3 خطوات لدعم الابتكار دون التقيّد بالتسلسل الهرمي

6 دقائق
قاعدة الهرم الوظيفي
أماكس فوتو/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تشكل قاعدة الهرم الوظيفي في المؤسسات مصدراً رئيسياً للخبرة المعرفية اللازمة لتعزيز الابتكار. وعلى الرغم من ذلك، فإن الكثير من الموظفين غير الإداريين يعتبرون الجهود الابتكارية أمراً يقع خارج نطاق اختصاصهم. وحتى إذا أرادوا المشاركة في هذه الجهود، فإنهم يُحجمون عن اتخاذ هذه الخطوة لأن القواعد المتعارف عليها في المؤسسة تثبّط محاولاتهم. إذ يتحول التحيز للسلطة في النهاية إلى المبالغة في احترام التسلسل القيادي، وما يفرزه هذا السلوك من ميول تؤدي إلى المبالغة في تقدير آراء الشخصيات القيادية في أعلى السلّم الوظيفي والتقليل من قيمة آراء صغار الموظفين. ويمكن إطلاق العنان لبيئة منظومة الابتكار من القاعدة إلى القمة من خلال تحييد هذا الأثر الجانبي السلبي للتراتبية. ولكن كيف ترسّخ المؤسسات مبدأ جدارة الأفكار، بحيث تصبح أكثر حياداً للمسميات والمناصب والمراكز الوظيفية والسلطة الإدارية في المؤسسة وتناقش القضايا المطروحة استناداً إلى الجدارة الحقيقية للأفكار؟ وكيف تحقق الهيكلية الثقافية المسطحة، وهي الحالة التي يُسمَح فيها بتدفق المعلومات بانسيابية دون التأثر بفارق القوى السلطوية؟ يقدّم كاتب المقالة 3 خطوات عملية يمكن للقادة اتخاذها لتحييد التحيز للسلطة وتحقيق الهيكلية الثقافية المسطحة وإطلاق العنان لبيئة منظومة الابتكار من القاعدة إلى القمة.

 

تستند القدرة على الابتكار الجماعي إلى جودة التفاعل بين أعضاء الفريق التي تتحكم في سرعة التوصُّل إلى الاكتشافات. فإذا كانت بنية الفريق تقوم على أسس سليمة، فسيتسم نمط التفاعل بين أعضائه بالتدفق الحر والصريح والحيوي. أما إذا كانت بنية الفريق تقوم على أسس غير سليمة، فسيلوذ أعضاؤه بالصمت أو يتظاهرون باللطف السطحي، أو تكون النتيجة مزيجاً من الأمرين.

وتشكل قاعدة الهرم الوظيفي في المؤسسات مصدراً رئيسياً للخبرة المعرفية أو ما يُعرف بسر الصنعة اللازمة لتعزيز الابتكار. وعلى الرغم من ذلك، فإن الكثير من الموظفين غير الإداريين يعتبرون الجهود الابتكارية أمراً يقع خارج نطاق اختصاصهم. وحتى إذا أرادوا المشاركة في هذه الجهود، فإنهم يُحجمون عن اتخاذ هذه الخطوة لأن القواعد المتعارف عليها في المؤسسة تثبّط محاولاتهم. إذ تطغى الضغوط المبذولة لإقرار التباين ومحاولات التخلص منه على الدافع للابتكار وطرح أفكار مبتكرة.

على سبيل المثال، قال لي موظف في إحدى كبرى مؤسسات الرعاية الصحية: “إذا كنت موظفاً جديداً في هذه المؤسسة، فعليك الاستماع لمدة عام قبل أن تستمع المؤسسة إليك”. يعد هذا عائقاً ثقافياً يحول دون الاندماج في أجواء العمل ويؤدي إلى إسكات الفريق وخنق الابتكار. وإذا استمر العمل بهذه القاعدة، فسوف يتعثر الإنتاج الإبداعي للمؤسسة بأكملها.

وقد أجريتُ بحثاً شمل مئات الفرق خلال العقد الماضي، استطعتُ من خلاله تحديد العائق الثقافي الذي يؤدي أكثر من أي عائق آخر إلى خنق الابتكار في مراحله الأولى، ويتمثّل هذا العائق في التحيز للسلطة. والتحيز للسلطة هو الميل إلى المبالغة في احترام التسلسل القيادي، وما يفرزه هذا السلوك من ميول تؤدي في النهاية إلى المبالغة في تقدير آراء الشخصيات القيادية في أعلى السلّم الوظيفي والتقليل من قيمة آراء صغار الموظفين. إذ تميل المؤسسات إلى إعطاء القدر الأكبر من المصداقية للأفكار أو الاقتراحات أو الرؤى استناداً إلى مصدرها وليس جوهرها. ويصبح مصدر الفكرة في الواقع معياراً لتقييم جوهرها، وذلك لأننا نفترض أن الأشخاص الذين يتمتعون بمكانة متقدمة على السلّم الوظيفي يمتلكون قدراً أكبر من الكفاءة. لكن هذا السلوك يخلق مثبطات طبيعية تحول دون تعبير صغار الموظفين عن آرائهم. وكلما زاد فارق القوى، ازدادت المخاطر المتصوَّرة للتعبير عن الرأي. وبالتالي كلما كان المنصب أكبر، كانت التقييمات والملاحظات أكثر ندرة.

ويمكن إطلاق العنان لبيئة منظومة الابتكار من القاعدة إلى القمة من خلال تحييد هذا الأثر الجانبي السلبي للتراتبية. ولكن كيف ترسّخ المؤسسات مبدأ جدارة الأفكار، بحيث تصبح أكثر حياداً للمسميات والمناصب والمراكز الوظيفية والسلطة الإدارية في المؤسسة وتناقش القضايا المطروحة استناداً إلى الجدارة الحقيقية للأفكار؟ وكيف تحقق الهيكلية الثقافية المسطحة، وهي الحالة التي يُسمَح فيها بالعمل التعاوني أو تدفق المعلومات بانسيابية دون التأثر بفارق القوى أو البنية التنظيمية؟

إليك 3 خطوات عملية يمكن للقادة اتخاذها لتحييد التحيز للسلطة وتحقيق الهيكلية الثقافية المسطحة وإطلاق العنان لبيئة منظومة الابتكار من القاعدة إلى القمة:

امنح الجميع حق المشاركة المطلق

احرص أولاً على فهم الفارق بين حق المشاركة وحق اتخاذ القرار. إذ يشير حق المشاركة إلى إتاحة الفرصة أمام الجميع للمشاركة في المناقشة والتحليل والدفاع عن أفكار وقضايا ومسائل معينة. فيما يشير حق اتخاذ القرار من ناحية أخرى إلى الصلاحيات الممنوحة لمجموعة معينة من الأفراد أو فرد بعينه لاتخاذ قرار بشأن الفكرة أو القضية أو المسألة المطروحة للنقاش. وضِّح لأعضاء الفريق الجدد والحاليين أن حق المشاركة مكفول في كل دور وظيفي.

وفيما يلي كيفية القيام بذلك: أولاً: احرص على توضيح الفارق بين حق المشاركة وحق اتخاذ القرار. ثانياً: اعترف بأن حق المشاركة كان يُمنَح في الماضي استناداً إلى معايير أخرى، مثل الأقدمية والدرجة الإدارية والمسمى الوظيفي والخبرة والمنصب الرسمي. وأوضح لأعضاء فريقك أنهم لم يعودوا ملزمين بهذه القواعد وأن المشاركة المطلقة باتت حقاً أصيلاً لكل الموظفين، بشرط أن يظهروا الاحترام اللازم وفهمهم للسياق العام ويُبدوا حسن النية. ثالثاً: وفِّر الفرص لأعضاء الفريق لممارسة حقوقهم في المشاركة في مناقشة القضايا أو المسائل ذات الصلة أو المسارات المعمول بها في اتخاذ الإجراءات المحتملة، ثم وجّه الدعوة لكل أعضاء الفريق بشكل صريح للتعبير عن رأيهم.

قد يبدو هذا الكلام سهلاً من الناحية النظرية، ولكن تطبيقه صعب على أرض الواقع. إذ يعاني الكثير من المؤسسات سلبيات التحيز الضمني، ما يحد من حق مشاركة الموظفين الجدد أو المهمشين. ويعني هذا من الناحية العملية أن هؤلاء الموظفين قد يحتاجون إلى بعض الطمأنة وبذل جهود إضافية لخلق حالة من الأمان النفسي تجاه هذه العملية. قد تكون استجابتهم بطيئة بعض الشيء، ولكن عندما يرون أن فرصهم في المشاركة والإدلاء بدلوهم عادلة ومتسقة، سيختارون المشاركة تدريجياً.

وأخيراً، أكد لهم أن الابتكار يشكّل جزءاً لا يتجزأ من كل وصف وظيفي. واغرس في نفوسهم فكرة أن الابتكار يشكّل في الأساس عملية اجتماعية تعتمد على العمل التعاوني.

مارِس الاستفسار الاستكشافي

تترسَّخ جذور الوضع الراهن بمرور الوقت حيث تتصلّب أفكارنا حوله وتتحول إلى عقيدة أساسية، فنزداد تشبثاً به واقتناعاً بضرورة بقائه على ما هو عليه. لكن تجانس الفكر هو عدو الابتكار الأول.

إذ يُعد الابتكار بطبيعته عملاً يتم من خلاله زعزعة الوضع الراهن، لذا فإن تحديه يمثل سلوكاً محفوفاً بالكثير من المخاطر. ونظراً لأنه ينطوي على درجة عالية من المخاطر الشخصية، فإن معظم الموظفين يحاولون إجراء عملية دقيقة لاكتشاف أية تهديدات قبل الانخراط في استفسار استكشافي أو محاولة تغيير الوضع الراهن. ضع في اعتبارك أيضاً أن معظم الأشخاص يعتبرون أن تقييم الأداء استناداً إلى البيانات يبدو أكثر أماناً من محاولة استكشاف الاحتمالات بناءً على الافتراضات والتنبؤات. فكيف تتغلب إذاً على المخاوف المرتبطة بالمحاولات الاستكشافية؟

مارس تسلسل الأسئلة المزعزعة. تتكوّن هذه العملية من 3 خطوات وتعتبر طريقة سريعة وفعّالة لتحريك المياه الراكدة وتسريع بيئة منظومة الابتكار من القاعدة إلى القمة:

  • أولاً، اسأل: “لماذا؟” لماذا نفعل ذلك بهذه الطريقة؟
  • ثانياً، اسأل: “ماذا لو؟” ماذا لو جربنا هذا بدلاً من ذلك؟
  • ثالثاً، اسأل: “كيف؟” كيف يمكننا أن نفعل هذا بشكل مختلف؟

وتأكد من عدم إصدار أحكام مسبقة خلال هذه العملية، ولتقتصر في هذه المرحلة على توليد الأفكار وتحريرها دون تنقيح أو نقد أو تقييد أو رقابة.

وأخيراً، بمجرد أن تعرّف موظفيك بتسلسل الأسئلة المزعزعة، لا تتوقع أن تسير العملية من تلقاء نفسها. إذ يحتاج فريقك إلى ممارستها مراراً وتكراراً. وأفضل طريقة لتطوير هذه المهارة أن تُجري سلسلة من جلسات تسلسل الأسئلة المزعزعة مع فريقك في مواضيع محدّدة. على سبيل المثال، عملتُ مؤخراً مع فريق تسويق عقد جلسة لمناقشة عملية التعرُّف على العملاء المحتملين. وكانت قائدة الفريق حريصة على أن تكون نموذجاً يُحتذى به في تنفيذ العملية المكوَّنة من 3 خطوات وإزالة أي حافز قد يدفع أعضاء فريقها إلى الصمت أو إبداء اللطف السطحي. كان الحوار قاسياً، لكنه كان يتميز بالصراحة والاحترام المتبادل.

طبّع النقد البنّاء

أخيراً، إذا أردت تطوير مهارات الموظفين في الجوانب التنفيذية والابتكارية والتبادل السلس بينهما، فاحرص على تطبيع النقد البنّاء. ويجب منح أعضاء الفريق إذناً صريحاً بالحق في إبداء الاعتراض، بل اطلب منهم ضرورة الاعتراض إذا رأوا حاجة إليه.

إذ يتجنب الموظفون الإقدام على الابتكار بسبب ذريعة من هذا القبيل: “الابتكار يتطلب الاستكشاف، والاستكشاف يؤدي إلى الفشل، والفشل يؤدي إلى العقاب، لذا سألوذ بالصمت”. لكن تذكّر أن الصمت له آثار جانبية سلبية على المؤسسات، فهو يتنافى مع فكرة التميُّز ويؤدي إلى تعزيز مكانة الأشخاص المتوسطي القدرات. وعندما يفتقر الموظفون إلى الشعور بالأمان، فإنهم سيفضّلون اللعب في الجانب الآمن. فكيف تطبّع النقد؟

انتقد أفكارك وقراراتك على الملأ

فكّر بصوت عالٍ مع فريقك وأظهر الثغرات التي تعيب تفكيرك وسلوكك علناً. وادعُ الآخرين للانضمام إليك. على سبيل المثال، قالت إحدى القائدات لفريقها: “أعلم أنني كنت وراء صدور هذا القرار، ودافعت عنه بكل قوة، وأتحمل مسؤوليته أمامكم، ولكن يبدو لي بعد 6 أشهر أنني قد اتخذت القرار الخطأ. وأحتاج إلى مساعدتكم للتفكير في كيفية الخروج من هذا المأزق”.

احتفِ بالنقد وادع إلى المزيد منه

تأتي أهم اللحظات الكاشفة في تكوين الثقافة المؤسسية عندما يتخذ أحد أعضاء الفريق مخاطرة شخصية “أمام الجميع”. وقد لاحظتُ أن أحد أعضاء الفريق بإحدى المؤسسات قد عبّر عن رأي انتقادي يفيد بأن القرار المقترح فكرة سيئة. ولأن قائد الفريق كان يؤمن بفكرة خلق موجة من الهيكلية الثقافية المسطحة، فما كان منه إلا أن أجاب قائلاً: “هذا رائع. ولكم يسعدني أن أعرف سبب توصلك لهذا الاستنتاج”. ثم استمع باهتمام وطلب المزيد من الآراء الانتقادية.

أظهر المشاركة الوجدانية

لا يمكن اعتبار النقد عملية فكرية بحتة، بل غالباً ما تكون مشحونة بالعاطفة. وكثيراً ما يكون النقد في جوهره صراعاً فكرياً. إذ يأتي الإنسان إلى طاولة إبداء الرأي محملاً بمزيج من الثقة في النفس ومشاعر الخوف. وتختلف الاستنتاجات التي يتم التوصُّل إليها من شخص لآخر، حتى إذا تعرّضوا للبيانات ذاتها طوال الوقت، وهذا هو سبب صعوبة الأمر. ويمكنك أن تطلب من المشاركين عدم التعصب لآرائهم، لكن نادراً ما يفلح هذا المسعى حتى يتوصلوا إلى فهم وجهات النظر البديلة بطريقة تنم عن المشاركة الوجدانية. والمشاركة الوجدانية هي حب الاستطلاع الممزوج بالتعاطف مع رحلة شخص آخر، بدايةً من مطالعة البيانات وانتهاءً بالتوصُّل إلى الاستنتاجات. ما البيانات المتوافرة لديه؟ وما الافتراضات التي وضعها في الحسبان؟ وما الذي يهتم به، ولماذا؟ وأخيراً، كيف توصّل إلى استنتاجاته؟ ويؤدي إظهار القدرة على المشاركة الوجدانية في المناقشات إلى تحويل المواجهة إلى تعاون مثمر.

تذكّر أن بيئة منظومة الابتكار من القاعدة إلى القمة تعتمد على تداول الخبرة المعرفية الداخلية، ويعتمد تداول الخبرة المعرفية الداخلية على الهيكلية الثقافية المسطحة. وتؤدي المبالغة في احترام التسلسل القيادي إلى خنق هذا التداول. وإذا أردت خلق الهيكلية الثقافية المسطحة وإطلاق العنان لبيئة منظومة الابتكار من القاعدة إلى القمة، فامنح الجميع حق المشاركة المطلق ومارس الاستفسار الاستكشافي وطبّع النقد البنّاء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .