وفرة الموارد المالية للدول النفطية لا تكفي بمفردها لتحقيق أداء تنظيمي ومجتمعي مستدام للمؤسسات الحكومية

4 دقائق
shutterstock.com/puruan
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

متى يمكن أن يكون لوفرة الموارد المالية تأثير إيجابي أو سلبي على أداء المؤسسات العامة الحكومية؟ يتضح من خلال عملنا على بحث ميداني شمل العديد من المؤسسات العامة الحكومية في إحدى الدول العربية الغنية بالنفط، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، أنّ كل من الموارد المالية والبشرية لتلك المؤسسات لهما تأثير إيجابي على أدائها التنظيمي. بينما تشير نتائج بحثنا إلى أنّ وفرة الموارد المالية تعتبر بمثابة المورد التنظيمي الوحيد الذي يؤثر إيجاباً على الأداء الاجتماعي للمؤسسات. وتخلص نتائج بحثنا إلى أنه يتعين على واضعي السياسات التعامل مع حقيقة أنّ وفرة الموارد المالية في الوقت الحالي للمؤسسات العامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، بوصفها أحد أهم الدول المنتجة للنفط في العالم، قد لا تدوم إلى الأبد. لذلك فعلى القيادات التي تدير تلك المؤسسات، والتي انتهجت العقلية الإدارية الريادية للقطاع الخاص، أن تستغل وفرة الموارد المالية لمؤسساتها في تدعيم كفاءة العنصر البشري من أجل تحسين كل من الأداء التنظيمي للمؤسسات ودورها المجتمعي بشكل مستدام وخصوصاً فيما بعد حقبة البترول. ومن دون ذلك، فإن وفرة الموارد المالية قد تكون ذات تأثير إيجابي غير مستدام في الأجل القصير وسلبي في الأجل الطويل. وتنطبق هذه النتائج بحسب رؤيتنا على مختلف دول الخليج العربي النفطية.

الموارد التنظيمية والأداء

بحسب إطار “الرؤية القائمة على الموارد” (Resource-Based View (RBV) framework)، يجب على المؤسسات إيجاد موارد ذات قيّمة ونادرة وفريدة وغير قابلة للاستبدال كي تتمكن من اكتساب ميزة تنافسية مستدامة. وتعتبر هذه الرؤية أنّ الموارد التنظيمية تمثل أحد العوامل المؤدية إلى تحقيق ميزة تنافسية مستدامة لا يمكن للمنافسين تقليدها بسهولة. إذ تدمج الموارد التنظيمية عناصر مختلفة، يمكن استخدامها لتنفيذ استراتيجيات تهدف إلى خلق القيمة، مثل: الأصول المادية (كمرافق المؤسسة) والأصول التنظيمية (كمهارات الإدارة) والموارد البشرية (كالخبرة) والكفاءات (كالمقدرة على الابتكار).

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: أنواع التنظيم الإداري

تحقق مؤسسات القطاع العام أهدافها عبر تنفيذ مهمات ووظائف معينة بنجاح، وتعتمد في ذلك على مواردها الخاصة. ولا يوجد سوى القليل من الأبحاث العالمية حول تبني إطار “الرؤية القائمة على الموارد” (RBV) في مؤسسات القطاع العام، مقارنة بالقطاع الخاص، على الرغم من الأهمية الكبيرة للموارد التنظيمية بالنسبة للمؤسسات العامة. ولذلك قمنا في هذا البحث بتبني إطار “الرؤية القائمة على الموارد” لدراسة العلاقات بين موارد/إمكانات المؤسسات العامة وأدائها في دولة الإمارات العربية المتحدة، كمثال على الدول الغنية بالنفط.

ولقد قامت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة بتبني نموذج “الإدارة العامة الجديدة” (New Public Management) منذ أوائل الألفية الثانية. ويُقصد بنموذج “الإدارة العامة الجديدة” النهج المستخدمة لإدارة المؤسسات العامة. وهو نموذج وُضع في الثمانينيات من القرن الماضي لاعتماد أساليب إدارية مستخدمة في القطاع الخاص من أجل استخدامها في القطاع العام. وركّز هذا النموذج على جوانب بالغة الأهمية مثل القيمة مقابل المال، والرقابة المالية، والكفاءة في استخدام الموارد المتاحة، وتبني أسلوب القطاع الخاص في الممارسات الإدارية، وقياس الأداء، ونظم الأجور على أساس العقود. وفي إطار عملية إصلاح الإدارة العامة، قامت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة بتطوير وتبني ممارسات إدارية حديثة في مؤسساتها العامة، ومن أبرزها تبني استخدام أنظمة قياس الأداء الاستراتيجي (Strategic Performance Measurement Systems) من أجل تحسين أداء تلك المؤسسات.

في السنوات القليلة الماضية، واجهت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة تخفيضات في الإنفاق العام في أعقاب الهبوط الحاد في أسعار النفط. وشهدت هذه المرحلة تغييرات حكومية في تخصيص الموارد وتعليمات إلى المؤسسات العامة للتركيز على رفع كفاءة استخدام الموارد المتاحة من أجل زيادة الفاعلية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية وتلبية احتياجات المجتمع. انطوت هذه التغييرات على رفع الوعي التنظيمي ووعي الموظفين على حد سواء إزاء فرص خفض التكاليف وزيادة الكفاءة في القطاع العام، ما أدى إلى زيادة الضغوط على المؤسسات العامة الإماراتية فيما يتعلق بمسعاها للتنافس على تأمين التمويل الحكومي المحدود نوعاً ما في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008.

ويتساءل الأستاذان الجامعيان البنا وعبد المقصود في دراستهما فيما إذا كانت هناك علاقة بين مشاركة المدراء (الموارد البشرية) ووفرة الموارد (الموارد المالية) واستخدام أنظمة قياس الأداء الاستراتيجي (القدرات التنظيمية) من جهة، وأداء المؤسسات العامة في دولة الإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى.

وتخلص دراستهما إلى أنّ الموارد المالية والقدرات التنظيمية والبشرية تؤثر على الأداء التنظيمي. كما أنّ الموارد المالية هي المورد التنظيمي الوحيد الذي يؤثر على الأداء الاجتماعي للمؤسسات العامة. وتوضح الدراسة أيضاً أنه يتعين على واضعي السياسات العامة التعامل مع حقيقة أنّ الوفرة الحالية للموارد المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة قد لا تدوم إلى الأبد.

التبعات الإدارية 

تساهم الدراسة الحالية في إثراء تطبيقات نموذج “الإدارة العامة الجديدة” في دولة الإمارات العربية المتحدة على نحو خاص، ودول مجلس التعاون الخليجي عموماً، من خلال تسليط الضوء على عدة تطبيقات هامة ينبغي على المدراء وواضعي السياسات العامة أخذها في الحسبان. ومن أمثلة تلك التطبيقات:

  1. بينما تعتبر الموارد البشرية أهم الموارد التنظيمية في التأثير على الأداء التنظيمي لشركات القطاع الخاص الساعية أساساً لتحقيق الأرباح، إلا أنّ الأمر لا يبدو كذلك بالنسبة للمؤسسات العامة الحكومية، حيث تبين أنّ الموارد المالية للمؤسسات العامة الإماراتية تمثل المورد التنظيمي ذو الأهمية البالغة لتحسين أداء تلك المؤسسات.
  2. تؤدي وفرة الموارد، مثل الموارد المالية، إلى العديد من المزايا على عدة مستويات، مثل أداء تنظيمي أفضل وأداء اجتماعي أفضل للمؤسسات العامة. ولأنّ المؤسسات العامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، كغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، قد تمتلك موارد كافية، فإنها تحتاج إلى استثمار تلك الموارد لتطوير قدراتها التنظيمية والإدارية من أجل تحسين أدائها التنظيمي. وتزداد أهمية ذلك نظراً لأنّ الوفرة الحالية في الموارد المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بصفتها إحدى أهم الدول المنتجة للنفط، أصبحت موضع شك في المستقبل المنظور في ضوء التقلبات العالمية المستمرة في أسعار النفط.
  3. تشير النتائج إلى أهمية المشاركة الفاعلة التي يقوم بها المدراء، أي الموارد البشرية، من مختلف المستويات التنظيمية في عملية التخطيط الاستراتيجي، ما يساهم إيجاباً في الأداء التنظيمي. وهذه النتيجة بالغة الأهمية، وذلك بالنظر إلى النتائج المتباينة لبعض الدراسات السابقة، في الشرق الأوسط العربي، عن مدى أهمية مستوى مشاركة الإدارة في المخرجات التنظيمية. وبالتالي، تقدّم الدراسة الحالية إشارة واضحة على أنّ المشاركة الفاعلة للمدراء من مختلف المستويات الإدارية تأتي بنتائج إيجابية مقارنة بمستوى المشاركة نفسه. أي أن المشاركة في حد ذاتها لا تكون ذات تأثير إلا إذا كانت مشاركة فاعلة. وهذا يعني أنه يتعين على الإدارة العليا في المؤسسات العامة الحديثة استخدام رأس المال البشري بفعالية. فمثلاً، يمكن تحقيق ذلك من خلال إشراك المدراء بفعالية من المستويين المتوسط والأدنى على حد سواء في عملية تطوير الخطط الإستراتيجية للمؤسسات العامة.

وفي النهاية، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة هي نموذج للعديد من الدول الأخرى، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى البلدان النامية الغنية، وبالتالي فإن نتائج تلك الدراسة يمكن تعميمها إلى حد يتجاوز نطاق دولة الإمارات العربية المتحدة.

هذه المشاركة مستندة إلى الورقة التالية: سعيد البنا وأحمد عبدالمقصود (2019). “الموارد التنظيمية والأداء: حالة دولة غنية بالنفط. مجلة “ببلك برفورمانس آند مانجمنت ريفيو” (Public Performance & Management Review)، 1-27. doi:10.1080/15309576.2019.1660187.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .