تقرير خاص

عندما تُصبح الصناعة وسيلة للتنمية المستدامة: التجربة السعودية نموذجاً

7 دقائق
الصناعة
shutterstock.com/Crystal Eye Studio
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ينتقل مئات الملايين من الأشخاص حول العالم من المناطق الأقل نمواً إلى المدن الحضرية بحثاً عن فرص عمل، ومستوى معيشي أفضل، وخدمات أكثر تطوراً، وقد شهدت العقود الأخيرة نمواً في مشهد الهجرة الحضرية ما جعل نصف سكان العالم يعيشون الآن في المدن الكبيرة، ومن المتوقع أن تزداد النسبة بحلول عام 2050، ليتكدس في المدن الحضرية أكثر من ثلثي البشرية.

نمو الزحف الحضري بهذه الوتيرة يضغط على المدن الكبرى التي تنمو بشكل أفقي دون أن تتوسع رأسياً، فتعاني من مشكلات تتعلق بزيادة الازدحام السكاني، والضغط على الخدمات المتوفرة، وارتفاع استهلاك الطاقة، وتلوث البيئة، إضافةً إلى فقدان المناطق التي ينزح منها السكان للقوى الشابة والعمالة الماهرة.

في المملكة العربية السعودية، يتركز نحو 66% من السكان في ثلاث مناطق فقط، هي: الرياض، ومكة المكرمة، والمنطقة الشرقية، بسبب المشروعات الاقتصادية التي تُعد عنصر جذب رئيس، إذ تستحوذ هذه المناطق الثلاث على أكثر من 9,247 مصنعاً منتِجاً وتحت الإنشاء، من إجمالي 10,638 مصنعاً بالمملكة، وفقاً لتقرير المركز الوطني للمعلومات الصناعية والتعدينية التابع لوزارة الصناعة والثروة المعدنية في شهر مايو/ أيار من العام 2022.

المشروعات الصناعية مفتاح التنمية الإقليمية المتوازنة

هناك العديد من العوامل التي تجعل المناطق الأعلى نمواً جاذبة للسكان مثل جودة الحياة والتعليم ودعم الابتكار، ولكن تبقى التنمية الصناعية هي السبيل الأهم الذي تترتب عليه هذه العوامل، إذ يبدأ التحضر عادةً عندما يتم إنشاء مصنع أو عدة مصانع داخل منطقة ما، ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على العمالة، ويتبعه شركات أخرى لتلبية متطلبات المصنع وعماله، وهو ما يخلق بدوره المزيد من فرص العمل، والمزيد من الخدمات، وبالتالي إنشاء منطقة حضرية.

ووفقاً لدراسة بعنوان “دور التنمية المتوازنة في تشجيع الهجرة العكسية وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة في مناطق المملكة”، أصدرها “منتدى الرياض الاقتصادي”، فإن إنشاء مشروعات اقتصادية والاهتمام بالقطاعات المختلفة مثل الصناعة والصحة والعقار والنقل يعزز فرص استقرار السكان ويشجع على الهجرة العكسية لتلك المناطق، ما سيخفف الضغط السكاني على المدن الرئيسة والمراكز التابعة لها، ويخفف الضغط على البنية التحتية والخدمات المقدمة بها، ويحد من نزيف رأس المال البشري في المناطق الأقل نمواً.

ولكن تبدو خطوة الاستثمار وتأسيس مشروعات اقتصادية في المدن النامية مخاطرة بالنسبة للكثير من المستثمرين، فوفقاً للمقال المنشور عبر هارفارد بزنس ريفيو بعنوان “مستقبل المدن يعتمد على التمويل المبكر” فإن مخاوف المستثمرين تتنوع بين الإيرادات غير المؤكدة، والخلافات حول الضمانات، والشواغل المتعلقة بالمخاطرات السياسية، لذا ليس غريباً أن تتركز حصة كبيرة من أموال شركات صناديق رأس المال الاستثماري العالمية المخصصة لتمويل النمو الريادي في عدد قليل من المدن الكبرى، فبطبيعة الحال، تعد تلك المدن حاضنة طبيعية للنمو، فعلى سبيل المثال، تمتلك لندن 50% من الشركات سريعة النمو مقارنة بمناطق المملكة المتحدة الأُخرى، وعلى المستوى العالمي، تساهم اقتصادات 300 مدينة من كبريات المدن في العالم بما يقارب من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

التجربة السعودية في تحفيز التنمية الإقليمية المتوازنة

يشهد قطاع الصناعة في السعودية عصراً ذهبياً خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع انطلاق رؤية 2030 التي حددت مساراً مختلفاً لقطاع الصناعة السعودية، بإطلاقها برنامج “ندلب” الذي يهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة عبر تعظيم الاستثمار في قطاعي التعدين والطاقة، ورفع نسبة المحتوى المحلي في القطاعات غير النفطية، والاستثمار في المناطق والمدن الواعدة لتحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة، إذ وصل حجم الاستثمارات في القطاع الصناعي 1.357 تريليون ريال حتى آخر نشرة صادرة عن وزارة الصناعة والثروة المعدنية في شهر مايو/ أيار من العام 2022. وقد وضع برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب)، أكثر من 300 مبادرة بهدف تمكين استثمارات القطاع الخاص لتبلغ 1.4 ترليون ريال بحلول عام 2030.

وقدم صندوق التنمية الصناعية السعودي، الدعم لمسيرة القطاع الصناعي، على مدار 48 عاماً، من الناحية المالية والاستشارية والتدريبية واللوجستية، وواكب التحول الذي شهده القطاع مع انطلاق رؤية 2030، ليصبح الركيزة المالية لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية “ندلب”، خاصة بعد زيادة رأس ماله إلى 105 مليار ريال عام 2019 من أصل 65 مليار ريال، ليتمكن من إطلاق المزيد من المنتجات للعملاء والمستثمرين في القطاع الصناعي.

ولاقت التنمية الإقليمية المتوازنة نصيباً كبيراً من التحول الذي شهدته المملكة العربية السعودية، التي خطت، على مدار العقد الماضي، خطىً واسعة نحو تحفيز الصناعة في المدن الأقل نمواً من ناحية، ودعم المدن الاقتصادية الجديدة من ناحية أخرى، فاتخذ صندوق التنمية الصناعية السعودي، بصفته الذراع المالي الذي دعم قطاع الصناعة على مدار 48 عاماً، مجموعة من القرارات والإجراءات مكنت قطاع التصنيع من صنع قفزة في بعض المدن الواعدة.

تقديم تسهيلات وحوافز للمستثمرين

في عام 2011، أصدر مجلس الوزراء السعودي قراراً بدعم المناطق الواعدة، بمنح صندوق التنمية الصناعية السعودي حق رفع نسبة تمويل المشروعات في المناطق الأقل نمواً، وبدوره، وضع الصندوق مجموعة من الضوابط لتحفيز الاستثمار في المناطق الأقل نمواً، إذ رفع قيمة القروض إلى 60% من قيمة المشاريع في المدن الأقل نمواً من الناحية الصناعية، و75% من تكلفة المشروع في المدن الأقل نمواً من الناحية الصناعية والنواحي الاقتصادية ولا تتوفر فيها ميزات نسبية، بفترة سداد تصل حتى 20 عاماً.

قادت هذه الضوابط إلى زيادة اعتماد القروض في هذه المناطق، فوصلت قيمة القروض المعتمدة من الصندوق الصناعي في مناطق ومدن واعدة في 2021م وحده إلى ما قيمته 5.85 مليار ريال لمشاريع صناعية، أي 53% من إجمالي قيمة القروض و35% من إجمالي عددها لذلك العام.

كيف جذبت المشاريع الصناعية السكان للمدن النامية في السعودية؟

أورد تقرير لمجموعة البنك الدولي بعنوان “مدن تنافسية: حل محلي لنقص عالمي في النمو والوظائف” أن حل مشكلة البطالة يكمن في تحسين القدرة التنافسية للمدن، أي تحويل المدن العادية إلى مراكز حضرية تحتضن الصناعات، مضيفاً: “لو أن كل مدينة “عادية” نجحت في أن تصبح مدينة ذات قدرة تنافسية عالية، لأضافت 19 مليون وظيفة جديدة خلال 7 سنوات فقط”.

ووفقاً للصندوق الصناعي، ترفع المشاريع الصناعية من مساهمة هذه المناطق في الناتج المحلي الإجمالي، وتقلل معدل البطالة فيها، بالإضافة إلى زيادة إنتاجية القوى العاملة وإنتاجية رأس المال، ورفع مساهمة هذه المناطق في صادرات المملكة.

يركز برنامج “ندلب”، من ناحيته، على قطاعي الطاقة والتعدين، وتعظيم القيمة المتحققة منهما، وكان القطاعان نقطتي ارتكاز أيضاً لتحقيق التنمية المتوازنة في المدن الصناعية، إذ أطلق البرنامج مبادرة لدراسة وإمداد الغاز لمراكز الطلب في المدن الصناعية لخدمة المستثمرين الحاليين والمستقبليين. وفي مجال التعدين، هناك مبادرة “الاستكشاف المسرع” لزيادة الفرص الاستثمارية واستقطاب المستثمرين.

أجرينا حواراً مع اثنين من عملاء صندوق التنمية الصناعية السعودي، وكان لهما تجربة فعالة في الاستثمار في مناطق أقل نمواً، ما أدى إلى ازدهار الحياة بهذه المناطق وجذب السكان إليها.

شركة الزامل للخدمات البحرية أحد العملاء القدامى لصندوق التنمية الصناعية السعودي والتي كانت من أوائل المنتفعين من قروض الصندوق عندما قرر ملاك الشركة الاستثمار في القطاعات الصناعية في سبعينيات القرن الماضي، مؤخراً، استطاعت “الزامل” الحصول على قرض لإنشاء مُجمّع متكامل في ميناء الدمام، كما استفادت من مراجعة وتدقيق الصندوق لدراسة الجدوى للمشروع من النواحي الفنية.

اهتم قادة الشركة منذ البداية بالعمل في المناطق النامية “الواعدة”، كمنطقتي “تناجيب” و “رأس تنورة”، حيث قاد نشاط الشركة إلى استقطاب سكان المنطقة للعمل في منشآت الشركة، بل خلق فرص عمل واعدة للمواطنين خارجها، والذين توفر لهم الشركة مجمعات سكنية حديثة ومريحة.

أما عميل الصندوق الآخر، فهي شركة الجوف الزراعية التي استفادت من الدعم المادي للصندوق لإنشاء المجمع الصناعي للزيتون، ويتضمن مصنعين أحدهما لزيت الزيتون والآخر للمخللات.

قصة شركة الجوف الزراعية خير دليل على تأثير مشاريع المناطق النامية “الواعدة” على جودة الحياة، إذ تأسست الشركة في منطقة بسيطاء، وهي منطقة زراعية في شمال المملكة، وتمكنت من توفير فرص عمل لأهالي المنطقة والمناطق المجاورة، وفتح مجالات عمل في المنطقة لم تكن موجودة سابقاً لتوريد المواد والخدمات للشركة، إضافةً إلى أن إقامة العاملين وأسرهم دفع شركات القطاع العام والخاص للقيام بمشروعات لتحسين البنية التحتية للمنطقة، وإنشاء شبكة طرق لتسهيل التنقل، وتأسيس مرافق مهمة، مثل المدارس والمراكز الصحية والخدمية.

تتركز معظم أنشطة الشركة في منطقة الجوف المدرجة على قائمة المناطق النامية التي تسير في طور الترقي وإنشاء البنى التحتية، وآخر أعمال شركة الجوف في المنطقة هو مشروع مصنع لإنتاج البطاطس المقلية لتلبية الطلب المتزايد في السوق المحلية السعودية والذي يواكب استراتيجية الشركة بالتحول من شركة زراعية إلى شركة زراعية – صناعية.

موافقة الصندوق على منح القروض للمشاريع الصناعية في المناطق الواعدة تخضع لمعايير للتأكد من تحقيقها نمواً للمنطقة، فبالإضافة إلى إجراء دراسات السوق والدراسات الفنية والمالية التي تخضع لها كافة المشروعات، يقوم الصندوق بتقييم الأثر التنموي لكل مشروع حسب مؤشرات متعددة، مثل القيمة المضافة الإجمالية، إنتاجية العمالة، وإنتاجية رأس المال، ومستوى توطين الوظائف، والمحتوى المحلي، ومستوى تعقيد المنتج وإمكانية التصدير وفقاً لطبيعة المشروع، كما يحرص صندوق التنمية الصناعية السعودي على استبدال الواردات بالمنتجات المحلية.

وتقوم “وحدة الذكاء الاقتصادي” في الصندوق بدراسة الأثر التنموي لكل مشروع بهدف تحقيق الهدف الاستراتيجي للصندوق، والذي يتمثل في زيادة الأثر الاقتصادي والتنموي للمشاريع.

دعم القطاعات اللوجستية

يواكب صندوق التنمية الصناعية رؤية 2030 في سعيها إلى تحويل المملكة إلى مركز لوجستي عالمي، فيقدم تمويلاً لعدد من الخدمات اللوجستية التي تساهم في التنمية الصناعية بالمدن الواعدة مثل دعم وسائل النقل بالشاحنات، ودعم تكنولوجيا المعلومات للخدمات اللوجستية، وتصميم وبناء الموانئ والمطارات، وإنشاء مرافق الموانئ مثل الطرق العامة وشبكات المياه والتمديدات الكهربائية، ودعم خدمات الشحن الجوي الناقلة للبضائع بين الأسواق العالمية، ومشاريع النقل عبر السكك الحديدية.

كما يقدم الصندوق الصناعي دعماً للمستثمرين في نواحي مختلفة، لتسهيل الاستثمارات في هذه المدن، وزيادة الكفاءة الصناعية، إذ تتعدى قروضه بناء وتشييد المصانع، وإنما يمنح قروضاً أيضاً لتجديد المصانع أو التوسع بها أو أتمتتها.

تشجيع تطوير البنى التحتية

تبنت رؤية المملكة 2030 حلولاً لدعم التنمية المتوازنة الإقليمية بالتركيز على المناطق الطرفية، إذ أعلنت المملكة إطلاق مكاتب إستراتيجية لتطوير مناطق الباحة، والجوف، وجازان لتعظيم الاستفادة من الميزات النسبية والتنافسية لكل منطقة من المناطق الثلاث.

ورغم مخاوف الاستثمار في المناطق النائية، إلا أن الاستثمار في الخدمات الأساسية بالمدن النامية يضمن عائداً فورياً مع انتقال السكان إلى هذه المناطق، إذ سيضمن المستثمر أن خدماته ستجلب إيرادات جديدة من مستخدمين جدد، ويوضح الكاتب جون ماكومبر في مقاله أن المدن الجديدة تتميز بفرصة فريدة وهي إمكانية بنائها بالصورة الصحيحة من المرة الأولى فيما يتعلق بالمرافق والطرق ومحطات المياه والطاقة وهكذا.

اتخذت المملكة العربية السعودية خطوة جادة لتعزيز تنمية مشاريع البنية التحتية وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في الاستثمار بها، فأعلنت منذ عدة أشهر عن تأسيس “صندوق البنية التحتية الوطني” لينضم إلى مؤسسات الإقراض الحكومية في المملكة، إذ سيدعم الصندوق بشكل خاص مشاريع البنية التحتية في القطاعات الحيوية كالنقل والمياه والطاقة والصحة والتعليم والاتصالات.

وعلى مستوى عالمي، هناك طريقة مبتكرة أثبتت فاعليتها لجذب المستثمرين إلى هذه المساحة دون تردد، وهي سندات التأثير الاجتماعي والمعروفة بعقود الدفع مقابل النجاح، أي تحدد الدولة هدفاً قابلاً للقياس بطريقة موضوعية، وإذا تمكن المستثمر من بلوغ الهدف تكافئه الدولة بدفع المبلغ الأصلي للاستثمار، فعلى سبيل المثال، يمكن للدولة مكافأة مؤسسي البنية التحتية بناءً على مقاييس مثل استغراق وقت أقل في التنقل، أو خفض معدل التلوث الحضري، هذه الطريقة تحل مشكلة التمويل التقليدية، والتي لا يستطيع المستثمر خلالها معرفة مستقبل العوائد المالية المتحققة لاستثماره في البنية التحتية.

تدشين مناطق صناعية

انتشرت فكرة المدن الصناعية حول العالم، والتي خلقت ملايين الوظائف المباشرة، إضافةً إلى مساهمتها كحاضنات للتصنيع والقدرة الإنتاجية والابتكار. فأعلن معالي وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح عن نية المملكة تدشين مناطق اقتصادية خاصة تتوفر بها حوافز لأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في قطاعات مختلفة، من بينها التصنيع والتكنولوجيا الحيوية والحوسبة السحابية.

وقد أسست الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية “مدن” 36 مدينة صناعية في مختلف أرجاء المملكة، منذ تأسيسها عام 2001، والتي تضم أكثر من 4000 مصنع، يعمل بهم أكثر من نصف مليون موظف وعامل.

خطوات المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة فيما يتعلق بتطوير الصناعة، والذي يتضح في برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية “ندلب”، يشير إلى أن التنمية الإقليمية المتوازنة رهان السعودية لتحويلها إلى قوة صناعية إقليمية رائدة عبر توطين الصناعة، وخلق فرص عمل متوازنة، وتحويل المدن النامية إلى مراكز اقتصادية وسكانية كبقية مدنها الكبرى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .