4 ممارسات يجب على القادة إتقانها لكسب ثقة الآخرين والحفاظ عليها

7 دقائق
قائد جدير بالثقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يتباين مفهوم جدارة القادة بالثقة ويختلف تعريفه من شخص لآخر، ويتطلب الأمر بذل الكثير من الجهد لنيل هذه الثقة. ويتناول كاتب المقالة 4 ممارسات تستند إلى الأبحاث يجب على القادة إتقانها لكسب ثقة الآخرين والحفاظ عليها. أولاً: اجعل قيمك واضحة، ثم احرص على الالتزام بها. ثانياً: أظهِر الاحترام للآخرين ولعملهم. ثالثاً: حدّد متى تبوح بمكنون صدرك وتنفتح على الآخرين ومتى تحافظ على أسرارك. رابعاً، وأخيراً، اغرس الشعور بوحدة الصف في مؤسستك. إذ نمر بحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، وبات كسب ثقة الآخرين والحفاظ عليها كل يوم أمراً في غاية الأهمية. وإذا كنت تأمل التمتع بحياة مهنية تترك أثراً بارزاً وبصمة حقيقية، فابدأ ببناء سمعة تفيد بأنك “قائد جدير بالثقة”.

اضطررتُ مؤخراً إلى تقديم ملاحظات إلى مسؤول تنفيذي، ولنسمه فريد، استناداً إلى البيانات التي جمعتها. كان وقعها ثقيلاً على نفسه، وكانت خلاصتها: “يجد الموظفون صعوبة في الثقة بك”. فاتخذ موقفاً دفاعياً بالغ العنف. وأصر على أنه لم يُخل بأيٍّ من التزاماته وحقّق نتائج إيجابية ولم يتصرف على الإطلاق بشكل ينم عن الخداع أو انتهاك المعايير الأخلاقية. وكان مُحقاً في كل هذه الأشياء.

وشأنه شأن الكثير من القادة، فقد انتابته الصدمة حينما علم أن معايير الجدارة بالثقة قد ارتفعت بشكل ملحوظ بسبب التجارب المريرة التي شهدت انهيار المصداقية والثقة في العالم أجمع على نحو مؤسف. فقد كشف “مؤشر إيدلمان للثقة” لعام 2021 أن المنظمات الحكومية والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام واصلت فقدان الثقة، في حين أن الشركات التجارية تحافظ بالكاد على صورتها الذهنية باعتبارها المؤسسة الوحيدة التي يعتبرها الناس مؤسسة تمتلك الكفاءة وتراعي المعايير الأخلاقية. يتباين مفهوم جدارة القادة بالثقة ويختلف تعريفه من شخص لآخر، ويتطلب الأمر بذل الكثير من الجهد لنيل هذه الثقة.

وقد أجريتُ دراسة طولية استمرت لمدة 15 عاماً شملت أكثر من 3,200 قائد حول الصدق في عالم المؤسسات للاسترشاد بنتائجها في كتابي الذي صدر تحت عنوان “أن نكون صادقين: القيادة بقوة الحقيقة والعدالة والغرض” (To Be Honest: Lead with the Power of Truth, Justice, and Purpose)، وتوصّلتُ من خلالها أيضاً إلى أن كسب الثقة والحفاظ عليها يوجب على القادة قبول أن الموثوقية والنزاهة هما ركيزتان أساسيتان فقط، ولكنهما لا يكفيان وحدهما لإكسابك سمعة بأنك شخص جدير بالثقة. قد يسهمان في وصفك بالشخص الذي يمكن الاعتماد عليه أو يسهل التعامل معه في العمل، لكن إذا أردت أن تكون شخصاً محل ثقة الآخرين باستمرار، فلا بد من التحلي بالمزيد من الصفات. وإذا أردت أن تضمن أن ينظر إليك مرؤوسوك باعتبارك شخصاً جديراً بالثقة، فإليك 4 ممارسات لا بد من إتقانها. وقد أثبتت أبحاثي أنك إذا أتقنتها، فستزداد احتمالية كسب ثقة الآخرين والحفاظ عليها بمقدار 16 مرة.

كُنْ الشخص الذي تدّعيه

نبحر جميعاً وسط الأمواج المتلاطمة لهذا العالم مسترشدين بمجموعة من القيم التي تعكسها أفعالنا، سواء كنا نعي ذلك أو لا نعيه. فقد ندعي أننا نقدّر التعاطف، ولكن إذا كان أول سؤال نطرحه لدى سماعنا خبر اصطدام أحدهم بسيارتنا الجديدة في ساحة الانتظار هو: “إلى أي مدى تضررت السيارة؟” بدلاً من قولنا: “هل تأذّى أحد؟”، فسيبدو حرصنا على إبداء التعاطف ادعاءً أجوف يخلو من أي مضمون. إذ يحكم آخرون على مصداقيتنا من خلال مدى تطابق أفعالنا مع ادعاءاتنا. وإليك كيفية التأكد من تطابقها:

كُنْ مثالاً حياً يجسّد قيمك المعلنة. أول شيء يجب عليك فعله هو الإفصاح عن قيمك حتى يعرف الآخرون ما يمكن توقعه. لكن الأهم من ذلك أن النوايا الحسنة لا يُعتد بها في هذا المقام. فقد كانت إحدى المشكلات في الملاحظات على أداء فريد هي أنه يشيد في كل مناسبة بأهمية العمل الجماعي ويدعي أن فريقه يرفع شعار “فريق واحد، هدف واحد”. لكن أعصابه كانت تنفلت في أثناء الاجتماعات ولا يطيق صبراً لسماع الآخرين وهم يطلعونه على آخر المستجدات، وكان يقابل ملاحظاتهم بالسخرية والتهكم. وعلى الرغم من أنه لم يكن يقصد ذلك، فإن أفعاله كانت ترهب الآخرين وتمنعهم من المشاركة برأيهم، ومن ثم خسر ثقتهم.

وتعتبر قيمك بمثابة معيار يستخدمه الآخرون لقياس نجاح تجربتهم معك. وإذا لم تفصح عنها، فستترك المجال واسعاً أمام الآخرين لطرح افتراضات قد لا تتفق مع ما تؤمن به. وإذا كنت قد أفصحت عنها، كما فعل فريد، فاحرص أشد الحرص على تجسيدها. اكتب قائمة بأهم قيمك، وحدد الطرق التي تنوي اتباعها بحيث ينعكس كلٌ منها على تصرفاتك اليومية.

اعترف بأي فجوات بين ادعاءاتك وأفعالك. لا تتصف سلوكيات أي منّا بالثبات على وتيرة واحدة طوال الوقت. فحدّد الجوانب التي تتعارض فيها أفعالك مع قيمك، ما قد يؤدي إلى عواقب غير محمودة والتباس الأمر على الآخرين دون قصد، على نحو ما جرى بسبب سلوك فريد في الاجتماعات. وإذا اقتضى الأمر، فاعتذر لمن عانوا جرّاء هذه العواقب. وإن لم تفعل، فسيعتبرك الآخرون منافقاً، كما حدث مع فريد، وتتقوض ثقتهم فيك أسرع مما تتخيل. لكن إظهار التواضع لأثر هذه اللحظات قد يكون عاملاً يسهم في مضاعفة الثقة فيك لأن الآخرين سيرونك شخصاً متواضعاً بما يكفي لتحمل المسؤولية عندما تتعارض ادعاءاتك مع أفعالك.

إظهار الاحترام للآخرين ولعملهم

يمثّل الإنتاج الأساسي للأفراد في الاقتصاد الحالي انعكاساً مباشراً لأفكارهم ورؤاهم وإبداعهم، ومن هنا تأتي أهمية إظهار الاحترام للعاملين ولإسهاماتهم. فغالباً ما يمنح العامل أو الموظف ثقته لزملائه الذين يعتبرون أن ما يفعله يشكّل جزءاً مميزاً من هويته. وإليك كيفية تحقيق ذلك:

أتح الفرص أمام الآخرين للتألق. ابحث عن طرق للسماح للآخرين بإبراز مواهبهم. على سبيل المثال، وجّه الدعوة إلى الموظفين البعيدين عن الأنظار واطلب منهم عرض مشاريعهم المهمة على شريحة أوسع من المستمعين في مؤسستك. أو شجّع القائمين على تنظيم الاجتماعات التي تحضرها على سماع عرض تقديمي من شخص تعرف أنّ لديه فكرة رائعة ولكنه يجد صعوبة في توصيلها للمسؤولين. ويمكنك أيضاً تقديم المساعدة لشخص لديه طموحات مهنية، وذلك من خلال تعريفه بأشخاص آخرين داخل شبكة علاقاتك المؤسسية ممَّن يستطيعون مساعدته على تحقيق أحلامه. واكتسب سمعة في محيطك بأنك شخص يقدّر إسهامات الآخرين ويحرص على إبرازها والاحتفاء بها في عموم المؤسسة.

كن ملاذاً آمناً للفشل. ليست هناك لحظات أدعى للحفاظ على كرامة المرء من تلك التي تبوء فيها جهوده بالفشل. ومن طبيعة الإنسان أنه يمنح ثقته للآخرين الذين لا يشعر بالحاجة إلى الاختباء منهم، خاصة عندما يجلله عار الفشل. فإذا ارتكب الآخرون أخطاء، مهما كانت جسامتها، فحافظ على احترامهم لأنفسهم عند مساءلتهم. وازن بين التعبير عن خيبة أملك واستمرارك في مساندتهم والوقوف في ظهرهم، وابذل كل ما في وسعك لمساعدتهم على العودة إلى المسار الصحيح.

الموازنة بين الشفافية وحُسن التقدير

اعرف متى تبوح بمكنون صدرك وتنفتح على الآخرين ومتى تحافظ على أسرارك، لأن هذا يمثل مفتاح السر للاتصاف بالشفافية. وستنال ثقة الآخرين عندما تكشف عن معلومات تساعدهم على معرفة هويتك وطريقة تفكيرك، وكذلك عندما تحجب معلومات معينة مع الكشف عن سبب حجبها. وإليك كيفية تحقيق التوازن بين الأمرين:

ضع حدوداً للكشف عن المعلومات والتزم بها. كن واضحاً بشأن المعلومات التي ستكشفها عن حياتك الشخصية والأطراف التي ستكشفها لهم. وحينما تكشف عن أشياء تتعلق بحياتك الشخصية، مثل حياتك الأسرية واهتماماتك الخارجية وحياتك الاجتماعية، بل وبعض التحديات، فإن هذا سيؤدي إلى فتح نافذة على شخصيتك الحقيقية بخلاف تلك التي تظهر في محيط العمل، ما يسهم في توطيد العلاقة بينك وبين الآخرين ويزيد ثقتهم فيك. علاوة على ذلك، كن سخي اليد في الكشف عن المعلومات المتعلقة بالعمل، واحذر أن تتعامل معها كمصدر للقوة أو أن تستخدمها للإيحاء بأنك تعرف ما لا يعرفه الآخرون. وحينما تكشف عن معلومات حول سير العمل في المشاريع أو تكشف عن معلومات قد تساعد الآخرين على اتخاذ قرارات مستنيرة، فإن هذا سيمكنهم من رؤيتك كمصدر مفيد للبيانات الموثوقة. وأخيراً، حافظ على الأسرار التي ائتمنك الآخرون عليها. وابتعد عن جلسات النميمة والشائعات في مؤسستك. يجب ألا يشعر الأشخاص الذين وثقوا بك وائتمنوك على أسرارهم بأن ثقتهم كانت في غير محلها.

اعرض الآراء المخالفة والملاحظات ورحّب بها. شجّع الآخرين على إبداء رأيهم من خلال اتباع طقوس معينة تدعوهم من خلالها إلى تقديم أفكار خارجة عن المألوف وملاحظات صريحة أو الإفصاح عن بعض جوانب الحياة الشخصية. على سبيل المثال، افتتح الاجتماعات بتوجيه الدعوة إلى المشاركين لكتابة الأفكار أو الملاحظات أو الأسئلة على بطاقات مفهرسة، ثم اختر عشوائياً بطاقة أو اثنتين لمناقشة ما بها من أفكار أو ملاحظات. يُعتبر اتخاذ هذه الخطوة دون الكشف عن هوية المشاركين في البداية وسيلة توفّر لهم قدراً معقولاً من الأمان لعرض آرائهم بحرية تامة. وقد عملتُ مع قائدة بإحدى الشركات كانت تسأل فريقها بانتظام بعد عرض أفكارها: “أين سأخرج لتناول الغداء؟”. ومن خلال التماس الآراء المخالفة، تحسّنت جودة أفكارها بشكل ملحوظ.

ومن المهم بالقدر ذاته أن تدلي بدلوك لعرض ملاحظاتك وآرائك المخالفة في سبيل مساعدة الآخرين على تحسين أفكارهم ومستوى أدائهم. وإذا كنت تجد صعوبة في التكلم بصراحة مع الأشخاص المهمين في حياتك، وتشعر بالقلق بشأن ردود فعلهم، فهذا يعني على الأرجح أنك لم تنجح في كسب ثقتهم. لا تدع خوفك يمنعك من الإفصاح عن رأيك الذي يمكن أن يسهم في نموهم. إذ يثق الناس بطبيعة الحال في الآخرين الذين يهتمون بهم بما يكفي ليقدموا لهم بلطف المعلومات الصعبة التي لن يقدمها لهم الآخرون.

بناء الجسور التي توحّد الصفوف

إذا كان العام الماضي قد أثبت لنا شيئاً، فهو أن عالمنا بات شديد التفكك. لقد طورنا دوافع غريزية تخلق فينا الشعور بالسعادة عند الانحياز إلى جانب دون آخر والتوافق مع أولئك الذين يرون العالم كما نراه نحن. ومن الصعب معرفة مدى التفكك الذي ستلمسه مؤسساتنا عندما ننتقل إلى الشكل التالي من “الذهاب إلى العمل”. لكن أولئك الذين يسهمون في خلق الشعور بوحدة الصف في مؤسساتهم سينالون قدراً أكبر من الثقة مقارنة بأولئك الذين يعززون حالة الانقسام.

حوّل الخصوم إلى شركاء. تتم الغالبية العظمى من أعمال المؤسسة المهمة عبر الحدود الفاصلة بين مختلف إداراتها. وتخلق هذه الحدود صوامع منعزلة بكل أسف، وقد تسفر عن تحوُّل من يحاولون تجاوزها إلى خصوم، غالباً بسبب تعارض المقاييس وتضارب الأولويات أو انعدام الثقة المتراكم. لكن القيمة الأكبر التي يتم خلقها في المؤسسات تحدث أيضاً في “المفاصل” التي تلتقي عندها الوظائف الرئيسية. على سبيل المثال، يجب أن يخلق قسما المبيعات والتسويق تجربة رائعة للعملاء. وأولئك الذين يبنون تحالفات عبر هذه الحدود يكتسبون قدراً أكبر من الثقة، ليس فقط من جانب فرقهم الخاصة، ولكن من جانب الفرق التي كانت ترفضهم ذات مرة أيضاً. وحينما تمتلك الشجاعة لتحقيق المصلحة العامة بالتعاون مع الآخرين بدلاً من الاستمرار في إبداء العداوة لهم، فإن هذا سيُظهر استعدادك للتخلي عن غرورك ومنح الثقة لأولئك الذين كنت تجد صعوبة في منحهم ثقتك، ويستدعي هذا بدوره قدراً أكبر من الجدارة بالثقة.

كُنْ مفتوناً بالآخرين لخلق الانتماء. عندما يشعر الإنسان بالقدر الكافي من الأمان ليكون على طبيعته، فمن الطبيعي أن يمنح ثقته لأولئك الذين يوفرون له هذا الشعور بالأمان. لكن الانشغال بالروتين اليومي، الذي تفاقم بفعل انفصال زملاء العمل بعضهم عن بعض لأكثر من عام، يجعل من الصعب ملاحظة الصفات الفريدة لدى الآخرين. فانظر واستمع إلى التفاصيل المهمة التي يشاركها الآخرون حول حياتهم التي قد تكون عبارة عن هواية أو رحلة قاموا بها مؤخراً أو جانباً من جوانب حياتهم الأسرية، حيث توفّر هذه التفاصيل مدخلاً مهماً لترسيخ الشعور بالانتماء. أظهر حماسك الحقيقي لسماع المزيد من التفاصيل عن الحكايات الشخصية. فعندما يعتقد الآخرون أنك تهتم بالأشياء التي يهتمون بها، فسيشعرون بأنهم موضع ترحاب. وكلما زادت معرفتك بما هو مهم للآخرين، خاصة الأشخاص المختلفين عنك، قلّت احتمالات إساءة الحكم عليهم، ما يضمن نيلك مستويات أعلى من ثقتهم.

لا توجد عملة في الحياة المؤسسية أكثر قيمة من الجدارة بالثقة. ولم يعد بإمكاننا افتراض أننا نمتلكها لمجرد اعتقادنا أننا لم نفعل أي شيء لتدميرها. إذ نمر بحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، وبات كسب ثقة الآخرين والحفاظ عليها كل يوم أمراً في غاية الأهمية. وإذا كنت تأمل التمتع بحياة مهنية تترك أثراً بارزاً وبصمة حقيقية، فابدأ ببناء سمعة تفيد بأنك “قائد جدير بالثقة”. وتذكّر أن أحد الزملاء في مؤسستك سيروي يوماً ما على مائدة العشاء قصة عن تجربته معك. فما القصة التي تأمل أن يرويها؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .