كيف تطبّق عمليات المساءلة الإدارية على الموظفين بفاعلية؟

7 دقائق
المساءلة الإدارية للموظفين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: لطالما واجهت الشركات صعوبات في وضع أنظمة عمليات المساءلة الإدارية للموظفين وتحسينها، بدءاً من تقييمات الأداء السنوية إلى عمليات المراجعة الروتينية مع المدراء، ومع ذلك لا يزال معظم الموظفين يخشون إجراء تلك المحادثات. وعادة ما تُسفر معظم تلك العمليات عن تصنيفات قسرية في شكل أرقام أو علامات تجعل الموظفين يشعرون بالتهديد والإهانة وعدم التقدير. لكن يمكن للقادة ضمان أن يشعر موظفوهم بالتقدير مع تبني فرص التحسين في الوقت نفسه حتى في ظل عمليات المساءلة الرسمية الصعبة. وللقيام بذلك، يجب أن تشكل الكرامة والإنصاف والإصلاح أساس المحادثات المستمرة المتعلقة بالأداء.

 

كلمات قليلة بلغة بسيطة تنطوي على أثر بالغ مقارنة بعمليات “المساءلة” الإدارية للموظفين، والسبب في ذلك وجيه، وقد أمضى القادة والشركات عقوداً في محاولة معرفة ماهية تلك الكلمات وكيفية تحقيق أثرها الفاعل. اسأل أي موظف عما إذا كان يتطلع إلى جلسة تقييم أدائه أو جلسات المراجعة السنوية مع مديره، وسيجيب معظمهم بالنفي القاطع.

تُظهر البيانات إقرار ما نسبته 82% من المدراء بأن لديهم قدرة “محدودة أو معدومة” على محاسبة الآخرين بنجاح، في حين أفادت نسبة 91% من الموظفين بأن “محاسبة الآخرين بفاعلية” هي أحد أهم احتياجات التطوير القيادي في شركاتهم. وتؤكد البحوث أيضاً على حقيقة أن أنظمة المساءلة الحالية تجعل الموظفين يشعرون أنهم عديمي القيمة، ووجدت شركة “غالوب” (Gallup) أن 14% فقط من الموظفين يشعرون أن أداءهم يُدار بطريقة تحفزهم، في حين يحصل 26% منهم على تقييمات أقل من مرة واحدة سنوياً، وأفاد 21% من الموظفين أن مقاييس الأداء تقع ضمن نطاق سيطرتهم، في حين يشعر 40% منهم أن مدراءهم يحمّلونهم مسؤولية تحقيق الأهداف التي وضعوها. أضف إلى ذلك حقيقة أن 70% من الموظفين يشعرون بأن مدراءهم يفتقرون إلى الموضوعية في الأسلوب الذي يتبعونه لتقييم أدائهم، وليس من المستغرب أن يشعر 69% منهم أنهم لا يستغلون كامل إمكاناتهم في العمل.

تكمن المشكلة الأساسية في أنظمة المساءلة في أنها تنطوي على أكثر من مجرد عمليات محاسبة هذه الأيام، إذ تُسفر طبيعة هذه العملية القائمة على تسجيل النقاط عن تحيّز سلبي داخلي يبحث فيه القادة لا شعورياً عن أوجه القصور، وعادةً ما تنتهي عملية الحساب بتصنيف إجباري قائم على نظام تقييم مكوّن من أرقام أو علامات، يُطلب فيه من المدراء اعتماد التصنيف التراكمي للموظفين ومقارنتهم بزملائهم. تحدثت مؤخراً مع قائد في إحدى المؤسسات من زبائن الشركة بعد انتهاء جلسة مراجعة أدائه مباشرة، وكان غاضباً وقال: “كيف يمكنه منحي 3 درجات؟ لطالما حصلت على 4 درجات، ولطالما كنت في القمة طوال مسيرتي المهنية! أما اليوم حصلت على 3 درجات لأنه لا يمكنه منح 4 درجات إلا لعدد محدود من الموظفين!” أصغ إلى تلك الاستنتاجات المؤلمة التي توصّل إليها ذلك القائد عن نفسه وعن مديره. فالجلسة التي كان من المفترض أن تنطوي على محادثة مثمرة جعلته يفقد أعصابه ويشعر بالاستياء من الشخص الذي أقحمه في ذلك الوضع. ولم يكن وحده في ذلك، إذ كشفت دراسة حديثة في مجال العلوم العصبية أن رد فعلنا على عملية التصنيف يتمثّل في الشعور بالتهديد، بمعنى آخر، نشعر حرفياً بعدم الأمان عندما نخضع للتصنيف.

تُعتبر عمليات المساءلة إحدى الطرق الرسمية وغير الرسمية التي يتحدث فيها القادة عن مساهمات أولئك الذين يتولون إدارتهم ويقيّمونها ويؤكدون قيمتها ويبيّنون لهم التحسينات التي يمكنهم إجراءها لتعزيز تلك المساهمات. وتشتمل عمليات المساءلة على كل شيء، بدءاً من جلسات تقويم الأداء السنوية وانتهاءً بعمليات المراجعة الروتينية مع المدراء. ويمكن للقادة ضمان أن يشعر موظفوهم بالتقدير مع تبني فرص التحسين في الوقت نفسه حتى في ظل عمليات المساءلة الرسمية الصعبة. ولجعل هذه العملية تجربة شائعة، لا بد أولاً من إدراك أن إجراء تعديلات على عمليات التصنيف في أنظمة المساءلة فقط لن يغير الوضع، بل يجب على الشركات إعادة توضيح معنى أن يقوم القادة بخلق ثقافة قائمة على تحمّل المسؤولية.

3 تحولات رئيسة لتطبيق عمليات المساءلة الإدارية على الموظفين

استناداً لخبرة دامت 30 عاماً من مراقبة القادة الذين نجحوا في خلق تلك الثقافة على أكمل وجه ومن خلال إجراء بحوث حول تحمّل المسؤولية، توصّلت إلى ثلاثة تحولات رئيسة يجب على القادة تنفيذها لضمان أن تقدّر عملية المساءلة عمل الموظفين وأن تبثّ فيهم روح الحماس لتحقيق إنجازات أكبر، دون أن يشعروا بالإهانة أو عدم التقدير.

اجعل كرامة الموظفين هي الأساس

يجب على المدراء فهم الأثر الذي تتركه أحكامهم على الموظفين. وتُظهر دراسة حديثة حول الدماغ أن آراء الآخرين عنا تؤثر في إحساسنا بالكفاءة الذاتية. وعندما يؤمن القادة بأن دورهم ينطوي على خلق الظروف التي تجعل الموظفين يقدّمون أفضل مساهماتهم ويستمتعون بأدائها بصدق، تتحسن ركائز أنظمة المساءلة الرئيسة التالية:

تتعزز العلاقة بين القادة والمرؤوسين المباشرين. بدلاً من جلسات المراجعة الشهرية أو الربع سنوية الإجبارية التي يقدّم خلالها الموظفون تحديثات روتينية، يجب أن تحثّ تلك المحادثات الموظفين على تحقيق هدف ما. تأمّل الأسئلة التالية، “ماذا تعلمت هذا الشهر؟” أو “ما هو أكثر شيء جعلك تشعر بالفخر؟” تحفّز تلك الأسئلة الموظفين على رواية قصص الإنجاز والنضال.

تزداد جودة التقييمات وعملية التعلم. تزداد جودة الملاحظات التقييمية عندما ينطوي هدف أنظمة المساءلة على صون كرامة الموظفين بدلاً من مراقبتهم. وسيشعر الموظفون أنهم أقل خضوعاً للمراقبة وأقل ميلاً لإخفاء ضعف أدائهم عندما يرون اهتمام مدرائهم الصادق بنجاحهم. من جهة أخرى، سيشعر المدراء بالراحة عند تقديم الملاحظات والتوجيه حول حالات القصور في الأداء عندما يلتزمون بمساعدة موظفيهم في تحقيق النجاح ويكونون أقل تركيزاً على توثيق الأداء.

وتتمثّل أبسط طرق إظهار تقديرك لأولئك الذين تقودهم في أن تسألهم عن الأسلوب الذي اتبعوه في أداء أعمالهم. وبدلاً من التعليق بالعبارة المعتادة “عمل جيد” بعد أن ينتهي شخص ما من العمل على مشروعه، استفسر عن تفاصيل عمله، كأن تقول: “أنا متأكد من أن هذه المهمة استغرقت منك الكثير من الجهد. كيف تمكّنت من تنفيذها؟” ثم لاحظ مقدار الحيوية التي يشعرون بها عندما يروون لك القصص ويخبرونك بالمجالات التي واجهوا صعوبات في حلها والأمور التي جعلتهم يشعرون بالفخر.

ركز على الإنصاف

كما كتبت من قبل، عندما تتّصف أنظمة المساءلة بالإنصاف، يزداد صدق الموظفين بمقدار أربعة أضعاف، لاسيما بشأن أخطائهم، ويتصرفون بإنصاف مع الآخرين، ويسعون إلى تحقيق أهداف المؤسسة بدلاً من تحقيق مصالحهم الخاصة. لكن للأسف، خلطت أنظمة المساءلة بين المساواة والإنصاف وصُممت بشكل يحول دون رفع الموظفين دعاوى قضائية ضد الشركات ويقلل تحيزات المدراء، فأسفرت في النهاية عن تقويض الأداء الفردي في الممارسة العملية، وهو ما جعلها أنظمة غير منصفة.

في المقابل، يُتيح لنا التركيز على الإنصاف في عمليات المساءلة تغيير عاملين مهمين للغاية. أولاً، إعادة تعزيز العلاقة بين المساهمة والمساهم. لقد حافظ التفكير التقليدي على جعل مهمة تقييم العمل منفصلة عن مهمة تقييم الموظفين على مدى عقود في محاولة لتحقيق الإنصاف. وكان ذلك النهج منطقياً عندما كان الموظفون ينتجون كميات كبيرة من الناتج نفسه. لكن في ظل الاقتصاد القائم على المعرفة، تُعتبر أفكار الموظفين وإبداعاتهم وتحليلاتهم انعكاسات مباشرة لهويتهم، بمعنى آخر، لقد جعلت طبيعة العمل اليوم من قضية المساءلة قضية شخصية. ومن الإنصاف أن يعتبر المدراء مساهمات موظفيهم ثمرة مواهبهم الفريدة، في حين توصف الجهود المبذولة للفصل بين المساهمة والمساهمين أنها جهود باطلة وغير منصفة.

ثانياً، قد يكشف التركيز على الإنصاف عن التحيّزات داخل أنظمة المساءلة. تُظهر كثير من البحوث تفضيل المؤسسات مجموعات معينة من الموظفين نتيجة التحيزات الضمنية داخل أنظمة المساءلة. لكن عندما ننظر إلى تلك الأنظمة من منظور الإنصاف، تتبلور أمامنا أسئلة صادقة حول كيفية تغييرها. من لديه حق الوصول إلى الفرص الثمينة؟ ما هي التوقعات الحالية حول هوية أصحاب الأداء العالي؟ من هم الذين سيجري تضمين آرائهم وأفكارهم؟ تكشف مثل تلك الأسئلة عما إذا كانت هناك أي فرص عادلة لتحقيق النجاح، بغض النظر عن مستوى قدرة الفرد، وتمكّن القادة من فتح أبواب الفرص أمام الموظفين ليتمكنوا من التألق بأي مواهب يمتلكونها. على سبيل المثال، قد يوسع القائد نطاق الموظفين الذين يمكنهم حضور الاجتماعات وهوية من يمكنه التحدث فيها، أو يتخذ نهجاً جديداً للإقرار بقيمة المناصب التي تحظى بامتياز، كالمهندسين في شركات التكنولوجيا أو خبراء التسويق في شركات الترويج للعلامات التجارية، شرط أن يحقق ذلك النهج المساواة بين الأنواع الأخرى من المناصب والمساهمات.

تحدثت مع هيوبرت جولي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “بيست باي” (Best Buy) للبيع بالتجزئة التي يعود الفضل في نجاح تحوّلها إليه، وأخبرني أن السبب في نجاح ذلك التحول عائد إلى التركيز على مساعدة الموظفين في أن يكونوا على سجيّتهم، بمعنى أن يكونوا “بشراً”. وكما أخبرني غولي:

عندما بدأت العمل بصفتي رئيساً تنفيذياً لأول مرة، طُلب مني ملء بعض النماذج حول أداء فريقي ووضع تقييمات لهم. وتساءلت في قرارة نفسي: ما الهدف من ذلك؟ وقررت أن أسأل الموظفين أسئلة بسيطة بدلاً من ذلك مثل: “ما هو رأيك في أدائك؟” وغالباً ما كان الموظفون ينتقدون أنفسهم بقسوة أكثر مما لو كنت أنا الشخص المنتقد. ثم أسألهم: “كيف يمكنني مساعدتكم؟”، وكانوا يخبرونني بكل احتياجاتهم. بدا ذلك النهج أكثر إنسانية لمحاسبة الموظفين.

وطبّق غولي تلك الرسالة على المؤسسة ككل؛ حيث سأل موظفي المتجر في أثناء عملية وضع معايير للعلامة التجارية الجديدة للشركة السؤال التالي: “كيف ستبدو الشركة عندما نبذل كامل جهدنا وطاقاتنا؟”. وأقرّ غولي بأن السماح للموظفين بالمساعدة في وضع المعايير التي سيلتزمون بها سيقود إلى وضع أنظمة أفضل للمساءلة. وعندما تُتاح للموظفين فرصة المساعدة في وضع المعايير، سيكون لديهم دافع أكبر لتحقيقها، وغالباً ما ينجحون في تجاوز تلك المعايير والتوقعات حتى.

ولإثبات التزامك بالإنصاف، اسأل أولئك الموجودين في فريقك عما إذا كانوا يشعرون بالإنصاف في المجموعة، أو ما إذا كانوا يرون أن بعض المناصب أو الأشخاص يتمتعون بالامتياز، أو ما إذا كانوا يلاحظون وجود تحيّز إلى بعض الموظفين دون غيرهم، ويُفضّل أن تُبقي هوية من تطرح عليه تلك الأسئلة مجهولة. وتذكّر أنه حتى لو كانت نواياك جيدة، سيبقى الموظفون يشعرون أنهم لا يملكون أي فرص عادلة لبلوغ النجاح.

اجعل هدفك الإصلاح والتقويم وليس اللوم

يخشى الموظفون المساءلة في مؤسساتهم. لماذا؟ لأنهم غالباً ما يشعرون بالخزي والعار عندما تُفرض عليهم عواقب أعمالهم، وذلك على الرغم من شعارات الشركة التي تنادي بالتعلم من الإخفاقات. وينطوي رد الفعل الانعكاسي على إخفاء الأخطاء أو توجيه أصابع الاتهام إلى مكان آخر.

من جهة أخرى، إذا رسّخ القادة في أذهانهم فكرة أن التقصير في تحقيق الأهداف يحظى ببعض القيمة، فقد يغيّر ذلك الاعتقاد من الطريقة التي يتعامل بها الموظفون مع أخطائهم وأخطاء الآخرين. وكما حدثتني رئيسة قسم الشؤون العامة في شركة “مايكروسوفت”، كاثلين هوغان، قائلة:

قد تكون عملية حساب المخاطر معقدة في ثقافة يكافح الموظفون فيها للاعتراف بما يجهلونه. بينما يساعدنا الانفتاح على الفشل في تحقيق التوازن بين عقلية النمو ونظام المساءلة. لا يجب علينا أن نحتفي بالنجاحات فقط، وإنما بالأشخاص الذين فشلوا في أثناء محاولتهم جعلنا أقرب من تحقيق النجاح على حد سواء. نريد أن يكون من المقبول أن نقول: “لا أعرف، لكني سأكتشف ذلك”. إن التعلم من أخطائنا يجعلنا أقرب إلى تحقيق النتائج المرجوة، وهذا شكل جديد من المساءلة بالنسبة لنا.

ولا بد للقادة أن يتمتعوا بالتواضع والرحمة والصبر لمعالجة الأخطاء وتصحيحها. ولا بد أن يدركوا أن قوس النجاح المهني لأي شخص لا ينطوي على محصلة مهمة فردية واحدة. كما يجب عليهم أيضاً التحلّي بالتواضع للاعتراف بدورهم في إخفاقات الموظفين. هل كان لدى الموظف الموارد والمهارات ودعم الفريق والجداول الزمنية الواقعية لمساعدته في تحقيق النجاح؟

أمامنا طريق طويل لنقطعه قبل أن تصبح أنظمة المساءلة الإدارية للموظفين داخل مؤسساتنا عملية مرحب بها تسفر عن تقييمات عملية منصفة وتشجع الموظفين على اغتنام الفرص لتحسين أدائهم وتوسيع مساهماتهم. ويُعتبر تضمين عوامل الكرامة والإنصاف والإصلاح في المكونات الأساسية لأنظمة المساءلة نقطة جيدة للبدء.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: ما هي وظيفة المساعد الإداري؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .