عندما تلقي نظرة على الأعمال الداخلية لأي شركة ناجحة، ستلاحظ وجود شبكة معقدة من الإدارات التي تربطها علاقات متبادلة مع وحدات الأعمال التي تدعمها، كإدارات التسويق وتكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية والإدارات الهندسية والقانونية وغيرها.

لكن عندما تتغير أولويات العمل، ستحظى إدارات معينة في الشركة بكامل النفوذ والظهور بينما تصبح الإدارات الأخرى مهمّشة. على سبيل المثال، قد يفقد أحد خطوط الإنتاج جاذبيته لدى الزبائن، ما يجعل القائد أو الموظفين المعنيين به أقل أهمية. أو قد تتجنّب الشركات إحدى وحدات تقديم الدعم بشكل فعال نظراً لأنها اكتسبت سمعة بأنها “معيقة” بسبب تعطيلها لتنفيذ الأعمال في الماضي. لكن قد يصعب علينا معرفة إن كان هذا التهميش متعمّداً أم لا مع تزايد قوة العمل العاملة عن بُعد اليوم.

وقد يساورك الشك بشأن تعرّضك للتهميش أيضاً عندما تعمل في إدارة مهمّشة، كيف سيؤثر تهميشك على دافعية فريقك وفعاليته وعلى تأثيرك المستقبلي ونموك الوظيفي؟ وفيما يلي عدة استراتيجيات مفيدة لأي شخص يشعر أن إدارته أصبحت مهمّشة:

فكّر في السبب الجذري لاستبعادك

لاحظت خلال عملي في مجال التدريب المهني اختلاف الأسباب التي تؤدي إلى تهميش الإدارات. وتظهر البحوث بالفعل أن التهميش في العمل ليس متعمّداً دائماً، بغض النظر عن أنه حدث مزعج.

هل شعورك بالتهميش عائد إلى علاقاتك السيئة مع من هم في موقع سلطة؟ أم أنه يقتصر على استبعادك من بعض الاجتماعات أو رسائل البريد الإلكتروني الأخيرة؟ أجرِ بعض التحريات وابذل قصارى جهدك لافتراض حسن نوايا الآخرين لكي تتمكّن من إعداد استراتيجية تزيد تأثيرك بين الفرق والزملاء الرئيسيين.

ومن الأسباب الأخرى الشائعة لتهميش بعض الإدارات هو السمعة المتضررة داخل الشركة نتيجة أخطاء قائد سابق غالباً. وإذا كنت قائداً جديداً لفريق يواجه صعوبات بسبب أخطاء القادة السابقين، فمن المهم أن تعيد بناء سمعتك وألا تتخذ موقفاً سلبياً فقط.

لا تُسئ إلى سمعة القائد السابق، بل حاول مشاركة رؤيتك الجديدة مع الفريق وأصحاب المصالح الآخرين بحماس، كأن تقول لهم: “تركز إدارتنا على دفع نمو المؤسسة ومن واجبنا تعلّم كيفية بناء الثقة وتعزيزها مع الفريق”، فإذا لم تتحكّم في الروايات المتناقلة في إدارتك والراسخة في عقول موظفيك فقد تخسر سمعتك إلى الأبد.

ضع أهدافاً لإدارتك ترتبط باحتياجات الشركة

تتمثل إحدى طرق استعادة النفوذ في حال خسارته في توضيح الفوائد التي ستجنيها الشركة عند تعاون أعضاء الفريق فيما بينهم. بالنسبة للإدارات التي لا تتعامل مع الأسواق، يتطلب ذلك التمتّع بالفطنة التجارية والتواصل المستمر بشأن قيمة المؤسسة ككل، وليس قيمة الإدارة فقط.

على سبيل المثال، كانت إحدى عميلاتي في جلسات تدريب التنفيذيين تشغل منصب نائبة رئيس الموارد البشرية الجديد وتدير فريقاً مهمّشاً تستثنيه الشركة عند الحديث بشأن القضايا الاستراتيجية وتدعوه فقط عند مناقشة الاحتياجات التكتيكية الأساسية وتتبع الامتثال.

فاتخذت نائبة الرئيس نهجاً ذا شقين لزيادة القيمة الاستراتيجية لإدارة الموارد البشرية فيما يتعلّق بشؤون الموظفين القادرين على تعزيز نجاح الشركة أو تقويضه في المستقبل، فمنحت الأولوية لتطوير قدرة إدارة الموارد البشرية على التفكير في إجراءات تربطها باحتياجات الشركة وتنفيذها بالفعل. ثم ركزت على إثارة اهتمام أقرانها (أعضاء فريق قيادة الأعمال) وتعزيز إحساسهم بالاستعجال بشأن القضايا التي تقدّم فيها إدارة الموارد البشرية قيمة استراتيجية مهمة. فأصبحت المبادرات العاجلة بشأن توظيف المواهب وتطويرها واستبقائها والتخطيط لتعاقب الموظفين أمراً مهماً لأداء الأعمال والقدرة التنافسية في سوق الموظفين المتقلّبة حالياً.

وأسفر تحسين مهارات مؤسستها إلى جانب نجاحها في تعزيز سمعتها لدى الزبائن الداخليين عن زيادة التعاون الفعال، واتخاذ قرارات مدروسة وذكية، وفريق موارد بشرية أكثر تفاعلاً وتحفيزاً.

وسّع قيمتك المُدركة

تذكّر أن قيمتك لا تقتصر على مسماك الوظيفي أو الإدارة التي تعمل فيها، لكن تهميش إدارتك لا يعني أن تقف مكتوف اليدين، بل حدد خبراتك ومعارفك وما تعلّمته من هذه التجربة، وشارك قصصك، وانشر الوعي دون توقع أي شيء في المقابل، فعندما يجرب الناس أفكارك، ستتولّد داخلهم الحاجة إلى التماس مشورتك.

شغل أحد عملائي في جلسة التدريب المهني منصب نائب رئيس الاستراتيجية وعمليات الاندماج والاستحواذ في إحدى الشركات المُدرجة في قائمة فورتشن 500. وكان تأثيره واضحاً عندما كان لدى الشركة فائض من الأموال وتستحوذ على شركات أخرى لتحقق نمواً سريعاً. لكن انخفاض التكاليف وسعي الشركة إلى تجاوز اقتصاد متقلّب في السنوات الأخيرة أسفر عن تضاؤل نشاط إدارته بشكل كبير.

وبعد قضاء عدة أشهر في قلق وتوتر دائمين بشأن مستقبل مساره المهني، قرر الاستفادة من خبرته في الأسواق والاستراتيجية وبدأ نشرة إخبارية شارك فيها أفكاره ونصائحه،

ما جعله خبيراً متخصصاً ومؤثراً في نظر الآخرين داخل المؤسسة وخارجها على حد سواء. وعلى الصعيد الشخصي، تمكّن من استعادة إحساسه بالهدف وتعزيز كفاءته الذاتية، ما أتاح له الحفاظ على حماسه خلال فترة انخفضت فيها معنويات الجميع. كما ساعدته جهوده على بناء تحالفات جديدة مع زملائه، وهو ما عزز تأثيره وقدرته على المساهمة في المستقبل.

واصل تقديم نتائج (حتى لو لم تحظ باهتمام أحد)

إن القوة داخل المؤسسات ظرفية، ومن المحتمل بالتالي ألا يكون افتقار إدارتك إلى التأثير والنفوذ دائماً. فعندما تتغيّر الظروف في قطاعك والأسواق التي تخدمها شركتك، ستتغير الأولويات، فيبهت بريق إدارة تمتعت بقدر كبير من الظهور ويسطع نجم إدارات أخرى، لكن استجابتك لمرحلة التهميش حينها قد تعزز تأثيرك أو تقوّضه لاحقاً.

وأظهرت دراسة أن تهميش الأشخاص في العمل يدفعهم إلى تبنّي واحد من ثلاث طرق للتأقلم: التأييد (البحث عن طرق تجعلهم أكثر فائدة)، أو المعاداة (البحث عن طرق للانتقام أو نبذ الآخرين)، أو الانعزال. في الواقع، يمثّل الانتماء الاجتماعي أحد أهم احتياجاتنا البشرية، وقد تستجيب لهذه الرغبة غير الملبّاة بطرق تحد من تأثيرك في العمل.

على سبيل المثال، قد يؤدي اختيارك العزلة أو المعاداة إلى إزالة وصمة التهميش، لكنهما خياران يعيقان اكتسابك سمعة القائد الذي يرغب الموظفون في دعمه، في حين أن تبنّي نهج التأييد ومواصلة التركيز على الوظيفة الحالية يمنحك شعوراً بالقوة والقدرة على التصرف فيما يتعلّق بمسارك المهني المهمّش بدلاً من أن تكون ضحية التغيير. وقد يمنحك الشعور بالتهميش مزيداً من النفوذ لمدّ يد العون للآخرين المهمّشين واستكشاف فرص إجراء مبادرات مفيدة للطرفين.

وغالباً ما أنصح القادة بأن يعتبروا أنفسهم أصولاً قيّمة لمؤسساتهم، وليس لوظائفهم أو إدارتهم فحسب، بمعنى آخر، لا تسعى المؤسسات المتطورة إلى تحديد أصحاب الأداء العالي فحسب، وإنما الجهات الفاعلة ذات الإمكانات العالية أيضاً؛ تلك الجهات القادرة على إحداث تأثير على حاضر الشركة ومستقبلها، وإن كانت قليلة.

فإذا كنت تتبنّى عقلية نجاح تركّز على الحاضر والمستقبل معاً، فستكون حينها قادراً على جذب الفرص المؤثرة بالفعل. وعندما يتغير مسار الشركة، الذي سيتغيّر بالتأكيد، ستبقى سمعتك الإيجابية بصفتك قائداً موجهاً بالعلاقات راسخة.

طوّر قدرات الجيل التالي

عندما يُغلق باب الفرص في وجه رحلتك نحو النجاح، كن أملاً لشخص آخر وافتح باب الفرص له، وواصل قيادة الآخرين، سواء كنت مساهماً فعالاً أو مهمّشاً، لتعزز تأثيرك على الجيل التالي من المواهب.

درّبت مديراً إدارياً عُيّن حديثاً في شركة استثمار عالمية وظيفته جمع الصفقات وعرضها على لجنة إدارة الشركة ومن ثم تنفيذ تلك التي تحظى بالموافقة منها. وكان هدفه أن يُنتخب شريكاً، لكن اختياره مرهون بعدد الصفقات التي يمكنه عقدها. وعلى الرغم من جمعه عدداً غير مسبوق من الصفقات، فشل في الحصول على موافقة اللجنة على معظمها، فانتابه القلق بشأن فرصة الترقي في الشركة، فقرر إعادة تعريف معنى النجاح بالنسبة له، وسأل نفسه: “إذا كنت لا أستطيع تأمين عدد كافٍ من الصفقات، فكيف أسمي نفسي قائداً؟”

ففكّر من منظور مالك الشركة والشريك فيها، ووسع مقياس نجاحه من عقد الصفقات إلى تعزيز المواهب المستقبلية. وإلى جانب عمله في تطوير الأعمال، طرح مبادرة لتدريب زملائه المبتدئين على الجوانب الرئيسية لتفاعلات العملاء أدت إلى تحسين فرص عقد الصفقات، ما جعله يدرك أهمية التأثير والنفوذ الداخلي، حتى لو لم تكن عروضه مناسبة للاستثمار.

نظراً لتغيّر احتياجات الشركات وعلاقاتها في العمل بشكل دائم، يتغيّر التأثير النسبي لإدارات عمل معينة أيضاً، ما يجعلها إدارات مهمّشة. لكن قد يساعدك اتباع هذه التوصيات في أوقات عدم النشاط في تعزيز قيمتك والاستعداد لممارسة تأثير أكبر في المستقبل.