعد مندمجاً في المؤسسة والثقافة. لقياس نسبة تقبُّل التغيير بشكل مستقل، يجب أن تكون العملية مزودة بوسائل لتقديم بيانات مثل أنماط الاستخدام التي يمكن أن تقدم ملاحظات لاتخاذ إجراءات تصحيحية.

على سبيل المثال، كجزء من جهودنا في التحول الرقمي، أرادت "إنفوسيس" الانتقال من استخدام مجموعة من تطبيقات الموظفين القائمة على سطح المكتب، التي يتطلب الكثير منها الوجود داخل المكتب أو الوصول إليها من خلال شبكة افتراضية خاصة "في بي إن" (VPN)، إلى استخدامها من خلال الهاتف المحمول. وقد تطلب ذلك تغييرات كبيرة في كل من واجهة المستخدم والأمان الأساسي للتطبيقات. لضمان تقبُّل الموظفين لتطبيقات الهواتف المحمولة، قاد فريق المشروع المستخدمين خلال سلسلة من التغييرات البسيطة عبر استخدام تلميحات كرتونية عبر البريد الإلكتروني وتوصيات بالنشاط وشارات اعتماد. تم إشراك قاعدة مستخدمي المشروع التجريبي الذين تبلغ نسبتهم 2.5% في العمل على إصدارات متعددة لتقديم ملاحظات مبكرة أدت إلى تسريع وتيرة تقبُّل التغييرات. وإلى جانب الإيقاع الثابت لإطلاق الوظائف أو الخواص الإضافية الذي يستغرق 6 أسابيع، نتج عن ذلك تقبُّل أكثر من 200 ألف موظف (>80%) لإصدار الهاتف المحمول.

لقياس مدى تقبل التغيير بخطوات ناعمة، خاصة فيما يتعلق بالتجارب والميزات القائمة على البرمجيات، وضعنا الإطار التقييمي ذا البعدين الموضح أدناه.

قياس التغيير على نطاق واسع

كل مؤسسة لديها رؤية مميزة ويجب أن تجد السبيل المؤدي إلى تحقيقها. تُعد إدارة التغيير بخطوات ناعمة نهجاً مرناً منخفض المخاطر لتقسيم التحولات المعقدة إلى تغييرات يمكن التحكم فيها، ما يقلل من قدر الثقة العمياء المطلوبة للتحول. ويؤدي ذلك بمرور الوقت إلى تقبُّل حقيقي للتغيير، وهذا هو الهدف النهائي للقادة في أي مبادرة تستهدف إحداث تحول.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي