ملخص: في أعقاب جائحة "كوفيد-19"، تعمل المؤسسات بصورة أساسية على إيجاد أسلوب مرن لتغيير الإدارة وإعادة النظر في مجموعات منتجاتها وخدماتها، وإعادة ابتكار سلاسل توريدها وإجراء عمليات إعادة الهيكلة والتحول الرقمي على نطاق واسع، وإعادة بناء نفسها من أجل تصحيح مشكلات العنصرية المنهجية من جذورها. وفي هذه الظروف، لن تجدي عملية إدارة التغيير التقليدية نفعاً. لذا، يستعير المؤلف مبادئ عمليات تطوير البرامج المرنة (أجايل) من أجل إعادة ابتكار الدليل الإرشادي لإدارة التغيير.
يمكن القول إن عالم الأعمال شهد اضطراباً في الأشهر التسعة الماضية أكثر مما شهده في الأعوام التسعة الماضية، وهذا أدى إلى ظهور حاجة جديدة وملحة إلى التغيير. يتم إطلاق عشرات المبادرات، لكن من غير الممكن تبني التغيير بالسرعة الكافية، كما أن المخاطر باتت أعلى من أي وقت مضى، وفي خضم الركود الناجم عن الجائحة، توشك بعض القطاعات على التوقف تماماً عن العمل. لذا، لم يعد التغيير وسيلة للتأقلم، بل أصبح ضرورة لاستمرار الحياة.
لكن أساليب إدارة التغيير التقليدية، التي تتميز عادة بالعمليات المكثفة والجداول الزمنية الطويلة والأساليب القديمة لطرح الأفكار، لن تجدي نفعاً الآن. ومع عمل المؤسسات بصورة أساسية على إعادة النظر في مجموعات منتجاتها وخدماتها، وإعادة ابتكار سلاسل توريدها وإجراء عمليات إعادة هيكلة على نطاق واسع، واضطرارها للإسراع في تحديد الطريقة التي ستتبعها في العمل ضمن العالم الافتراضي، وسعيها لإعادة بناء نفسها من أجل تصحيح مشكلات العنصرية المنهجية من جذورها، تصبح إدارة التغيير المطلوبة الآن هي التي تتسم بالسرعة والمرونة وتعتمد على تقنيات العالم الافتراضي في كثير من الحالات.
الدليل الإرشادي لإدارة التغيير
في هذه المقالة، استعرت مبادئ عمليات تطوير البرمجيات المرنة (أجايل) واستفدت من خبرة شركة "كورن فيري" (Korn Ferry) في مساعدة العملاء على التعامل مع التغيير في الأشهر الأخيرة من أجل إعادة ابتكار الدليل الإرشادي لإدارة التغيير. عند مواجهة التغيير الناجم عن الأزمات، ضع في حسبانك التعديلات التالية لتسريع العملية وتبسيطها:
أعلن عن رؤيتك حول التغيير
غالباً ما تكون الخطوة الأولى في نماذج إدارة التغيير المعروفة هي "خلق إحساس بالحاجة الملحة"، ومن الواضح أن سنة 2020 فعلت ذلك نيابة عنا. بناء على التغيير الذي تسعى لتحقيقه، قد تتمكن من تخطي المراحل لتقوم مباشرة بإعلان رؤيتك عن التغيير التي ترسم من خلالها صورة مقنعة عن حالتك المستقبلية، وهي تشمل المبادئ والقيم التي ستوجه استجابتك وتحدد الإجراءات التي ستتخذها. وفي حين تحظى التفاصيل بالأفضلية في هذه البيانات، يجب أن تكون الشركات واثقة من قدرتها على الوفاء بأي التزامات تصرح بها في رؤيتها عن التغيير.
يؤدي التحرك بسرعة إلى عدم قدرة الجميع على تدارس الأمر وفحصه، ولذلك لن تكون رؤيتك عن التغيير مثالية، لكنها ستوضح موقفك، وتضع حداً للتكهنات وتمنحك الوقت، ولو كان قليلاً، كي تعمل على وضع خطة. في حين أن الشركات التي لا تملك رؤية واضحة ستقضي وقتاً طويلاً في الرد على استفسارات أصحاب المصلحة بدلاً من الاهتمام بإجراء التغييرات الضرورية.
احرص على تعزيز الأشخاص الأنسب لقيادة التغيير من البداية
في أوقات الأزمات، ينشغل كبار القادة غالباً بإدارة الأزمات. ويمكن للرؤساء التنفيذيين تسريع عملية التغيير من خلال تعميق نفوذ مجموعة من الخبراء الموثوق بهم في المؤسسة ممن يمكن منحهم أدواراً جديدة بدوام كامل لمواجهة التحدي المطروح.
أيضاً، عند عدم توفر الخبرات اللازمة ضمن الشركة، يجب عليها أن تسعى إلى بناء شبكة خارجية من المستشارين الذين يمكن الوصول إليهم سريعاً ليتدارسوا التهديدات التي تواجه أعمال الشركة. ستؤدي مشاركة هؤلاء الخبراء إلى تقليل وقت الاستجابة ورفع مصداقية الخطط التي يتم إنشاؤها. يجب أن تتضمن مجموعة الخبراء في الشركة مستشاراً لإدارة التغيير.
وللحد من الخلافات والتأخير، يجب أن تتمكن مجموعة الخبراء الداخليين والخارجيين من تحقيق توافق سريع مع المبادئ التوجيهية وإنشاء "غرفة عمليات" مادية أو افتراضية لتحفيز تعاون أفرادها فيما بينهم.
شجع إنشاء فرق ذاتية التنظيم تكمّل جهودك
عندما يكون الوقت عاملاً جوهرياً، يمكن لهذه الفرق مساعدتك في مواجهة التحديات والفرص عندما تراها، ومنها التحديات والفرص التي لا يمكن للقيادة رؤيتها ولكنها ضرورية لدعم خطة التغيير.
على سبيل المثال، ظهرت إحدى هذه المجموعات في شركة "آي بي إم" عندما انتقل الموظفون إلى العمل من منازلهم في وقت سابق من هذا العام. أخذ أفراد الفريق على عاتقهم وضع مبادئ توجيهية تساعد في جعل العمل والحياة أسهل بالنسبة لهم ولزملائهم، وتعاونوا مع قادة الشركة وقادة قسم الموارد البشرية من أجل توسيع جهودهم لتصبح التزاماً على مستوى الشركة. وفي غضون أيام قليلة، نشر آلاف الموظفين التزاماتهم الفردية على قناة تواصل اجتماعي داخلية، وقام الرئيس التنفيذي آرفيند كريشنا بنشر التزامه علناً على موقع "لينكد إن". من المحتمل أن يكون هذا الجهد الشعبي قد أدى إلى تسريع انتقال الشركة إلى العمل المنتج عن بُعد، وفق جدول زمني أسرع مما يمكن أن تحققه أي مبادرة بقيادة الشركة.
وبالمثل، تشكلت عدة مجموعات ذاتية التنظيم لموارد الموظفين بناء على الانتماء العرقي في أعقاب مقتل جورج فلويد (وهو رجل أميركي من أصحاب البشرة السمراء)، وعملت على إطلاق جهود شعبية بدءاً من استضافة الحوارات الصعبة وصولاً إلى ممارسة الضغط السياسي للاعتراف بيوم التحرر (19 يونيو/حزيران) كعطلة رسمية في الولايات المتحدة الأميركية وكانت جهودها هذه مكملة لأنشطة التنوع والشمول المتدرجة من القمة إلى القاعدة في مؤسساتهم.
استعن بقنوات التواصل الاجتماعي الداخلية والشخصيات المؤثرة من أجل زيادة وعي الموظفين واندماجهم
بالنسبة للمؤسسات التي تعتمد في عملها على تقنيات العالم افتراضي، من المحتمل أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي الداخلية ومنصات التعاون هي الطريقة الأسرع والأكثر فاعلية لفهم جهود التغيير في مؤسستك وتجنيد كادر من الموظفين الذين سيؤيدون هذا التحول.
إذا لم يكن رئيسك التنفيذي أو القادة الآخرون نشطين على هذه المنصات، فساعدهم على المشاركة فيها وبدء نشاطهم. خذ مثلاً مديراً تنفيذياً تعرض للهجوم بسبب ممارسات تشتيت الشمول والاحتواء الاجتماعي عقب الاحتجاجات ضد عدم العدالة العرقية، فبدأ مؤخراً بنشر أخبار أسبوعية على منصة "سلاك" حول مستجدات جهود التحول في مؤسسته. أدت هذه القناة غير الرسمية إلى اكتساب المدير التنفيذي قدراً أكبر من المصداقية، ومكنته من إجراء حوار ثنائي الاتجاه، وساعدته على تقييم مشاعر الموظفين بعد ظهور جهود التغيير.
يجب الاستعانة بالموظفين المؤثرين من أجل بدء حوار على الإنترنت بشأن جهود التغيير أيضاً، والاستفادة من ضغط الأقران الإيجابي من أجل اكتساب تأييد الزملاء وخلق روح المجتمع الافتراضي حول المبادرة.
تبنّ نهج "الاختبار والتعلم"
أكدت الأحداث الأخيرة ما يعرفه كثير من قادة التغيير بالفعل، وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي تتمتع بها رؤيتك للتغيير في تحفيز التوافق والتأييد، فإن هذه الرؤية نادراً ما تبقى كما هي من بداية مشروع التغيير حتى نهايته.
وحتى المشاريع ذات الجداول الزمنية القصيرة، كالتي قامت بها شركات كثيرة من أجل طرح تقنيات التعاون في فصل الربيع، ستكون مضطرة للاستجابة للتقلبات المستمرة داخلياً وخارجياً.
وفي مقابل هذا الواقع، يجب على مدراء التغيير القيام بما يلي:
- إنشاء آليات استماع مستمرة تسمح لهم بمتابعة مشاعر الموظفين وأصحاب المصلحة.
- الترحيب بمتطلبات التغيير ولو كان ذلك في مرحلة متأخرة من العملية، وتعديل مبادرة التغيير أو تعديل الرؤية نفسها لضمان أن يحافظ العمل على أهميته وأن يحقق القيمة.
- الاعتماد في إدارة التغيير على الفن أكثر من العلم، عن طريق اتخاذ القرارات الآنية من أجل اختيار الخطوات والأدوات اللازمة، وتحديد الخطوات والأدوات التي لن تضيف قيمة أكبر من القيمة التي أدى التأخير إلى خسارتها.
- اتباع إجراءات مرنة، كالاجتماعات القصيرة اليومية التي تساعد على استمرار التنسيق وتقييم المتغيرات الجديدة عند ظهورها.
- استخدام قنوات الاتصال السريعة وغير الرسمية لإطلاع الموظفين على المستجدات فيما يخص الاستراتيجية وإعلامهم بالمطلوب منهم.
- الاستفادة من دورات العمل السريعة التي تنتج الحد الأدنى من موارد إدارة التغيير القابلة للتطبيق والتي يمكن اختبارها وتطويرها حفاظاً على أهميتها.
في الحقيقة، تقوم شركات كثيرة بإعادة موظفيها إلى العمل على مراحل، وهذا يتيح التكرار السريع والتعلم المستمر. يجب على هذه الشركات الاستفادة من ذلك عن طريق تجريب أدوات التغيير وعملياته على العائدين الأوائل من الموظفين وتحسينها مع كل مجموعة تعود لاحقاً.
انتقل من المساءلة على المدى الطويل إلى المساءلة على المدى القصير
يجب أن يكون بإمكان القادة الذين يسعون لتحفيز تغيير سريع في السلوكيات رؤية محاسن الانتقال من إجراء مراجعات الأداء السنوية إلى إجراء المراجعات المتكررة. فالتقييمات المتكررة تساعد على إجراء تدريب فوري وتتيح للمدراء التركيز على أهم ما يجب على الموظف فعله في تلك اللحظة. يجب على المدراء التركيز على السلوكيات التي ستكون أساسية في مستقبل العمل وستدعم أهداف التغيير، كالنجاح في العمل في فريق هجين، ودعم دمج الزملاء وممارسة التعاطف وزيادة المرونة.
يمكن أن تساعد برامج المكافآت أيضاً في تحقيق تغيير سريع في السلوك. منحت شركات تجارة التجزئة أجوراً للمخاطر والعمل الإضافي من أجل دعم جهود التغيير عند بدء انتشار جائحة "كوفيد-19"، وارتقى كثير من موظفيها إلى مستوى الظروف وأخذوا على عاتقهم إنجاز مهمات صعبة من أجل استمرار العمل. كما تلعب المكافآت غير المالية دوراً أكبر في الظروف الاقتصادية الأصعب. تشير أبحاث شركة "كورن فيري" إلى أن هذه المكافآت غير المالية، كالعمل الهادف والتطوير المهني والتدريب والتقدير، تتمتع بفاعلية أكبر في اندماج الموظفين أصحاب المواهب والاحتفاظ بهم مقارنة ببرامج الأجور الأساسية والأجور المتغيرة.
من المؤكد أنه لا يمكن تحقيق أهداف إدارة التغيير بين ليلة وضحاها، بيد أن هناك بعض الطرق التي تسرّع التغيير في العالم المتسارع والغامض. وبالفعل، تمكن كثير من أبرز الشركات المثيرة للإعجاب من التوصل إلى هذه الطرق. وبحسب أبحاث شركة "كورن فيري"، فمن المرجح أن تتمكن هذه الشركات من توقع التغيير أكثر من الشركات المماثلة لها، واغتنام الفرص التالية باستمرار، والمسارعة لسد الفجوات في قدرات الموظفين ونشر الفرق من أجل معالجة المشكلات المطروحة.
وفي نهاية الحديث عن حلول مقاومة التغيير، سواء كان التبني الرسمي لنهج "أجايل" المرن مناسباً أو غير مناسب لشركتك، الآن هو الوقت المناسب للتفكير بطرق لجعل إدارة التغيير تعمل بجد أكثر وسرعة أكبر. فالأمر المؤكد في هذه اللحظة هو أننا مقبلون على مزيد من التغيير، ولهذا علينا إيجاد أسلوب مرن لتغيير الإدارة.
اقرأ أيضاً: كيفية حل الخلافات