كيف تقود موظفيك المنهكين؟

7 دقائق
آليات التكيف الصحية
مارتن بارود/غيتي إميدجيز

ملخص: الجميع منهكون، ويحاول الموظفون تحديداً التغلب على حالة جماعية من الحزن والصدمة، ما يعني أنه يتعين على القادة تعلم مهارات جديدة وممارستها. يعرض المؤلفان في هذه المقالة خطوات يمكنك اتخاذها لتعزيز آليات التكيف الصحية وتثبيط الآليات غير الصحية، والمساعدة على تفادي بعض الأخطاء التي يرتكبها الموظفون عادةً تحت وطأة الضغوط، والتأكد من أنك لا تزيد من القلق الذي يعاني منه الموظفون بالفعل.

 

هل كان عملاؤك سريعي الغضب على غير العادة مؤخراً؟ هل يستغرق الموظفون وقتاً طويلاً للرد على رسائل البريد الإلكتروني؟ هل يجري الأصدقاء والزملاء تغييرات مفاجئة في حياتهم؟ هل فقدت تركيزك في أثناء محادثات مهمة؟

كل هذه السلوكيات هي استجابات للظروف القاسية التي يواجهها الأشخاص بينما ننتقل إلى السنة الثالثة من الجائحة. فالجميع تقريباً فقدوا شخصاً أو شيئاً؛ وظيفة أو علاقة أو راحة بالهم. وتحطمت أي آمال في زوال هذه الجائحة نهائياً. وعلى الرغم من أننا الآن في مرحلة ما بعد حالة الطوارئ، فإننا لا نزال في أزمة.

القادة ليسوا معالجين نفسيين، ولا يجب أن يحاولوا أن يكونوا كذلك. لكن يحاول الموظفون التغلب على حالة جماعية من الحزن والصدمة، ما يعني أنه يتعين على القادة تعلم مهارات جديدة وممارستها. هناك خطوات يمكنك اتخاذها لتعزيز آليات التكيف الصحية وتثبيط الآليات غير الصحية، والمساعدة على تفادي بعض الأخطاء التي يرتكبها الموظفون عادة تحت وطأة الضغوط، والتأكد من أنك لا تزيد من القلق الذي يعاني منه الموظفون بالفعل.

كن مثالاً يُحتذى به

العناية بالذات ليست ترفاً، بل ضرورة. إذا كنت متوتراً أو سريع الانفعال أو منطوياً أو عنيفاً، فقد يتصرف فريقك بالمثل. وإذا كانت رؤيتك للواقع مشوهة بسبب الإنكار أو الأوهام أو التفكير بطريقة "نحن" و"هم"، فستتقلص بشدة قدرة فريقك على اتخاذ إجراءات فعالة. وإذا أسأت التصرف أو اتخذت قرارات متهورة ومتضاربة، فسوف تدمر ثقتهم بك وتثبط معنوياتهم.

لذا، تصرف بإنسانية وكن مثالاً يُحتذى به في التعامل مع النقص البشري الذي لا مفر منه من خلال التحلي بالمرونة النفسية والانفتاح العاطفي واتباع عادات صحية.

المرونة النفسية

في أوقات الأزمات تكون هناك حاجة أكبر إلى التصرف بحكمة وذكاء، نظراً إلى وصول معلومات جديدة وتغير الظروف باستمرار. ولكن يصعب ذلك إذا كنت تواجه ضغوطاً وصدمات وتشعر بالإجهاد، ما يصيبك بالتشوش الذهني ويجعلك ترى الأمور من منظور ضيق. لذا، حافظ على رشاقة عضلاتك العقلية!

اعتد على طلب الإسهامات في العمل والاعتراف بما لا تعرفه. واجعل الاعتراف بالأخطاء أمراً عادياً وأزِل وصمة العار المصاحبة له. وتقبَّل الدوافع والقيم المتضاربة، واجعل تغيير رأيك عندما تظهر معلومات جديدة أمراً مقبولاً، واعتذر دون إحراج عندما تكون هناك حاجة إلى ذلك.

وفي المنزل، فكر في ممارسة شخصية يمكنك اتباعها لإخراج نفسك من دوامة الأفكار السلبية، مثل قضاء الوقت في الطبيعة وكتابة يومياتك وبدء ممارسة هواية جديدة والتأمل، أو أي شيء يستخدم عضلات مختلفة في الدماغ ويخلق فرصة للتفكر والتأمل.

الانفتاح العاطفي

عندما تمر بوقت عصيب أو عندما لا تكون في أفضل أحوالك، أقِر بذلك. ولكن هناك توازن ينبغي تحقيقه: لا يمكن للقائد أن يشارك كل شعور عابر بالشك أو الخوف. والأهم من ذلك، من الأفضل عدم الاعتماد على أعضاء الفريق لمنحك الشعور بالطمأنينة، إذ ليس من مسؤوليتهم إخبارك أن كل شيء سيكون على ما يرام أو إرضاء غرورك. ولكن يمكن أن يلاحظ أعضاء فريقك الأكثر تعاطفاً وتفهماً أنك تمر بيوم سيئ، ويمكنك أيضاً الاعتراف بذلك، حتى يعرفوا أنك تعرف ذلك، ويمكن للجميع إجراء التعديلات المناسبة.

السلوكيات الصحية

في أمثل الأحوال سيكون لديك دعم اجتماعي/عاطفي خارج المكتب؛ من خلال شريك حياتك أو أصدقائك أو معالجك النفسي أو حتى "مجلس إدارة شخصي". تواصل مع هؤلاء الأشخاص بانتظام! وعزز آليات التكيف الصحية لديك، واعتنِ بنفسك بكل الطرق البسيطة والأساسية: النوم جيداً وممارسة التمارين الرياضية وتناول الطعام الصحي وشرب ما يكفي من الماء وتخصيص وقت لإراحة ذهنك.

تأكد من أن أعضاء فريقك لديهم ما يحتاجون إليه للاعتناء بأنفسهم بهذه الطرق أيضاً. قد تجد أنهم لا يحتاجون إلى مشورة بشأن ما يجب عليهم فعله، بل يحتاجون إلى الموارد العملية، المتمثلة في الوقت والمال والمعدات وإمكانية الوصول، لتبني آليات التكيف الصحية تلك. اجعل العناية بالذات موضوعاً يُطرَح بانتظام، إذ يمكنك في بعض الأحيان بدء أحد الاجتماعات بأن تطلب من الجميع ذكر أمر جيد فعلوه لأنفسهم أو محادثة هادفة أجروها مؤخراً.

إذا كانت ثقافة قطاعك/مؤسستك تشجع على مبدأ "اعمل بجد والعب بجد"، فلا تشجع على ذلك بشكل صريح. إذا كان الجميع يتفاخرون بالتدريب من أجل سباق "توف مادر" (Tough Mudder) أو تعلُّم لغة أجنبية على تطبيق "دولينغو" (DuoLingo) خلال عطلة نهاية الأسبوع، فأوضِح أنه لا بأس أيضاً من قضاء وقت الفراغ في تناول الآيس كريم خلال مشاهدة أحد مسلسلات الجريمة.

خفف الأعباء عن موظفيك

الشعور بالإجهاد له تأثير تراكمي. بالنسبة إلى الجسم والدماغ، لا يوجد فرق بين الشعور بالضغط لاقتراب الموعد النهائي والجدال مع الزوج/الزوجة والمخاوف المالية والكلب الذي لا يتوقف عن النباح والكمبيوتر الذي يتعطل كثيراً. فالصبر وضبط النفس والقدرة على تقييم هذه المواقف واللطف والحكمة عند التعامل معها، جميعها تنبع من المكان نفسه، من الناحية النفسية.

وبالنسبة إلى الكثيرين، أصبح هذا المكان يتأخر في إطلاق هذه الاستجابات. كتبت الطبيبة لوسي ماكبرايد في مجلة "ذي أتلانتيك" (The Atlantic) أن حتى قبل الجائحة "كان الأميركيون يعانون من أعراض الاحتراق الوظيفي"، مشيرة إلى أننا "من بين السكان الأقل تمتعاً بالصحة في البلدان الغنية. وقد كانت الأمراض ذات الصلة بالشعور باليأس، بما في ذلك الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة والإدمان، متفشية بالفعل". وأضافت أنه منذ ظهور "كوفيد" "أصبح كل جانب من جوانب الحياة يتطلب عملاً إضافياً…. فقد كان علينا التوفيق بين تربية الأبناء وتقديم الرعاية والعمل دون هياكل الدعم التقليدية".

قلل الضغوط

قلل قدر الإمكان من الضغوط الموجودة في حياتك وحياة موظفيك. واجعل تقليل الضغوط هدفاً إيجابياً للجميع بوجه عام. فكر في الأمر كخطة للحفاظ على الطاقة النفسية: ما الذي يمكن فعله للحفاظ على الطاقة المعرفية والعاطفية القيّمة للموظفين للقيام بالمهمات الأكثر أهمية في العمل والمنزل؟ شجع الموظفين على تقديم اقتراحات؛ فقد يتوصل الموظفون إلى تحسينات في العمليات أو أفكار لامتيازات أو ممارسات منخفضة التكلفة يمكن أن تسهّل حياتهم.

لا تزيد من القلق الذي يشعر به موظفوك بالفعل

قد لا يكون هناك الكثير مما يمكن للقادة فعله لمساعدة موظفيهم في التغلب على مشاعر الحزن والصدمة، لكن يمكنهم فعل الكثير لإرساء ثقافة لا تخلق قلقاً غير ضروري. يخشى الأشخاص الألم؛ فهم يقلقون من أن يُنظر إليهم على أنهم حمقى أو غير مطلعين على المستجدات أو أن يتم إحراجهم.

وكقائد يمكنك فعل الكثير للتخفيف من حدة هذه الأنواع من القلق، أو مفاقمتها. على سبيل المثال، يمكنك تعزيز آليات التكيف الصحية من خلال جعل الموظفين يعرفون أنه لا بأس من أن يظهر مكتبهم في المنزل فوضوياً أو أن يتجول أطفالهم بالقرب منهم في أثناء مكالمة عبر برنامج "زووم". (وإذا لم يكن ذلك مقبولاً، فاشرح السبب. واعلم أن "لأن هذا لا يبدو لائقاً مهنياً" لا يُعد سبباً كافياً في عام 2022!). وفي الاجتماعات اجعل الموظفين يشعرون بالارتياح حيال طرح الأسئلة التي قد تبدو غبية، أو ببساطة حيال عدم وجود أي أسئلة أو تعليقات أو أفكار وثيقة الصلة بالموضوع لمشاركتها.

اخلق شبكة أمان

هل لاحظت أن موظفيك مشوشون؟ يمكن أن يؤدي الحزن والصدمات والقلق إلى إضاعة الوقت وفقدان التركيز واستخدام عدد لا حصر له من نظارات القراءة. بالإضافة إلى أن فقدان الروتين المعتاد والإشارات البيئية يزيد الأمر سوءاً، كما هو الحال عند الاضطرار إلى التكيف مع مجموعة من السلوكيات المتغيرة لبقية الحياة. وبالتالي، يعاني الجميع من "حمل معرفي زائد".

قلل الأخطاء

اعترف بالعبء النفسي الواقع على الموظفين. ضع قوائم مراجعة وتحقق من البروتوكولات وجهّز خططاً بديلة، وكل ما هو مناسب لنوع عملك، لمنع وقوع الأخطاء الجسيمة. وإذا كان هذا يعني اتباع طريقة جديدة في القيام بالأشياء، فأوضِح أن الإجراءات الجديدة ليست ناتجة عن عدم الثقة بالفريق.

وهذا هو الوقت المناسب أيضاً للتمسك بثقافة الشركة وقيمها. فالشعور المشترك القوي بهويتنا كمؤسسة أو كفريق وما نمثله وما نفعله، سيساعد على تقليل عدد القرارات الحاسمة التي يتعين على الأفراد المرهقين اتخاذها.

لا تنظر إلى الأمور من منظور ضيق

من بين الجوانب الأخرى للتشتت: الميل إلى التركيز على جانب واحد فقط من المشكلة؛ أي الهوس بالتفاصيل أو التركيز على المخاوف. لذا، تأكد من دراسة جميع جوانب الموقف باستخدام طريقة لعب الأدوار والتمارين العقلية الأخرى. نصحنا في مقالة أخرى: "عند النقاش بشأن مسار العمل، اطلب من أعضاء الفريق سرد جميع أسباب اتخاذ القرار، أو أكثر السيناريوهات تشاؤماً/تفاؤلاً، أو ما شابه ذلك". واطرح وجهات نظر افتراضية: كيف ستشرح هذا المنتج لكائن فضائي؟ كيف كان الأشخاص سيحلون هذه المشكلة قبل 200 عام؟ لا يتطلب الأمر الكثير؛ إذ يكون أداء الأشخاص أفضل في اختبارات الإبداع إذا طُلب منهم ببساطة القيام بالأشياء مثلما يقوم بها الشخص المبدع.

في نهاية أي اجتماع، اسألهم "ما هي الأسئلة التي قد يطرحها شخص لم يفهم هذه المشكلة؟". إذ يمكن أن يقر الموظفون بقدر أكبر من الضعف والارتباك إذا لم يكونوا مضطرين إلى إسناد ذلك إلى أنفسهم. (حتى الفريق الذي يتمتع بأكبر قدر من الأمان النفسي قد يضم أعضاء لديهم سلوكيات دفاعية بطبيعتهم). شجع الموظفين على التحدث عن حيواناتهم الأليفة، فقد تتفاجأ بما سيحدث إذا سألت زميلة عن حال كلبها بعد عودتها إلى العمل من المكتب.

تعلم من الفشل

لا مفر من الأخطاء والإخفاقات، لا سيما في الوقت الحالي حيث تحاول قوة العمل المجهدة للغاية التكيف مع بيئة الأعمال المتغيرة باستمرار. إذاً، كيف ستتعامل مع هذه الأخطاء والإخفاقات؟

يشير بحث أجرته إيمي إدموندسن إلى أن الفِرق التي تزيل وصمة العار المصاحبة للفشل تؤدي عملاً أفضل فيما يتعلق بالتعلم من أخطاء الماضي وتجربة طرق جديدة لحل المشكلات أو القيام بالأعمال الروتينية. وتوصي بأن يكافئ القادة ناقلي الأخبار السيئة بدلاً من مهاجمتهم. فلا تجعل الموظفين يخافون من الاعتراف بالأخطاء أو لفت انتباهك إلى المشكلات أو الأمور التي يجهلونها. بدلاً من ذلك، حلل أوجه القصور مع فِرقك، وابحث عن طرق لتحسينها.

اجعل لعملهم معنى

المعنى أهم من السعادة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنجاة في ظل ظروف صعبة. في الواقع، على المستوى البيولوجي، قد يكون افتقاد المعنى في حد ذاته ظرفاً صعباً. فقد أظهرت بحوث أن الأشخاص الذين ليس لديهم سوى القليل من الشعور بالمعنى في حياتهم، حتى إن كانوا سعداء، لديهم أنماط استجابة مناعية مثل "الأشخاص الذين يحاولون الصمود في وجه محنة كبيرة."

بوصفك قائداً، شجع أعضاء الفريق على تعزيز آليات التكيف الصحية والمشاركة في أنشطة هادفة داخل نطاق العمل وخارجه. وأيضاً شجع على بناء صداقات في العمل وإيجاد فرص للتواصل. ارسم صورة واضحة عن كيفية تواؤم مهمات محددة مع رسالة المؤسسة، وكذلك عن دور المؤسسة في المجتمع عموماً. تحدث عما تجده ذا معنى في الحياة، وكيف توفر الوقت والطاقة له.

وفي الوقت نفسه، أَقِر بأن العمل ليس المصدر الوحيد أو حتى الأساسي للشعور بالمعنى في الحياة. اكتشف الأنشطة والهويات غير المتعلقة بالعمل التي تهم فريقك. واربط وظائفهم بها، تماماً كما تربطها برسالة المؤسسة: راتب يساعد على تعلُّم الأطفال في مدرسة جيدة، وجدول مواعيد مرن يتيح الذهاب إلى تجارب الأداء، وفرص للتعليم المستمر أو السفر، وامتيازات وحسومات تجعل حياتهم مع أطفالهم، أو بمفردهم، أسهل.

الوظائف التي كانت تستحوذ على حياة الشخص بأكملها وتشكل هويته الأساسية تعود إلى القرن العشرين، أما وظائف القرن الحادي والعشرين فهي تلك التي تُعد من الأمور الأساسية التي تدعم الموظف في عيش حياة ذات معنى ومتوازنة ويحظى فيها بقدر كافٍ من الراحة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي