اسمح لأصحاب الأداء المتميز بالتنقل ضمن الشركة

6 دقائق
أصحاب المواهب

ملخص: من الطبيعي أن ترغب بصفتك مديراً في التمسك بالموظفين النجوم في مجموعتك أو دائرتك أو قسمك، لكن ذلك يضرّ بالمؤسسة والأفراد المعنيين في نهاية المطاف. بيّنت دراسات كثيرة حول تنقّل أصحاب المواهب أن نقل الموظفين على نحو نشط إلى أدوار مختلفة هو أحد الأساليب الأقل استخداماً للتطوير وتعزيز الثقافة في الشركات اليوم. في الواقع، أثبتت الأبحاث أن المؤسسات عالية الأداء تركّز على تنقّل أصحاب المواهب أكثر من الشركات ذات الأداء المتدني بمقدار الضعف. يعدّ بناء ثقافة التنقّل من سمات المؤسسات الصحية للغاية، وفوائد هذه الثقافة واضحة؛ فهي ترفع مستوى العمل التعاوني بين الوظائف وتعزز التعاون بين الدوائر وتحسن الابتكار وتساعد الشركات لتعمل كفريق واحد متماسك لا إقطاعيات منفصلة.

على مدى عدة عقود من الزمن عملت شركتي على دراسة الصلة بين ممارسات الأفراد وأدائهم، ولاحظنا سمة مشتركة بين الشركات ذات الأداء المتدني غير المرنة وبطيئة التغيير، ألا وهي اكتناز المواهب. يتمثل اكتناز المواهب في السماح للمدراء بالاحتفاظ بأصحاب الأداء المتميز وعدم نقلهم إلى أي مكان آخر في الشركة.

لا شك في أنك بطبيعتك كإنسان ترغب في التمسك بالموظفين النجوم في مجموعتك أو دائرتك أو قسمك، لكن ذلك يضرّ بالمؤسسة والأفراد المعنيين في نهاية المطاف. أثبتت عدة دراسات حول تنقّل أصحاب المواهب أن نقل الموظفين على نحو نشط إلى أدوار مختلفة هو أحد الأساليب الأقلّ استخداماً للتطوير وتعزيز الثقافة، ولكنها الأكثر فعّالية في الشركات اليوم. في الواقع، بيّن بحث أجراه زملاؤنا في “معهد إنتاجية الشركات” (i4cp) أن المؤسسات عالية الأداء (وفقاً لقياس نمو الإيرادات والربحية والحصة السوقية ورضا العملاء) تركّز على تنقّل أصحاب المواهب أكثر من الشركات ذات الأداء المتدني بمقدار الضعف.

يعدّ بناء ثقافة التنقّل من سمات المؤسسات الصحية للغاية، وفوائد هذه الثقافة واضحة؛ فهي ترفع مستوى العمل التعاوني بين الوظائف وتعزز التعاون بين الدوائر وتحسن الابتكار وتساعد الشركات لتعمل كفريق واحد متماسك لا إقطاعيات منفصلة.

على الرغم من هذه الفوائد نجد أن قلةً من الشركات تضع تنقّل أصحاب المواهب ضمن أولوياتها أو تنفذ برنامجاً رسمياً له. ومع خروج الشركات من الجائحة سيكون من الضرورة بمكان الاحتفاظ بالموظفين أصحاب الأداء المتميز وتحسين مهارات القوى العاملة لتصبح أكثر مرونة في المستقبل.

كيف تتسبب الشركات بدوام حالة الجمود؟

لا يقتصر تنقّل أصحاب المواهب على نقل الموظفين من دائرة إلى أخرى، فالمؤسسات الكبرى تنظر إلى هذه الممارسة على أنها القدرة على تحديد أصحاب المواهب وتطويرهم وتوزيعهم وفقاً لما يلبي احتياجات العمل. في أثناء الجائحة، اكتسبت “تلبية احتياجات العمل” معنى جديداً، وكان أداء الشركات التي اعتمدت أسلوب تنقّل أصحاب المواهب في عام 2020 جيداً، مثل شركة “ثري إم” (3M) التي سارعت في إعادة تخصيص مواردها لتصنيع معدات الحماية الشخصية وتوزيعها. فالقدرة على توزيع مجموعات المهارات المطلوبة على نحو سريع واستراتيجي وتعيين الموظفين في فترة قصيرة من الزمن والاستعداد لمواجهة ظروف غير متوقعة هي كلها سمات تميز المؤسسات التي تزدهر في الأوقات التي تتطلب مرونة كبيرة.

على الرغم من النظر إلى عملية تنقّل أصحاب المواهب على أنها منح الترقيات لأصحاب الأداء المتميز، فهي تشمل فعلياً تحركات كثيرة؛ ربما تمثلت في نقل شخص ما أفقياً إلى مجموعة عمل أخرى أو قسم آخر، أو إلى شركة تابعة أو منطقة جغرافية أخرى أو حتى إلى شركة أخرى لفترة قصيرة. وقد تعني أيضاً أن ينتقل موظف إلى مرتبة أدنى كي يتمكن فيما بعد من الانتقال إلى مرتبة أعلى. كل ذلك يساعد في عملية التوظيف واستبقاء الموظفين. تعد وفرة الفرص الوظيفية الجديدة سمة تجذب أصحاب أفضل المواهب وتساعد على الاحتفاظ بهم في أيّ مؤسسة، ويجب أن تكون هذه السمة جذابة بالنسبة لأي مدير يعمل على إدارة الأفراد.

لكن ضرورة أن تكون جذابة هي المشكلة الكبيرة التي يتجاهلها الجميع؛ يكاد يكون العائق الرئيسي لتنقّل أصحاب المواهب هو المدير. لاحظنا في بحثنا أن نصف الشركات (و74% من الشركات ذات الأداء المتدني) قالت إن عدم قدرة المدراء على تشجيع تنقّل أصحاب المواهب هي أكبر عقبة أمامهم. يحرص المدراء على التمسك بالموظفين النجوم في فرقهم لدرجة أنهم غالباً ما يلجؤون إلى التحايل في سبيل الاحتفاظ بهم. ولا بد من أن الجميع سمعوا قصصاً عن مدراء تعمدوا إبقاء أصحاب الأداء المتميز لديهم في الظلّ كي لا يكتشفهم أحد.

من الصعب لومهم على ذلك، فبعض الشركات تحفّزهم عليه في الواقع؛ تقدّر الشركة المدير الذي ينجح في تلبية المقاييس وتكافئه، وغالباً ما تكون هذه مقاييس أعمال خالصة، ولذلك سيرغب في الاحتفاظ بالموظف الموهوب الذي تسبب بنجاحه. وإذا عملت على إدارة الأشخاص من قبل فمن المحتمل أنك فعلت ذلك.

كيف تخلق ثقافة التنقّل؟

قدم الحوافز للمدراء

المفتاح الأول لتغيير هذا التوجه هو إعادة تقييم الطريقة التي تتبعها المؤسسة في تقدير مدرائها ومكافأتهم. نلاحظ أنه في نسبة مئوية مختارة من بعض أفضل الشركات في العالم يكون منطقياً أن تضطر الشركة لجعل الاستمرار بعملية نقل أصحاب المواهب وذوي الإمكانات العالية تحديداً جزءاً من أهداف أداء المدير وجزءاً من عملية مراجعة الأداء. توجه هذه المؤسسات في كثير من الأحيان تقديراً داخلياً علنياً للمدراء وتكافئهم لقدرتهم على تطوير موظفيهم وتقدم لهم مزيداً من فرص التطوير. باختصار، تبني هذه الشركات ثقافة تطالب بالتنقل وبيئة تعتمد عليه.

عندئذ يحدث شيء مضحك لأولئك المدراء الذين كانوا “مكتنزين” فيما سبق، إذ يتحولون إلى مراكز جذب لأصحاب المواهب؛ فالجميع يرغبون في العمل لدى مدير يتمتع بسمعة طيبة في مساعدة موظفيه على تحقيق تقدم مهني.

احرص على الحدّ من البيروقراطية ووصمة العار

يتمثل العائق الآخر في البيروقراطية التي تخلقها الشركات غالباً ضمن عملية تعيين مرشح داخلي في منصب شاغر، ويفضل المدراء البحث خارج الشركة لأن عملية توظيف مرشح خارجي تكون عادة أسهل بكثير وأبعد عن النزاعات. يكون “قنص” المواهب الداخلية غالباً موضع استياء في الكثير من المؤسسات، كما يُطالب مدراء التوظيف باتباع خطوات أكثر بكثير إذا أرادوا تعيين مرشحين داخليين في مجموعاتهم أو دوائرهم بدلاً من تعيين أشخاص من الخارج.

والأمر سيان من وجهة نظر الموظف؛ لا تترافق الفرص الخارجية مع قواعد المشاركة الإدارية، ولا وصمة في البحث عن الأدوار الشاغرة خارج الشركة في حين أن البحث داخلها يكلف ثمناً سياسياً باهظاً. سمعت تعليقاً يقول: “أصبحت موصوماً” من أصدقاء كثر بعد أن اكتُشف أنهم تقدموا للحصول على أدوار أخرى داخل شركاتهم. كما أن الموظف لا يُقيد بنطاق أجور أو مستوى وظيفي معين حين يبحث عن وظائف خارجية، لكن ذلك ما يحدث حين يبحث داخل الشركة. وأخيراً، عند البحث خارج الشركة يمكن للموظف التحرر من التصنيفات التي ارتبطت بدوره ورتبته وتعويضاته ودائرته وما إلى ذلك، وهي أمور تعيق تحركه داخل الشركة عادة.

لمكافحة هذا الأمر، تعتمد الشركات المتقدمة نهج بيئة عمل المواهب الداخلية وتعين الموظفين في المشاريع بناء على تطابق أفضل المهارات مع العمل فيها وليس بناء على مدى قرب الموظف من المشروع أو موقعه من التسلسل الهرمي.  يكمن سرّ نجاح هذا النهج في تصنيف مهارات القوة العاملة وقدراتها بهدف زيادة مرونتها وشغل المناصب بمرشحين داخليين. ويكون الشخص الأنسب لدور شاغر هو غالباً أحد موظفي الشركة الحاليين، لكن الافتقار إلى البيانات حول القوة العاملة يمنع مدير التوظيف من اكتشافه. تجعل بيئة عمل المواهب النشطة انتقال الموظفين بين الوظائف على نحو متكرر ضمن المؤسسة أمراً مقبولاً، كما أنها تضع حداً لمفهوم قنص الموظفين أو الوصمة المرتبطة بالتقدم للأدوار الشاغرة داخل المؤسسة.

انظر إلى تنقّل أصحاب المواهب على أنه شبكة وليس سلماً

كانت الشركات في السابق تشجع الموظفين على التنقل بين أقسامها بهدف توسيع قدراتهم بإدارة كبار المسؤولين عن صناعة القرار. يبين بحثنا أن دعم تنقل الموظفين الأفقي والتشجيع على أداء المهام في مواقع العمل الأخرى يرتبطان بعلاقة قوية مع أداء السوق. وكذلك الأمر بالنسبة للشفافية حول العملية، فالمؤسسات عالية الأداء توضح لقوتها العاملة المعايير المتبعة في تنقّل أصحاب المواهب أكثر من المؤسسات الأخرى بمقدار 4 مرات ونصف.

والاحتفاء بالتنقل الأفقي يساعد أيضاً في التعامل مع أحد المخاطر المرتبطة بالتنقل، وهو السقف الزجاجي الذي يمنع الموظفين من تسلم مناصب عليا. عندما تنظر الشركات إلى التنقل على أنه حركة صاعدة فقط فمن المهم أن تتوفر وظائف شاغرة، وإذا كانت المؤسسة تفتقر إلى المناصب التي يمكن نقل الموظفين إليها أو كانت فرص التنقل باتجاه المراتب الأعلى محدودة، فغالباً ما يولد ذلك شعوراً لدى الموظفين بأنهم يراوحون في أماكنهم. لاحظنا أن 39% من أصحاب العمل ذكروا عدم توفر المناصب التي يمكن نقل الموظفين إليها كعقبة تعيق عملية التنقل.

كما يمكن أن تؤدي التشابكات بين أقسام المؤسسة إلى خلق ثقافة تتسم بمستوى أعلى من الشمول الاجتماعي والتنوع، وتقلّ التحزبات ومشاعر التنافر بين مجموعات الموظفين السابقين المتآلفين فيما بينهم وبين الموظفين حديثي العهد بالعمل، كما تساعد حركة التنقلات الكبيرة على الاحتفاظ بأصحاب المواهب المتنوعة الذين قد تُثبط عزيمتهم في الحصول على الوظائف العليا الشحيحة، وذلك إذا كان يُنظر إلى التنقلات على أنه تصعيد للأشخاص فقط.

تآلف مع التغيير

السبب الأخير لعدم ترسيخ عملية تنقّل أصحاب المواهب في كثير من الأحيان هو أنه يستدعي تغييراً مستمراً. لطالما أدركت أبرز الشركات أهمية المرونة في حين أن غالبية الشركات لم تكتشفها إلا في أثناء الجائحة. وإذا وصف الموظف التغيير بأنه مربك أو يسبب الإرهاق أو يزعزع استقرار ما يقوم به بصورة طبيعية فعلى الأرجح أنه يعمل في مؤسسة ذات أداء متدن، في حين أن الموظف الذي يعمل في شركة عالية الأداء سيقول إن التغيير أمر طبيعي وجزء من نموذج العمل فعلاً، بل وسيصفه بأنه فرصة أيضاً. حتى أن كثيراً من هذه المؤسسات يعمل على تحفيز التغيير على نحو منتظم بناء على النظرية التي تقول إن التغيير المستمر يعزز الإنتاجية فعلاً.

يمكن لثقافة تنقّل أصحاب المواهب النشطة أن تساعد في تقليل القناعة بالوضع الراهن وخلق بيئة تغيير صحية تترافق مع بيئة مرنة قادرة على التعامل مع الظروف غير المتوقعة. إذا كنت مهتماً بزيادة المرونة فقد آن الأوان لإتاحة شيء من التنقل الداخلي الصحي وزيادة مراكز جذب أصحاب المواهب في جميع أنحاء مؤسستك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .