نرى أحياناً أنه لدى الحديث عن التغيير مع أي شخص سواء داخل المؤسسة أو خارجها فإنه سوف يستحضر على الفور مشاعر التوتر وعدم الارتياح بسبب أعراض مبادرات التغيير المنوعة. إذ يشعر معظم الموظفين بعدم الارتياح لذلك، وأن البيئة التي تحتوي على التغيير المستمر أصبحت صعبة عليهم. لذلك يقول جون لوسي في مقال نشر في مجلة منجمنت سرفيسز (Management Services) البريطانية في العام 2008 أنه "عندما تضطر الأعمال إلى التكيف مع ظروف البيئة المتغيرة، يكون الألم موجوداً لدى الموظفين، فنحن دائماً نود الحصول على الراحة في الأعمال الروتينية، وهذه الرفاهية لا نستطيع الحصول عليها لأننا في عالم متغير، والشيء الوحيد الثابت في هذا العالم هو التغيير. وإذا ما نظرنا عن قرب إلى المبادرات الموجودة في بعض المؤسسات بشكل عام، لوجدنا عدداً لا يحصر من مبادرات التغيير المطبقة، سواء الكبيرة منها أو الصغيرة، والمفيدة وغير المجدية، والتي تصل إلى حد الإشباع في كثير من الأحيان لبعض الموظفين في المؤسسة نفسها".
اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على مقاومة التغيير بمحادثتين اثتنين؟
أفادت إحدى الدراسات التي قام بها مجموعة من الباحثين حول الموظفين ومبادرات التغيير، بأنه يتم صرف مبالغ مالية كبيرة جداً لتنفيذ مجموعة من برامج التغيير المقترحة، من أجل دعم الأهداف العامة للمؤسسة. فإذا ما تم الاستمرار بمبادرات التغيير في المؤسسة الواحدة وصرف مبالغ مالية كبيرة - خصوصاً في المؤسسات ذات الهيكلة الكبيرة- فقد يقود هذا الأمر إلى مرحلة تسمى "الإشباع من مبادرات التغيير". وفقاً لمؤسسة بروساي (Prosci) المعنية بتقديم وتطوير والتدريب على برامج التغيير، يحصل الإشباع من مبادرات التغيير عندما يكون هنالك الكثير من برامج ومبادرات التغيير التي تؤثر سلباً على الأفراد والمؤسسة. وهذا الأمر يحدث عادة بسبب عدم وجود أحد في المؤسسة يوثّق ويحفظ جميع جهود مبادرات التغيير الجارية في مكان واحد.
أعراض مبادرات التغيير
ولكن السؤال الذي يمكننا طرحه هنا، كم من مبادرات التغيير التي يمكننا إدراجها في فئة التغييرات الكبيرة في المؤسسة والتي توصلها إلى حد الإشباع؟ أجابت مؤسسة بروساي عن هذا السؤال، وقالت: إنّ الإشباع في مبادرات التغيير يحدث عندما يكون مقدار التغيير الذي حصل أكبر من مقدار التغيير الذي يمكننا التعامل معه. وهذا الأمر يحصل من خلال متغيرين رئيسيين. الأول، هو سعة التغيير. والثاني، من خلال اضطراب التغيير. ولتوضيح هذه المسألة بشكل أكثر يمكننا تخيل الدلو المليء بالماء: إذ تتمثل سعة التغيير بمدى حجم دلو الماء، بينما يتمثل الاضطراب في التغيير بمقدار الماء في الدلو. وعندما يكون الاضطراب في التغيير أكبر من السعة، فإنّ المؤسسة تواجه ما يسمى بالتشبع من التغيير ويصبح التغيير فوق طاقتها. ما يؤدي إلى وجود بعض من الأعراض المحددة التي تعاني منها المؤسسة. ولكن حتى يمكننا معرفة الأعراض المترتبة على التشبع من مبادرات التغيير في المؤسسة، لابدّ من القيام بالآتي:
أولا: تشخيص المؤسسة التي تصل لحد الإشباع من مبادرات التغيير
تُعتبر كثرة برامج التغيير في المؤسسة أو عدم وجود سعة لبرامج التغيير، إحدى الظواهر البارزة في المؤسسات الموجودة حول العالم. فوفقاً لنتائج الاستبيان الذي أجرته مؤسسة بروساي والذي نقله كل من سارة كولمان وبوب توماس في كتابهم الذي كان بعنوان "شرح التغيير التنظيمي" (Organizational Change Explained)، حيث أفادوا أنّ ما نسبته 77% من الذين شملهم الاستبيان كانوا قريبين من تجاوز نقطة التشبع من برامج التغيير في المؤسسة، حيث يمكننا رؤية أنّ معظم الموظفين البارزين ليس لديهم الوقت الكافي للقيام بالأعمال الروتينية والضرورية، والتي تساهم في تسيير الأعمال اليومية في المؤسسة. إضافة الى ما سبق، يقول برادن كيلي في كتابه "تغيير التخطيط: مجموعة أدوات لجعل التغيير ثابت" (Charting Change: A Visual Toolkit for Making Change Stick): "يجب على المدراء معرفة ما إذا كان هنالك موظفين في الوقت الحالي مشاركين في برامج لإدارة التغيير ضمن المؤسسة بأكثر مما يستطيعون تحمله". إذ يترتب على الفشل في معرفة هذا الأمر صعوبة في معرفة ما إذا كانت المؤسسة دخلت في مرحلة الإشباع من مبادرات التغيير أم لا، بالإضافة إلى أنّ هذا الأمر يؤدي إلى صعوبة في تحقيق الأهداف الموضوعة. فالتشخيص المؤسسي يُساعد في معرفة الأعراض المصاحبة للتشبع من مبادرات التغيير سواء على المستوى الفردي أو على المستوى المؤسسي، وذلك من أجل تقييم درجة الانحراف عن الخطط الموضوعة، وبالتالي التوصية بكيفية المعالجة. ما يقودنا بالتالي إلى استعراض بعض الأعراض التي تصاحب الفرد أو المؤسسة في حالات التشبع من مبادرات التغيير.
ثانيا: الأعراض المصاحبة للتشبع من مبادرات التغيير
1- الأعراض على المستوى الفردي:
لنتصور المثال التالي: يوجد لدى الموظف مجموعة من المسؤوليات الوظيفية الأساسية التي تستهلك غالبية العملية الروتينية. إضافة إلى الاجتماعات وطلبات البيانات المتعلقة بالمشروع (أ)، والدورات التدريبية للمشروع (ب)، والاتصالات الخاصة بالمشروع (ج). قد يؤدي هذا التأثير التراكمي إلى حالة من الانفعال العاطفي لدى الموظف إذا أصبح مزمناً، ولا يستطيع أن يفهم كيف تتناسب جميع التغييرات معاً. كما أنّ طلبات العمل المتعلقة بمبادرات التغيير بدأت بالتراكم، وبالتالي يفقد الموظف الوضوح حول كيفية قياس التغييرات ومتابعتها. فيبدأ بالشعور بعدم الفعالية عاطفياً وبدنياً، ويبدأ بالانفصال عن فرق المشروع وهكذا يفقد المناعة المكتسبة، ويقل الحافز الوظيفي أو الرضا الوظيفي لديه، وبالتالي ينقل التأثير السلبي للموظفين الآخرين.
2- الأعراض على المستوى المؤسسي:
ما سبق ذكره قد ينتقل على المستوى المؤسسي أيضاً، وبالتالي يكون هنالك ضغط كبير على المستوى الإداري الأعلى في المؤسسة. فكلما زادت برامج التغيير زادت الرغبة في معرفة نتائج التغيير، وبالتالي المطالبة بشفافية كاملة لمعرفة ما إذا تحققت الأهداف المنشودة أم لا، حيث يرى الكاتب برادن كيلي أنّ زيادة برامج التغيير في المؤسسة الواحدة يؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية، وبالتالي التأثير السلبي على تحقيق أي نوع من أنواع الاختراعات في المؤسسة. ليس هذا فقط بل إنّ التشبع من برامج التغيير يؤدي إلى فقدان التركيز على أساسيات العمل، وهو ما أكده كل من ناند وجان لويس في مقالهم الذي نُشر في مجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان: "ما هي الفكرة الخطأ عند الجميع حول إدارة التغيير".
اقرأ أيضاً: كيف يُصبح التغيير المؤسساتي أمراً سهلاً؟
وفقاً لذلك، ربما يتبادر إلى الذهن كيف يمكننا تجنب أعراض مبادرات التغيير في المؤسسة التي تصاحب التشبع من هذه المبادرات؟ يجب علينا أولاً تحديد الأولويات من هذه المبادرات. فعندما يقول القادة أنّ المزيد من التغيير سيكون كثيراً بالنسبة للموظفين، يجب أن يفكروا حقاً، "كيف يمكننا إدارة هذا التغيير في ضوء كل الأشياء الأخرى التي نمر بها؟". ثانياً، التأكد من إعطاء الآخرين الوقت الكافي لتنفيذ المبادرات المحددة سلفاً. وثالثاً، لابدّ من إعطاء فرصة مناسبة للموظفين لكي يكتسبوا معارف جديدة من خلال التوافق مع منحنى التعلم مع كل من الأشياء الجديدة التي تصاحب برامج التغيير. رابعاً، ضمان قياس فوائد المبادرات المحددة ومدى استدامتها مع مرور الوقت. مع العلم بإمكانية انخفاض الإنتاجية قليلاً، حتى يندمج الناس ويتكيفوا مع جميع التغييرات في عملهم ويتعلموا كيفية النجاح في عالم جديد من خلال خطة مدروسة لهذا التغيير. أخيراً، يُعتبر التفاعل مع مبادرات التغيير وجعلها عادة يتفاعل معها الموظفين الذين يتأثرون بشكل مباشر بالتغييرات الحالية أمراً مهماً جداً في المؤسسات، وبهذا ستتمكن المؤسسات من مواجهة أعراض مبادرات التغيير.
اقرأ أيضاً: