ملخص: إذا كنت تريد من فريقك أن يكون مبتكراً في عمله، فيجب أن تنشئ ثقافة الشجاعة الفكرية، حيث يكون أفراد الفريق مستعدين لمخالفة الوضع الراهن أو معارضته أو تحديه حتى إذا كان ذلك يتطلب المجازفة بالتعرض للإحراج أو التهميش أو العقوبة. وبوصفك قائداً، يجب أن تسعى لجعل ذلك ممكناً عن طريق مكافأة موظفيك (وعدم معاقبتهم) على إظهار مواطن الضعف والمجازفة. يقترح المؤلف 7 طرق لوضع المعايير المناسبة لفريقك وتعزيز أمانهم النفسي. مثلاً، استجب على نحو بنّاء لآراء الموظفين أو الأخبار السيئة. وإذا رفضت الآراء التي يقدمونها، فوضح السبب بدقة. وكذلك، شجع موظفيك على التفكير خارج نطاق أدوارهم الوظيفية وفكر بتكليف أحدهم بممارسة دور المعارض. وربما الأهم هو أن تكون نموذجاً يحتذى به في إظهار مواطن الضعف. تحدث عن أخطائك، واطرح أسئلة استطلاعية، واعترف بما لا تعرفه.
عندما تتوقف المؤسسة عن الابتكار، يصبح فشلها مجرد مسألة وقت. لكن، ما الذي يمنع الشركة من توليد أفكار جديدة؟ على مدى العقدين الأخيرين، عملت على دراسة العديد من المؤسسات التي وقعت فريسة للفشل، والأمر الذي رأيته باستمرار في هذه المؤسسات هو التآكل غير الملحوظ للشجاعة الفكرية.
الشجاعة الفكرية هي الاستعداد لمخالفة الوضع الراهن أو معارضته أو تحديه ضمن ظروف تحمل مخاطر اجتماعية، حيث يمكن أن يشعر الفرد بالإحراج أو يتعرض للعقوبة بطريقة ما. وعندما تختفي الشجاعة الفكرية، تطور المؤسسات أنماطاً من التجاهل المتعمد، فالبيروقراطية تقتل الشجاعة، والتركيز على الكفاءة يسحق الإبداع، وعندئذ يترسخ الوضع الراهن ويحل الركود.
إنشاء ثقافة الشجاعة الفكرية
تقع مسؤولية إنشاء ثقافة الشجاعة الفكرية على عاتق القيادة، فالقائد هو من يضع المعايير وينشئ الجو العام ويحدد الأعراف السائدة. ويعتمد وجود ثقافة الشجاعة الفكرية في الشركة على قدرة القائد على تأسيس نمط مكافأة الفرد على إظهار مواطن الضعف، لا معاقبته. وفيما يلي مثالان على ذلك:
الفريق الأول - يعاقب الأفراد على إظهار مواطن الضعف:
العام الماضي، أمضيت يوماً مع فريق لتطوير البرمجيات، وهو مجموعة من الموظفين الموهوبين ذوي الطموحات الكبيرة. كان هذا الفريق متأخراً عن جدوله المقرر وينفق أكثر من ميزانيته المخصصة ولا يتقدم كما هو متوقع منه. كان كل فرد في هذا الفريق يتمتع بسجل إنجازات من الأداء الفردي القوي، لذا كانت فكرة الفشل في هذا المشروع سبباً في توليد مستوى من التوتر والاستياء لم يختبروه من قبل. قدم القائد إرشادات للفريق حول التصميم الذي يفضله لتجربة المستخدم، لكن عندما حاول أفراد الفريق تقديم وجهة نظر بديلة قاطعهم وأنهى النقاش وقال لهم أن يعودوا إلى العمل. وعندما فهم أخيراً أن أفكاره الخاصة عن تجربة المستخدم لم تكن ناجحة غضب وتحدث عن فشل الفريق في اجتماع إطلاع العاملين على التطورات، ما أثار غريزة الرقابة الذاتية لدى جميع أفراد الفريق، وأدخلهم في صمت مطبق. والآن، أصبحوا جميعهم يشعرون بأن التعبير عن الأفكار سيشكل مخاطرة، فتراجعوا ولجؤوا إلى إدارة المخاطر وتفادي الألم والحد من الخسائر، وهذا رد فعل منطقي. وبدلاً من أن يلهم القائد فريقه، خلق حالة من الخدر وانصاع له الفريق ودخل في حالة انفصال عن العمل وبات يفتقر إلى التفكير النقدي.
الفريق الثاني - يكافئ الأفراد على إظهار مواطن الضعف:
عملت مع فريق آخر لتطوير البرمجيات في شركة أخرى. كان الفريق متأخراً عن الموعد النهائي لإطلاق نسخة جديدة من البرنامج وكان أفراده يعملون على مدار الساعة. وبسبب ارتفاع المخاطر، كان هامش الخطأ ضئيلاً والتوتر شديداً. لكن في هذه الحالة، لم تبدُ على أفراد الفريق أعراض القلق من المخاطر الاجتماعية، بل عبروا عن آرائهم بنشاط وحماس بغض النظر عن التراتبية الهرمية والنفوذ. رأيت أحد الأفراد الجدد في الفريق يعترض على اقتراح أحد كبار القادة؛ وطرح فرد آخر سؤالاً ساذجاً؛ وتحدثت إحدى الموظفات أيضاً عن خطأ ارتكبته وطلبت مناقشته. باختصار، كان مستوى الأمان النفسي في المكان مطابقاً لمستوى المجاهرة بالرأي الشخصي اللازم لتحدي الوضع الراهن. بدر عن أفراد الفريق تصرفات تظهر مواطن ضعفهم من دون الخوف من السخرية أو الانتقام. لماذا؟ لأن الاختلاف بالرأي مسموح. أكثر ما أثار إعجابي كان قدرة الفريق على الاستمرار بشحذ الأفكار بأسلوب إبداعي والمعارضة البنّاءة من دون الانهيار نحو الجهد المضني أو الهجوم الشخصي أو التزام الصمت. كافأت القائدة أفراد الفريق على إظهار مواطن ضعفهم من خلال السماح لهم بإظهارها أكثر، فأصبح هذا النمط عرفاً.
كيف تمكنت قائدة الفريق الثاني من ذلك؟ لقد وفرت جواً من الراحة والأمان ليعبر أفراد الفريق عن آرائهم. فالموظف يتحرى المخاطر بصورة طبيعية عند تعامله مع الآخرين في مكان العمل، وإذا لاحظ دليلاً على تهميش موظفين آخرين أو شعورهم بالحرج أو تلقيهم عقوبة بطريقة ما بسبب الوظيفة أو النوع الاجتماعي أو الانتماء العرقي أو العمر أو التنوع العصبي أو أي عامل ديموغرافي متغير آخر، فسيستخدم هذه المعلومات كي يحدد ما إذا كان سيظهر مواطن ضعفه أم لا، حتى وإن كان ذلك متعلقاً بأمر يبدو حميداً، كطرح سؤال ما. على سبيل المثال، قد يتردد موظف جديد في طرح سؤال لأنه يشعر أنه ليس من المسموح له المشاركة قبل أن يمضي فترة طويلة في العمل. أو يمكن أن تمتنع امرأة عن مشاركة رؤى مهمة لأنها شهدت حوادث فيها تحيز ضد المرأة وتمييز. من خلال تقليص هذه المخاطر الاجتماعية، يمكنك خلق ثقافة الشجاعة الفكرية، كي تزيد شعور الموظفين بالراحة إزاء التعبير عن آرائهم.
7 طرق لتوليد الشجاعة الفكرية في فرق العمل
وبناء على تجربتي مع فرق عالمية متنوعة، توصلت إلى 7 طرق لتوليد الشجاعة الفكرية في فريقك.
لا تثر الخوف في نفوس موظفيك
ثمة طرق كثيرة يثير القائد بها الخوف في نفوس موظفيه، من دون أن يدرك ذلك غالباً. يمكن أن يقاطع أحدهم بأسلوب فظّ في أثناء النقاش، أو قد ينظر إليه بطريقة تنم عن الازدراء أو قد يتجاهله ببساطة في أثناء الاجتماع؛ وثمة طرق أوضح، كأن يوجه اللوم لشخص ما علناً لأنه طرح سؤالاً؛ والطريقة الألطف هي بإظهار تعابير الانزعاج على الوجه ببساطة. يدفع الخوف الإنسان للجوء إلى الرقابة الذاتية والانسحاب إلى حالة من الصمت. لذا، انتبه لأسلوبك الذي قد يثير الخوف في نفوس أفراد فريقك، ولو لم يكن ذلك مقصوداً، وغير سلوكك.
كلف بعض الموظفين بمعارضة الرأي
إذا كلفت بعض أفراد فريقك بالاعتراض على مسار عمل معين أو اكتشاف الأخطاء في قرار مقترح، فستزيل جزءاً كبيراً من الشعور بالخطورة الشخصية لدى الأفراد وتستبدله بالشعور بأنهم حصلوا على إذن صادر من المؤسسة. وهذا ما يجعل الشجاعة الفكرية قاعدة لا استثناء. فكر بنقل المهمة بالتناوب بين أفراد الفريق كي لا يُنظر إلى أفراد معينين على أنهم معترضون دائماً. لا تكلف الشخص نفسه دائماً بهذا الدور، بل اختر موظفاً جديداً كل مرة بناء على مهاراته وخبرته وطباعه.
شجع الموظفين على التفكير خارج نطاق أدوارهم
من شأن دعوة الموظفين للمغامرة بالخروج من عزلتهم في أدوارهم وأساليب عملهم أن تولد مزيداً من الفرص للتفكير التباعدي، ما يساعدهم على ربط أشياء لا ترتبط فيما بينها في الأحوال العادية. بالطبع، يجب إدارة العملية بحذر والانتباه للمعارضة التي قد تبدو بناءة ولكنها تفسح المجال للانحراف عن المسار على نحو مدمر.
استجب بطريقة بناءة للأفكار المزعزعة والأخبار السيئة
عندما يقدم أحد أفراد فريقك فكرة مزعزعة أو أخباراً سيئة، احرص على أن تظهر استجابة عاطفية إيجابية من خلال لغة الجسد والإشارات غير اللفظية. وهذا يشمل الابتسام ومواجهة الشخص الآخر بصورة مباشرة (إذا كنتما في نفس الغرفة) وهز الرأس. فهذا يشير إلى أنك تتقبل الآراء الصريحة بدرجة كبيرة وستحمي موظفيك عندما يمارسون حقهم في مخالفة الرأي. وأوضح الطرق للقيام بذلك هي الإصغاء بتعاطف وإبداء الفضول بهدف الفهم، ما يوحي بأنك تعمل مع موظفيك للتوصل إلى حل للمشكلة، ومخالفة الرأي جزء من هذا العمل.
عندما ترفض آراء موظفيك، وضح لهم السبب
عندما ترفض رأي أحد أفراد الفريق أو اقتراحه، وضح سبب عدم قبولك له، فجوابك المتفهم سيدفعه للاستمرار بتقديم آرائه واقتراحاته.
كن الأخير في الإدلاء برأيك
عندما تتحدث أولاً بموجب سطوتك الوظيفية فستفرض رقابة على الفريق بهدوء. لذا، أصغ بإمعان وقدّر مشاركات أفراد الفريق، ثم وضح وجهة نظرك مع أخذ ما قالوه بالحسبان.
كن نموذجاً في إظهار مواطن الضعف
تذكر أن إظهار مواطن الضعف هو تعريض نفسك لاحتمال الأذى أو الخسارة. وإذا كنت قدوة وعززت أسلوباً لإظهار الضعف من خلال ممارسته بنفسك، فسيحذو الآخرون حذوك. تحدث عن أخطائك، واطرح أسئلة استطلاعية، واعترف بما لا تعرفه.
ليس من السهل تعزيز الأمان النفسي، فهو يتطلب مستوى عالياً من الذكاء العاطفي وتحكماً شديداً بالذات. ويقع على عاتق القائد القيام بعمل قد يكون أهم من أي عمل آخر، وحتى من إنشاء الرؤية ووضع الاستراتيجية، ألا وهو تعزيز بيئة تمنح الموظفين الحماية مقابل التعبير عن آرائهم بصدق. هكذا تُبنى ثقافة الشجاعة الفكرية.