المحاسبة في عصر الذكاء الاصطناعي

5 دقائق
المحاسبة والذكاء الاصطناعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مرت مهنة المحاسبة بالكثير من التغيرات، وذلك بسبب ظهور التكنولوجيا الحديثة؛ مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والبلوك تشين، وغيرها من أشكال التكنولوجيا. يرى البعض أن ظهور التكنولوجيا الحديثة في مهنة المحاسبة يشكل تهديداً على وظائف المحاسبين. وفي هذا الخصوص، يتنبأ فينكات سرينيفاسان بأن أتمتة أنشطة التدقيق الخارجي ستؤدي في النهاية إلى الاختفاء التدريجي للمدققين البشر في الأعوام القادمة. إضافة إلى ذلك، سيسهل استخدام هذه التكنولوجيا على الأشخاص من غير المحاسبين ممن يمتلكون خبرة في تحليل البيانات ما يساعدهم على دخول سوق التدقيق. فما هو دور الذكاء الاصطناعي في المحاسبة؟

من جانب آخر، يرى غريغ ريتشينز وآخرون أن هذا الأمر يشكل فرصة أكثر من اعتباره يشكل تهديداً لمهنة المحاسبة، وذلك بشرط أن يبقى مدققو الشركات على اطلاع دائم بالتكنولوجيا الحديثة في هذا المجال. بالإضافة لذلك، تلعب الجامعات دوراً محورياً في تحضير طلبتها لسوق العمل من خلال بناء المناهج التعليمية. فبالنظر إلى تكنولوجيا المعلومات المستخدمة حالياً في سوق العمل، يجب ألا تقتصر المناهج التدريسية للمحاسبة على المعرفة المحاسبية فقط. ففي ظل الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الحديثة في هذا المجال، قد تتغير الطريقة التي يتم فيها تصميم منهاج المحاسبة الدراسي بالإضافة إلى طريقة تدريسه وتقييمه. وفي هذا الخصوص، يشير بيتر ويليامز في مقال له أن الجمع بين الذكاء الاصطناعي، وتحليلات الأعمال، وتقنية البلوك تشين سيؤدي لا محالة إلى تغييرات كبيرة في التعليم العالي. يوضح القسم التالي الآثار المترتبة على استخدام الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا البلوك تشين، وتحليلات الأعمال، ولغة التقارير التجارية الموسعة (XBRL)، في مهنة المحاسبة.

أتمتة العمليات الآلية

تصاعد اهتمام الباحثين في السنوات الأخيرة لدراسة استخدام التكنولوجيا الحديثة في مهنة المحاسبة. بدءاً من الذكاء الاصطناعي، إذ ظهر مصطلح (أتمتة العمليات الآلية) كمجال جديد في التدقيق. في الآونة الأخيرة، بدأت بعض شركات التدقيق في تطبيق الأتمتة في عملياتها، والتي تتضمن مجموعة من تكنولوجيا الأتمتة إلى جانب التحليلات وتكنولوجيات الإدراك .

تتعاون “الأربعة الكبار” (أكبر أربع شركات محاسبة) مع مزودي أنظمة الذكاء الاصطناعي لاستخدام هذه الأنظمة في أغراض التدقيق. ويمكن أتمتة مهام التدقيق اليدوية والمتكررة، مثل اختبار الرقابة الداخلية.

على سبيل المثال، قد يكون الجرد من مجال عمل الروبوتات. وتشير الأبحاث السابقة إلى استخدام الطائرات من دون طيار في التدقيق الداخلي والخارجي.

إلا أن الذكاء الاصطناعي مجاله واسع جداً (وهو يعرف أيضاً بالتكنولوجيا الإدراكية)، وترتبط بعض جوانبه فقط بمهنة المحاسبة.

اقرأ أيضاً: حاول تحسين عمليات شركتك قبل أن تبدأ في الأتمتة

كما أثر ظهور “البيانات الكبيرة” على مهنة المحاسبة.  وتُعرف “البيانات الكبيرة” على أنها “البيانات ذات الحجم والسرعة والتنوع الكبير والتي يمكن معالجتها إلكترونياً لتسهيل عملية اتخاذ القرار“. تستخدم الشركات البيانات الكبيرة لمساعدتها في تحقيق الفهم الأفضل للسوق، والمجال التجاري، ووضعها ضمن شبكات التواصل الاجتماعي، وأخيراً، في تحديد التحديات والفرص التي تساعد في بناء القيمة. ويمكن استخدام البيانات الكبيرة المتطورة ونماذج السلاسل الزمنية في البحث عن ملايين الدورات المالية وتحديد الأنماط والحالات الشاذة وغير المنتظمة. بالإضافة ذلك، كان هناك استخدام لبرمجيات التعلم العميق كأحدث تقنية لتحليل البيانات الكبيرة النصية، وذلك من أجل إجراء تحليل للمحتوى وتدقيق لمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي للكشف عن المخاطر القانونية، والمخاطر التجارية، ومخاطر الرقابة الداخلية، وحتى مخاطر الاحتيال الإداري.

حلول جديدة لتغيير مهنة المحاسبة

وبطريقة مشابهة، تسبب ظهور تكنولوجيا البلوك تشين، كحل جديد يستخدم قواعد البيانات في الرقابة، في تغيير شكل مهنة المحاسبة. فهي برأي شركة ديلويت قد غيرت قواعد اللعبة، بينما اعتبر آخرون تكنولوجيا البلوك تشين تكنولوجيا أساسية قد تؤدي إلى ظهور أنظمة اقتصادية واجتماعية جديدة، و”العمود الخامس لثورة تكنولوجيا المعلومات“، بعد الحاسبات الكبيرة، والحواسيب الشخصية، والإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي. ويرى الكثيرون أن البلوك تشين تمتاز بحصانتها ضد التلاعب، وهي ميزة أساسية بالمقارنة مع المحاسبة التقليدية كسجل للمعاملات المالية. يمكن استخدام البلوك تشين لتخزين بيانات المحاسبة بشكل آمن، ومشاركة البيانات مع المعنيين بشكل فوري، وأخيراً، زيادة إمكانية التحقق من بيانات الأعمال. وبصفتها تكنولوجيا بديلة لدفتر الأستاذ، عبر الكثير من المحاسبين عن رغبتهم في تصنيف تكنولوجيا البلوك تشين كمستقبل السجلات المحاسبية. بالإضافة لذلك، يمكن دمج تحليلات الأعمال مع البلوك تشين للكشف عن حالات الشذوذ والحصول على معلومات أخرى مفيدة .

يوضح مارك شيلدون الاستخدام المتزايد لتكنولوجيا البلوك تشين بأنه “عندما تصبح هذه التكنولوجيا متطورة بالشكل الكافي، ويعرف المزيد من الجمهور عن فاعلية وقدرات هذه الأداة، ستجد هذه الأداة مكاناً لها بين تطبيقات المحاسبة الشائعة. وقد تصبح بالانتشار الواسع، أي أن جميع الأطراف في مهنة المحاسبة سيكونون موجودين ضمن تقنية البلوك تشين الخاصة بهذه المهنة”، حيث يدعم المحاسبون الإدارة العليا من خلال تحليل الكم الهائل من البيانات المعقدة، والأقسام المتزايدة، التي تأتي من مصادر أخرى غير أنظمة المحاسبة المتعارف عليها.

يعرّف كل من توماس دافنبورت وجين هاريس تحليلات الأعمال على أنها: “استخدام البيانات، وتكنولوجيا المعلومات، والتحليل الإحصائي، والأساليب الكمية، والنماذج الرياضية أو الحاسوبية لمساعدة المدراء في الحصول على أفكار أفضل حول عملياتهم، واتخاذ قرارات أفضل تستند إلى الحقائق”. يسعى محاسبو الإدارة إلى استخلاص المعرفة الثاقبة وتطويرها، وذلك لتحسين فعالية وكفاءة العمليات، بالإضافة إلى توفير التوقعات لتحسين عملية اتخاذ القرار لدى الإدارة. ويسعى المدققون الداخليون إلى التحقق من فعالية ودقة المعلومات، بينما يهتم المدققون الخارجيون بتحليلات الأعمال، التي ترتبط بصحة البيانات المالية. إلا أن كلا وظيفتي التدقيق تتضمن إنتاج نماذج للتوقعات ونماذج للتوافق، وحيث أن المدققين يتحققون من البيانات المالية للأعمال، فإن عملهم يتأثر بتحليلات الأعمال. وتُعرف التقنيات بأنها المقاربات التحليلية التي يمكن وصفها بأنها وصفية، أو تنبؤية، أو إلزامية، تبعاً لمهمة التحليل، أو نوع البيانات. وكلما كانت المهمة تقدمية، وكلما كانت البيانات أكبر حجماً (البيانات الكبيرة) كلما كانت التحليلات أكثر إلزامية، أو على الأقل تنبؤية. وتُعرّف تحليلات الأعمال المتطورة أو المعقدة على أنها: “الحلول التي تساعد في تحديد أنماط ذات معنى، وعلاقات ضمن متغيرات في مجموعات البيانات المعقدة، والمنظمة وغير المنظمة، والتاريخية، والمحتملة لغايات التنبؤ بالأحداث المستقبلية، وتقييم جاذبية المسارات المختلفة للعمل. تدمج التحليلات المتقدمة عادة وظائف مثل استخراج البيانات، والنمذجة الوصفية، والاقتصاد القياسي، والتنبؤ، وبحوث العمليات، والأمثلية، والنمذجة التنبؤية، والمحاكاة، والإحصاءات، وتحليل النصوص”.

إلا أنه لم يتم حتى الآن استغلال إمكانيات الذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبيرة، وتكنولوجيا البلوك تشين، وتحليلات الأعمال، وغيرها من أشكال التكنولوجيا الحديثة من قبل العاملين في مجال المحاسبة والتدقيق بالشكل الكافي. ويتوقع المهنيون والأكاديميون أن هذه التكنولوجيات ستؤثر على مجال المحاسبة؛ وهو ما سيتم الاستفادة منه بشكل أكبر في الأعوام القادمة. وبينما نشهد هذا التبني المتزايد للتكنولوجيات الحديثة في مهنة المحاسبة إضافة إلى الشركات في المجالات المختلفة، تم طرح سؤال أساسي، وهو يتعلق بدرجة مجاراة برامج المحاسبة الحالية مع هذه التطورات. ومع انعكاس هذا التبني المتزايد للتكنولوجيات الحديثة في مجال المحاسبة، من المهم أن نتحقق من مجاراة مناهج المحاسبة الحالية لتوقعات سوق تكنولوجيا المعلومات.

مواكبة التطور 

على الرغم من تغير المحتوى والأساليب المستخدمة في تدريس المواد في برامج المحاسبة في السنوات الأخيرة، إلا أن التركيز الأساسي للمناهج الجامعية ما زال كما هو منذ 40 عاماً. يطالب طلبة المحاسبة الجامعيون برؤى جديدة وبتحضيرهم لدخول فرع جديد وهام في المحاسبة، والذي يحضر المحاسبين ليعملوا كمحللي بيانات، ومدققين في تكنولوجيا المعلومات، ومشاركين في تطوير الأنظمة. وتشير عدد من البحوث السابقة الوارد ذكرها أن المحاسبين الذين يملكون خبرات في تكنولوجيا المعلومات وتحليلات البيانات يتولون المزيد من المناصب التي توجه استراتيجية الشركة من خلال إيجاد رابط بين أنشطة الأعمال ووظائف تكنولوجيا المعلومات التي تدعم هذه الأنشطة. وتساعد مراجعة مناهج المحاسبة الحالية في التطرق لهذه المهارات لتحضير المحاسبين للعمل كمصممي أنظمة، ومحللي بيانات، ومدققي تكنولوجيا المعلومات. وجّه تطور هذه التكنولوجيا الأكاديميين لاقتراح تعديل على مواد المحاسبة الدراسية الحالية.  على سبيل المثال، اقترح جوشوا كويني وآخرون مراجعة مناهج نظم المعلومات المحاسبية والتي توجه الاهتمام من دورات الأعمال نحو دورة حياة المعلومات، وتكنولوجيا المعلومات، وأمن المعلومات. يوفر هذا الاتجاه الجديد في منح توجه موحّد للمحاسبة يساعد الطلبة في فهم المعلومات، ونظم المعلومات، وكيفية تأثير المحاسبة على الاحتياجات المعلوماتية للشركة. فضلاً عن ذلك، يؤدي المنهاج المقترح وظيفة تتعدى مجرد شرح نظام دفتر الأستاذ؛ فهو يحضّر الطلبة لحياة عملية جديدة وسريعة التطور. إلا أن آثار هذه التكنولوجيا على مهنة المحاسبة قد تنعكس على برنامج المحاسبة التدريسي بأكمله فضلاً عن منهاج نظم المعلومات المحاسبية فقط. على سبيل المثال، ورد بشكل كبير في الأبحاث السابقة المتعلقة بالمحاسبة والتدقيق وجود تطبيقات على الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا البلوك تشين، وتحليلات الأعمال، والبيانات الكبيرة على جميع فروع المحاسبة والتي تشمل المحاسبة المالية وتقديم التقارير، والمحاسبة الإدارية ومحاسبة الكلف، والتدقيق، والرقابة الداخلية، والمحاسبة العدلية، والتحليل المالي والتقييم. لقد حان الوقت الآن لإجراء تحديث وتجديد للمناهج التدريسية للمحاسبة.

وفي خاتمة الحديث عن الذكاء الاصطناعي في المحاسبة، يجدر الذكر أنه ليس بالضرورة أن تستبدل التكنولوجيا المحاسبين، ولكنها لا محالة ستستبدل المحاسبين الذين لا يواكبون التطورات، ولا يوظفوا أحدث التكنولوجيات المرتبطة بمجال المحاسبة في عملهم.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .