تحاول الشركات دائماً تغيير برامج الحوافز لموظفي المبيعات فيها، إلا أن معظم هذه التغييرات لا تفي بالغرض، وإليكم فيما يلي المنهجية الأفضل في طرق تحفيز مندوبي المبيعات.
لا يكف المدراء التنفيذيون في أقسام المبيعات عن البحث عن سبل جديدة لتحفيز موظفي المبيعات. فتراهم يعقدون اجتماعات تدشين على أعلى المستويات من أجل الإعلان عن برامج حوافز جديدة، ويقدمون وعوداً برحلات مميزة لمن يحقق أعلى المبيعات. وعندما تنخفض المبيعات يعقدون مسابقات بين الموظفين. وعندما لا تتحقق النتائج المرجوة على صعيد المبيعات، فإنهم يلقون باللائمة على برنامج المكافآت، ويعودون إلى المربع الأول ليبدؤوا الكرة مرة أخرى.
لكن أقسام الشؤون المالية في الوقت ذاته تجد أن برامج المكافآت مجرد أحد المصاريف التي عليهم التحكم بها. وليس هذا بالأمر المفاجئ: فمكافآت فريق المبيعات تمثل أكبر استثمار تسويقي في معظم شركات الأعمال التي تجري أعمالها مع مؤسسات أعمال أخرى. فالشركات الأميركية وحدها تنفق أكثر من 800 مليار دولار أميركي على هذه المكافآت كل عام، وهو رقم أكبر بثلاثة أضعاف ما تنفقه هذه الشركات على الدعاية. لذلك ليس غريباً أن نعرف أن أقسام المالية في الشركات تسعى لضمان أن تصمم برامج المكافآت هذه بحيث تتضمن إجراءات داخلية لضبط النفقات. فبعض الشركات مثلاً تعرض نسب عمولة مقطوعة بحيث تختلف المكافآت وفق زيادة أو تراجع الأرباح. وثمة شركات أخرى تضع سقفاً للمكافآت عند تحقيق مندوب المبيعات أهدافاً محددة من الأداء، في حين ما يزال آخرون يستخدمون المكافآت من أجل التحكم بالإنفاق عبر ربط المكافآت التي يحصل عليها مندوب المبيعات بأهداف الأرباح في وول ستريت.
لكن ثمة شركات ذات نظرة تقدمية استطاعت أن تحصّل أداءً أفضل من فرق عملها من خلال التعامل مع مندوبي المبيعات على اعتبار أنهم مجموعة من الاستثمارات التي تتطلب مستويات وأنواعاً متباينة من الرعاية والاهتمام. فبعض مندوبي المبيعات يمتلكون قدرات أفضل ودافعاً داخلياً أقوى من سواهم، وهنالك العديد من الأبحاث التي ترى أن مندوبي المبيعات "النجوم"، وضعيفي الأداء، ومتوسطي الأداء يتأثرون بأشكال مختلفة من برامج المكافآت. فمندوبو المبيعات "النجوم" يحققون أي هدف أمامهم، لكن قد يتوقفون عن العمل لو فرض عليهم سقف ما. أما الضعيفون فيحتاجون المزيد من التوجيه والدفع من أجل تحقيق الأهداف (باستخدام كل من الجزرة والعصا في الكثير من الحالات). أما البقية فهم في الوسط بين هاتين الحالتين، وهم ينالون القدر الأدنى من الاهتمام، مع أنهم يمثلون المجموعة الأقدر على تحقيق الفرق الحقيقي عادة، في حال حصلوا على الحوافز الملائمة.
إن أخذ الاختلافات بين الأفراد بعين الاعتبار يزيد من احتمالية نجاح خطة المكافآت على تحفيز أداء مندوبي المبيعات بجميع أصنافهم. وفي هذه المقالة سنناقش كيف يمكن للشركات اعتماد هذه الطريقة لتحقيق عائدات أكبر على الاستثمار ومن أجل تعزيز أداء المبيعات لديها.
تحفيز مندوبي المبيعات متوسطي الأداء
ثمة مفارقة عجيبة وهي أن معظم برامج الحوافز تكاد تتجاهل مندوبي المبيعات ذوي الأداء المتوسط. فلماذا لا تنال هذه المجموعة ما يكفي من الاهتمام؟ إن أحد الأسباب هو أن مدراء المبيعات لا يتعاطفون معهم. فهؤلاء المدراء، في العديد من الشركات، كانوا فيما مضى مندوبي مبيعات متميزين غالباً، لذلك فإنهم يوجهون جلّ تركيزهم وعنايتهم لمندوبي المبيعات ذوي الأداء المتميز تحت إدارتهم. أما النتيجة التي تترتب على ذلك هي أن ذوي الأداء المتوسط كثيراً ما يجري تجاوزهم حين يتعلق الأمر بالترقيات كما يتم تجاهلهم في الاجتماعات السنوية للمبيعات. إلا أن ذلك لا يصب في مصلحة الشركة بالضرورة. فالمندوبون متوسطو الأداء يمثلون عادة النسبة الأكبر من العاملين في المبيعات في الشركة، وعليه فإنه لا يمكن للشركة أن تحقق أهدافها من المبيعات إن لم ينخرط هؤلاء الموظفون بشكل فاعل في عملهم. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات التي ثبتت فعاليتها في تفعيل دور هذا الصنف من مندوبي المبيعات وتحفيزهم.
الأهداف متعددة المستويات
عمل مايك مؤخراً على مشروع مع شركة أميركية للخدمات المالية ووجد كيف أن هذا النوع من الأهداف يساعد على تحفيز مندوبي المبيعات متوسطي الأداء الذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة من المندوبين في هذه الشركة. ففي الأشهر الصعبة كانوا تقريباً دائماً يفلحون في تحقيق الأهداف المحددة لهم، أما في الأشهر ذات الظروف المواتية فكانوا نادراً ما يتجاوزون أهدافهم بنسب عالية. وقد جربت الشركة منهجية الأهداف متعددة المستويات بهدف رفع مستوى أدائهم.
وكان هدف المستوى الأولى يمثل نقطةً سبقَ أن حققها معظم مندوبو المبيعات في الشركة، أما هدف المستوى الثاني فكان نقطة وصلت إليها مجموعة أقل من المندوبين، بينما كان هدف المستوى الثالث نقطة لم تحققها سوى نخبة مندوبي المبيعات في الشركة. ثم قُسِّم مندوبو الشركة إلى مجموعتين: فتم تحديد أهداف للمجموعة الأولى من المستوى الأول والثالث، بينما تم تحديد أهداف من المستويات الثلاثة للمجموعة الثانية. وكانت الفرضية تقول أن المستويات المتعددة من الأهداف ستكون بمثابة درجات السلم التي تأخذ بيد مندوبي المبيعات متوسطي الأداء إلى مستويات أعلى.
وقد تبين بالفعل الأثر الكبير لهذا التقسيم للأهداف، فكان المندوبون متوسطو الأداء الذي خصصت لهم أهداف ثلاثية المستويات يتفوقون تفوقاً كبيراً على المندوبين متوسطي الأداء الذين خصصت لهم أهداف من مستويين وحسب. وفي المقابل، لم تكن هذه الأهداف الثلاثية المستويات كافية لتحفيز مندوبي المبيعات النجوم والمندوبين الأضعف أداءً، إذ لم تؤدّ إلى اختلاف كبير في الأداء بين هاتين الفئتين من المندوبين.
وتدل هذه النتائج على أن أصحاب الأداء المتوسط من مندوبي المبيعات يبذلون جهوداً أكبر حين تحدد لهم مستويات إضافية من الأهداف. أما المتميزون، فهم لا يتأثرون كثيراً بهذه الدرجات الإضافية، وذلك لأنهم يرون أن المستوى الثالث والأعلى ممكن التحقيق بالنسبة إليهم، بصرف النظر عن عدد الأهداف. أما عدم الاكتراث من جانب الأضعف أداءً فيدل على أنهم لا يكترثون سوى بتحقيق المستوى الأول من الأهداف ويرضون عن أدائهم بمجرد أن يصل إلى ذلك الحد.
الجوائز
نعمل حالياً على مشروع بحثي عن دور برامج الجوائز في مسابقات المبيعات في تحفيز مندوبي المبيعات متوسطي الأداء. وتتمثل مشكلة المسابقات في حقيقة أن مندوبي المبيعات "النجوم" هم الذين يربحون عادة. ونظراً لذلك، فإن صاحب الأداء المتوسط لا يتحمس لبذل المزيد من الجهد. ومن الممكن تقسيم المتنافسين على أساس أدائهم السابق، مما قد يحد من المشكلة إلى حد ما، ولكن ثمة مشكلة أخرى تترتب على هذا: فما وجه الإنصاف في أن يحصل متوسطو أو ضعيفو الأداء على أكبر الجوائز، بينما يحصل المتميزون على الجوائز الأدنى، هذا إن حصلوا على جوائز أصلاً؟
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل عندما تحتاج لمندوبي مبيعات من المتخصصين؟
في الحالة المثالية يصمم المدراء التنفيذيون في أقسام المبيعات مسابقات يستفيد منها متوسطو الأداء والمتميزون من المندوبين. وهذه معادلة صعبة التحقق إلا إن أخذت بعين الاعتبار أن الناس يمتلكون استعداداً فطرياً لتقبل مكانتهم في الهيكلية الاجتماعية، فسيكون الأمر ممكناً. والأمر الأساسي هنا هو أن تقدم هدايا (وليس النقود) لجوائز المستوى الأدنى بحيث يمكن أن تعتبر مساوية أو حتى أفضل من جوائز المستوى الأعلى في أحد جوانبها. تخيل مثلاً أن تكون الجائزة العليا هي إجازة فاخرة للعب الغولف، أما الجائزة الدنيا فهي إجازة عائلية خاصة. ففي حين أن الإجازة العائلية أقل قيمة من إجازة نادي الغولف، إلا أن المندوب متوسط الأداء يمتلك القدرة على التأقلم مع موقعه في منحنى تقييم الأداء، ولذلك فإنه يغير كذلك من تفضيلاته، وقد يتقبل الجائزة التي حصل عليها ويقول: "لقد لعبت الغولف كثيراً في الآونة الأخيرة، والأهم لي الآن أن أقضي المزيد من الوقت مع أسرتي". وقد وجدنا أن ذوي الأداء المتوسط يعملون باجتهاد أكبر ويقدمون أداء أفضل في المسابقات من هذا النوع مقارنة بأدائهم في المسابقات التي تكون فيها الجوائز نقدية. أضف إلى ذلك أن تزايد الجهود لديهم لا يترافق مع تراجع الجهود من قبل المندوبين المتميزين أو ذوي الأداء الضعيف.
إلا أن هذه المنهجية لا تجدي نفعاً إن كانت الجوائز المقدمة على مستويات الأداء الأدنى هي مجرد نسخ ذات مستوى أدنى من جوائز المستويات الأعلى. فمتوسط الأداء لن ينظر إلى إجازة الغولف في نادٍ عاديّ على أنها أفضل من إجازة غولف في نادٍ راقٍ. وإنما يجب أن يكون في الجائزة ذات المستوى الأدنى عنصر ليس موجوداً في الجائزة الأرقى. وفي المثال السابق كانت الإجازة مع الأسرة كفيلة بضمان تحمس ذوي الأداء المتوسط للمشاركة بفعالية في المسابقة.
كما أننا رأينا كيف أن ذوي الأداء المتوسط القريبين من القسم الأدنى في الوسط يتفاعلون مع الحوافز المصممة من أجل تعزيز أداء المندوبين ضعيفي الأداء. وسبب ذلك هو خوفهم من السقوط في فئة ضعيفي الأداء. ولننظر الآن إلى الحوافز الفعالة للمندوبين في تلك الفئة.
تحفيز ضعيفي الأداء
عادة ما تتمتع مجموعة ضعيفي الأداء بقدر من التباين، إذ قد يكون فيها موظفون في بداية مسيرتهم المهنية بحاجة إلى التدريب، كما قد تجد من بينهم موظفين قدامى فقدوا الحماسة للعمل مع مرور الزمن، وقد يكون من بينهم ببساطة أشخاص أقل مهارة وحماسة للعمل مقارنة ببقية الزملاء. وكان معظم مجموعات ضعيفي الأداء التي تعاملنا معها تشتمل على أفراد يمكن تحسين أدائهم بشرط تقديم الحوافز المناسبة. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات (على مستوى العصا والجزرة معاً) والتي تضمن تحفيز ضعيف الأداء "الجيد" ليحسن أداءه نحو الأفضل.
الزيادات المرحلية
يجري توم حالياً دراسة حول "الجزرة" الأكثر استخداماً: الزيادات (bonuses). وتعمد هذه الدراسة على بيانات ميدانية تم الحصول عليها من إحدى الشركات في قائمة فورتشن 500 وتبيع معدات متينة للمكاتب، وهي تعتمد على بناء نماذج خاصة لسلوك مندوبي المبيعات المتميزين، وذوي الأداء المتوسط، وذوي الأداء الضعيف وذلك ضمن عدد من برامج المكافآت المختلفة.
وقد وجدت الدراسة أن إلغاء الزيادات الربعية من حوافز ضعيفي الأداء، والإبقاء على الزيادات السنوية وحسب، سيؤدي إلى إضعاف أدائهم عموماً (على أساس الإيرادات التي يحققونها) بنسبة 10%. وقد تكرر الأمر ذاته مع الأداء العام لمندوبي المبيعات المتميزين ومتوسطي الأداء وذلك بنسبة 2% و4% على التوالي. وليس هنالك جانب سلبي مرتبط بالزيادات الربعية، بل إنها تساعد أصحاب الأداء الضعيف على المساهمة في زيادة إيرادات الشركة دون التأثير سلباً على أداء المجموعات الأخرى.
اقرأ أيضاً: هل تملك فكرة عن نشاطات مسؤولي المبيعات لديك؟
وقد تبين أن الأهداف المرحلية قادرة بالفعل على تغيير سلوك ضعيفي الأداء في مجالات أخرى أيضاً، فقد لاحظ البحاثة في مجال التعليم مثلاً وجود هذا النمط بين الطلبة كذلك. فالطلبة الأضعف أداء يحتاجون إلى اختبارات سريعة دورية خلال الفصل من أجل ضمان متابعتهم. أما عند غياب مثل هذه الآليات فإن نتائجهم تكون ضعيفة في الاختبارات النهائية. في المقابل نجد أن الطلبة المتفوقين – مثل مندوبي المبيعات المتميزين – يبذلون الجهود المطلوبة من تلقاء أنفسهم دون الحاجة إلى التعامل مع أهداف مرحلية.
الضغط الاجتماعي الطبيعي
عادة ما يذكر المدراء أن استقدام مندوبي مبيعات يتمتعون بالمهارة يضع مندوبي المبيعات الأضعف أداء تحت نوع من الضغط الاجتماعي. وكثيراً ما يقارن ذلك بأثر "اللاعب الاحتياطي"، لأنه شبيه الضغط الذي يمارسه اللاعبون الأقل مستوى على المبتدئين في اللعبة، وما يتولد لديهم من رغبة في تحسين أدائهم.
وقد قمنا في دراسة أجريناها مؤخراً بقياس أثر "لاعبي الاحتياط" على أداء موظفي المبيعات الموجودين. فعبر استخدام أساليب الاقتصاد القياسي المتقدمة قمنا بعقد مقارنة بين الأقسام التي فيها "لاعبو احتياط" والأقسام التي ليس فيها أمثال هؤلاء فتبين لنا أن مندوبي المبيعات في الأقسام التي تحوي لاعبي احتياط كان أداؤهم أفضل بنسبة 5% تقريباً مقارنة بالأقسام الأخرى. أما الزيادة الأكبر على الأداء فكانت بين مجموعة الموظفين الأضعف أداء. فقد تحقق على المدى الطويل زيادة في العائدات بشكل يفوق التكاليف الإضافية المترتبة على تعيين موظفين جدد.
اقرأ أيضاً: ماذا ينبغي أن تفعل فرق المبيعات استعداداً للركود القادم؟
فحين يكون في الشركة عدد كبير من الموظفين ضعيفي الأداء فإن ذلك عادة ما يرجع إلى تردد مدراء المبيعات وتخوفهم من التعامل مع فترة انتقالية صعبة. فكثيراً ما يضطر المدراء إلى الاختيار بين الاحتفاظ بموظفين ضعيفي الأداء ميؤوس منهم تقريباً والمخاطرة بإبقاء مواقعهم شاغرة. ولكن قد يكون تعيين موظفين احتياطيين كفيلاً بجعل هذه الفترة الانتقالية أكثر سلاسة.
الضغط الاجتماعي عبر برامج موجهة
يجب توخي الحذر عند اعتماد برامج تهدف لوضع ذوي الأداء الضعيف تحت ضغط اجتماعي. فالبرامج الناجحة يجب أن تكون ناتجة عن اختبارات تجريبية صارمة كما يجب أن تصمم بحيث تضع ثقافة الشركة بعين الاعتبار. وحين تتوفر برامج جيدة على هذا المستوى فإنها تساعد على تعزيز الشعور بالمسؤولية بين ذوي الأداء الضعيف من جهة، كما أنها تحفز المتميزين على مساعدة زملائهم الأضعف أداء. والمهم في هذه البرامج أن تتجنب إحباط الموظفين.
وقد لاحظنا أن إحدى الشركات التي أجرينا عليها دراسة تسلط الضوء على أداء الموظفين ضعيفي الأداء وذلك عبر نشر أرقام المبيعات بترتيب تصاعدي بين الفينة والأخرى، بدءاً بأرقام الأضعف أداء وصولاً إلى الأفضل أداء (وليس تنازلياً كما جرت العادة). وهنالك شركة أخرى تنشر في قاعة المكاتب المفتوحة لوحة يوزع فيها مندوبو المبيعات على واحدة من ثلاث فئات: مبتدئون، قائمة الاحتياط، معاقبون. وفي حين قد يكون هذا النوع من الإعلان العام إجراءً متطرفاً نوعاً ما، إلا أنه قد يجدي نفعاً في بيئة العمل التي يسود فيها التنافس وثقافة الشفافية، حيث يتم الاحتفاء بالإنجاز بجوائز فاخرة، كتذاكر فئة أولى لمباراة مهمة، أو باستئجار سيارة فارهة للموظف صاحب الإنجاز الأكبر، أما الإخفاق فلا تساهل معه.
تحفيز موظفي المبيعات المتميزين
يمثل موظفو المبيعات المتميزون الفئة الأكثر كفاءة على منحنى تقييم الأداء في الشركة، ولذلك فإنه لا بد أن تكون برامج المكافآت محابية لهم. إلا أن معظم الشركات تكون نسب العمولة فيها محددة بسقف لا يمكن تجاوزه، وتسيطر على الحوافز برامج تكون فيها الجوائز للرابح الأول فقط. ولعل السبب الأهم هنا هو التحكم بالتكاليف، ويكون وراء ذلك عادة قسم الشؤون المالية.
لكل هل هذه الممارسات منطقية؟ الجواب ببساطة هو لا. فالمدراء التنفيذيون الذين يفرضون هذه الإجراءات التي تسعى للحد من التكاليف يشجعون في الواقع على شكل مشابه من التصرف غير المنطقي الذي اكتشفه كولين كاميرر وزملاؤه في البحث الذي أجروه مع سائقي سيارات الأجرة في مدينة نيويورك.
فقد حاول كاميرر دراسة ما إذا كان سائقو سيارات الأجرة يعملون ساعات أطول (حين يكون هنالك عدد أكبر من العملاء الباحثين عن سيارة أجرة (قانون الطلب) أم أنهم يكفون عن العمل حين يصلون إلى رقم معين (استهداف الدخل). وكانت النتيجة واضحة لحد كبير: فالغالبية العظمى من السائقين كانوا يرتاحون بقية اليوم بمجرد الوصول إلى الرقم المطلوب. فعند وضع حد أقصى على العمولات حين يكون مندوبو المبيعات متحمسين، فإن المدير التنفيذي في هذه الحالة يدفع المتميزين إلى التوقف عن البيع عند حد معين، تماماً كما يفعل سائقو سيارات الأجرة حين يقررون العودة مبكراً إلى البيت في الأيام الماطرة حين تكون أجرتهم في الساعة أعلى ما تكون. وسيكون وضع الشركات أفضل لو بدأ مندوبو المبيعات المتميزون فيها بالعمل بحماسة أكبر في الفترة التي يكون بها الطلب أعلى.
لا حدّ أقصى للعمولة
بحثت دراسة قام بها كل من سانجوج ميزرا وهاريكيش ناير أثر وضع حد أقصى على ما يحصله مندوبو المبيعات. فاطلع الباحثان على برنامج المكافآت في شركة أميركية كبيرة لتصنيع عدسات العيون اللاصقة، وكانت هذه الشركة قد توقفت عن دفع العمولات عند تحقيق مندوب المبيعات الحد المحدد من المبيعات وكان مندوبو المبيعات بالنتيجة يبقون المبيعات تحت السقف المحدد. لكن حين ألغت الشركة هذا الأسلوب وأجرت تعديلات على برنامج المكافآت لديها كانت النتيجة الحفاظ على حماسة مندوبي المبيعات للعمل إضافة إلى رفع المردود بنسبة 9%.
عمولات لمن يتجاوز الحد الأعلى من الإنجاز
هذه نسب أعلى يتم تحصيلها بعد تحقيق النسب المطلوبة من المبيعات. فيمكن لمندوب المبيعات مثلاً أن يكسب فلساً واحداً على كل درهم وفق العمولة الاعتيادية التي يتقاضها، لكن إن حقق الرقم المطلوب منه فإنه سيتقاضى بعدها فلسين عن كل درهم من المبيعات. وقد بين البحث الذي أجراه توم مع شركة المعدات المكتبية التي أشرنا إليها سابقاً، مدى فعالية تقديم الحوافز بعد تحقيق الإنجاز المطلوب. أما عدم وجود هذا النوع من الحوافز فإنه يقلل من مبيعات المندوبين المتميزين بنسبة تقارب 17%. فهذه العمولة تضمن أن يبقى مندوب المبيعات فاعلاً في السوق في الربع الأخير من العام، وهي الفترة التي يكون بها العملاء عادة أكثر استعداداً للشراء.
تعدد الرابحين
كشفت دراسة أجراها مايك أن المسابقات التي تتيح فوز أكثر من طرف واحد تزيد من الجهود التي يبذلها موظفو المبيعات وتعزز أداءهم، بخلاف المسابقات التي تحدد فائزاً واحداً يحظى بالجائزة الكبرى. وقد أجرى نوح ليم، وهو أحد الباحثين المشاركين في دراسة مايك، المزيد من الاختبارات التي تثبت ضرورة زيادة عدد الجوائز (وليس تقليلها) كلما زاد عدد المندوبين النجوم. وترى هذه النتيجة ضرورة أن يقدم المدير التنفيذي عدداً من الجوائز يعادل على الأقل عدد المندوبين المتميزين في الفريق. والهدف من ذلك هو التحفيز. فزيادة عدد الجوائز في المسابقة يزيد من الفرص المتاحة أمام ضعيفي أو متوسطي للأداء للمنافسة للحصول على جائزة لا يحصل عليها عادة سوى المندوب المتميز، مما يحفز هذا الأخير على بذل المزيد من الجهد.
الارتقاء بمنحنى تقييم الأداء في الشركة
لدينا نحن كاتبا المقال خبرة أكثر من 40 عاماً من العمل مع الشركات ومساعدتها في حل المعضلات التي تواجهها في مجال المبيعات. وأول سؤال نوجهه إلى المدراء التنفيذيين حين نلتقي بهم هو ما هي أكثر القرارات التي تقلقهم، وعادة ما تكون قضية تقديم المكافآت لمندوبي المبيعات من أولى هذه المسائل إن لم تكن الأولى. وحين نسألهم إن كانوا يمتلكون ما يكفي من المعلومات لاتخاذ القرارات المناسبة المتعلقة بهذا الأمر، كانوا في الغالبية العظمى من الحالات يجيبون بالنفي.
وقد حان الآن وقت التغيير. فقد تحدثنا في هذه المقالة عن الأبحاث التي تكشف لنا أن مندوبي المبيعات على مستويات متعددة في منحنى الأداء يتجاوبون مع أشكال مختلفة من الحوافز، ونحن نأمل أن يفكر مدراء المبيعات بشأن ما يعنيه ذلك لشركاتهم وأن يستفيدوا من تطور الأبحاث في هذا الصدد. لكن الأمر يتجاوز مجرد الاعتماد على الدراسات التي يجريها الأكاديميون. فنحن نأمل أن تُجري الشركات تجاربها الميدانية الخاصة وأن تتعرف على أفضل الأساليب التي تلائم موظفي المبيعات لديها. ولعل الخطوة الأولى لأي شركة هي امتلاك فهم واضح لمنحنى الأداء لديها. ومن الأفضل تحديد ذلك عبر الاعتماد على طرق متقدمة خاصة بالاقتصاد القياسي، إلا أنه يمكن الحصول على منحنى تقريبي عبر اتباع هذه الطريقة: قم بحساب أداء كل مندوب وفق أهداف المبيعات المحددة ثم ارسم مخططاً بهذه البيانات، وهكذا سيكون لديك تصور تقريبي إذا كان منحنى الأداء في شركتك طبيعياً (حيث يكون متوسطو الأداء عادة هم الأغلبية، والعدد الأقل منهم من المتميزين وضعيفي الأداء)، أو إن كان هنالك قدر زائد من ضعيفي الأداء أو متميزي الأداء. وسيساعدك شكل المنحنى الذي لديك على اختيار الحوافز التي ستحقق لك أفضل النتائج. فإن كان هنالك عدد كبير من ضعيفي الأداء فربما ستحتاج إلى التركيز على الحوافز التدريجية والضغط الاجتماعي الطبيعي على سبيل المثال.
لكن تذكر أنه لا يمكن تغيير ثقافة المبيعات القائمة في شركتك دفعة واحدة، لذلك تجنب إقرار خطة جديدة للمكافآت بشكل كامل، وحاول بدل ذلك أن تضع فرضية عن أحد عناصر الخطة، كأن تحدد مثلاً أن ضعيفي الأداء لديك سيحققون أداء أفضل لو اعتمدت على الزيادات التدريجية مثلاً. ثم جرِّب هذا التغيير في جزء واحد فقط من أنشطة قسم المبيعات. وهكذا جرِّب فرضية واحدة في كل مرة، في فترة تجربة محددة (للمزيد عن كيفية تنفيذ هذه الخطة راجع مقالة إيريك آندرسون ودنكان سيمستر بعنوان “A Step-by-Step Guide to Smart Business Experiments” "دليل مفصّل إلى التجارب الذكية في مجال الأعمال" في مجلتنا هذه عدد مارس/آذار 2011).
اقرأ أيضاً: مهارات رجل المبيعات
إن خطط مكافآت مندوبي المبيعات التي تأخذ باعتبارها الاحتياجات المتعددة لمندوبي المبيعات على اختلاف فئاتهم، والتي تكون قائمة على أدلة فعلية لا على مجرد افتراضات، ستكون كفيلة بأن يحقق قسم المبيعات الذي تديره عائدات أكبر بكثير على الاستثمارات بسبب الالتفات إلى طرق تحفيز مندوبي المبيعات.
اقرأ أيضاً: