ما أهمية الممارسة المتكاملة للإدارة الاستراتيجية؟

7 دقائق
الإدارة الاستراتيجية
shutterstock.com/Sergey Nivens
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مهدت التحولات الاستثنائية الأخيرة، على غرار جائحة “كوفيد-19″، الطريق لظهور ممارسات وتكنولوجيات جديدة لتمكين الشركات من مواجهة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة. وحتى تستطيع الشركات مجابهة هذه التغييرات المتلاحقة وتستمر في نشاطها ونموها، فإن الممارسات السليمة التي تخص الإدارة الاستراتيجية تعد من أفضل الطرق لتحقيق ذلك عبر إيجاد توافق بين الشركة وأهدافها ومحيط الأعمال الذي تنشط فيه.

ومن أجل تحديد مدى اعتماد الشركات على عناصر الإدارة الاستراتيجية من صياغة وتنفيذ وتقييم وتأثير ذلك في أداء الشركات، قاد الباحثون سعيد البنا وبخيت الكثيري ومصطفى كولاك دراسة شملت 182 شركة شبه حكومية في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. وتعد دراسة الشركات شبه الحكومية ذات أهمية خاصة إذ إنها، خلال العقدين الماضيين، أدت دوراً حاسماً في جهود التنويع الاقتصادي الحثيثة في إمارة أبوظبي في عدة قطاعات مثل المعادن والطاقة والبتروكيماويات والطيران والرعاية الصحية والضيافة والخدمات المصرفية والصناعات الغذائية.

صياغة الاستراتيجية

تعد صياغة الاستراتيجية الخطوة الأولى في عملية بناء الاستراتيجية، حيث تعتبر بمثابة عملية تحليلية لاختيار أفضل مسار عمل مناسب لتحقيق رؤية الشركة وأهدافها بعيدة المدى. ولقد ركزت الدراسة الحالية على تأثير جانبين من جوانب صياغة الخطة الاستراتيجية على أداء الشركة، وهما ممارسة التخطيط الاستراتيجي وكثافته. فبداية، هناك حاجة لممارسة التخطيط الاستراتيجي من خلال أدوات وتقنيات التخطيط ذات الصلة، مثل تخطيط السيناريوهات، والقياس المعياري، وتحليل سلاسل القيمة، ومصفوفة بوسطن الاستشارية، وتحليل سوات الرباعي. ويساعد استخدام أدوات التخطيط الاستراتيجي الملائمة المدراء في جمع البيانات ذات الصلة وتحويلها إلى معلومات ذات قيمة من أجل المساعدة في اتخاذ القرارات وتنفيذها. وتعد كثافة التخطيط من الجوانب المهمة الأخرى لصياغة الخطط الاستراتيجية، والتي تصف مقدار الجهد المبذول في عملية التخطيط كما يظهر في كمية المعلومات المستخدمة في التخطيط ومقدار تحليل تلك المعلومات وتقييمها، وتعد كثافة التخطيط علامة على مدى أهمية التخطيط بالنسبة للشركة في بيئة تتصف بحالة من عدم اليقين مثلما هو سائد اليوم.

بناءً على المقابلات الشخصية التي أجريناها مع قادة ومسؤولين من شركة “مبادلة للبترول” (شركة نفط وغاز رائدة عالمياً)، وشركة “مصدر” (شركة رائدة عالمياً في مجال الطاقة المتجددة والتنمية الحضرية المستدامة)، خلصنا للعديد من الفوائد والتحديات المترتبة على ممارسة التخطيط الاستراتيجي بالإضافة إلى بعض الاقتراحات لتحسين تلك الممارسة؛ في هذا السياق، قال أحد المدراء التنفيذيين في شركة “مصدر” “أن التخطيط الاستراتيجي يجب أن يكون من صميم عمل الشركة وليس مجرد ممارسة عشوائية أو هامشية. ويجب أيضاً أن يكون مسؤولية جماعية لكل من أصحاب المصلحة الرئيسيين في الشركة والإدارة العليا”. وقد أضاف أن “التخطيط الاستراتيجي يساعد الشركة على البقاء يقظة لمواجهة التحديات المحتملة، بما في ذلك المنافسة المتزايدة في قطاع الطاقة، والعقبات الخاصة بسلاسل التوريد التي قد تؤثر على القدرة على تسليم المشاريع في الوقت المحدد ووفقا للميزانية المخطط لها، والمخاطر المتعلقة بمستخدمي الكهرباء التي ننتجها”.

كما كشف كبار المسؤولين التنفيذيين في كلتا الشركتين عن بعض التحديات بالغة الأهمية التي واجهتهم في أثناء صياغة خططهم الاستراتيجية. على سبيل المثال، أشار أحد مدراء شركة “مبادلة للبترول” إلى أنه “من الصعب قياس أثر التحولات في مجال الطاقة، مع وجود مدى واسع من عدم اليقين يتراوح بين نتائج مواتية لصناعتنا خلال العقود القادمة من حيث الطلب الكبير إلى نتائج غير مواتية قد تؤدي إلى تدمير سريع للطلب، والتهديدات المتعلقة بالتحول إلى بدائل أخرى للطاقة. ولذلك يعتبر استخدام أدوات التخطيط الاستراتيجي، أو وضع سيناريوهات بديلة لمواجهة عدم اليقين تحدياً للشركة”. وقد أضاف أنه للتغلب على مثل تلك التحديات، “تحتاج إدارة الشركات إلى بناء خطط جيدة تتسم بالمرونة حتي يمكن التكيف وبسرعة عندما تصبح وتيرة التغيير كبيرة ومؤثرة.” وفي السياق ذاته، أشار أحد كبار المدراء في شركة “مصدر” إلى أهمية التخطيط المكثف لمراعاة التحديات التي تواجه شركته مثل: “توفير معلومات عن السوق وفي الوقت المناسب، والتي يتم الحصول عليها من جميع الإدارات وعبر شبكة شركاء الأعمال لدي الشركة، ومدى القدرة على تحليل هذه المعلومات ودمجها في خططنا قبل أن يفعل ذلك منافسينا، وقدرتنا على تنفيذ مثل تلك الخطط بكفاءة”. ولقد أضاف أن التخطيط المكثف والشامل يعد “بالغ الأهمية نظراً إلى عدم استقرار القطاع الذي نعمل فيه؛ والطابع التنافسي للقطاع وخاصة أنه بحاجة لرأس مال كبير ومتزايد للتركيز علي الحوكمة وفرص الاستثمار البيئية والاجتماعية والمؤسسية، والحاجة إلى زيادة عوائد الشركة من خلال سلسلة القيمة، حيث أن حدة المنافسة الحالية بين الشركات تقلص العوائد التقليدية”.

كما وفرت المقابلات التي أجريت في شركة “مصدر” بعض الاقتراحات لتحسين ممارسة التخطيط الاستراتيجي ودعم دوره في تحسين الأداء. وتشمل تلك الاقتراحات على سبيل المثال لا الحصر:

  1. وجود آلية تخطيط علمية ومنهجية.
  2. الحصول على المعلومات في الوقت المناسب من جميع أقسام الشركة.
  3. الحوكمة المناسبة التي تسمح بالتقييم غير المتحيز للوضع الراهن.
  4. إدارة شاملة للمخاطر في الشركة.
  5. وجود عمليات واضحة لتحويل الخطط إلى إجراءات عمل مع تحديد المسؤولية عن النتائج.

وفي نفس السياق وعلى نطاق أكثر شمولية، أوضحت المقابلات التي تم إجراؤها في شركة “مبادلة” منهجاً من 4 خطوات لتحسين ممارسة التخطيط الاستراتيجي:

  • الخطوة الأولى: الاستثمار في فريق التخطيط الاستراتيجي، مع إدراك أن مهارات المخطِط تأتي من القدرة على الفهم العميق للمحفظة الاستثمارية التي يقودها ومراعاة نقاط القوة والضعف المرتبطة بها – بالإضافة إلى تقييم مدروس للبيئة الأوسع نطاقاً والتي تتفاعل فيها الشركة والصناعة ككل.
  • الخطوة الثانية: تقبل أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بالمستقبل وأن الخطة الاستراتيجية ما هي إلا دليل لما قد يحدث مستقبلاً في ضوء مجموعة معينة من الافتراضات. وفي حال لم تكن النتائج مرضية بالنسبة للشركة يمكن إعادة النظر في افتراضات الخطة والتحقق منها وأيضاً إعادة النظر في بعض المعتقدات والرؤي الراسخة لدى إدارة الشركة، والتي قد تكون خاطئة، حول المحيط الذي تنشط فيه.
  • الخطوة الثالثة: احترام آراء فريق التخطيط لضمان أخذ وجهات نظرهم على أعلى مستويات الإدارة حتى يتسنى لهم أن يكونوا جزءاً من المناقشات الاستراتيجية.
  • الخطوة الرابعة: تشجيع التكامل المنهجي بين الخطة الاستراتيجية والاستراتيجيات التشغيلية والمالية حيث نستطيع القول إن الربط الجيد بين تلك العناصر الهامة في الشركة سيؤدي إلى تعزيز فعالية الشركة ككل.

تنفيذ الخطة الاستراتيجية

يشير تنفيذ الخطة الاستراتيجية إلى الأنشطة والإجراءات المطلوبة لتطبيق الخطة الاستراتيجية وتحقيق أهداف الشركة على المدى الطويل. وتراعي عملية تنفيذ الخطة الاستراتيجية العديد من الأنشطة الرئيسية، مثل تطوير الهيكل التنظيمي والثقافة المؤسسية والموارد التنظيمية والأشخاص اللازمين لوضع الخطة الاستراتيجية موضع التنفيذ ودمجهم فيها. ويرى كثيرون أن التنفيذ الناجح للخطط الاستراتيجية أمر بالغ الأهمية لتحقيق الأهداف والغايات التنظيمية. وعندما يتم تنفيذ الخطط الاستراتيجية بشكل صحيح وكامل، في تلك الحالة من الممكن أن نعزو النتائج التنظيمية إلى القرارات التي تتخذها الإدارة والشعور ببعض الثقة في أن الشركات تتحكم في مصيرها.

ونظراً لما سبق، فقد بحث سعيد البنا وزملاؤه عنصرين مهمين في مرحلة التنفيذ ضمن دراستهم؛ وهما نطاق تنفيذ الخطط الاستراتيجية ومواءمتها. وتُعرف عوامل الجهد والوقت المستثمَران في تنفيذ الخطط الاستراتيجية بنطاق التنفيذ، والذي يشمل على سبيل المثال تطوير تنفيذ الخطة الاستراتيجية الممكنة وتقييم إجراءاتها، واختيار أفضل مسارات التنفيذ، والاستعانة بالمدراء من مختلف مستويات الإدارة لوضع الخطة الاستراتيجية موضع التنفيذ.

إضافة إلى تنفيذ الخطط الاستراتيجية على نطاق واسع، من المهم أيضاً مواءمة العوامل التنظيمية مع الخطة الاستراتيجية، والتي تنطوي على مواءمة الأنظمة والعمليات والهيكل التنظيمي والقيم المؤسسية والموارد المخصصة ومهارات الموظفين وقرارات المدراء والثقافة التنظيمية مع الخطة الاستراتيجية. وكل هذه الأمور مجتمعة مفيدة في تطوير التفاهم بين المدراء المشاركين في تنفيذ الخطة وتعزيز التزامهم اتجاهها؛ وبالتالي، الإسهام في التنفيذ الناجح للخطة الاستراتيجية وتحسن أداء الشركات.

تقييم الخطة الاستراتيجية

الخطوة التالية بعد التخطيط والتنفيذ هي تقييم ما إذا كانت الخطة المنفذة قد حققت النتائج المرجوة منها أم لا. وتعتبر عملية تقييم الاستراتيجية أداة تحليل داخلية تتضمن تحليل الخطة الاستراتيجية وتقييم مدى أدائها مقابل أهدافها. ومن المؤسف أنه في كثير من الأحيان يتم تجاهل تلك الخطوة المهمة في عملية الإدارة الاستراتيجية الشاملة وخصوصاً بعد موجة واسعة من الأنشطة في مراحل تخطيط وتنفيذ الاستراتيجيات، جنباً إلى جنب مع العمل الروتيني في الشركة. وفي تلك الحالة، تزداد احتمالية فشل الاستراتيجية أو سرعان ما تصبح الاستراتيجيات متقادمة وغير متزامنة مع المتغيرات الجديدة المحيطة بالشركة.

ونظراً لتعقد عملية تقييم الإستراتيجية، يحتاج فهمها على نحو أفضل إلى دراسة عدة أبعاد لعملية التقييم. ولذلك قام سعيد البنا وزملاؤه في الدراسة ذاتها باستخدام متغيرين مهمين في عملية التقييم وهما: المساءلة والتحكم الاستراتيجي. تهدف المساءلة إلى إبقاء المدراء مسؤولين عن نتائج قراراتهم. بالإضافة إلى إنها تفرض على المدراء التزاماً تجاه تنفيذ الخطط والوفاء بالمسؤوليات الموكلة إليهم، وتضمن الانفتاح والشفافية وتنظيم استخدام السلطة وعدم إساءة استخدامها، وتعزز السلوك المناسب في جميع أنحاء الشركة، كما تغرس السعي وراء التعلم من أجل التحسين المستمر.

وبالمثل، يمكن النظر إلى الرقابة الاستراتيجية على أنها عملية منظمة تستخدم فيها الشركات الأهداف الاستراتيجية كمعايير، وتقيس أداء خططها الاستراتيجية، وتقارن هذا الأداء بالمعايير، وتوفر معلومات منتظمة حول الانحرافات غير المرغوب فيها بين الأداء الفعلي والأداء المستهدف من أجل اتخاذ الإجراءات التصحيحية الملائمة. وتساعد الرقابة الاستراتيجية المؤسسات على الإجابة عن سؤالين وهما: أولاً، ما إذا كانت الخطة الاستراتيجية يتم تنفيذها كما هو مخطط لها؟ وثانياً، ما إذا كانت نتائج التنفيذ قد حققت أهداف الخطة؟ وكما أوضحت المقابلات التي أجريت في شركة “مصدر”، فإن الرقابة الاستراتيجية تساعد أيضاً في تعزيز التعلم المستمر وتحسن ممارسة التخطيط. فكما ذكر أحد المدراء التنفيذين بالشركة “تمكن الرقابة الاستراتيجية من توفير سلسلة متصلة من التقييمات الجوهرية والتي تسمح بجمع وتحليل المعلومات حول المستجدات الجديدة، وتوفير رؤي جديدة لتعديل وتصحيح الخطط الاستراتيجية، ووضع تدابير أكثر ملاءمة لتخفيف المخاطر المحيطة بخطط الشركة”.

وختاماً، هذه الدراسة لها العديد من التطبيقات المهمة للمدراء وصانعي السياسات، لا سيما في المؤسسات شبه الحكومية.

أولاً، ينبغي على الشركات أن تخطط بشكل مكثف وأن تولي الاهتمام الكافي عند اختيار أدوات التخطيط الاستراتيجي التي تناسب احتياجاتها.

ثانياً، مهما كانت الخطط الموضوعة سليمة وجيدة، لن تستفيد الشركات من هذه الخطط إذا لم يتم تنفيذها بالشكل الصحيح. وعلي الرغم من أن العديد من المدراء يصرحون عادة أن “التنفيذ هو كل شيء”، فإنهم من الناحية العملية يخصصون في كثير من الأحيان وقتاً واهتماماً أكبر بكثير من أجل صياغة الخطط مقارنة بالوقت والجهد المخصص لتنفيذ تلك الخطط. وهذا الأمر يحتاج إلى إعادة نظر وتصحيح.

ثالثاً، يجب أن يتمتع كبار المدراء بحس مساءلة قوي وأن يمارسوا الرقابة الاستراتيجية بفعالية لتحقيق أداء عالٍ للشركة. وكما أشار أحد كبار المسؤولين في شركة مبادلة للبترول: “إن الخطة الجيدة التي لا يتم تنفيذها لا فائدة من ورائها. والخطة المنفذة التي لم يتم تقيمها لا يمكن وصفها بالجيدة. ولذلك، لكي تنجح الخطة، يجب تنفيذها وتقييمها بفاعلية، الأمر الذي يتطلب تصميمها منذ البداية لإنجاز نتائج محددة قابلة للقياس (أهداف الخطة)”.

رابعاً، في الواقع تأتي هذه الدراسة في التوقيت المناسب بالنسبة لصانعي السياسات الحكومية والمسؤولين التنفيذيين في القطاع شبه الحكومي في الإمارات العربية المتحدة وبلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى لأنهم يعملون الآن على تقليل الاعتماد علي الأنشطة النفطية وتنويع اقتصاداتهم نحو المزيد من الأنشطة غير النفطية. وتكمن ممارسات الإدارة الاستراتيجية في صميم عملية التحول تلك وتعد أحد محركاتها الرئيسية.

وتخلص هذه الدراسة إلي أنه كلما كانت ممارسة الشركات التي تخص الإدارة الاستراتيجية أكثر تكاملاً كان أداؤها أفضل. وعلى وجه التحديد، تؤكد الدراسة على أنه ينبغي للشركات التخطيط بشكل مكثف وأن تولي الاهتمام باختيار أدوات التخطيط الاستراتيجية التي تناسب احتياجاتها على أفضل وجه. فضلاً عن ذلك، مهما كانت الخطط الموضوعة سليمة؛ لن تستفيد الشركات من خططها الاستراتيجية إلا إذا نُفذت هذه الخطط تنفيذاً شاملاً وقُيِّمت تقييماً صحيحاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .