لماذا تستثمر بعض صناديق الاستثمار في مشاريع ريادية لا تلفت النظر؟

19 دقيقة
shutterstock.com/DRogatnev
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
يمكنكم الاستماع إلى هذا البرنامج الصوتي (بودكاست) والاشتراك فيه عبر آبل بودكاستس | جوجل بودكاستس | آر إس إس

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع لورا هوانغ الأستاذة بكلية هارفارد للأعمال ومؤلفة كتاب “الحافة” (Edge) الذي يتناول أساليب تحويل المحن إلى ميزة، وأرلان هاملتون صاحبة رأس المال المغامر (أو ما يعرف برأس المال الجريء) لمناقشة استراتيجيتها في دعم رواد الأعمال الذين تعرضوا للتجاهل بسبب الصور النمطية والتحيزات والتصورات المسبقة.

وتستند هذه الحلقة إلى دراسة الحالة التي أعدتها كل من هوانغ وسارا ميتا بعنوان “أرلان هاملتون وشركتها باكيستيج كابيتال” (Arlan Hamilton and Backstage Capital).

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص:

بريان كيني: “أحتاج إلى المال، لأحقق أموراً لم تتحقق من قبل”. كان هذا تصريح جورج دوريو عام 1961 المعروف بمبتكر رأس المال المغامر الذي حاز روح المبادرة في مستهل ما أصبح لاحقاً جزءاً مهماً وحيوياً من بيئة عمل الشركات الناشئة. في عام 1946، أسّس دوريو، وهو أستاذ دائم في “كلية هارفارد للأعمال”، شركة “أميركان ريسيرتش آند ديفيلوبمنت كوربوريشن” (American Research and Development Corporation)، وهي أول شركة برأسمال مغامر، وعلى مدار الأعوام الـ 26 اللاحقة، أسهم هو ومجموعته الصغيرة من المستثمرين في تنمية حوالي 150 شركة ناشئة، من بينها أول شركة ناشئة بقيمة تتجاوز المليار دولار، وهي شركة “ديجيتال إكويبمنت كوربوريشن” (Digital Equipment Corporation). أدرك دوريو القوة والفرص الكامنة ليس فقط في الاستثمار في الشركات الجديدة وإنما في إرشادها وتوجيهها خلال مراحل تطورها. تمثل الشركات الممولة برأسمال مغامر 43% من الشركات الأميركية المساهمة التي تأسست منذ عام 1980، بما في ذلك شركات، مثل: “جوجل” و”إنتل” و”فيديكس”. لا شك أن هذه الخطوة تبعث على الإعجاب، ولكنها لا تعني أن كل شيء في عالم رأس المال المغامر يسير على ما يرام، فوفقاً لـ”مجلة إنك” (Inc. magazine) فقد حصل مؤسسو الشركات الذكور على 98% من رؤوس الأموال المغامرة، وهو ما لا يشكل مفاجأة بالنظر إلى أن 89% من الشركاء في الشركات الممولة برأسمال مغامر من الذكور. وستحدثنا لورا هوانغ اليوم في المدونة الصوتية “كولد كول” (Cold Call) عن دراسة الحالة التي أعدتها بعنوان “أرلان هاملتون وشركتها باكستيج كابيتال”. معكم بريان كيني في برنامج “كولد كول” الذي سُجل على الهواء مباشرة في “كلارمان هول أستوديو” في كلية هارفارد للأعمال. يتناول بحث لورا هوانغ المراحل المبكرة من ريادة الأعمال ودور العلاقات الشخصية في قرارات الاستثمار التي يتخذها الممولون مثل المستثمرين المؤسسين وأصحاب رؤوس الأموال المغامرة، كما أنها مؤلفة الكتاب الصادر مؤخراً بعنوان: “الحافة: تحويل الشدائد إلى ميزة” (Edge: Turning Adversity into Advantage). شكراً لانضمامك إلينا اليوم يا لورا.

اقرأ أيضا: طريقة جذب المستثمرين.

لورا هوانغ: يشرفني أن أكون ضيفتك اليوم.

بريان كيني: ويسعدنا أن يكون معنا على الهاتف من لوس أنجلوس، أرلان هاملتون، بطلة دراسة الحالة، ومؤسِّسة شركة “باكستيج كابيتال”، مرحباً أرلان وشكراً لانضمامك إلينا اليوم.

أرلان هاملتون: مرحباً، شكراً لك على استضافتي.

بريان كيني: سأفترض أن الطقس عندكِ أفضل مما هو عليه هنا.

أرلان هاملتون: أعتقد ذلك، بلى، الطقس جميل في الخارج.

بريان كيني: حسناً، شكراً على انضمامكما إلينا. أعتقد أن محادثتنا هذه ستكون غاية في الإثارة، وأعتقد أن الكثيرين على دراية بصورة أو أخرى برأس المال المغامر ويعرفون أنه موجود بمقادير هائلة، كما يعرفون أنه شيء مهم، ولكن لا أعتقد أنهم ملمون بالموضوع إلماماً كاملاً، لذا فمن ناحية، أعتقد أننا يجب أن نعطيهم لمحة حول هذا المفهوم وآليات عمله، ومن جانب آخر أعتقد أننا يجب أن نطلعهم على مسببات إخفاقه وكيف تحاول أرلان تصحيح المسار، لذا أطلب من مستمعينا أن يرهفوا السمع ويستوعبوا كل ما سنعرضه وأعتقد أنهم سيستمتعون به، ولكن دعونا نبدأ بسؤال لورا: هلا أعطيتنا فكرة عن المسألة؟ من أين بدأ الأمر؟

لورا هوانغ: بدأ الأمر عند مرحلة اضطرت فيها أرلان للاختيار بين بعض الخيارات الصعبة، حيث وجب عليها وعلى فريقها أن يقرروا المكانة التي يريدون الوصول إليها في المستقبل، هل سيكونون إحدى مسرعات الأعمال؟ إنهم يريدون إحداث أكبر أثر ممكن، ويحاولون اكتشاف آلية تحقيق ذلك، لذا فقد قطعوا شوطاً طويلاً بالفعل، إلا أنهم يواجهون بعض التحديات بشأن رؤيتهم حول ما ستؤول إليه الأوضاع على المدى الطويل. وأرلان ليست من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة النمطيين، ولا تتصرف كما يتصرف أصحاب رؤوس الأموال المغامرة الذين يمارسون التصنيف النمطي، وبالفعل قدمت الكثير لتغيير التصورات بشأن الأشخاص المؤهلين للحصول على التمويل، ومن يقدمون التمويل وكيفية تقديمه. وتعمل مع فريقها بكل جد للحفاظ على مسارهم والوصول إلى أكبر عدد ممكن من المؤسسين المهمشين.

بريان كيني: أحد الأسباب التي دفعتنا إلى مناقشة دراسة الحالة هذه هو كتابكِ الجديد -بالمناسبة نهنئكِ على صدوره، فهو كتاب رائع وكلي شوق لقراءته. أنتِ ترين أن أرلان كانت مثالاً رائعاً في كتابكِ “الحافة”، ونريد أن ننتهز الفرصة اليوم للنظر فيما يعنيه ذلك ولماذا تعتقدين أن شركة “باكستيج” مثال رائع على كل ما ورد بالكتاب، ربما يمكنك البدء فقط بأن تخبرينا كيف علمت بأمر شركة “باكستيج كابيتال”؟

لورا هوانغ: عكفت لفترة طويلة للغاية على دراسة المؤسسين المهمشين ومساوئ عدم المساواة، وتخصصت على وجه التحديد ولفترة من الوقت في دراسة بيئة عمل الشركات الناشئة، حيث درست من حصلوا على التمويل ومن لم يحصلوا عليه، وبحثت في الأسباب، وتوصلت إلى الكثير من النتائج المحبطة، فقد تبين لي أن الاختيار لا يعتمد بالضرورة على جودة الفكرة أو حجم السوق، وإنما على التصورات والإشارات والصور النمطية لدى المستثمرين حول رواد الأعمال. ومن هنا راودتني أسئلة حول ما يمكننا القيام به لتصحيح الأوضاع، وإذا تأكدنا أن هذا الشكل من التحيز موجود بالفعل على أرض الواقع، وتثبتنا من ممارسات التحيز تلك، فماذا عسانا نفعل؟ كدت أصاب بالإحباط، بعد كل تلك السلبيات التي أطلت برأسها من عالم ريادة الأعمال، وفي ضوء حاجة رواد الأعمال الماسة إلى تلك الموارد. تكرر ذكر أرلان على لسان الكثير والكثير من الناس: “هل التقيتِ أرلان هاملتون؟ هل تحدثتِ إلى أرلان هاملتون؟” وكان هذا في مرحلة مبكرة للغاية حقيقة، لذا قررت أن ألتقي أرلان وكان لديها ذاك البريق في عينيها. كانت تفكر في هذا الأمر منذ فترة طويلة للغاية، تواصلت مع أرلان ولكننا تصادقنا بمجرد أن التقينا، أرلان يمكنكِ تصحيح ما أقول إذا كنت مخطئة.

أرلان هاملتون: بلى، هذا ما حدث.

لورا هوانغ: أعتقد أن كلاً منا نتشارك الكثير… فلدى كل منا شغف شديد تجاه هذه المسألة، وعرفت على الفور أنها بالصورة نفسها التي نراها بها الآن، امرأة قوبلت بالاستخفاف ولكنها تمكنت من تغيير هذا التصور. إنها تجسيد حقيقي للشخص الذي لم ينهزم أمام التصورات المسبقة والصور النمطية والإشارات والإيحاءات والتوصيفات التي يطلقها الآخرون عليه، وبدلاً من ذلك، تمكنت من تحويل كل هذه المعوقات لصالحها، لم تفعل ذلك مع نفسها فحسب، بل فعلت ذلك لعدد لا يُحصى من رواد الأعمال، فاستطاعت أن تفيد نفسها وغيرها بهذه الطريقة، ولذا أردت وبشدة أن أروي هذه الملحمة في إحدى دراسات الحالة التي أجريناها. في ذلك الحين، لم يكن بين أيدينا إلا أقل القليل من الحالات التي تسلط الضوء على النساء القويات، وكانت أرلان خير من يجسد هذه الفكرة من حيث النوع والعرق والطبقة الاجتماعية، فهي تمتلك العديد من العوامل التي كانت تمثل معوقات ضدها، بكل المقاييس التقليدية، لكنها مع ذلك تمكنت من تحويلها إلى طاقة خلاقة، وقد تراءى لي أنه يجدر بطلابنا دراسة هذه الحالة، وأن يتعرفوا على قصة “باكستيج كابيتال” وجميع من شاركوا في نسج أحداثها أيضاً.

بريان كيني: أرلان، لا أعلم ما إذا كان قد احمر وجهك خجلاً على الطرف الآخر من الهاتف، ولكن كانت هذه باقة رائعة من المديح لشخصك، هلا حدثتِنا عن طفولتكِ؟ كيف كانت؟

أرلان هاملتون: نشأت في دالاس بولاية تكساس مع أمي وأخي الأصغر، كنا كثيري التنقل، لم نكن نمتلك الكثير من المال، حتى إنني عملت منذ أن كنت في الرابعة عشر من عمري تقريباً للمساهمة في مصاريف الإيجار والمعيشة وأشياء من هذا القبيل. كنت أتمتع دائماً بروح الفكاهة، وكذلك أمي وأخي أيضاً، وأعتقد أن هذا كان يهوّن علينا مآسي الحياة. ربما ظننا أننا نتمتع بروح الفكاهة، وقد يرى الآخرون العكس، لكننا فهمنا بالتأكيد الفكاهة العبثية، تلك التي تطلقها عندما تكون كسير النفس فقير الحال، إنها مفيدة جداً. وهكذا كان هناك الكثير من الحب بالطبع، والكثير من الضحك، والكثير من نقاء السريرة، وما إلى ذلك، لكنني نشأت بالتأكيد ولديّ فكرة محددة جداً عن ماهية المال، فلم أحب المال بشكل عام، فالمال لم يكن يوماً صديقاً لي، لذلك أعتقد أن توجهاتي الفكرية كانت ناجمة عن كلّ من نظرة واقعية للحياة وحقيقتها، والحقائق الصعبة القاسية، في مرحلة مبكرة من حياتي، ولكنني كنت أيضاً قادرة على تحوير هذا الواقع وتغييره بقليل من الفكاهة.

بريان كيني: هل كانت هناك مؤثرات معينة في حياتك تعتقدين أنها ساعدت على الوصول إلى ما وصلتِ إليه الآن؟

أرلان هاملتون: بكل تأكيد. ولحسن الحظ، لطالما فكرت في هذه المسألة خلال السنوات الخمس الماضية، لأن ثمة تغيرات جذرية طرأت على حياتي، وكانت البداية عند أمي. أعلم أن معظم الناس يقولون هذا أو يدعون حدوثه، ولكن البداية الحقيقية كانت بالتأكيد عند أمي، كل ما مررت به من خير وشر تجاوزته برفقتها، بدا لي الأمر كما لو كنا روحاً واحدة في جسدين. وهكذا لمستُ كل الهموم التي اضطرت إلى تحملها، فاحترمتها كثيراً، واحترمت أخلاقياتها في العمل وقواعدها الأخلاقية عظيم الاحترام، وأحاول اليوم أن أسير على خطاها. كانت تتمتع بثبات وقوة لم أرَ لهما مثيلاً ولم أقابل شخصاً حتى يومنا هذا يضاهيها، ومن بعد أمي، وعلى مستوى الأشخاص من خارج دائرة الأسرة، أتت امرأة لا تربطني بها علاقة شخصية، إنها جانيت جاكسون. عندما كنت في سن الثالثة عشرة، ذهبت إلى حفل جانيت جاكسون وتغيرت حياتي، ما زلت أفكر فيها حتى اليوم وقد ساعدتني بعدة طرق على تحقيق استقلاليتي وفهم الكثير عن شخصي، واستمرت في مساعدتي للدفاع عن نفسي والوقوف بجانب الآخرين، حتى تعرفت على شخصية جريئة لا تتكرر طوال الوقت، فمنذ أن كنت في سن الخامسة عشرة، تأثرت كثيراً بريتشارد برانسون في مجال الأعمال، إنني أجده ملهماً بشكل لا يصدق وأحب تمرده على النظام، وأستمتع بتمرده، ونجاحه، وقدرته على تجاوز الكثير من المعوقات على طول الطريق، لقد كان من المفيد مشاهدة ذلك في الصغر وفي أثناء مرحلة المراهقة.

بريان كيني: لورا، أريد أن أعود إلى كتابكِ “الحافة” لبعض الوقت، لأنني بينما أسمع أرلان وجدتها تصف شخصاً كان له أثره في حياتها، ويبدو أنه أحد الأشخاص الذين تحدثتِ عنهم في كتابكِ، هلا وصفت لنا طبيعة كتابكِ “الحافة” ريثما نستكمل المحادثة.

لورا هوانغ: تتمحور الفكرة الرئيسية لكتاب “الحافة” حول كيفية تحدي العقبات والشدائد والصور النمطية المرسومة في أذهان الآخرين وتحويلها إلى مزايا لصالحنا، فتحويل تلك السلبيات إلى إيجابيات يمكّننا من إنشاء واكتساب مزايانا الخاصة، حيث يشير حرف E في كلمة “Edge” إلى “الإثراء” (Enrich) ومعرفة كيفية الإثراء وتحقيق قيمة مضافة، ولكن في كثير من الأحيان لا تتاح لنا الفرصة لنثبت للآخرين قدرتنا على الإثراء وتحقيق قيمة مضافة، لأننا إما لا ننتمي إلى الدوائر الصحيحة، أو أننا لم ننشئ شبكات العلاقات المهنية المناسبة، أو لم تتح لنا الفرصة وحسب، وبالتالي فثمة شيء يجب تحفيزه ليمنحنا تلك الفرصة لإثبات قدرتنا على الإثراء. وهذا هو الجزء المبهج من الموضوع، إنه القيام بأمر قد يمثل مفاجأة لأحدهم أو شيئاً يلفت انتباهه، بحيث تتاح لنا فرصة الحصول على نقطة البداية، ثم هناك حرف G الذي يشير إلى “التوجيه” (Guide). عليك الاستمرار في توجيه تصورات الناس حول هويتك ومسارك، أما حرف E الأخير فيشير إلى “الجُهْد” (Effort)، إذ غالباً ما ننظر إلى العمل الشاق باعتباره أهم الأولويات، وأن عملنا الشاق سيكون خير رسول، ولكن هذا الاعتقاد ينافي الحقيقة في أغلب الأحوال، وغالباً ما نتوصل إلى هذا الإدراك الذي تحدثت عنه أرلان، حيث نرى الأمور على حقيقتها، ونوقن أن العمل الشاق لن يتحدث دائماً عن نفسه. وهكذا عندما تعرف كيف تثري وتبهج وتوجه، فعندئذ سيصب نتاج جهدك وعملك الشاق في مصلحتك. لعلك تدري أنني من أشد المعجبين بأرلان وقضيتها، ومع ذلك فإن أهم ما في الموضوع أن هذه القضية تتصف أيضاً بالواقعية الشديدة من حيث احتوائها على هذا الكم الهائل من الصراعات، ومواجهتها للكثير من الشدائد والتحديات، وبالتالي فإن هذا الجانب المتمثل في السقوط والوقوف من جديد، لا بد أننا جميعاً سنمر به وسنخوض هذه التجربة، فهذا جزء من الرحلة، جزء من البحث عن المزايا وتحقيقها.

بريان كيني: إذاً، لنعد إليكِ يا أرلان في هذه الجزئية، لأن مستمعينا الآن صاروا على دراية بماهية “الحافة” أو “Edge” وفق منظور لورا، وقد تأكد لي من قراءتي للكتاب أنكِ بلغتِ الحافة أو “Edge” في قضيتك، ولكن هلا أخبرتنا شيئاً عن رحلتكِ؟ لقد خضتِ بعض تجارب الأعمال التجارية الريادية التي أدت بكِ إلى مسار معين، فهلا أخبرتنا بالمزيد عنها؟

أرلان هاملتون: عندما كنت أخوض تلك الرحلة لم أفكر فيها باعتبارها مساراً محدداً، بل كنت أشعر بأنني أطفو وأحاول العثور على طريقي، لكنني منذ أن كنت طفلة دائماً ما كنت أحلم بأن أنشئ مشروعي الخاص، لذا أنشأتُ هذه الشركات الصغيرة في أثناء مسيرتي، وشيئاً فشيئاً كبرت هذه المشاريع الصغيرة حتى صارت كيانات ناجحة، وهكذا أصدرت مجلة متخصصة في الموسيقا في أوائل العشرينيات من عمري، وهي مجلة مطبوعة ولم يكن ذلك بالأمر اليسير، وكان لديّ مدونة تحظى بشعبية واسعة في أواخر العشرينيات من عمري. لم أكن يوماً من الأثرياء طوال مسيرتي. كنت أعيش صراعات دائمة، لأنني كنت أجهل أموراً معينة صرت على دراية بها الآن، ثم دخلت مجال الموسيقى ولكن من باب الجولات، وتحديداً في الجانب الإنتاجي للجولات، وهو الجانب الذي يبدو منقطع الصلة بالموسيقا. كنت أصطحب الفنانين في الجولات الموسيقية، وكنت إما عضوة في مجموعة كبيرة تضطلع بهذه المهمة، أو كنت أضطلع بها بمفردي. كان عملاً مثيراً للغاية، وكان كل شيء فيه يبدو ضرباً من ريادة الأعمال وخاصة طريقة التنفيذ، ثم بعد أن بلغت من العمر 32 عاماً أو نحو ذلك، أدركت أن كل ما فعلته من قبل، المجلة والمدونة، كان شركة حقيقية أسستها، إلا إنني لم أكن أملك الوسائل أو الموارد اللازمة لتحويلها إلى كيان أكبر، وكانت تلك هي الفترة الزمنية بين 2011-2012 حيث بدأت أعرف المزيد عن “وادي السيليكون” وعالم الشركات الناشئة وبدأت أكتشف أنني أملك… لقد اكتشفت نفسي، اكتشفت انتماءاتي ومساري الحقيقي. بدا الأمر بالنسبة لي أشبه بالنهوض لأجل فرصة ثانية، وكأنني أقول لنفسي: “لعل هذا هو السبب في خوضي لهذه التجارب، هذا هو السبب في إحساسي بهذه المشاعر، هذا هو السبب في عدم اشتراكي في التأمين الصحي”، لأنني لا أستطيع الانقياد إلى قواعد الشركات، لأن شخصيتي لا تتوافق مع عالم الشركات التقليدية، ولأنني أنشئ هذه المشاريع منذ أن كنت في الصف الثالث. بدأت معي كل هذه الأفكار خلال الأعوام السبعة الأخيرة.

بريان كيني: لكنكِ تجعلين الأمر يبدو أسهل مما كان عليه. أعتقد أن دراسة الحالة تدور حول ما أبديتِه من صبر وعناد لتصلي بشركة “باكستيج” إلى نقطة البداية.

أرلان هاملتون: أعني أن تلك كانت مجرد البداية. أقصد أن اكتشافي لحقيقتي وحقيقة وضعي في عام 2012 كان مجرد البداية لسبع سنوات أو أكثر لأكبر تحد في حياتي ومصدر السعادة والفخر العظيمين في حياتي، لكنه ولا ريب أصعب تجربة خضتها على الإطلاق. قبل ذلك، كنت… كنت أعاني مما أحب وصفه بعدم الاستقرار في السكن. إنها طريقة أكثر شياكة لأقول إنني في بعض الأحيان لم أكن أجد مكاناً أعيش فيه منذ أن كنت في أوائل العشرينيات من عمري، إذ كنت كثيرة الانتقال لأسباب عديدة، ولكن بعد ذلك في أوائل الثلاثينيات، عدت مرة أخرى إلى الوضع ذاته وصرت أيضاً أتعرف في الوقت نفسه على عالم الشركات الناشئة وأتعرف على رأس المال المغامر، لأنني لم أكن أمتلك ولو سنتاً واحداً، وبالتالي لم أتمكن بطبيعة الحال من المساهمة كمستثمر مؤسس، ولكني استطعت تكوين فكرة حول عالم الشركات الناشئة وقلت لنفسي: “حسناً، سوف أنشئ شركة، سوف أبدأ مشروعي الخاص الآن، لقد فعلت ذلك من قبل وأنا على علم بالإجراءات إلى حد ما، إذاً سوف أبحث بكل طاقتي حتى أستعد للمناقشات مع المستثمرين”، ومن هنا بدأت الحصول على ما أسميه التعليم الجامعي المنزلي لمدة أربع سنوات، وعندما بدأت في تعلم كل شيء أستطيع تعلمه، قلت: “حسناً، أنا مستعدة، لقد استعددت لمناقشة أصحاب رؤوس الأموال المغامرة”. كان ذلك عندما بدأت التعلم من مؤسسين آخرين ومن مقالات من هنا وهناك، ثم من تجاربي الخاصة تجربة تلو الأخرى، إلا أن المستثمرين في “وادي السيليكون” وفي عالم رأس المال المغامر لم يكونوا عوناً لي، لم يكونوا يبحثون عن شخص مثلي أو مثل أقراني، إنما كانوا يبحثون عما يحقق لهم النجاح بالطرق التقليدية التي ألفوها. عليك أن تفهم أن هذا هو العالم الذي كنت أعيش فيه، بصفتي امرأة ذات بشرة سوداء من الجنوب، دون تعليم جامعي تحاول تأسيس شركة.

بريان كيني: سبق وأثرتُ هذه النقطة في مقدمتي بخصوص هيمنة الذكور على هذه الشركات بنسبة 89% وحصول الذكور ذوي البشرة البيضاء على 98% من رؤوس الأموال المستثمرة، وبالتالي فمن الواضح أنكِ تتحسسين طريقك في مكان لا يُتوقَّع من أمثالك الوجود فيه بكل تأكيد.

أرلان هاملتون: هناك من سبقني دون أدنى شك، وأود أن أنوه إلى ذلك قدر المستطاع، لأنني لم أهبط هنا بالباراشوت ولا أنا أول من يعاني هذه الشدائد. في الواقع ثمة دراسة حالة بين يديّ تثبت ما أقول. لقد كنا وما زلنا نتعرض للتجاهل، ولم يستطع المستثمرون رؤيتنا من قبل لعدة أسباب، منها التحيز، ومنها ما هو أسوأ من التحيز، كعدم حصولي على شهادة تعليمية، وهذا ما كنت أحاول أن أسلط الضوء عليه. كان ما أفعله بمثابة التلويح بذراعيّ والصياح بأعلى صوتي: “أنا موجودة، أعلم أنني سأصنع شيئاً بنفسي، أعلم أنني أستطيع تأسيس شركة وتحقيق نجاح كبير”. أعرف أن هناك الكثير من الأشخاص مثلي ممن يستطيعون تحقيق كل ذلك، لذا فالحقيقة الكبرى هنا إلى جانب الشركة، الشركة الوحيدة التي أريد تأسيسها، والحقيقة الكبرى هنا هي البنية الكاملة لموقف المستثمرين.

بريان كيني: أريد أن أنتقل إلى لورا، لأنك عملتِ في هذا القطاع طوال فترة بحثكِ، وهذا جزء من منحتك الدراسية، فما الصور الديناميكية التي لاحظتها في قطاع رأس المال المغامر؟

لورا هوانغ: هذه البنية التي تحدثت عنها أرلان، هي السياق الذي نحتاج فيه إلى المال للاستثمار واكتساب الخبرة. ونحتاج إلى هذه الخبرة لإثبات أن بإمكاننا تحقيق النجاح والتميز. أخبرني بعض المستثمرين من قبل بأنهم لا يستثمرون أي مبالغ مالية إلا بقدر ما هم متقبلون ومستعدون لخسارته، لذا إذا كنت ستحرر لهم شيكاً بقيمة 10,000 دولار أو بقيمة 20,000 دولار، فاعلم أنهم على استعداد لخسارة هذا المبلغ نقداً، لأن هذه هي الطريقة التي تكتسب بها الخبرة. يمكنك اكتساب الخبرة من خلال تحرير هذه الشيكات وارتكاب الأخطاء وخسارة كل تلك الأموال. بسبب هذا النهج التمويلي متعدد المصادر الذي يتيح لك تكبد خسائر فادحة 29 مرة وتحرز فيه تقدماً ملموساً مرة واحدة وعندئذ سيتم الإشادة بك باعتبارك مستثمراً مذهلاً، فمن الصعوبة بمكان خوض التجربة إذا لم تكن تتوافر لديك الوسائل اللازمة من الأساس. وينظر رواد الأعمال إلى المسألة من الزاوية نفسها، نظراً لصعوبة الحصول على رأس المال، ولا يمكنك تنمية شركة وتوسيع نطاق أعمالها، ولا يمكنك تطوير نموذج أولي، ولا يمكنك إجراء تجارب على السوق، ولا يمكنك القيام بالكثير من الأشياء دون الحصول على الكثير والكثير من رأس المال. وعندما نرى أشخاصاً بأعينهم أكثر عرضة للفشل، فإننا نعجز أحياناً عن معرفة السبب الحقيقي، والذي ربما يتمثل في عجزهم عن الوصول إلى المستثمرين، وربما تمثل في الأفكار المتوارثة أو السوق وكل هذه الديناميكيات التي تؤثر في سير العملية، وهو ما يصعّب على الأطراف الخارجية الاطلاع على المصادر الداخلية ويسهّل على الأطراف الداخلية البقاء كأطراف داخلية.

بريان كيني: إذاً، أرلان، ما نقطة التحول التي سمحت لك أخيراً بإطلاق شركتكِ “باكستيج”؟

أرلان هاملتون: لقد كانت سلسلة من نقاط التحول الصغيرة والعديدة، هذه هي الحقيقة، ولكن نقطة التحول الأبرز والأهم جاءت عندما تعرفت على أول مستثمر ملاك دعمني لدعم شخص آخر. وهكذا التقيت سوزان كيمبرلين في سبتمبر/ أيلول 2015، بعد أن عرفتني لنحو ثلاثة أو أربعة أشهر بعد أن استطعت اقتحام عالم “وادي السيليكون”، فدعمتني وقالت لي: “لا أعرف ما الذي ستفعلينه بهذا المال، لكنني متأكدة أنكِ ستحرزين نجاحاً”، وحررت لي شيكاً بقيمة 25,000 دولار لأستثمرها في شركة أخرى وشيكاً آخر بقيمة 25,000 دولار استثمرها في النفقات العامة لشركتي والتأكد من أنني أقف على أرض صلبة. وبسبب وضعي الشخصي في هذه المرحلة من النوم في المطار وجهلي بكيفية حصولي على الوجبة التالية، ظل هذا المال ولفترة طويلة من الزمن يعني لي العالم بأسره. ودائماً ما كنت أقول إنني أستعد لهذه اللحظة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، ودائماً ما قلت لنفسي إنني لن أحول الأمر إلى حفل، ولن يكون هناك احتفال، وإنما “لنذهب إلى العمل، أنا جاهزة الآن”، لذا كنت متأهبة لهذه اللحظة، لقد استطعت الحصول على استثمار دائماً ما سعيت إلى الحصول عليه، ثم أدى ذلك إلى الخطوة التالية، ثم التي تليها، وبمرور الوقت، تمكنت من البناء على نجاحاتي لأسباب متنوعة، ثم تحقيق مزيد من النجاحات واستقطاب المزيد من المستثمرين وراء الكواليس، حتى أصبح أناس، مثل مارك أندرسن وبراد فيلد وإلين باو وغيرهم مستثمرين في عمليات التمويل التي كنت أدعو إليها.

بريان كيني: هؤلاء مستثمرون كبار، إذاً، كيف تصفين رؤيتكِ لشركتكِ “باكستيج”؟

أرلان هاملتون: لا أريد بعد خمس سنوات من الآن الدخول إلى غرفة في “وادي السيليكون” أو في غيره من مراكز التقنية ولا أرى فيها سوى رجال ذوي بشرة بيضاء مولعين بأجهزة الكمبيوتر، يرتدون قلنسوات وينقرون على حواسيبهم ويعملون على فكرة بقيمة مليار دولار أو يحاولون تنفيذ الابتكار التالي الذي سيستخدمه العالم أجمع. لا أريد أن أرى ذلك فحسب، أريد أن أراهم وأريد أن أرى نفسي وأريد أن أرى أشخاصاً يشبهوننا جميعاً، ذوي خلفيات متباينة، ممن لم يضطروا إلى دفع ثمن الانضمام، وهذا مهم جداً بالنسبة لي، لأنه إذا اقتصر الأمر على من يستطيع أن يدفع ثمن الانضمام، فلن نتمكن أبداً من الاستفادة من كل الإبداع والابتكار الموجود حولنا. في الواقع، ومن واقع خبرتي الشخصية، وجدت أن الأشخاص الذين يملكون القليل، هم الأكثر إبداعاً، أفلا نريد أن تتاح أمامهم المزيد من فرص الوصول إلى الموارد اللازمة لمشاركة إبداعهم مع العالم؟ أعني، أنني صرت أيضاً أنظر إلى الأمر بطريقة مختلفة مؤخراً، إذ إن العيش في الولايات المتحدة يُلزمنا بحتمية المنافسة مع بقية دول العالم، ولا أعتقد أننا قادرون على المنافسة على المستوى التقني، أو على مستوى الأعمال، إذا لم نحسن الاستفادة من الموارد الأخرى المتوافرة بين أيدينا، مثل آراء الآخرين وأفكارهم وإبداعهم ومهارتهم. أما إذا واصلنا المضي قدماً في ظل الأوضاع الراهنة، فسرعان ما سنتحول إلى ديناصورات مآلها الانقراض. وأعتقد أن هذه طريقة أخرى للنظر في المسألة، ذلك أن حصول ذوي البشرة السوداء على ما يحصل عليه نظراؤهم من ذوي البشرة البيضاء ليس ضرباً من الشعور براحة الضمير فحسب، وإن كانت هذه حقيقة مسلماً بها، لكنه يمثل ميزة تنافسية أيضاً، وأمراً منطقياً، دراسة جدوى تمثل لي أهمية قصوى من كل الجوانب، بينما أسير في أروقة “باكستيج” كل صباح.

بريان كيني: اذكري لنا بعض الأمور التي تراعينها أنتِ وفريقكِ عندما تبحثون عن مؤسسين محتملين للعمل معهم؟

أرلان هاملتون: إننا نراعي اعتبارات مختلفة، ولعل هذا أحد الأسباب التي دعتني إلى تشكيل المجموعة التي شكلتها، حيث نتباحث حول مختلف القضايا، فتختلف رؤانا أحياناً وتتفق في معظم الأحيان، وهذا ما نريده لأننا نسعى إلى تحقيق التنوع في “باكستيج” أيضاً، بحيث إذا سألت شخصاً آخر في فريقنا، فمن المرجح أن تحصل على إجابة مختلفة، ومن هنا فإن الأمر يتعلق بدرجة كبيرة بالمؤسس، لأنني أراهن في مرحلة مبكرة جداً من عمر الشركة على غياب الكثير من نقاط البيانات التي يجب دراستها، لذلك أبحث عن شخص يذكرني بنفسي ويدعمني بالفكرة نفسها، مثلما قالت لي سوزان: “لا أعرف ما الذي ستفعلينه بهذا، لكنني متأكدة أنكِ ستحرزين نجاحاً”. وهذه مهارة اكتسبتها بمرور الوقت ألا وهي الغريزة والفهم، والزمن وحده كفيل بإثبات كم أنا بارعة في ذلك. وبينما تكبر سني ويتغير العالم من حال إلى آخر، سأبحث عن أهداف أكبر وأكبر، وأحاول معالجة مشاكل أكبر وأكبر في إطار النظر بعين الاعتبار إلى الفئات المهمشة والتي تنخفض نسبة تمثيلها بين مؤسسي الشركات الجديدة، بحيث نتخلص من السؤال الذي يقول: “ما خلفيتك؟” ليحل محله أسئلة أهم من عينة: ما الذي تعمل عليه؟ هل هو شيء سيحدث تغييراً كبيراً، أم مجرد تغيير ضئيل للغاية ويمكن لعشرة أشخاص آخرين القيام به بالسهولة نفسها؟ إنني أنجذب أكثر فأكثر إلى الأمور التي تغير مسار الحياة، وإن عجزت عن تغيير مسار الحياة، فعلى أقل تقدير ترقى بجودتها في القريب العاجل. كانت هذه الرؤية مثيرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى على مدار العامين الماضيين، لأنني قضيت السنوات الخمس الأولى أفكر فيما يفكر فيه كل مستثمر آخر، وهو السؤال الذي يقول: “هل ستدر فكرتك المال؟ هل يمكن توسيع نطاقها؟ هل أنت الشخص المناسب لتنفيذها؟ وقبل كل ذلك، هناك معيار التعددية. والآن، مع القليل من الامتيازات المعززة التي تمكنت من الحصول عليها في هذه العملية، صرت قادرة نوعاً ما على أن أجلس وأقول: “الآن أريد أن أنظر إلى الأمر من زاوية المستثمر وأريد أن أحصل على أطروحتي الخاصة حول الأمر”. إنني أبحث عن أفكار كبيرة وجريئة، وأشخاص أؤمن بقدرتهم على التنفيذ، وأولئك الذين سيبذلون قصارى جهدهم حتى إن لم ينجحوا، أشخاص يُعملون عقولهم ويعطلون مشاعرهم، ويمكنهم تقبل النقد البنّاء ويمكنهم تولي زمام القيادة، يمكنك عادة معرفة ما إذا كان شخص ما قائداً ماهراً أم لا من خلال تأمل معاملته مع من حوله، يمكنك اكتشاف ذلك في غضون 15 دقيقة في معظم الحالات.

بريان كيني: هذا هو سؤالي التالي، وهو موجه إلى لورا، لأنني أردت أن أسأل لورا، ما أسلوب القيادة الذي تعتمده أرلان؟ كيف ينظر إليها الناس كقائدة؟

لورا هوانغ: إذا كنت قائداً فلا بد أن تعرف أنك ستقود أشخاصاً مختلفين بطرق مختلفة، والاستجابة بصور مختلفة مع مختلف الأشخاص، بناء على هويتك وخلفيتك وتجاربك وكذلك بناء على هوية من تتعامل معه وخلفيته وخبراته. أحد الأمور التي تُجيدها أرلان أنها تعرف نفسها حق المعرفة، كما أنها شخصية مستقلة قوية لا تخجل من هويتها، بل تستطيع التفاعل في الوقت ذاته مع الآخرين بطريقة تُظهر أيضاً تفّهمها لظروف نشأتهم في البيئة نفسها أو في بيئات مختلفة، ولكنها في كلتا الحالتين قادرة على التواصل مع مختلف الأشخاص، فنحن مختلفتان للغاية في بعض النواحي، ومتشابهتان جداً في البعض الآخر، ولكننا كلما أجرينا محادثة للتباحث حول أي شيء يخص العمل أو شيء شخصي أو غيرهما من الأمور، يمكننا العثور على أرضية مشتركة ونقطة تفاهم على الرغم من اختلافنا في الرؤى. أذكر أنني تحدثت ذات مرة مع أرلان، وكان هذا في وقت مبكر، واعتقدت حينها أنها ستوافقني الرأي بخصوص كتابة دراسة الحالة بطريقة معينة كنت أتصورها، لكنها بادرتني بقولها: “يروق لي هذا الجزء، لكنني لا أحب ذلك الجزء”، أو “هذا الجزء لا يعبر عن حقيقة ما أنا عليه بالفعل”، ولكن لا نزال نحافظ على الجوهر، لأنه من المهم حقاً عندما نكتب دراسة حالة كهذه أن يكون لدينا منظور مستقل خارج ما قد يفكر فيه بطل الرواية في تلك اللحظة، خارج ماهية الشركة، حتى يتمكن الطلاب حقاً من سبر أغوار الدروس المستفادة، ونقاط الضعف المكتشَفة التي قد تخفى حتى على بطل الرواية، وهو ما تفهمته أرلان، وأظن أن هذا مؤشر قوي للغاية على شخص يمتلك مؤهلات القيادة والتفكير.

بريان كيني: وإذا كنتِ تفكرين في المميزات، فمرة أخرى، بالعودة إلى المعايير الأربعة، فإنني أسمعها بصوت أرلان والطريقة التي تتحدث بها والقضايا التي تتناولها، وإن بدا لي أن هذا سيصبح أمراً مألوفاً، لأنها تبحث عن أشخاص لديهم المميزات نفسها أيضاً، إنه نوع من تحقيق الذات.

لورا هوانغ: إلى حد ما، أقصد أن عملية إنشاء ميزة خاصة بك أو اكتسابها إنما هي عملية تطورية في الأساس، حيث يتمتع بعض الأشخاص بطبيعتهم بميزة، ليس في جميع المواقف، لكن يتمتع بعض الأشخاص بطبيعتهم بميزة، بينما يجب على آخرين أن يبنوا ميزتهم الخاصة في أي مكان يعملون به، والشيء الذي أؤكد عليه كثيراً سواء في الكتاب أو في البحث الذي أجريه، هو أن كل شخص يتمتع بميزة. نتحدث كثيراً عن القالب المعتاد من الخصائص مثل النوع والعرق والأصل، وتصادف أن أرلان تجسد الكثير من هذه الخصائص التي وضعتها إما في موقف تعرضت فيه للتهميش أو واجهت فيه تحديات كبيرة، ولكن كل منا يتمتع بميزة، جميعنا يتمتع بمزايا، بغض النظر عن الموقف الذي نمر به، ولن يكف الناس عن إطلاق تصوراتهم الاستباقية عنك وتوصيفهم لسلوكك، وعليك أن توجّه تلك التصورات والتوصيفات بطريقة تظهر هويتك الحقيقية وتتيح لك بناء علاقة شخصية مع الغير بطريقة إثرائية للغاية ومدفوعة بتحقيق قيمة أكبر. أعتقد أنه لا بد من فهم أننا وفي أثناء كتابتنا لدراسة الحالة هذه ظل يلح على أذهاننا سؤال محوري حول كيفية تفاعل الطلاب مع حقيقة أنها تحاول رد الجميل، على سبيل المثال: إذا كانت تفكر في صندوق يمول النساء ذوات البشرة السوداء فقط، أو إذا كانت تعتزم إنشاء صندوق مخصص لنوع معين فقط من ريادة الأعمال، فكيف نتعامل مع هذه القضايا؟ كيف نتعامل مع حقيقة أن التحيز والتمييز والحرمان مفهوم أعمق بكثير؟ وأعتقد أن هذه هي المفاهيم التي نضعها في دراسة الحالة التي تثري المناقشة، حقيقة أن هذا لا يتعلق فقط بالتنوع والاندماج، بل يتعلق بكيفية وقوفك ضد هذه الأمور، وما الذي يمكنك فعله، وما الاستراتيجيات، وما القضايا الأكثر عمقاً التي تتداخل مع هذا الأمر.

بريان كيني: أرلان، هل انضممت إلى لورا عندما كانت تدرّس في هذه الدورة؟

لورا هوانغ: كلا، لكنها ستكون هنا في المرة المقبلة التي أدرّس فيها هذه الدورة، آمل ذلك، أليس كذلك يا أرلان؟ سوف أجعلكِ تتعهدين بذلك على الهواء.

أرلان هاملتون: أنتظر هذه الفرصة على أحر من الجمر، فأنا متشوقة للقاء طلابك والإجابة عن أسئلتهم الصعبة. أنا على أتم الاستعداد للحضور.

لورا هوانغ: إنهم قساة، ولذا أعتقد أنها ستكون محاضرة ممتعة… إن أرلان من الأشخاص الذين يضمنون مناقشة ممتعة حقاً، لأنني دائماً أقول لطلابي في بداية المناقشة: “سوف نتظاهر بأن هذا الشخص غير موجود بيننا في القاعة”. في الواقع، سيشعر شخص مثل أرلان بالضيق إذا سمحنا بتغيير تعليقاتنا بناء على حقيقة وجودها في القاعة، فروعة الحوار تكمن في أنه يقدّم لبطل القصة كذلك رؤى وأفكاراً جديدة، بحيث يستطيع العودة إلى شركته ومفاجأتهم بقوله: “مرحباً، إليكم بعض الأمور التي أثارها أشخاص من خارج الشركة لم تخطر على بالنا من قبل”. وقد حدث الشيء نفسه عندما تحدثت مع الطلاب حول دراسة الحالة التي بين أيدينا، فقط رؤى وأفكار متباينة حول كيفية تفكيرنا في التنوع والشمول والقادة غير التقليديين، ولماذا نستخدم كلمة قائد غير تقليدي لوصف هذا النوع من الأبطال؟

بريان كيني: آراء وجيهة، ويمكنني أن أؤكد لكِ أن الطلاب عندما يقرؤون دراسة الحالة هذه في الدورة الدراسية، فلا أظن أنهم سيستهينون بكِ، فهي حالة رائعة، شكراً لكما لانضمامكما إلينا.

لورا هوانغ: شكراً جزيلاً لك.

أرلان هاملتون: شكراً جزيلاً لك.

بريان كيني: كنتم تستمعون إلى المدونة الصوتية “كولد كول” (Cold Call)، التي نرجو أن تنال إعجابكم، ونود أن ننبه حضراتكم إلى مدونات أخرى من شبكة “هارفارد بزنس ريفيو”. وسواء كنت تبحث عن نصيحة بشأن تطوير أدائك المهني، أو تود الاطلاع على أحدث الأفكار في إدارة الأعمال، أو كنت فقط ترغب في الاستماع لأفكار أساتذة كلية “هارفارد للأعمال”، فستجد في شبكة “آتش بي آر بريزينتس” (HBR Presents) شبكة إذاعية توفر المدونات الصوتية التي تبحث عنها. يمكنك أن تجدها على “آبل بودكاستس” (Apple Podcasts) أو أياً كان الوسيط الذي تستمع من خلاله. كان معكم برايان كيني. وكنتم تستمعون إلى المدونة الصوتية “كولد كول” (Cold Call)، البث الإذاعي الرسمي من شبكة آتش بي آر بـ “كلية هارفارد للأعمال”.

آتش بي آر برزنتس (HBR Presents) هي شبكة من البرامج الصوتية (بودكاست) برعاية وتنسيق محرري مجلة هارفارد بزنس ريفيو، تقدم لك أفضل الأفكار العملية التي جادت بها قريحة العقول الرائدة في مجال الإدارة. وجهات النظر والآراء الواردة هنا هي آراء مؤلفيها حصراً، ولا تعبر بالضرورة عن السياسات أو المواقف الرسمية لمجلة هارفارد بزنس ريفيو أو المؤسسات التابعة لها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .