البيع بأسلوب كسر التعادل

13 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
كيف يمكن للمورِّدين غير الاستراتيجيين مساعدة الزبائن في حل مشكلات كبيرة؟ وما هو أسلوب البيع بكسر التعادل؟

يوماً بعد يوم يصبح الزبائن في أسواق تبادل الأعمال التجارية أكثر حنكة بشكل متزايد فيما يتعلق بالمشتريات. ومع إدراكهم أن معظم المنتجات والخدمات التي يشترونها غير استراتيجية لأعمالهم، فإنهم يبدؤون ببساطة في السعي للحصول على موردين تتوفر لديهم المواصفات الأساسية المطلوبة بسعر تنافسي. ثم بعد غربلة المتنافسين، غالباً ما يطلبون من المرشحين النهائيين أن يقدموا “شيئاً إضافياً”.

وعادة ما يُسيء العديد من الموردين فهم هذا الطلب فيجيبون باستخدام الأسلوب القديم المتمثل في التشديد على المزايا التي تتوفر في عرضهم ولا تتوفر لدى المنافسين، وعندما يفشل ذلك، يقترحون تقديم تخفيض في الأسعار ليتضح فيما بعد أن الزبائن لا يريدون أياً من هذين الأمرين.

وقد اكتشفنا من خلال مشروع بحثي استمر لثلاث سنوات أن مدراء المشتريات عندما يطلبون الحصول على شيء إضافي فإنهم في واقع الأمر يريدون ما نطلق عليه اسم المبرِّر: وهو عنصر من عناصر العرض سوف يحدث فرقاً كبيراً في أداء شركتهم. ويجب أن تكون قيمة المبرر بالنسبة للزبون أمراً واضحاً يوفر سبباً قاطعاً لاختيار موِّرد بدلاً من آخر، وبالنتيجة تنتهي حالة التعادل بين المتنافسين النهائيين. فعلى سبيل المثال، يمكن لشركة تأجير السيارات منح الزبائن خيار إلغاء عدد معين من العقود قبل انتهائها دون غرامة. ويمكن لشركة مقاولات أن تعرض تخصيص مدير مشروع رفيع المستوى لزبون لوجود تجربة ناجحة مسبقة بينهما، وذلك كي يشعر الزبون بالاطمئنان إلى عدم الحاجة لفحص العمل وأن إتمامه سيكون في الوقت المحدد دون مشاكل. ويمكن لموزع قطع الغيار القياسية أن يضع بطاقات تحمل أرقام القطع الخاصة بالزبون على أغلفة العبوات، وبذلك يتم تفادي المشقة والتكلفة الناتجتين عن تعديل الأرقام الخاصة بالموزع في نظام جرد الزبون.

كرة المقالة باختصار

المشكلة

في أسواق التبادل بين الأعمال، يعتقد موردو المنتجات غير الاستراتيجية أن لديهم خيارين فقط لإتمام الصفقة: التشديد على الخصائص التي توجد في عروضهم ولا يملكها المنافسون، والمنافسة على أساس السعر.

الحجة

وجدت دراسة أجريت على 46 شركة عدم فعالية هذا الأسلوب، ذلك لأن الزبائن لا يكترثون في الغالب بالخصائص التي يتغنى بها الموردون، كما أنهم لا يسعون للحصول على تخفيضات في السعر. وبمجرد أن يقلصوا عدد المنافسين إلى المرشحين النهائيين الذين تتوفر لديهم المواصفات الأساسية مع وجودهم في نطاق مقبول للسعر، يبحث الزبائن بدلاً من ذلك عن “شيء إضافي”.

الدروس

إن تكريس الوقت لفهم نشاط الزبون وأولوياته من أجل تحديد مبرر كسر التعادل – وهو أمر إضافي مهم تكون قيمته واضحة ويعزز وضع مدراء المشتريات في مؤسساتهم – سيؤدي إلى إتمام الصفقة بشكل أكثر فعالية.

يساعد المبرر، أو كاسر التعادل، مدير المشتريات على أن يُظهر لمدرائه أنه يُقدم إسهاماً للشركة. وهذا ليس بالأمر القليل. فالمسؤولون عن المشتريات غير الاستراتيجية يقومون بأعمال تكون في الغالب صعبة دون أي تقدير. كما أنهم يتعرضون للضغوط لإتمام تلك التعاملات في أسرع وقت ممكن وبأعلى قدر من الفعالية. كما يُلقى اللوم عليهم إذا حدثت مشاكل في البضائع التي اشتروها. وأما اجتهادهم وفهمهم للعمل فلا يحظى في العادة سوى بقليل من بالتقدير.

وباختصار فإن مساعدة مدراء المشتريات على كسر تلك الرتابة من خلال منحهم “فوزاً” واضحاً هي الطريقة التي يفوز من خلالها الموردون. حيث يحصلون على نصيب أكبر من تجارة الزبون – وربما القدرة كذلك على تسعير عروضهم عند الحد الأعلى من النطاق المقبول لدى كل زبون أو بالقرب منه في أسوأ حال.

لماذا يسيء الموردون فهم الزبائن

المشتريات الاستراتيجية هي المشتريات التي تقرر الشركة أنها تسهم بشكل كبير في تمييز ما تعرضه في الأسواق. ورغم أن معظم المشتريات لا تصنف على أنها استراتيجية إلا أن المشتريات غير الاستراتيجية يمكن أن تكون مهمة بالنظر إلى المبالغ الضخمة التي تُنفق عليها. ونتيجة لحاجة الشركات إلى إتمام قدر كبير جداً من تلك المشتريات، فإن العملية المتبعة في الصفقات غير الاستراتيجية عادة ما تكون بسيطة نسبياً، كما أن معايير تقييم كل قرار تكون سريعة: وهي أي أن لا يستهلك الكثير من الموارد إضافة إلى عدم وجود أي شكاوى أو مشاكل في العنصر الذي تم اختياره.

ولقد وجدنا أن موردي المنتجات والخدمات غير الاستراتيجية لا يقدرون مهمة المشتريات تلك حق تقديرها. ومن ثم فإنهم عندما يحاولون إتمام صفقة ما، يرتكبون خطأين شائعين.

يركزون بإصرار على الخصائص المميزة لما يعرضونه حتى عندما لا تكون لدى الزبون رغبة فيها

حيث يكون لديهم أمل في أن تستميل تلك الخصائص التي تتخطى المواصفات الزبون وتحمله على دفع مبلغ إضافي في مقابلها. لكن محاولة إقناع زبون متردد أن تلك المبالغ الإضافية سوف تضيف قيمة ليس بالمهمة اليسيرة، كما نرى في قصة روتها لنا مديرة إدارة التوريد في مستشفى تعليمي أميركي عن مندوب مبيعات لدى مورد قام بتطوير طبقة مضادة للبكتيريا لخيوطهم الجراحية، فكان المندوب يعرض عليها بإلحاح هذا المنتج ذو السعر المرتفع، على الرغم من أن الخيوط الجراحية العادية لا بأس بها في معظم الاستخدامات الجراحية.

يقدمون تخفيضات لا يرغب الزبون بها

خلال الطلبات الأولية لعروض أسعار المنتجات غير الاستراتيجية يُقيِّم مدراء المشتريات الموردين المحتملين على أساس استيفاء المتطلبات الأساسية والسعر. وطالما وَفَى الموردون بما سبق وجاءت أسعارهم داخل نطاق مقبول – من الشائع أن يكون السعر أعلى أو أقل بنسبة 3% إلى 5% مقارنة بالمرشحين النهائيين الآخرين – فإن مسؤولي المشتريات يُبقون عليهم في قائمة المتنافسين ثم يسألونهم عما يمكن أن يقدموه علاوة على ذلك. فيرد العديد من الموردين بتخفيض السعر لا إرادياً.

لكن تلك الخطوة يمكن في واقع الأمر أن تزيد مهام مدراء المشتريات. فيتحتم عليهم غالباً مخاطبة المرشحين النهائيين الآخرين ومنحهم فرصة لتخفيض أسعارهم كذلك، حتى تكون الأسعار مرة أخرى في نطاق مقبول من بعضها البعض. وبعد قبول تخفيضات السعر بسعادة، يطرح مدراء المشتريات مرة أخرى السؤال عن تقديم “شيء إضافي”. ولا غرابة في ذلك فإذا كان الهدف يتمثل في الحصول على أقل سعر ممكن وحسب فما حاجة الشركة إذاً إلى مدير المشتريات وهذه مهمة يمكن للمزادات العكسية الإلكترونية أداؤها.

واكتشفنا أنه حتى عندما يرفض المرشحون النهائيون الآخرون تخفيض أسعارهم، فإن مدراء المشتريات يظلون في أحيان كثيرة مترددين في إتمام الصفقة لصالح أقل العروض، وذلك خوفاً من أن تكون الصفقة جيدة في الظاهر فقط. وقد أخبرنا أحد المدراء التنفيذيين في مجال البناء عن قلقه من أن هؤلاء الموردين يحاولون شراء الصفقات مع شركته أو أنهم لا يفهمون بشكل كامل هياكل التكلفة لديهم. وفي كلتا الحالتين يحتمل أن يقوموا بأحد أمرين إذا فازوا بالصفقة: محاولة استعادة التنازلات في وقت لاحق من الصفقة من خلال فرض غرامات قاسية على أي تغيير، أو الاقتصاد في الوقت والنفقات والتضحية بالجودة.

لماذا إذاً يلجأ الموردون إلى تلك الممارسات غير الفعالة بدلاً من اقتراح المبررات التي ذكرناها سابقاً؟ السبب هو أن العديد منهم يتوصلون إلى نتيجة تنم عن قصر النظر مفادها أنه بما أن عروضهم الأساسية تماثل تقريباً عروض المنافسين، فليس من المفيد تكريس الموارد لإقناع الزبون بها، ومن الأفضل التركيز على إدارة النفقات. تؤدي تلك العقلية بالموردين إلى الضغط على مسؤولي المبيعات من أجل الحصول على أي صفقات يمكنهم الحصول عليها دون تأخير، مما يجعلهم يختصرون الوقت الذي يقضونه مع الزبائن. ونتيجة لذلك يتجاهل مسؤولو المبيعات في بعض الأحيان الطلبات المباشرة من الزبون والتي يمكن أن تؤدي إلى المبررات.

وفي بعض الأحيان يفضل مدير المشتريات التعامل مع أحد الموردين من المرشحين النهائيين، وبدلاً من أن يخبرهم جميعاً عن مشكلة ما، يخبر شركة واحدة فقط بها. وإذا خصص مسؤول مبيعات هذه الشركة الوقت للاستماع واقتراح الحل، فإن مدير المشتريات يحصل على المبرر المطلوب ثم يستطيع بعدها أن يُتم الصفقة وينتقل إلى غيرها.

هذا هو ما حدث مع قسم السلامة الغذائية في شركة رائدة في مجال الوقاية من الآفات، والتي زودت الفنيين فيها بأجهزة حاسوب لوحي تساعدهم على اتباع بروتوكولات الخدمة وإعداد الفواتير. كانت الشركة تسعي لاستبدال الأجهزة التي كانت قد حصلت عليها من عدة عقود إيجار. لكن كانت هناك مسألة شائكة تتمثل في أنه أثناء الفترة الانتقالية، ومع إنهاء العقود القديمة وسريان مفعول العقود الجديدة، كان سيتحتم على القسم دفع إيجار مضاعف، وهو ما سيؤثر بالسلب على أرباحه الصافية لمدة ثلاثة شهور ويؤثر بالتالي على علاوات مدراء التشغيل.

كان مدير المشتريات يميل لإحدى شركات تأجير المعدات ضمن قائمة المرشحين النهائيين التي توصل إليها، والتي كان لها علاقة عمل جيدة بصورة خاصة مع الشركة التي تورد الأجهزة. ومن ثم سأل مندوب مبيعات تلك الشركة: “ما الذي يمكننا فعله للتخلص من هذا التداخل ومدفوعات الإيجار المزدوجة؟” اقترح المورد تأخير سداد عقود الإيجار الجديدة لاستبدال أجهزة الحاسوب اللوحي لمدة ثلاثة شهور من خلال دمج المدفوعات الشهرية البالغ عددها 36 دفعة بحيث تصبح 33 دفعة. وفى حين أن الشركة ستدفع المبلغ الكلي نفسه لأجهزة الحاسوب اللوحي، فإن أرباحها لن تنخفض نتيجة لدفع فواتير مزدوجة في آن واحد، كما سيحصل مدراء التشغيل على علاواتهم. أخبرنا مدير المشتريات أنه لو لم تُقدم تلك الشركة هذا الحل، لفكَّرَ أكثر في المرشحين النهائيين الآخرين.

كيف تكتشف المبررات

أجرينا دراسة على 46 شركة مقرها الولايات المتحدة وأوروبا، وتعمل في مجالات شتى، مثل المشروبات ومواد البناء وصيانة المنشآت والرعاية الصحية، والنقل والخدمات اللوجستية وتوليد الكهرباء وخدمات التوظيف. ولمعرفة وجهة نظر الزبون، أجرينا مقابلات مع المدراء التنفيذيين ومدراء سلاسل التوريد ومدراء المشتريات في 31 شركة. ولمعرفة وجهة نظر المورِّد قابلنا كبار المدراء ومندوبي المبيعات ومدراء التسويق وتطوير الأعمال في 15 شركة.

وقد تعلمنا من هذا البحث أن الموردين الاستثنائيين – أو البائعين بأسلوب كسر التعادل – يُكرسون الموارد في عملية العثور على المبررات وتقييمها وتطويرها. ويقومون كذلك بفحص ثلاثة موارد محتملة للأفكار الخاصة بالمبررات:

كيف يستخدم الزبائن العرض على أرض الواقع

يُدرب البائعون بأسلوب كسر التعادل مسؤولي مبيعاتهم على التطرق إلى هذا الموضوع مع الزبائن والتحدث معهم عن الأشياء التي تثير قلقهم. لننظر إلى شركة غيردو شمال أميركا لحديد الأطوال (Gerdau Long Steel North America)، وهي شركة رائدة في توريد حديد التسليح، وهو أسياخ الحديد المستخدمة في تدعيم الخرسانة. قد يبدو في الظاهر أن حديد التسليح هو المنتج السلعي الأمثل – بمعنى أنه منتح يصعب تمييز بعضه عن البعض الآخر ولا يمكن بيعه إلا على أساس السعر. لكن غيردو وجدت أن الأمر بخلاف ذلك.

يُقطَّع حديد التسليح إلى أسياخ يبلغ طول كل منها 18 متراً، ثم تجمَّع الأسياخ في حزم يتراوح وزن كل منها بين طن واحد إلى خمسة أطنان، بعد ذلك تربط ببعضها البعض في أربع أو خمس نقاط مختلفة. فإذا ظلت الأسياخ مفرودة عند فتح الحزم، يكون من السهل تغذيتها لماكينة القطع أو الثني، حيث تقطَّع إلى أطوال يتم تركيبها لتكون دعامات للخرسانة. لكن الأسياخ تصل في الغالب متشابكة، فيضطر العامل لهز كل منها حتى تصبح منفردة، وهو ما يبطئ من عملية التركيب ويزيد من التكلفة بالنسبة للزبون.

نما إلى علم غيردو تلك المسألة خلال الاجتماع الفصلي لمراجعة أعمال الشركة مع أحد كبار عملائها. يُقَيّم العديد من الزبائن مورديهم وينقلون إليهم هذا التقييم في مثل تلك الاجتماعات. وفي العادة يحضر تلك الاجتماعات مع الزبائن بالنيابة عن غيردو مندوب مبيعاتها ومدير المبيعات الإقليمي، ولكن بحسب جدول الأعمال يمكن أيضاً أن يشارك أعضاء من الإدارة العليا أو خبراء في مجال التعدين والخدمات اللوجستية أو العمليات.

تم تدريب مسؤولي المبيعات لدى غيردو على استغلال مراجعات الأعمال لبدء حوار مع الزبائن: ما هي نواحي التقييم التي يرغب الزبون بشدة في أن تحسِّنها غيردو؟ ما المقصود تحديداً بتقييمات معينة مثل “سهولة ممارسة الأعمال”؟ وكيف يمكن لغيردو تحسين تقييمها؟

يهتم مسؤولو المبيعات أيضاً بتوجيه سؤال مفتوح في نهاية كل اجتماع: “كيف يمكن أن نكون مورداً أفضل بالنسبة لك؟ يُشجع ذلك المدراء عادة الزبون على الإجابة بصورة مسهبة وذكر أمر ما يمكن أن يغفلوا عنه لولا ذلك. وفي واقع الأمر كان هذا هو السؤال الذي جعل الزبون المهم يأتي على ذكر تشابك أسياخ الحديد.

نُقلت تلك الشكوى إلى الإدارة العليا للمبيعات في غيردو خلال أحد اجتماعات المبيعات الشهرية، حيث يتم مناقشة وتنفيذ الحلول المحتملة لكل مشكلة على حدة. ثم نُوقشت المسألة في اجتماع التحسين الشهري بغيردو، حيث تقوم الإدارة العليا والخبراء من مختلف المجالات بفحص المسائل الأكثر تعقيداً والنظر في طرق جديدة لتقديم قيمة للزبائن. وسرعان ما اكتشفت غيردو السبب وراء تشابك أسياخ الحديد: يسقط السيخ بعد قطعه إلى أطوال إلى الأسفل مسافة تتراوح بين قدمين إلى أربع أقدام مما يمنحه طاقة ميكانيكية تؤدى إلى اهتزازه. قامت الشركة على إثر ذلك بإصلاح عملية الإنتاج لمنع حدوث هذا الأمر.

قدرت غيردو نسبة تخفيض الأسياخ المفرودة لتكلفة تجميع وتركيب حديد التسليح بمقدار 25%. تعد الميزة التنافسية لهذا الأمر بديهية بالنسبة للزبائن، غير أن مدراء المشتريات في غيردو تمكنوا من خلال تبادل تقديرات تخفيض النفقات تلك، أن يُظهروا لمدرائهم الأعلى مساعدتهم في خفض التكاليف بصورة أفضل.

تتبع راندستاد (Randstad)، وهي شركة توفر العمالة المؤقتة وغيرها من خدمات الموارد البشرية، أسلوباً مختلفاً في استكشاف كيفية استخدام الزبائن للعروض التي تقدمها. فعلاوة على قيام مدراء الحسابات بها باستطلاع أقسام المشتريات والموارد البشرية لدى الزبائن، تقوم راندستاد بإرسال مدراء العمليات لديها، وهم خبراء في ممارسات التوظيف وتوجهات نشاط التوظيف وكذلك التوجهات الإقليمية، من أجل التحدث مع مدراء العمليات في مواقع الزبائن. يستخدم مدراء العمليات استبياناً يبدأ بأسئلة عامة، مثل الاستفسار عن مقدار المهلة الزمنية والمرونة التي يتوقعها زبائن الزبون. ثم يركزون بعد ذلك على العمليات الخاصة بالزبون ويغوصون في تفاصيل من قبيل ما هي الأنشطة التي تتطلب توظيفاً مرناً، وما هي المهارات المطلوبة للقيام بتلك الأنشطة. يساعد ذلك مدراء العمليات على تحديد مبرر محتمل لكل زبون، مثل المساعدة في تحديد الطريقة التي من خلالها يمكن استخدام الموظفين في أكثر من قسم.

فرصة دمج العروض مع عروض شركات أخرى

ينبغي على الموردين استكشاف الصلة بين منتجاتهم وخدماتهم وبين المشتريات الأخرى التي يقوم بها الزبون وكيفية المزج بينهما من أجل تقديم قيمة مضافة. كان هذا هو الأسلوب الذي تبناه مورد أجهزة نظام التموضع العالمي (GPS) لمعدات الوقاية من الآفات سالفة الذكر. كانت شركة أجهزة التموضع العالمي تجد نفسها كثيراً في صفقات تشمل مشتريات من موردين إضافيين وكانت تبادر بالتواصل معهم.

وقد فازت بصفقة شركة الوقاية من الآفات من خلال اقتراحها بدمج بياناتها الخاصة بسلوك السائقين (على سبيل المثال، عند ضغط دواسة البنزين أو الفرامل بصورة سريعة للغاية أو عند التوقف لفترة مبالغ فيها) مع بيانات الشركات التي تقوم بصيانة أسطول سيارات شركة الوقاية من الآفات والشركات الأخرى التي تقوم بتوريد بطاقات الدفع التي يستخدمها السائقون في شراء الوقود. مكنت التقارير التي نتجت عن هذا الدمج شركة الوقاية من الآفات من إدارة تكاليف صيانة أسطول سياراتها بصورة أفضل، علاوة على تحديد متى يتم ملء سيارات غير مصرح لها بالوقود الذي يتم شراؤه بواسطة كروت الشركة.

أولويات العمل لدى الزبون. يمكن أن تكون الأهداف السنوية للإدارة العليا للزبون مصدراً كبيراً للأفكار الخاصة بالمبررات. يستطيع المورد من خلال زيارة موقع الزبون على الإنترنت أو قراءة تقريره السنوي أن يتعرف على المبادرات التي تهدف إلى تحسين السلامة في جوانب معينة، أو تقليل المخلفات، وما إلى ذلك. وبالرغم من ذلك فقد أخبرنا مدراء المشتريات أن مسؤولي المبيعات نادراً ما يقومون بهذا البحث الأولي عن خلفية الزبون أو يكرسون الوقت للتعرف على أهداف عملائهم.

يعدُّ ذلك إهمالاً منهم، لأن القليل من الاستكشاف يمكن أن يحقق الكثير. قامت شركة تغليف تبيع لشركة باير كروب ساينس (Bayer CropScience)، وهي شركة متخصصة في توريد البذور وحماية النباتات ومكافحة الآفات غير الزراعية، بتوجيه سؤالين في نهاية الاستعراض الفصلي مع مدير المشتريات من شركة باير مفادهما: “ما الأشياء التي تهمك؟” و”ما الذي يحتاجه عملاؤك؟” كان الغرض من السؤال الأول هو التعرف على أهم أهداف الشركة بالنسبة لمدير المشتريات. وأما الغرض من الثاني فكان فهم الأهداف التي تحاول باير مساعدة عملائها في تحقيقها. وجدت شركة التغليف أن باير قد جعلت من تخفيض جميع النفقات اللوجستية وتلك المرتبطة بالتخزين أولوية، وأن عدداً من عملائها كانوا يحاولون تحقيق تقدم فيما يتعلق بالاستدامة. ومن ثم، عندما طلب مدير المشتريات الحصول على “شيء إضافي”، عاد إليه مندوب المبيعات بعرض لاستخدام قدرات شركته الهندسية والتصميمية لمساعدة باير في تجديد نظام التغليف بها – وهو أمر لا تملك باير الخبرة للقيام به بمفردها.

كان التغليف الجديد أخف ويتطلب تغليفاً ثانوياً أقل، وهو ما مكن باير من مسايرة مبادرات عملائها الخاصة بالاستدامة. كما أنه مكن باير كذلك من وضع قدر أكبر من المنتجات فوق لوح التحميل، مما يسمح بوضع كمية أكبر من المنتجات في كل شاحنة وكذلك تكديسها لارتفاع أعلى في المخازن. منح ذلك فوزاً لمدير المشتريات، والذي كان يتم تقييمه على أساس ما يقوم بتوفيره فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية.

البيع على أساس القيمة

خلق نشاط جديد

يؤدي البحث عن مبرر في بعض الأحيان إلى مصدر جديد للدخل والربح. يتضح هذا الأمر من خلال إحدى الخدمات التي تقدمها شركة تي إل سي لتجهيز سيارات النقل والشاحنات الصغيرة (TLC Van/Pickup Upfitters) الموجودة في ولاية كارولينا الشمالية.

تقوم الشركة بتصميم وتركيب الرفوف وحوامل المعدات وغيرها من العناصر التي تؤدي وظائف معينة في سيارات النقل التجارية. ويرى معظم منافسيها أن عملهم قد انتهى بمجرد الانتهاء من عملية التركيب. لكن تي إل سي لا تفعل ذلك. فبعد عملية التركيب، تفحص سيارات الزبائن مرتين سنوياً في مواقعهم مجاناً. وبحسب رغبة الزبون، تقوم تي إل سي وقتها بأي أعمال صيانة مطلوبة – ربط الصواميل المفككة، وإصلاح الرفوف التي تنفصل عن الجدار، وإصلاح الأدراج التي لا تعمل – وذلك مقابل سعر معقول.

يمكن لهذا الأمر أن يوفر للزبون الكثير من المال، فيمكن لمشكلة صغيرة تبلغ تكلفة إصلاحها 30 دولاراً إذا لم يتم علاجها في مراحلها المبكرة أن تصبح تكلفتها 1,000 دولار، إضافة إلى إخراج السيارة من الخدمة. وعلاوة على توفير الوقت لمدراء أسطول الشاحنات وإعفائهم من الضيق، تمنحهم تي إل سي كذلك فوزاً، وذلك من خلال تقديمها لأمثلة ملموسة عن توفير النفقات التي تأتي من عمليات الإصلاح التي تتم في الوقت المناسب، وهو الأمر الذي يمكن لهؤلاء المدراء نقله إلى مدرائهم الأعلى. اكتشفت تي إل سي هذا المبرر منذ عدة سنوات، عندما ساعدت زبوناً كبيراً في حل مشكلة تتعلق بحوامل السُّلم. فقد علمتْ أن العديد من الفنيين الذين يقودون تلك السيارات لا يعتقدون أن صيانة وصلات الحوامل تقع ضمن مسؤوليتهم، وغالباً لا يخبرون مدراء الأسطول عن مشكلات الصيانة التي تظهر. وقد مكنت عمليات الفحص تي إل أس من جعل نفسها المورِّد المفضل وفازت كذلك بنصيب أكبر من صفقات الزبون. كما أن الصيانة الوقائية قد أصبحت جزءاً أساسياً من عروض الشركة: وبعد مرور ثلاث سنوات من إطلاقها، أصبحت تسهم بـ 15% من عائدات تي إل سي.

التعرف على المبررات الجديدة

تتسم المبررات الناجحة بطبيعتها بعمرها المحدود. حيث إن أولويات الزبون ومشكلاته تتغير، كما أن المنافسين يتفهمون تلك المبررات ويقلدون تصرفاتك. يشير ذلك إلى أن المورِّد يجب أن يبحث دائماً عن مبررات جديدة.

يواجه الموردون المثاليون الذين قمنا بدراستهم تلك المهمة بطريقة منظمة. لننظر إلى شركة يو بي إس (UPS) على سبيل المثال. فنتيجة لفهم الحاجة المستمرة للعثور على مبررات تتعلق بقطاعات معينة، قامت شركة الخدمات اللوجستية والنقل بإعادة تنظيم جهودها في التسويق والبيع حول قطاعات مستهدفة من مجال عملها، كالرعاية الصحية والبيع بالتجزئة والخدمات المهنية، إضافة إلى المجالات ذات النمو القوي المحتمل في الولايات المتحدة. لكل منطقة وقطاع مدراء تسويق ومبيعات مختصون بها يقيمون في نطاقها.

كانت الأفكار الخاصة بالمنتجات الجديدة فيما مضى تأتي بشكل رئيسي من وحدة تطوير المنتجات الجديدة في يو بي إس في مدينة أتلانتا، وكان تطبيقها يستغرق في الغالب وقتاً طويلاً. وأما في الوقت الراهن، فإن يو بي إس تشجع مدراء التسويق والمبيعات للقطاعات والأقاليم على تقديم الأفكار في الاجتماعات الدورية. وعلاوة على الاجتماع السنوي في أتلانتا، تعقد يو بي إس اجتماعين عن بعد شهرياً، أحدهما يكون على المستوى الإقليمي والثاني على المستوى الوطني. وتحتوي كل مكالمة جماعية على الكثير من العصف الذهني المنظم. تبدأ المكالمات بتشريح للصفقات الأخيرة التي فازت بها يو بي إس أو خسرتها. ويلى ذلك عرض المشاركين لتحديات العمل الجديدة التي تواجه الزبائن واستكشاف الثغرات بين ما تقدمه يو بي إس في الوقت الحالي وبين متطلبات الزبائن الطارئة، علاوة على أي جهود مبذولة من جانب المنافسين لعلاج تلك الثغرات. وتُختتم الاجتماعات باقتراح خدمات ومبررات جديدة يمكن أن تسد الثغرات بصورة فعالة ومربحة.

كانت أظرُف التوصيل السريع التي تناسب كل زبون مبرراً جديداً تمخضت عنه تلك الاجتماعات. فقد نوه مدير تسويق خلال مكالمة جماعية إقليمية إلى أنه بينما يعدُّ بناء العلامة التجارية من المتطلبات المهمة للخدمات المهنية، فإن هناك عدداً قليلاً من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تمتلك الموارد الكافية لتحقيق ذلك. ثم عرضَ ملاحظة تمثل طفرة جديدة: كانت تلك الشركات تستخدم الكثير من أظرف خدمة التوصيل السريع في الرحلات القصيرة، وكانت تلك الأظرف خالية من المطبوعات بشكل عام. ثم اقترح أن تقوم يو بي إس بطباعة شعار شركة الزبون أو إعلانه على تلك الأظرف. وفي أثناء تلك المكالمة وفي الاجتماع الوطني التالي أيضاً، نقح المشاركون تلك الفكرة ودرسوا تكلفتها. ثم نقلها عدد من مندوبي الحسابات إلى الزبائن بصورة غير رسمية ووجدوا صدى لها. وبعد أن حقق اختبار تجريبي زيادة معقولة في المبيعات والأرباح، قامت يو بي إس بتقديم خدمة أظرف التوصيل السريع التي تلائم كل زبون. ورفع مدراء يو بي إس تقارير تقول إن تلك الأظرف قد مكنتهم من الفوز بتعاملات جديدة كبيرة في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة.

يعتقد معظم مورِّدي الخدمات والمنتجات غير الاستراتيجية أن لديهم عدداً قليلاً من الخيارات بخلاف البيع القائم على أساس السعر أو إبراز الخصائص المميزة، والتي هي في واقع الأمر غير مهمة بالنسبة للزبائن. وفي الغالبية العظمى من الحالات، يُهدر هؤلاء الموردون وقتهم ومواردهم. ويعدُّ أسلوب المبرر بديلاً جذاباً.

لكنه لا يأتي بسهولة، مثله في ذلك مثل أي تغيير كبير، حيث إنه يتطلب الاستثمار في أنظمة وعمليات جديدة. كما أنه يَعني في كثير من الأحيان حتمية تغيير الموردين لطريقة التفكير الراسخة لدى مدرائهم ومسؤولي مبيعاتهم. لكن نجاح الأسلوب الذي اكتشفناه يوضح أنه بقليل من العزيمة، يستطيع حتى مورِّد المستلزمات غير الاستراتيجية إقناع مدراء المشتريات لدى الزبون وكذلك إدارته العليا بأنه مورِّد متميز عن الآخرين.

مقالات قد تهمك:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .