الحديث مع نفسك بصوت مسموع يعزز قدرتك على التعلم

4 دقائق
الحديث مع نفسك بصوت مسموع
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إليك هذه القصة عن الحديث مع نفسك بصوت مسموع تحديداً. عندما شارك أستاذ علم النفس في جامعة “إلينوي”، براين روس، في برنامج لعلوم الحاسوب بعد فترة طويلة من الانقطاع عن مقاعد الدراسة، كان من السهل تمييزه بين بقية الطلاب، فهو -بلحيته ورأسه الأصلع- يكبرهم بعشر سنوات على الأقل، لذلك لم يمكن ببساطة أن يكون واحداً منهم، الأمر الذي جعله متوتراً.

لكن كان روس على اطلاع جيد باستراتيجية التعلم الفعالة المعروفة باسم “الشرح الذاتي”، التي تتعلق بسؤال الشخص نفسه أسئلة تهدف للشرح، من قبيل: “ما الذي يعنيه ذلك؟” أو “ما أهمية ذلك؟”. ومن الضروري أن تطرح على نفسك هذا السؤال بصوت مسموع. حيث تظهر دراسة أن الأشخاص الذين يشرحون الأفكار لأنفسهم يتعلمون أكثر بثلاثة أضعاف من أولئك الذين لا يفعلون ذلك.

وليتمكن روس من مساعدة نفسه في التفوق على زملائه الأصغر، كان يسأل نفسه الكثير من الأسئلة المشابهة، إذ تخرج على لسانه أسئلة في أثناء قراءة النص الذي كلفه به الأستاذ، وبعد كل فقرة أو جملة يقول لنفسه: “ما الذي قرأته آنفاً؟ ما علاقة هذا بما سبق؟ هل مررت على هذه الفكرة من قبل؟”.

وفي نهاية البرنامج الدراسي اكتشف روس أنه على الرغم من ضعف خبرته في هذا المجال مقارنة ببقية الطلاب، وعدم معرفته بمجال الحاسوب، لكنه تمكن من الإجابة عن الأسئلة التي لم يفلح بقية الطلبة في الإجابة عنها، كما فهم البرمجة بطرق عجز عنها البقية. قال روس: “لقد كنت أتفوق عليهم أحياناً، كنت أكثر تركيزاً على الصورة في إطارها الأوسع”.

أما في عالم الاقتصاد الحديث، فلا توجد مهارة أكثر أهمية من القدرة على التعلم، إذ ترتبط في كافة أرجاء العالم ارتباطاً وثيقاً بمقدار ما يجنيه الفرد غالباً. وفي حين تدفع الشركات تكاليف التدريب أو تقدم بدلات للموظفين مقابل البرامج التعليمية التي ينخرطون فيها، نادراً ما تنال موهبة اكتساب المهارات نصيبها من الاهتمام.

وفيما يلي بعض النصائح لتوظيف استراتيجية الشرح الذاتي في عملية التعلم:

الحديث مع نفسك بصوت مسموع

يظن الكثيرون أن الشخص الذي يتمتم مع نفسه مضطرباً ذهنياً، لكن هذا غير صحيح، لأن الحديث مع النفس أمر بالغ الأهمية في عملية الشرح الذاتي، وهي ممارسة مفيدة لتعزيز التعلم. إذ يجعلنا نتمهل قليلاً، فيزداد التركيز، ما يساعد على الاستفادة أكثر من التجارب والخبرات.

بالإضافة إلى أنه يساعدنا على تحليل طريقة تفكيرنا. فحين نحاور أنفسنا نسأل أسئلة من هذا القبيل: “ما الطريقة التي توصلت بها لمعرفة هذه المعلومات؟ ما الأمر الذي اختلط علي؟ هل أنا أعرف هذا الأمر حقاً؟”. وغالباً حين نتمهل قليلاً في أثناء الاستماع إلى محاضرة مسجلة أو التوقف في أثناء قراءة كتاب ما، نطور مهاراتنا بطريقة أكثر فعالية، وذلك عبر التفكير في طريقة تفكيرنا.

سَل عن السبب

الأمر هنا يتعلق بالاستفهام عن السبب وقول دوماً “لماذا”، الذي بدوره يساعدنا على التعبير عن حالات الفضول التي ربما نتجاهلها إذا لم نتوقف برهة للتفكير فيها. لذلك إذا كنا نعرف مسألة ما، فلا نجد صعوبة في الإجابة عن أسئلتنا الاستفهامية حولها، ولكن الأمر يختلف حين نتعامل مع مواضيع لا نعرف الكثير عنها، لذلك يساعدنا الالتزام بالشرح الذاتي على خلق طريقة لتطوير مجال جديد من الخبرات لدينا.

لتوضيح هذا الأمر، دعونا ننظر في هذا السؤال: “لماذا تتشكل الأمواج؟”، بعضنا يجيب ببساطة بقوله: “الأمواج تتعلق بحركة الرياح، وحين تهب الريح وتضرب الماء، تتحرك الأمواج”.

ولكن عندما نصل إلى سؤال آخر: “لماذا تحمل الريح الماء؟” أو “لماذا تتشكل الأمواج حين لا يكون هناك رياح؟”. عندها يمكن العجز عن الجواب، أو هذا ما يحدث معي أنا على الأقل. حينها أشرع بالبحث عن الإجابة عن طريق الإنترنت، وأقرأ عن كيفية انتقال الطاقة عبر الماء، وفي نهاية عملية البحث أجد أنني تعلمت الكثير.

التلخيص

يعد التلخيص طريقة بسيطة لممارسة عملية الشرح الذاتي، لأننا حين نعبّر عن الأفكار بكلماتنا نعزز عملية التعلم.

لعلك مررت بتلك التجربة في حياتك. تذكر موقفاً قرأت فيه مقالاً في مجلة ما، ثم شرحت فكرته بالتفصيل لصديق لك. يُعتبر هذا نوع من أنواع التلخيص، وعلى الأرجح أنك تعلمت وحفظت ما ورد في ذلك المقال بعدما شرحته لصديقك، أو تصور كتابتك رسالة بالبريد الإلكتروني تلخص فيها رأيك عن فيلم وثائقي شاهدته على “نتفليكس”. إذ يعني ذلك إحاطتك بالفكرة الأساسية وتعاملك معها بطريقة تتيح لك مقدرة أكبر على فهمها، وهذا يعني إجمالاً أنك تمتلك فكرة أكثر وضوحاً عن الفيلم وموضوعاته.

وبوسعك أيضاً فعل هذا الأمر في حياتك اليومية. على سبيل المثال، حين يوجه مديرك أو صديقك أو زوجك مجموعة من التعليمات التفصيلية إليك، يجب عليك أن تأخذ بعض الوقت لتكرار تلك القائمة شفوياً. هذا الأسلوب يعني أنك تقدمت خطوة سريعة لتلخيص المعلومات، ما يزيد قدرتك على تذكرها.

أنشئ الروابط

تساعدنا استراتيجية الشرح الذاتي على إنشاء الروابط وتحديد العلاقات بين مختلف الأمور، ما يفيد في تقوية الذاكرة. وعندما نشرح فكرة ما لأنفسنا، علينا محاولة استكشاف العلاقات القائمة بين عناصرها المختلفة. وهذا أحد الأسباب التي تجعل آليات الاستذكار فعالة. نحن أكثر قدرة على تذكر ألوان قوس قزح عبر تشكيل رابط بين الأحرف الأولى من ألوانه باللغة الإنجليزية في كلمة اختزالية واحدة هي (ROYGBIV).

وبطبيعة الحال، عند اكتشاف الروابط ضمن إطار خبرتنا، يعني هذا قدرتنا على امتلاك الفهم الأعمق في إطار اختصاصنا، وهذا تفسير ما حققه براين روس من نجاح باستخدام استراتيجية الشرح الذاتي. كان يحاول باستمرار في أثناء دروس برمجة الحاسوب شرح الأفكار لنفسه، بالاعتماد على كلمات أو مفاهيم مختلفة. حيث يقول روس: “إن ممارسة الشرح الذاتي يتمحور عادة حول محاولة العثور على روابط مختلفة. فحين تقول لنفسك: فهمت، هذا يحدث لأن هذا الأمر يؤدي إلى ذلك، وذلك الأمر يؤدي إلى شيء آخر”.

وبناء على ما سبق، من الضروري أن تصبح استراتيجية الشرح الذاتي من الأدوات التي يعتمد عليها الموظفون اليوم، وذلك لأن الاقتصاد يتطلب امتلاك قدرات أكبر على تحديد الروابط والتوصل لمعلومات جديدة وامتلاك مهارات أكثر فعالية. لذلك يخبرنا راندال ستيفنسون، الرئيس التنفيذي لشركة “أيه تي آند تي”، أن العاملين في مجال التقنية بحاجة إلى التعلم لمدة خمس ساعات أسبوعياً على الأقل من أجل تحديث معرفتهم في مجالهم. ولعله من الأفضل أن يجدوا مكاناً بعيداً عن أعين الآخرين لفعل ذلك، حيث لا يشعرون بالحرج في أثناء الحديث مع أنفسهم بصوت مسموع.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .