أيها المدراء، دعوا أصحاب المصلحة يقودون استراتيجيتكم

5 دقائق
قيادة أصحاب المصلحة للاستراتيجية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تتمثّل العملية التقليدية لبناء الاستراتيجية في عثور المدراء على طريقة لمواءمة قدرات شركاتهم بحيث تقتنص الفرص التي تظهر في البيئات التي تنشط فيها. وتنجح تلك الطريقة بالفعل في البيئات المستقرة نسبياً، ولكن ليس في البيئات المتقلبة. ويتمثّل الحل في تلك الحالة في النظر إلى الاستراتيجية بصفتها عملية اكتشاف تنطوي على تحديد أصحاب المصلحة ومعرفة توقعاتهم من الشركة. ومن المهم أن تجري تلك العملية بمشاركة كبار المسؤولين التنفيذيين ذوي المسؤوليات الاستراتيجية؛ إذ غالباً ما تحمل لهم مفاجآت لم يكونوا يتوقعونها، فماذا عن قيادة أصحاب المصلحة للاستراتيجية في الشركة؟

 

كيف يطور الرؤساء التنفيذيون وفرقهم التنفيذية الاستراتيجية؟ تشبه العملية الفعلية مهمة موازنة جانبي معادلة؛ فمن ناحية، توجد البيئة الخارجية للمؤسسة بكل تغيراتها واتجاهاتها. ومن ناحية أخرى، توجد المؤسسة وما تتمتع به من إمكانات وقدرات داخلية. وتطوير الاستراتيجية يعني تحقيق توازن بين الجانبين.

قيادة أصحاب المصلحة للاستراتيجية

إن تلك الطريقة التحليلية وحتى الميكانيكية “لتطوير” الاستراتيجية هي الطريقة التي تم اعتمادها وتعليمها منذ ظهور مفهوم استراتيجية الأعمال في عام 1965، وهي الطريقة التي تفصّلها كتب الإدارة الاستراتيجية حتى يومنا هذا. واعترف بصفتي أستاذاً جامعياً سابقاً في الإدارة أنني كنت مخطئاً في اتباعي النهج ذاته في الماضي.

المشكلة هي أن نهج “موازنة الجانبين” ذلك لا يتيح لنا تطوير الاستراتيجية؛ وإنما فهمها فقط. على سبيل المثال، تختلف عملية شرح الرسام كيفية تزيين القماش بالألوان عن مهمة خلق العمل الفني بالفعل. وبالمثل، يتمحور عمل المدراء حول إنشاء الاستراتيجية، وليس حول فهمها. لكن مهمة تطوير الاستراتيجية قد تمثّل تحدياً بالفعل.

على سبيل المثال، قمت مؤخراً بتيسير جلسة لصياغة الاستراتيجية بحضور رئيس تنفيذي وأعضاء فريقه التنفيذيين البالغ عددهم 11 عضواً من جميع أنحاء الولايات المتحدة. تصنع المؤسسة، التي سأطلق عليها اسم “كومباين”، مضخات لشركات في مجموعة مختلفة من الصناعات، بما فيها صناعات الأغذية والمشروبات والمياه والمواد الكيميائية. قدم أعضاء الفريق عروضاً تقديمية حول التغيرات والتوجهات في الصناعة، وناقشوا رسالة الشركة ورؤيتها وقيمها.

كانت الجلسات الأولى مفعمة بالحيوية وكانت المشاركة عالية. لكن عندما حان الوقت للحديث عن الاستراتيجية والتوجهات المستقبلية، عمّ الصمت بشكل مفاجئ.

هل لأنهم كانوا ينتظرون حديث الرئيس التنفيذي؟ كلا، وعرفت ذلك بعد أن جلت بنظري أراقب جميع المشاركين. هل كان توقيت الاجتماع هو السبب؟ كلا أيضاً. وبدا من الواضح أن السبب في ذلك هو جهلهم بالتموقع الذي يجب أن تعتمده الشركة لتحقيق النجاح في المستقبل. ثم برز “أحمد” من الجزء الخلفي للغرفة قائلاً: “لا أعرف لماذا نفعل ذلك كل عام. فتلك هي أعمالنا المعتادة التي نؤديها كل يوم”.

وعلى الرغم من رفض كثيرين في الغرفة التعليق الذي صدر منه مبررين ذلك بعفويته، فقد كان على حق. من المرجح أن يكون تطوير الاستراتيجية بشكل تفصيلي مع مجموعة من المسؤولين التنفيذيين مهمة تقع ضمن المستوى التشغيلي أكثر من المستوى الاستراتيجي، وتشبه استمرار العمل المعتاد أكثر من ابتكار طرق جديدة لتنفيذه.

الانتقال من التطوير إلى الاكتشاف

يتمثل جزء كبير من المشكلة بالنسبة لشركة “كومباين” والعديد من الشركات الأخرى في جهل الفرق التنفيذية بماهية المسار الصحيح الذي يجب عليها أن تسلكه في مواجهة التغييرات السريعة المحيطة بها، كالتحول إلى الأعمال التجارية عبر الإنترنت، وظهور الشركات الناشئة سريعة النمو، وإدخال أدوات التسويق الرقمي، والضغط الشديد من المستهلكين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وظهور نماذج أعمال جديدة. ولم تكن تلك الظروف موجودة عندما جرى تطوير الاستراتيجية التنافسية في عام 1965.

لذلك، أشجعك على تغيير نهجك إذا كنت تنوي تحقيق ثورة في مجال الاستراتيجية. توقف عن التخمين وابدأ الاستفسار، واتبع المسار الذي سلكناه في شركة “كومباين” في النهاية.

حيث بدأنا بتحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين في الشركة لاستخلاص بعض المؤشرات منهم. وضمّت القائمة مستخدمين نهائيين وموزعين وموردين وموظفين ومالكين. يتمتّع أصحاب المصلحة بخبرة في تقديم الأفكار من منظور خارجي. كأن يسأل الزبائن أسئلة مثل: “ألا تعتقد أنهم … [املأ الفراغ]؟” ، “هل يعقل أنهم …؟”، “لماذا لا …؟” تُعتبر الإجابات عن تلك الأسئلة بمثابة اقتراحات لإجراء التغيير الاستراتيجي، وهي مورد يمكنك الاستفادة منه.

ثم كُلف المسؤولون التنفيذيون في شركة “كومباين” بطرح سلسلة من الأسئلة على ممثلين من مؤسسات أصحاب المصلحة المعنيين. تتعلق تلك الأسئلة بكيفية توصل كل مجموعة من أصحاب المصلحة إلى قرار اختيار شركة “كومباين” بدلاً من المنافسين، وبنظرتهم إلى “العوامل الاستراتيجية“، مثل جودة المنتج، وبكيفية تقييمهم أداء شركة “كومباين” استناداً إلى تلك العوامل وبتوصياتهم بالتغييرات التي يمكن أن تجريها “شركة “كومباين” لتحسين القدرة التنافسية.

والأهم من ذلك هو تكليف المسؤولين التنفيذيين بإجراء تلك المقابلات الشخصية. بمعنى آخر، لم يجر جمع البيانات عبر استبانة بالبريد الإلكتروني أو بواسطة شركة بحوث السوق، وذلك لتجنب أي تصفية للرسائل.

ومن واقع خبرتي، قلة هي الفرق التنفيذية التي تتخلى عن كبريائها لتقوم بتلك المهمة. بل عادة ما تشرع في عملية “تطوير” الاستراتيجية استناداً إلى حدسها وقدرتها على التخمين، خوفاً من الاعتراف أنها لا تعرف احتياجات أصحاب المصلحة حق المعرفة.

تضمن الاكتشاف الرئيس في شركة “كومباين” جانب علاقتها مع موزعيها والمستخدمين النهائيين. على سبيل المثال، تعرّض الفريق التنفيذي لشركة “كومباين” لضغوط فيما يتعلق بالسعر، والتي عاد سببها إلى الواردات الأرخص من الخارج. وتمثّلت الرسالة من الموزعين في ضرورة أن تنافس شركة “كومباين” المنتجات المستوردة من حيث السعر. ومع ذلك، كان من الواضح أن منتج “كومباين” يتمتع بجودة أعلى.

وتوصلت شركة “كومباين” بعد إجراء البحوث إلى ضرورة الانخراط بعمق مع المستخدمين النهائيين لأول مرة، بعد أن اعتمدت سابقاً على الموزعين لإخبارهم باحتياجات المستخدمين النهائيين. ولدهشة شركة “كومباين”، كشفت المقابلات الشخصية مع المستخدمين النهائيين أن السعر لم يكن مرتفعاً بالنسبة لهم مقارنة بموثوقية (جودة منتج) المضخات. وعلى حد تعبير أحد المستخدمين النهائيين “لا ينطوي السعر على أي أهمية لأن التكلفة بالساعة لأي انقطاع في الإنتاج تفوق ذلك السعر”.

منحت تلك النتيجة المبهرة شركة “كومباين” فرصة توعية عمال سلاسل التوزيع بالقيمة الحقيقية لمنتجاتها. ويمكنها أن تثبت للمستخدمين النهائيين اليوم أن دفع مبلغ إضافي للحصول على منتج أعلى جودة سيعزز من مصداقية عملياتهم بشكل كبير؛ ويمكنها أن تقدم دراسة جدوى توضح فيها أن فاعلية الجدوى الاقتصادية أفضل عند استخدام منتجات “كومباين” مقارنة بمنتجات المنافسين. كما يمكنها التحدث عن خدمة العملاء التي تقدمها في شكل مشورة ومساعدة تقنية، وإبلاغ المستخدمين النهائيين بتشكيلة منتجاتها التكميلية، وتعزيز الوعي بعلامتها التجارية. والنتيجة هي أن المستخدمين النهائيين أصبحوا يطلبون منتجات شركة “كومباين” في عقودهم مع الموزعين، وهو ما دفع الموزعين بدورهم إلى تخزين مجموعة منتجات “كومباين”.

هل حان الوقت لتغيير الاستراتيجية؟

أسفر الاستماع إلى آراء أصحاب المصلحة الخارجيين عن تغيير عملية تطوير الاستراتيجية في شركة “كومباين”؛ إذ بدأ المسؤولون التنفيذيون في شركة “كومباين” التشكيك في افتراضاتهم الشخصية والنظر إلى العالم بطريقة جديدة، بدلاً من التنافس على تحقيق الأرباح وفرض أفكارهم على عملائهم، وهو ما جعلهم أكثر انفتاحاً على الأفكار الجديدة. ولم تعد عملية تطوير الاستراتيجية تنطوي على تحديد الأرقام، بل أصبحت عملية إبداعية حقيقية بالنسبة لهم.

إذا كنت راضياً عن النتائج التي تحققها استراتيجيتك، فواصل سعيك. لكنني متأكد من أنك لست متشوقاً لجلسات مراجعة الاستراتيجية المتخمة بالتحليل والخالية من الإبداع.

واقتراحي لك هو أن تغير وجهتك حول موضوع قيادة أصحاب المصلحة للاستراتيجية في الشركة. توقف عن أداء ذلك العمل الشاق غير المنتج، عوضاً عن ذلك، اعرض على أصحاب المصلحة في مؤسستك التخلص من بعض المهام الشاقة من خلال إجراء مقابلات شخصية معهم. ثم أظهر مهاراتك التحليلية للتحقيق في نتائجك كما فعلنا في شركة “كومباين”. وابحث عن نقاط الفصل التي تخبئ وراءها الكثير من المفاجآت؛ فقد تقود تلك الاكتشافات استراتيجيتك إلى اتجاه جديد وناجح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .