التقى رون أحد عملائه مؤخراً، وهو كرم الذي يشغل منصب مدير قسم عام في إحدى الشركات الكبيرة المتخصصة في تصنيع الأغذية، حيث أخبره قائلاً: “أشعر أن كل فرد في فريقي متعب طوال الوقت. وعندما أسألهم عن أحوالهم، يقولون إنهم “بخير”. وإذا طلب أحدهم إجازة، أقبل طلبه على الفور. صحيح أنهم ينجزون أعمالهم على أكمل وجه، لكنهم مشتّتون، وأشعر بالعجز حيال ذلك”.

تأثرت مؤسسة كرم وقطاعها تأثراً شديداً بالتقلّبات التي حصلت خلال العامين الماضيين، وشهدت نتيجة لذلك زيادة في معدل دوران الموظفين، وعدة اضطرابات في سلاسل التوريد، وتغيّر في توقعات قوى العمل بشأن المرونة، وصعوبة في استيفاء الطلبات في الوقت المحدد. وتمثّلت تداعيات ذلك في أزمة طاقة بشرية واسعة النطاق. ولا تعتبر حالة كرم فريدة،

إذ يشهد العالم اليوم حالة تراجع وتقهقر، واستنفاداً في القدرات الاحتياطية، وأزمة صحة نفسية عالمية. ووفقاً لمؤسسة غالوب (Gallup)، ذكر 7 من كل 10 أشخاص على مستوى العالم أنهم يواجهون صعوبات في العمل أو يعانون صعوبات بالفعل.

ويُظهر مؤشر توجهات العمل السنوي الذي أطلقته شركة مايكروسوفت، وهو استقصاء موجّه لآلاف العمال حول العالم تبنّي الموظفين نهج “موازنة” جديد، حيث أفاد 53% من المشاركين، لا سيّما الآباء والأمهات (55%) والنساء (56%)، بأنهم أصبحوا يمنحون الأولوية لصحتهم ورفاهتهم بدلاً من العمل. وهم يتحركون بالفعل ويتخذون الإجراءات اللازمة في هذا الصدد. وتمثَّل السبب الأول الذي استشهدوا به لترك وظائفهم العام الماضي في رغبتهم في العناية برفاهتهم الشخصية أو صحتهم النفسية. لكن حتى عندما برزت ظاهرة الاستقالة الكبرى بصفتها حلاً مؤقتاً لبعض الموظفين لاستعادة شعورهم بالسيطرة على حياتهم أو لمعالجة مخاوف متعلقة بالرفاهة، برزت ظاهرة الندم الكبير في الوقت نفسه. واكتشفنا رغبة الموظفين في مواصلة العمل لكن ليس على حساب صحتهم وسعادتهم بشكل عام.

بمعنى آخر، يجب ألا يكون العمل مستنزفاً للطاقة، وقد لا يكون لحجم العمل علاقة بما إذا كان مستنزفاً للطاقة بالفعل أم لا، خلافاً لما قد نعتقد، بل ما يجده الموظفون مستنزفاً للطاقة هو غياب الهدف في أعمالهم، والحمل المعرفي المطلوب للاستعداد والتفاعل مع المدراء والزملاء المؤذين، والمقايضات بين رفاهتهم أو رفاهة عائلاتهم ومتطلبات وظائفهم، وهي مقايضات قد تبدو مستحيلة على الرغم من أنهم مجبرون على إجرائها.

وقد أصدرت الجمعية الأميركية للجراحين مؤخراً إطار عمل جديداً للصحة النفسية والرفاهة في مكان العمل تدعم نتائجه حقيقة أن خلق مكان عمل صحي قائم على الرفاهة يتطلّب وضع استراتيجيات أكثر شمولية.

وإذا كان أعضاء فريقك لا يُبدون الطاقة النابضة بالحياة التي تعتقد أنها متأصلة فيهم (أو التي كانوا يُبدونها سابقاً)، فإليك ستة مصادر لشحن الطاقة لمساعدتك في تجديد طاقة موظفيك وشحذ هممهم.

اعقد محادثات مهنية موجّهة بالهدف

عزّز فينا العامان الماضيان الحاجة إلى تحديد هدف أسمى لأعمالنا، فقد زادت رغبة الموظفين في معرفة أنهم يسيرون في درب النمو وأن فرص إحداث تأثيرات عظيمة تنتظرهم، وزادت رغبتهم في التحدث عن مساراتهم المهنية، لكنهم لا يشعرون أنهم مستعدون دائماً لبدء مثل تلك الحوارات. لكن يمكن للقادة إبداء اهتمامهم بموظفيهم من خلال إجراء تلك المحادثات وجعلها روتينية، وهو ما يشجعهم على التحدث عن تطلعاتهم المستقبلية دون الشعور بالحرج. ويجب أن تتضمن تلك المحادثات أيضاً تقييمات حول المجالات التي يجب تحسينها حتى يكون الموظفون على استعداد لاغتنام الفرص فور ظهورها.

ويمكن للقادة أيضاً تنظيم جهود أخرى على نطاق أوسع أيضاً. على سبيل المثال، أسست أمل وفريقها مبادرة “أيام الاكتشاف” (Discover Days) في شركة مايكروسوفت لمنح الموظفين فرصة الوصول إلى مجموعة أوسع من فرص العمل والتميّز في سوق المواهب الداخلي.

كما يجب أن يبحث القادة أيضاً عن الأشخاص الموهوبين الذين يشعرون بالملل، ولعلّ أكبر دعم يمكنهم تقديمه لهم هو مساعدتهم على تولّي مناصب أكثر تحدياً ضمن المؤسسة لثنيهم عن محاولة البحث عن فرص عمل خارجها.

ابتكر طقوساً جماعية تعزز الاهتمام المتبادل والإحساس بالانتماء

زاد العمل عن بُعد من إحساس الموظفين بالعزلة التي تُعتبر مصدراً خطِراً لاستنفاد الطاقة، فالوحدة تزيد من ضغوط التحديات الصعبة. ويعرف القادة الذين يبتكرون طقوساً جماعية بالفعل أن تلك الطقوس لا تجدد طاقة أعضاء فرقهم بمفردها،

لكن الفريق الذي يكون أعضاؤه مترابطين يخلق بيئة تشجع الموظفين على العمل، سواء عن بُعد أو وجهاً لوجه. وعندما يشعر الموظفون بالارتباط العميق مع أقرانهم، يتحفزون للعمل ويكون العمل أكثر متعة بالنسبة لهم. أتاح فريق القيادة في شركة أمل للموظفين فرصة مشاركة التحديات التي يواجهونها والمجالات التي يجدون صعوبة في التطور فيها شخصياً. حيث أصبح أعضاء الفريق يتحدثون بحرية عن مشكلاتهم العائلية واحتياجاتهم الصحية والمخاوف العامة الأخرى، وهو ما شجعهم بدوره على طلب المساعدة عند الحاجة ووضع خطط للتناوب على العمل عندما يحتاج شخص ما إلى فترة راحة.

كما اعتاد أحد عملاء رون استهلال اجتماعات الفريق بمجموعة متنوعة من طقوس مراجعة المستجدات اليومية، كمطالبة الموظفين بمشاركة شيء يشعرون بالامتنان له في ذلك اليوم أو ذكر كلمة واحدة تصف مشاعرهم. باختصار، يمكنك جعل فريقك ملاذاً آمناً تركن إليه لتنشيط طاقتك واستعادة حيويتك.

أسهم في بناء مجموعة من العلاقات المتنوعة

أدى العمل عن بُعد إلى تضييق نطاق تفاعل الموظفين مع أقرانهم المباشرين، ما أضعف العلاقات بين الفرق المتعددة التخصصات بنسبة تصل إلى 25%، وهو ما زاد بدوره من العزلة والرتابة اللتين تُعتبران تجربتان مستنزفتان للطاقة.

ويمكنك بصفتك قائداً خلق فرص للموظفين للتواصل مع أقرانهم متعددي التخصصات الذين يؤدون أعمالاً مختلفة تماماً. وهي تجارب محفزة لأنها تتيح للموظفين اكتشاف معلومات جديدة عن زملائهم وأنفسهم. طرح أحد عملاء رون برنامجاً أطلق عليه اسم “ممارسة التعاطف” ينطوي على عقد جلسات توجيه أسبوعية بين الموظفين في مختلف الإدارات في المؤسسة بهدف تعزيز الروابط بينهم. لكن ما لم يتوقعه عميل رون هو مقدار ما تعلمه الموظفون خلال تلك العملية، فقد غيّر البرنامج كيفية أدائهم لوظائفهم وكشف عن مسارات مهنية جانبية لم يفكروا فيها.

امنح موظفيك الأمان في التعبير عن مشاعرهم

تُعد النمذجة إحدى ممارسات الإدارة الثلاثة لشركة مايكروسوفت، إلى جانب التدريب والرعاية. وتتمثّل إحدى أعظم الممارسات التي تجعلك مثالاً يُقتدى به بصفتك قائداً في أن توضّح لفريقك قدرتك على منح الأولوية لرفاهتك. ناقش معهم كيفية تعاملك مع ضغوط العمل أو حتى التحديات الأخرى، مثل القلق أو الاحتراق الوظيفي بصراحة. فالاعتراف بضعفك بشأن رفاهتك يشجع الآخرين على الاعتراف بالتحديات التي يواجهونها بدلاً من التظاهر بالسعادة. وإذا وجدت أن فوائد برامج الاهتمام بالعافية والصحة في شركتك مفيدة، فشارك الفوائد التي اكتسبتها مع أعضاء فريقك وشجعهم على الاستفادة منها. باختصار، تشير ممارساتك في العناية بالذات إلى أهميتها بالنسبة لفريقك، ما يتيح لهم أن يحذوا حذوك.

ابدأ ترتيب الأولويات بدلاً من تعزيز الشعور برُهاب الإنتاجية

أجرت شركة مايكروسوفت استقصاءً على آراء 20,000 موظف في 11 دولة وحلّلت التريليونات من إشارات إنتاجية مايكروسوفت 365 (Microsoft 365) للحصول على أحدث مؤشر لتوجهات العمل. وتمثّلت إحدى أهم النتائج التي توصّلت إليها في عدم التوافق بين مستوى الجهد الذي يبذله الموظفون في العمل مقارنة بالماضي وبين مستوى ثقة المدراء في قدرة موظفيهم على تحقيق إنتاجية عالية.

ونظراً لافتقار القادة إلى الإشارات المرئية التي كانت تعجّ في مكان العمل يوماً ما، يقول 85% من القادة إن التحوّل إلى نظام العمل الهجين زعزع ثقة المدراء في قدرة الموظفين على تحقيق إنتاجية عالية، ما قاد إلى “رُهاب الإنتاجية”. لكن البيانات لا تدعم ذلك، فقد أفاد 87% من الموظفين بأنهم منتجون للغاية، كما يتضح من الزيادة الهائلة في الاجتماعات (153%)، وحجم تعدد المهام، وزيادة ساعات العمل بشكل عام. في الواقع، عندما يشعر الموظفون بالضغط لإثبات قدراتهم على الإنتاج، فغالباً ما يتحوّل مكان العمل إلى “مسرح إنتاجي”، وهو مكان ضار يستنفد الطاقة ويضيع الموظفون فيه وقتاً ثميناً لإثبات قدراتهم الإنتاجية.

لكن بدلاً من القلق بشأن ما إذا كان الموظفون يعملون بجدٍ أم لا، ساعدهم في التركيز على الأمور الأكثر أهمية. وقد أكّد 81% من الموظفين بالفعل على الفائدة المتأتية من المساعدة التي تلقوها في تحديد أولويات أعباء العمل، ومع ذلك، أفاد 31% منهم فقط بأنهم تلقّوا إرشادات مفيدة من مدرائهم في هذا الصدد. تقبّل حقيقة أن الموظفين يبذلون قصارى جهدهم، وبدلاً من أن تُعيد ترتيب قائمة مهام الموظفين المزدحمة نتيجة شعورك بالقلق بشأن ما إذا كان الموظفون يؤدون أعمالهم على أكمل وجه، تخلّص من الأنشطة التي لا تضيف أي قيمة واجعل عمل كل موظف مرتبطاً بأهم أولويات المؤسسة. فعندما يصبح الموظفون أكثر انخراطاً في أعمال هادفة بدلاً من الأنشطة العادية التي يحاولون إبراز قيمتها ستنتشر الطاقة الإيجابية.

راقب علامات النمو وتدخّل عندما يتراجع الأداء

في النهاية، يجب على كل مؤسسة تعريف معنى قوة العمل العاملة والنشطة والمزدهرة وتحديد الإشارات التي توضّح مدى الالتزام بمسار الشركة وتوجهاتها. وفي الواقع، يمكنك العثور على أدلة مهمة من التفاعلات الروتينية لفريقك. على سبيل المثال، ما نوع الأسئلة التي يطرحها الموظفون في اجتماعات فريقك؟ هل هي أسئلة فضولية؟ هل كانت بقصد التعلم؟ هل أسئلتهم تدل على السخرية أو الشكوى؟ كيف يتحدث الموظفون عن تحدياتهم؟ هل يشعرون بالتمكين والفاعلية أم بالاستياء والفشل؟

تُعدّ بيانات اندماج الموظفين وبيانات استقصاء النبض المنتظمة وأنظمة الاستماع الأخرى، مثل مقياس مايكروسوفت لمدى نمو الموظف الذي يُعرّف الموظف بأنه “شخص يتمتع بالسلطة والحافز لأداء عمل هادف”، أدوات رائعة لقياس تجربة الموظفين في العمل على نطاق واسع. لكن بالنسبة للمدراء الذين لا يمكنهم الوصول إلى مثل تلك البيانات، قد يساعدهم الاستخدام الفعال للمؤشرات الموجودة على مراقبة مخزون طاقة فرقهم.

على سبيل المثال، لاحظت إحدى عميلات رون في جلسة تدريب التنفيذيين أن إحدى موظفاتها المتميزات الأداء بدأت تفوّت المواعيد النهائية وتتأخر عن الاجتماعات. لم يكن الأمر مزعجاً تماماً، لكنه كان ملحوظاً. وعندما سألها رون عما إذا ناقشت الموضوع مع الموظفة، أجابت: “لا أريدها أن تعتقد أنني أترقّب أخطاءها، فافترضتُ حسن النية. إنها إحدى أفضل الموظفات لدي وأنا أعلم أنها تعرضت لانتقادات شديدة، ولم أرغب في إهانتها أنا أيضاً”. ويخجل العديد من القادة من التدخل بالفعل عندما تتغير أنماط السلوك، لكن غريزتهم تلك خاطئة تماماً. وفي الواقع، يختلف التعبير عن القلق تجاه شخص ما عن التعبير عن القلق بشأنه. فعندما تكتشف علامات الإنذار المبكر، فعليك التدخّل على الفور. إذا كان موظفك يتعامل مع ضغوط شخصية، فله حرية اختيار إن كان يرغب في مشاركتها معك أم لا وماهية المعلومات التي يرغب في مشاركتها أيضاً. لكن إذا كان عبء العمل يُجهده، فقدم له المساعدة كتعبير عن ثقتك فيه بدلاً من إشارة إلى تزعزع الثقة، وشجعه على أخذ إجازة قبل أن يطلبها. وطمئن موظفيك، لا سيّما أصحاب الأداء العالي، بأن الابتعاد عن العمل فترة من الوقت لا يعني أنهم سيخسرون سمعتهم أو فرصهم في النمو.

أظهرت البيانات أن أماكن العمل المتقلبة والمتغيّرة تستنزف نشاط الموظفين وقواهم. ومهمتك هي السعي إلى تجديد طاقة فريقك والتركيز على خلق بيئة جماعية تحفظ طاقة موظفيك العالية وتشحذ هممهم.