$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#7037 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(6566)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(13) "44.211.58.249"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7030 (45) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(138) "/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%B4%D8%AC%D8%B9-%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%85%D9%83-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_X_FORWARDED_FOR"]=>
    string(13) "44.211.58.249"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "86be795d09ed5704-FRA"
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_REFERER"]=>
    string(29) "https://hbrarabic.com/?p=8902"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(13) "44.211.58.249"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_X_FORWARDED_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_X_FORWARDED_SERVER"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(10) "Keep-Alive"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(73) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at hbrarabic.com Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(13) "hbrarabic.com" ["SERVER_ADDR"]=> string(10) "172.21.0.5" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(14) "162.158.87.121" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "32898" ["REDIRECT_URL"]=> string(50) "/كيف-تشجع-نجومك-على-التعاون/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1711700776.556718) ["REQUEST_TIME"]=> int(1711700776) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(16) "paid_subscribers" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7029 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7028 (2) { ["content_id"]=> int(6566) ["client_id"]=> string(36) "e2b36148-fa88-11eb-8499-0242ac120007" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

كيف تشجّع الموظفين “النجوم” على العمل في بيئة تعاونية؟

23 دقيقة
تشجيع الموظفين على التعاون
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف نجح معهد دانا-فاربر في تحويل الخبراء المتنافسين إلى شركاء متعاونين لحل المشاكل؟ وكيف يمكن تشجيع الموظفين على التعاون بطريقة صحيحة؟

هل بالإمكان تحويل بيئة العمل القائمة على ثقافةٍ تنافسية لتحقيق النجومية والتميز إلى بيئة عمل تعاونية؟ كثيراً ما تجد الشركات صعوبةً في التعامل مع هذه المسألة، ولاسيما حين يكون الأمر متعلقاً بالعمل القائم على المعرفة. ويتمثل الإشكال في أن خبراء الشركة في مجال ما يحتاجون إلى الانغماس بشكل أكبر في مجالات معرفتهم كي يضمنوا الاطلاع على آخر التطورات والاكتشافات، ولكن عليهم في الوقت ذاته أن يقدموا خبراتهم هذه ليتم الاستفادة منها في حقول ومجالات أخرى لحل مشاكل معقدة يواجهها عملاء اليوم.

فهل من الممكن تحقيق الأمرين في آنٍ معاً؟ نعم، هذا ممكنٌ بشرط الاعتماد على تشجيع الموظفين على التعاون وتفعيل التعاون الذكي في المؤسسات، والذي يركز على النتائج ولا يكتفي بالتعامل اللطيف بين الآخرين في مجال العمل (مع عدم التقليل من أهمية هذا الأمر). إن تجميع المعارف العملية والمصادر التي يمتلكها هؤلاء الخبراء للاستفادة منها عبر المجالات المتعددة سيمكّن المؤسسات من حل المشكلات بطرقٍ مبتكرة، وسيرفع الإنتاجية ويزيد من الأرباح، وهذه إنجازاتٌ من شأنها أن تجذبَ إلى المؤسسة المزيد من أفضل المهارات وتحافظ في الوقت ذاته على انخراط وفاعلية المهارات التي لديها. إن التعاون ليس بالأمر السهل، وذلك نظراً إلى ضيق الوقت لدى المدراء، وتردّدهم عادةً في تفويض سلطاتهم للآخرين فيما يتعلق بمتابعة المشاريع وإدارة العلاقات، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على التوقف عن العمل في معزل عن الآخرين بعد أن اعتادوا كثيراً على ذلك. ولكن هذه المكاسب تستحق بذل الجهد لتحقيقها.

اقرأ أيضاً: كيف تستعد للعودة إلى المكتب؟

لقد لاحظت ذلك كله أثناء بحثي التطبيقي حول تشجيع الموظفين على التعاون مع أكثر من 12 شركة للخدمات خلال العقد الماضي. ومن خلال إجراء المزيد من الاستبيانات والمقابلات مع مئات من المديرين التنفيذيين والموظفين في العديد من المؤسسات في قطاعات مختلفة، كما وقفت على أنماط مشابهة في شركات الأدوية، وشركات العقارات التجارية، والمؤسسات المالية، وغيرها من المؤسسات التي تعتمد في أعمالها على المعرفة.

ولنأخذ مثلاً التطبيقات العلمية المتطورة حول تشجيع الموظفين على التعاون في الشركات، حيث تجتمع شبكات من الباحثين والمختصين للتعامل مع مشكلات ضخمة على المستوى الوطني أو الدولي. ومن الأمثلة على ذلك مشروع مانهاتن، والذي تم فيه تطوير أول سلاح نووي في أربعينات القرن الماضي، ومشروع الجينوم البشري الذي أُطلق عام 1990. وبخلاف تطبيقات العلم البسيطة، والتي يقوم خلالها أفراٌد أو فرق صغيرة بالبحث عن نظريات تفسر بعض الظواهر، فإن تطبيقات العلوم المتطورة الكبيرة تحاول ردم الفجوة بين البحث التقليدي (النظري) والبحث التطبيقي (أثره على حياة الإنسان). والهدف المرجو هو التوصّل إلى حلول على أرض الواقع، سواء كان ذلك في اختراع قذائف حربية أو أدوية علاجية. وعادة ما تتلقى مثل هذه المبادرات دعماً من الحكومة أو جهات راعية، كما أن الباحثين يشكّلون فيما بينهم فرقاً لزيادة نطاق البحث والأثر المترتب عليه.

وفي هذا السياق تقوم مؤسسات مثل معهد دانا-فاربر للسرطان بالاعتماد على تفعيل التعاون بسبل متقدمة من أجل الدمج بين حاجة الخبراء للبقاء على اطلاع على آخر المستجدات في مجالاتهم البحثية، ولكن ضمن غايةٍ أكبر تتمثل في الاستفادة من المعرفة الموجودة لدى المؤسسة من أجل التعامل مع التحديات الاجتماعية. وحين عملت مع إيدو بيدزرا وشريف النحال، وهما اثنان من طلابي في برنامج جامعة هارفارد المزدوج لدراسة الطب والماجستير في إدارة الأعمال، من أجل إعداد دراسة حالة عن معهد دانا-فاربر، فقد اطلعت بشكل مباشر على مقدار صعوبة تخلي المؤسسة عن نظام قائم على التميز والتقييم إلى نظام يدفع الباحثين إلى العمل سوية باختلاف تخصصاتهم ومؤسساتهم. وسننظر الآن في طريقة عمل هذا الأمر والمنافع التي حققتها المؤسسات بعد تطبيقه.

كيف يجذب معهد دانا-فاربر دعم مؤسسات الأعمال

أنشئ معهد دانا-فاربر عام 1947 تحت اسم مركز أبحاث علاج السرطان لدى الأطفال. وتطور المعهد ليصبح واحداً من المؤسسات الرائدة في مجال رعاية المرضى البالغين والأطفال بالإضافة إلى مجال الأبحاث. كما يعدّ المعهد النواة التي انطلق منها مركز دانا-فاربر/هارفارد، وهي شراكة من خمس مستشفيات وكليتين يجري فيها ما يقارب 700 تجربة عملية سنوياً. ويعدّ هذا المعهد مثالاً مهماً لأي جهة ترغب في تعزيز التعاون الذكي على مستوى المؤسسات القائمة على المعرفة، ويعود ذلك لسببين اثنين:

الأول هو أن المعرفة في مجال الأعمال تتطور بسرعة كبيرة بشكل يحتّم على العاملين في القطاع المهني عموماً، كما هي الحال لدى العلماء، أن يكون اهتمامهم منصبّاً بشكل أساسي على معرفة أحدث ما يستجد في مجالهم وتحقيق الابتكارات الجديدة. وفي معهد دانا/فاربر نرى أن الأطباء أصحاب المهارة يتطورون سريعاً ليصبحوا مختصين في مجال محدد، أي يمتلكون الرؤى العلمية القادرة على تحديد أخطر المشكلات المتعلقة بالكشف عن السرطان وعلاجه والسبل الممكنة للتعامل مع هذه المشكلات. يقول إدوارد بينز، مدير المعهد ورئيسه التنفيذي: “لدينا الآن فهمٌ لتفاصيل دقيقة جداً بخصوص طبيعة مرض السرطان وكيفية نشوئه، وذلك بفضل المختصين المتميزين والذين حرصوا على تحقيق أهداف بحثية بدون اتجاه معيّن”.

اقرأ أيضاً: كيفية إنهاء المنافسات بين أقسام الشركة بشكل دائم

ولعلك تتساءل وتقول: حقاً؟ أبحاث غير موجهة؟ كيف يعقل نجاح ذلك؟ ولكن الواقع يؤكد نجاح ذلك الأمر، تحديداً على صعيد التميز في المجال الذي يعمل به كل عالم. فعبر العديد من السنوات تم تطوير النظام في معهد دانا-فاربر من أجل تشجيع العلماء المبدعين المهرة على دراسة الجوانب التي يهتمون بها. وقد قام العلماء المتميزون في المعهد بإدارة مختبرات مستقلة بشكل أساسي تعج بالباحثين في الدراسات العليا، بحيث يكون لديهم تحكّم كامل بالأنشطة التي يقومون بها في مختبراتهم. فلم يكن المعهد يتدخل إلا في حالات نادرة ومحدودة في اختيار المشاريع البحثية. وحول هذا الأمر يقول باريت رولينز، رئيس قسم الأبحاث العلمية في دانا-فاربر: “لقد كان العلماء يتمتعون في المعهد بقدر هائل من الاستقلالية فيما يتعلق بطريقة استخدامهم لموارد المعهد. وطالما أنهم ينشرون نتائج أبحاثهم في أهم المجلات العلمية، وحققوا تقدماً علمياً في المجال الذي يفضلونه، فلن يكون لدينا أي اعتراض على موضوع البحث الذي يقومون به. ولذلك فإن بعض أعضاء المعهد هنا قد يقومون بأبحاث ذات علاقة بمرض السكري أكثر مما تتعلق بمرض السرطان”.

ولعل إتاحة هذا القدر من الحرية هو الثمن المعقول اللازم لتطور فئة من الباحثين المختصّين المؤثّرين على مستوى العالم. وبما أن هؤلاء “النجوم” هم الباحثون الأساسيون في البرامج البحثية، فقد كان لهم دور أساسي في الفوز بمنح مؤسسة معاهد الصحّة الوطنية، وغيرها من الجهات الداعمة. وقد نجم عن هذا التمويل في المقابل دائرةٌ من النشاط الإيجابي: فالمزيد من المال يعني تعزيز القدرة على القيام بأبحاث أفضل يمكن أن تنشر في المجلّات العلمية المرموقة، مما يعني المزيد من الاحترام والتأثير للمؤسّسة والباحثين العاملين فيها، وهذا يعني قدرتها على جذب المزيد من الباحثين المتميّزين الجدد للعمل معها، مما سيزيد من فرصتها مجدّداً في قبول طلباتها للحصول على المزيد من المنح. وفي الوقت نفسه يقوم المسؤولون بجمع التبرعات والتمويل لصالح المؤسّسة بتسويق هؤلاء الباحثين “النجوم” والنجاحات التي حققوها أمام الجهات الراعية المحتملة، مما سيساعدهم في تحصيل المزيد من موارد الدخل للمؤسّسة.

وفي المقابل، فإن عدم إتاحة القدر الكافي من الحرية قد تنجم عنه عواقب غير محمودة. فمهارات الخبراء، والملكية الفكرية وتمويل الأبحاث هي أمور قابلة للتحوّل والانتقال بشكل كبير. فمن المحتمل أن يبدأ العلماء بالانتقال من دانا-فاربر إلى مؤسسات عالمية أخرى إن هي قدّمت المستوى نفسه من المزايا مع تقليص القيود المفروضة على أنشطتهم.

والأمر ذاته ينطبق على مؤسسات الأعمال: فأصحاب الكفاءة “النجوم” هم أساس الابتكار وعماد التميّز التنافسي للشركات، ولاسيما في بعض القطاعات، أو في مراحل معينة من مراحل تطوّر الشركة. يقول أحد المشاركين في المنتدى الإلكتروني الخاصّ بي على الشبكة: “في قطاع الهندسة/الاستشارات يكون المختصّون المرموقون عاملاً أساسياً للبدء في أعمال جديدة أو للانتقال لتحقيق مكانة بين الشركات الكبرى. إن وجود مجموعة من الشخصيات “الأيقونات” في شركة أو قطاع يسمح بإحداث تغييرات واسعة”. ومن الطبيعي أن تكون خسارة إحدى هذه الشخصيات ذات أثر في غاية السلبية على المؤسسة، كما هي الحال بالنسبة لمعهد دانا-فاربر.

اقرأ أيضاً: كيف تعيد توزيع جلوس الموظفين في المكاتب لزيادة الإنتاجية؟

ولكن لدينا مشكلة هنا. ماذا لو صار التحدّي أكبر من الإمكانات التي يحوزها نجم واحد في المؤسسة؟ ماذا لو كان المطلوب هو مجموعة من النجوم؟ كيف يمكن تشجيع الموظفين على التعاون عندها؟

ينقلنا هذا السؤال إلى السبب الثاني للاهتمام بدراسة الحالة في معهد دانا-فاربر: فالتحدّيات التي يواجهها المعهد شبيهة في تعقيدها بالتحدّيات التي تواجهها أي شركة تقوم أعمالها على المعرفة في هذا العصر. لقد توصّل بينز ورولينز وغيرهما من المسؤولين في المعهد قبل عقد من الزمن إلى أن الوقاية من السرطان وعلاجه بشكل فعال يتطلب جهوداً متداخلة عبر تخصّصات متعدّدة. فالسرطان في واقع الأمر ليس إلا مصطلحاً واسعاً لظاهرة متعدّدة الجوانب والأبعاد. فلا بدّ من التعامل مع مسبّبات هذا المرض وآثاره على عدد من الجبهات كبيولوجيا الأمراض، وتقنيات التصوير الطبّي، ومراقبة أنماط عيش السكّان في منطقة ما، ووضع منهجيات حديثة للبحث العلمي وغير ذلك. ونظراً للطبيعة المعقّدة للسرطان ومسبّباته والنطاق الواسع للثغرات التي يجب سدّها لمواجهة السرطان بوصفه قضية طبية وذات علاقة بالصحّة العامّة، فإنّه لا يسع البحوث التطبيقية أن تكتفي بالاهتمام بتطبيق النتائج الخاصّة بالدراسات المعمّقة وشديدة التخصّص، وإنّما يجب أن تجري الاستفادة من هذه الجهود في برنامج أوسع وأكثر تكاملاً. وقد بدأ بينز ورولينز بالفعل بإعادة التفكير بالنظام القائم في معهد دانا-فاربر، وتبيّن لهم بشكل أكثر وضوحاً أن الابتكارات والاختراقات في البحوث التطبيقية قد كانت تتعلّق بجوانب جديدة كلياً تتقاطع عبر التخصّصات التقليدية كالبيولوجيا الحاسوبية والتصوير الطبّي الحيوي.

ولننظر مجدّداً إلى أوجه الشبه مع شركات المعرفة. في دراسة قامت بها شركة بي دبليو سي (PwC) عام 2016 على أكثر من 1,400 من المديرين التنفيذيين في 83 دولة تبيّن أنّهم قلقون أكثر مما كانوا عليه في أي وقت مضى خلال الأعوام الخمسة الماضية من بيئة الأعمال التي تشهد مستوىً متزايداً من التعقيد. فقادة الأعمال بحاجة إلى التعامل مع المكوّنات المختلفة لهذه البيئة، من عملاء وجهات تنظيمية ومنافسين وموظفين ومساهمين ومجتمعات محلية أو حتى عالمية. كما يلزمهم استكشاف طبقات كثيفة من الأنظمة التي نشأت في الأعوام القليلة الماضية، والسعي (رغم كل الملابسات الصعبة) للتأكّد من تحصين بيانات شركاتهم وعملائهم على الإنترنت. وهذا نزرٌ يسير فقط من عديد التحدّيات الكبيرة التي تتطلب وجود خبرات عابرة للتخصّصات في كلّ شركة في هذا العصر.

تجاوز التحدّيات التي تعيق التغيير من أجل تشجيع الموظفين على التعاون

فلنفترض أن قادة مؤسسات الأعمال المعتمدة على المعرفة يرون الحاجة للتعاون الذكي. ولكنّه سيظلّ من الصعب استقطاب المختصّين للعمل مع الشركة حين تكون مسيرتهم المهنية وسمعتهم مبنيّة على خبراتهم في مجالهم وما يزالون يجنون منافع استثمارهم فيها.

لقد كان يروق للخبراء في دانا-فاربر تصميم برامجهم البحثية الخاصّة بهم واتّخاذ القرارات المختلفة في مختبراتهم. ولكن نظراً للتعقيد المتزايد للمشاكل التي يُنتظَر منهم حلّها فقد كان من المحال استمرار هذه الاستقلالية إلى الأبد. لقد أدرك بينز ورولينز وبقية المسؤولين في المعهد أنّهم في حاجة إلى العثور على سبل مناسبة لإقناع أولئك الباحثين “النجوم” الذين يتمتّعون بقدر كبير من التأثير والاستقلالية بتغيير سلوكهم قبل أن تتسبّب طريقتهم في العمل والتي تتّسم بالتنافس والانغلاق بإنهاء مجدهم.

وبهدف خلق حالة من الضرورة الملحّة وتسهيل الحصول على بعض التنازلات من الخبراء المختصّين، قام أعضاء الإدارة العليا المعنيون في معهد دانا-فاربر بالعمل معاً من أجل توجيه التخطيط الاستراتيجي للمعهد. لقد كان هؤلاء الخبراء مجتمعين يمتلكون أعمق الخبرات المتعلقة بالسرطان ويعرفون تماماً الجوانب التي يمكن بها تطبيق البحوث بسرعة وفعالية. ولقد تجاوب الخبراء مع ذلك بالفعل وحدّدوا عشرة من الجوانب البحثية الأكثر جدوى، من بينها علم جينات الأورام، والذي يُعنى بتحديد التغيّرات الجينية في الأورام السرطانية. وقد تبيّن أثناء العمل في هذا الحقل البحثي وغيره أنّه من اللازم تعاون العديد من الخبراء للتوصّل إلى النتائج المطلوبة. فقد كان تطبيق تقنيات علم الجينات على البحث المتعلق بالسرطان على سبيل المثال يتطلّب خبرة العديد من المختصّين، سواء علماء الوراثة أو علماء الجينات أو المختصون التقنيون في تسلسل الحمض النووي، ومختصّو علم الأحياء الحاسوبي.

ونتيجة لعملية التخطيط الاستراتيجي التي جرت تمكّن معهد دانا-فاربر من إنشاء أوّل عشرة مراكز بحثية تكاملية تابعة له، وقد طلب بينز من رولينز الإشراف على إطلاقها. لقد كان هذا الدّور الجديد لرولينز يشتمل من وجهة نظره على جانبين اثنين: تطبيق أكثر الأفكار طموحاً في المؤسسة، وضمان نوعٍ من المحاسبة والمسؤولية. فقد نظر رولينز إلى البرنامج بوصفه فرصة لإحداث نقلة في ثقافة المعهد التي كانت تكتفي بالاحتفاء بالإنجازات الفردية للباحثين إلى إضافة روح التعاون بينهم، وذلك بهدف تحقيق المزيد من التقدّم بوتيرة سريعة في مجال البحوث المتعلقة بالكشف عن السرطان وعلاجه.

إلا أن رولينز كان يدرك في الوقت ذاته أنّه سيواجه العديد من المصاعب. ولعلّ أشدّ هذه المصاعب تعقيداً يعود إلى طبيعة المهمّة الموكلة إليه والتي تنطوي على نوع من التناقض: فقد كان عليه تعزيز ثقافة التعاون الذكي، مع الحفاظ في الوقت نفسه على المنهجية الريادية في إجراء الأبحاث في دانا-فاربر، والتي استمرّت في النجاح في تحقيق الاختراقات البحثية. لقد كانت البُنية التي يقوم عليها تمويل الأبحاث، وخاصّة الدعم المقدّم من جمعية مؤسّسات الصحّة الوطنية وغيرها من الهيئات الحكومية، تعتمد على ذلك النموذج المثبت من الابتكار. فهل من الممكن تطوير ذلك النموذج بشكل أو بآخر؟

على المستوى العملي، كان رولينز يفتقر إلى بعض الأدوات التي من الممكن أن تتاح له لو كان في بيئة عمل تقليدية في إحدى الشركات. لقد كان الباحثون المعنيون جزءاً من الهيئة التدريسية في جامعة هارفارد، ولذا كان يصعب على رولينز أن يحدث تعديلاً على معايير الترقيات أو أن يكافئ الأشخاص بشكل مختلف. لكن وبما أنّه هو الآخر عالمٌ مختصٌ في مجاله، فقد كان يدرك الطريقة التي يفكّر بها زملاؤه، وعرف شكل المحفّزات التي بوسعه استخدامها للتأثير عليهم.

كانت خطوة رولينز الأولى هي وضع بنية تنظيمية جديدة إضافة إلى تلك الموجودة أصلاً. وكان الهدف هو أن تستمر المختبرات البحثية الفردية بالقيام بأبحاثها، مع الإيحاء بأنّ المراكز البحثية التكاملية العشرة ليست سوى تغيير إداري شكلي. وسيشرف على هذه المراكز مجموعة من الباحثين في المعهد ممّن يمتلكون الخبرات الملائمة لطبيعة العمل فيها، مع إمكانية انضمام أي باحث آخر لهذه المراكز في حال كانت لديه الرغبة في الخوض في تجارب بحثية مشابهة، بغضّ النظر عن حقله العلمي. وقد شكّل ذلك افتراقاً جذرياً في نظر العلماء المعتادين على “امتلاك” المصادر، والعمل كباحثين أساسيين ومسؤولين، بل وحتّى كانوا يستقون مكانتهم من الحجم الفعلي لمختبراتهم ومواقعها.

عمدَ رولينز بعد ذلك إلى الحدّ من الآثار السلبية للحوافز القديمة. لقد تبيّن لواضعي الخطّة الاستراتيجية أن النموذج التقليدي (منح دعم غير محدود للباحثين اللامعين من أجل تحقيق أهدافهم) قد تسبّب بإشعال فتيل المنافسة بين الباحثين بدلَ تحقيق التعاون فيما بينهم. وفي حين بقي نموذج التمويل الأساسي حيّز التطبيق، قام المعهد بتخصيص مجموعة أخرى منفصلة من الحوافز المالية لتحقيق التوازن في هذه الناحية. فمقابل الموافقة على قيادة مركزٍ بحثي تعاوني بشكل كامل، كان الباحثون يتلقون تمويلاً مبدئياً سخياً جدّاً يبلغ 10 إلى 20 ضعف ما كانوا يتلقّونه عادة للقيام بالأبحاث الفردية.

ولكنّ هذا السخاء كان بطبيعة الحال يرتبط ببعض الشروط والقيود المهمّة. فقد كان على الباحث الذي يوافق على قبول التمويل وفق هذه الشروط أن يطبّق على أنشطته مبادئ وأدوات أساسية في إدارة المشاريع. وفي حين أن هذه المبادئ والأدوات مألوفة لمعظم قادة الأعمال، إلا أن العلماء غالباً لا يمتلكون معرفة بها. وبناءً عليه فقد كان على كل قائد محتملٍ لأحد هذه المراكز أن يحضّر خطّة عمل تفصيلية لعمل المركز، مع بيان الأنشطة التي يهدف القيام بها وأهمّيتها، مع وضع تكلفة تقديرية للسنوات الخمسة الأولى. وعلى الرغم من أن كل واحد من هذه المراكز سيبدأ أعماله بالاعتماد على التمويل المبدئي من المعهد، إلا أنّه سيكون بحاجة إلى تحقيق الاستدامة الذاتية في غضون خمس سنوات، وذلك بالاعتماد على الإيرادات من المنح أو العقود التجارية.

إنّ المقياس السليم لنجاح مركز ما من هذه المراكز العشرة يتمثّل بشكلٍ أساسي بالأثر الذي يحقّقه على حياة مرضى السرطان. لكن وبما أن هذا هدف طويل المدى إلى حدّ بعيد فقد كان من الضروري أن يضع معهد دانا-فاربر أهدافاً مرحلية لقياس التقدّم الذي تحقّقه تلك المراكز. وقد كان بعض هذه الأهداف يتعلّق بمقاييس أكاديمية معروفة، مثل عدد الأبحاث المنشورة في مجلّات علمية مرموقة ومقدار التمويل الخارجي الذي حصلت عليه المراكز، لأنّ ذلك يعكس تقييم فرق العمل لجودة الأبحاث المنجزة. وهنالك أيضاً بعض المعايير الجديدة، وكان التعاون من أهمّ الأهداف التي تسعى الخطة الإستراتيجية لتحقيقها، ولذلك فقد طُلب من قادة المراكز تقديم عرض قابل للقياس لأوجه التعاون مع المختبرات والمراكز الأخرى، سواء التابعة لدانا-فاربر أو سواها، ومتابعة نتائج الأبحاث الخارجية ذات العلاقة بجهود المركز. ويجب على العلماء إضافة إلى ذلك تقديم موازنات وخططٍ خاصة بالمشاريع مع وضع مراحل محدّدة لإنجازها. وجميع هذه المتطلّبات قد ضمنت أن يتمّ النظر في مساهمة أي مشروع تجري الموافقة عليه في تحقيق مهمّة المركز وأهدافه وتوثيق ذلك.

لقد كان رولينز مسؤولاً عن مراقبة أداء المركز وكانت له صلاحيات لإجراء التغييرات في المراكز، أو حتّى إيقاف عملها إن كان أداؤها أدنى من المتوقّع. ويقوم مجلس استشاري خارجي بإجراء تقييم مستقل للتقدّم العلمي الذي يحرزه كل واحد من هذه المراكز مع تقديم تقارير سنوية بذلك. كما سيتمّ تقييم كل مركز سنوياً من قبل لجنة إشراف خاصّة تابعة لها، تتألف من باحثين في المعهد وبعض أفراد الطاقم الإداري غير المرتبطين بشكل مباشر مع المركز. ويقوم هؤلاء المراجعون بتحديد مدى استفادة المراكز من الفرص المتاحة لها للتعاون وقياس أدائها المالي والتقدّم الذي تمّ إحرازه وفق المراحل التي تمّ تحديدها في الخطّة.

ولأنّ قادة المركز لم يكونوا معتادين على هذا النّوع من التدقيق والمتابعة، فإنّ بعضهم لم يرق له ذلك في البداية. وقد شعر رولينز بأنّه يحتاج إلى اللقاء بهم بشكل فردي، عدّة مرّات، ليس لإقناعهم بإيجابيات وجود عملية رسمية للمتابعة والتقييم وحسب، بل وليوضّح لهم أيضاً تبعاتِ الإخفاق في تحقيق الأهداف المرسومة لهم. ومع مضي الوقت لاحظ رولينز أن هذه المباحثات قد باتت أكثر سهولة، ولاسيما أن المزيد من العلماء صاروا يجنون الفائدة من أحدث التقنيات والمصادر العالمية بفضل قيام المراكز بالالتزام بالتعاون في العمل فيما بينها والانضباط وفق سياسة مالية واضحة.

كما كان مطلوباً من المراكز أن تستخدم منصّات إلكترونية يفصح فيها المعنيّون عن أهداف كلّ مشروع ومستوى التقدّم الحاصل فيه، ليطّلع على ذلك جميع الباحثين في معهد دانا-فاربر. وقد كان ذلك كفيلاً بتشجيع العديد من العلماء على الانضمام لهذه الجهود والمشاركة في المركز الذي يناسب اهتماماتهم البحثية. ومع ازدياد تدفّق المعلومات، والتي ساعدت المراكز على العمل وفق الإستراتيجية العامّة لمعهد دانا-فاربر، فقد كان بإمكان الباحث أن يقول لزميله: “زميلي العزيز، لقد اطّلعت على مقترح البحث الذي عرضته، إنّنا نعمل هنا على أمر قد يكون مفيداً لك في بحثك، وهذه فرصة للتعاون على هذا المشروع، ما رأيك؟”

لقد علم رولينز في كافّة مراحل هذا التغيير أن عليه أن يوفّر الدعم للخبراء القادة في دانا-فاربر ليقوموا بما يحسنون القيام به. فبما أن معظم الأكاديميين لا يعرفون الكثير من التفاصيل عن وضع خطط العمل، فإنّ دائرة التخطيط الإستراتيجي في المعهد قد قدّمت لهم قدراً كبيراً من الدعم والمساعدة في هذا الصدد، إذ وفّرت لهم النماذج والجداول المالية وساعدتهم في مراجعة المسودات التي يقدّمونها وتنقيحها. ومع مرور الوقت بدأ بعض العلماء الباحثين أصحاب الخبرات الواسعة في مجال الصيدلة أو التقنية الحيوية بتولّي مهام تشغيلية أكبر في المراكز، وذلك كي يتمكّن قادة المعهد من التركيز على الإسهام بما لديهم من خبرات وتصوّرات علمية. وقد أدرك رولينز في نهاية المطاف أن العظماء من النّاس يحتاجون عملاً عظيماً يقومون به، وهذا من أكبر الأشياء التي تحافظ على حماستهم للعمل والإنجاز.

أمّا فيما يتعلّق بالباحثين الجدد فقد كان رولينز ومديرو المعهد، يبحثون عن مرشّحين لديهم استعداد للتخلّي عن التعويضات المالية العالية مقابل الحصول على خبرة فكرية وعلمية مذهلة، والعمل في مهمّة ملهمة والحضور في بيئة يعمل معهم فيها فئة من الأشخاص الذين يبعثون الحماسة فيمن حولهم. ويقول رولينز إنّه قد كان لديهم في نهاية 2015 أكثر من 120 من هؤلاء الباحثين الذين لا يعملون على أساس التثبيت الأكاديمي في المعهد. ويمكن لهؤلاء الباحثين أن يصلوا إلى ستّ “مراتب” من الترفيعات وأن يحصلوا على زيادات في رواتبهم كلّما ازدادت خبراتهم، ونشروا المزيد من الأبحاث، وحصلوا على رسائل توصية. أمّا الباحثون الدائمون في المعهد فيقدّمون لهم باستمرار كل ما يحتاجون من مساعدة وتوجيه. يقول رولينز: “إن هذا عمل جدير بالتقدير، وهي طريقة فعّالة تساعد المهتمّين بالحصول على فرصة للعمل معنا”.

تحقيق النتائج

في غضون بضع سنوات، ظهرت الثمرات الحقيقية لمنهجية التعاون الذكي في معهد دانا-فاربر. انظر مثلاً إلى النتائج التي حققها مركز اكتشاف جينوم السرطان (CCGD)، وهو مركز للبحث والتطوير يدعم جهود تحديد العلاج الأنسب للأفراد في معهد دانا-فاربر، ومستشفى برغهام آند ومنز، ومستشفى بوسطن للأطفال. إن مهمّة المركز تتمثّل في تقديم العلاج الأنسب من خلال التقنيات الجديدة في تحليل جينوم السرطان، وتقديم أبحاث تطبيقية وسريرية بالاستفادة من هذه التقنيات. وقد عمل المركز منذ تأسيسه عام 2008 على 257 مشروعاً، تضمنّت جميعها التعاون بين العديد من الباحثين في المعهد، كما نجحت بعض المشاريع في عقد شراكات خارج المؤسّسات الأكاديمية والتجارية. وبفضل المهارات والخبرات المتداخلة بين التخصّصات وتوفّر أحدث التقنيات، فقد أتاح هذا المركز للعلماء العاملين فيه إجراء عمليات تحليل ما كان لهم أن يقوموا بها من قبل، وكانت النتيجة تقديم 103 أبحاث تشتمل على اختراقات علمية مؤثّرة منذ العام 2008.

كما تمكّن معهد دانا-فاربر بفضل جهود هذا المركز من إطلاق مبادرة “بروفايل”، وهي مبادرة بحثية جماعية واسعة النطاق تهدف إلى جمع وتوليف أكبر قدر ممكن من البيانات الجينية الخاصّة بكل نوع من أنواع السرطانات. والغاية من هذه المبادرة هي تعلّم المزيد بخصوص التشوّهات الجينية والجزيئية المسؤولة عن نشوء وتطوّر الأورام السرطانية، واستخدام هذه المعلومات في إنتاج أدوية أفضل وإستراتيجيات وقائية أكثر نجاعة. ومنذ شهر أغسطس/آب 2011 شارك أكثر من 43,000 مريض في المبادرة، وتم إنشاء أكثر من 15,000 ملف توصيفي للأورام السرطانية. وبمساعدة أداة متطوّرة لتسلسل الحمض النووي تم تطويرها في معهد دانا-فاربر واستخدمت من قبل قسم علم الأمراض في مستشفى برغهام آند ومنز، حصل قرابة 60% من المشاركين في الدراسة على نتائج فحوصات “قابلة للتطبيق سريرياً”، أي نتائج بوسع الأطباء استخدامها لاختيار أشكال العلاج الصحيحة للمريض ومقدار مخاطر انتقال المرض وراثياً من أجل إجراء التقييم اللازم لأفراد الأسرة. ويقوم فريق المعلومات الحاسوبية، وهو فريق مشترك من الباحثين من مركز CCGD ومبادرة بروفايل، بدعم الجهود في المركز عبر تطوير أدوات تحليلية بالغة التطوّر تقوم باستكشاف وترجمة البيانات التسلسلية للباحثين والأطبّاء.

هذه فقط إنجازات واحد من هذه المراكز التكاملية، وهنالك العديد من الإنجازات الأخرى في بقية المراكز. يقول رولينز: “لعل أكبر تأثير لبرامج هذه المراكز في الوقت الحالي هو تحقيق النقلة المرجوّة في الثقافة التي كانت سائدة في المعهد، فلم تعد لدينا سياسة الأبواب الموصدة أمام التعاون والتشارك. لقد كانت هنالك حاجة في وجود مساحات مفتوحة يقوم بها الباحثون بالتفاعل فيما بينهم، وهذا بالضبط ما توفّره هذه المراكز وتشجّع عليه. ولأنّنا قمنا بإزالة العوائق أمام الوصول إلى العديد من التقنيات المتقدّمة والمكلفة، لم يعد أحد يشكو من استحواذ البعض على جميع المصادر دون الآخرين، ولم يعد ثمّة مكان لهذا الانتقاد الآن”.

لا شكّ أن بعض كبار الباحثين المرموقين في معهد دانا-فاربر قد أحرزوا نجاحات عظيمة أثناء العمل وفق النظام القديم، وهم أكثر من شعروا بالتهديد حيال هذا التغيير الكبير على مستوى المؤسسة، ولكنّ المعهد قد طوّر من منهجيته بشكل يتيح له أن يكسب تأييد أشدّ المتردّدين. وفي هذه الأيام، وقبل فترة طويلة من إطلاق مركز جديد، يعقد مدير المبادرة المقترحة لقاءات عديدة مع الزملاء في المعهد ليعرف آراءهم بخصوص الاستخدام الأفضل للمنصّة. وهذه اللقاءات أشبه بجولة “استماع” تساعد في تشكيل خطّة العمل، كما أنّها تعدّ فرصة لمعرفة سبل استفادة الباحثين “النجوم” من المصادر المشتركة التي يتيحها البرنامج المقترح.

من ميدان العلوم إلى عالم الأعمال

لقد رأينا كيف تعمل منهجية التعاون الذكي في مجال العلوم الكبيرة من أجل تشجيع الموظفين على التعاون في العمل، ولكن كيف لهذا الأمر أن يؤثّر في عالم الأعمال؟ لو تأمّلت بتجرّد في قصّة معهد دانا-فاربر فإنك ستجد عناصر من نموذج ماكنزي الكلاسيكي بخصوص التأثير- والذي يتعلق بعناصر التغيير التي بوسع المديرين التنفيذيين الاستفادة منها في مختلف المؤسّسات:

أوّلاً، اقنع كبار الموظفين “النجوم” في شركتك بأهمّية التعاون من خلال تقديم أدلّة قابلة للقياس تدلّ على فعاليته. إنّك بحاجة لتظهر للآخرين بأنّ التعاون الذكي ليس أمراً جيداً وحسب إن توفّر، بل عليك أن تبيّن لهم أنّه طريقة إستراتيجية للتعامل مع التغيّرات الخارجية. فلا بدّ من تناول الأمر من وجهة نظر مهنية تُعنى بالعمل. ويمكن قبل ذلك أن تستفيد من الأدوات التحليلية من أجل تحديد بؤر التميّز في المؤسّسة، وأن تطلب منهم توضيح المكاسب المحتملة في مجالات أخرى. لقد استخدمنا في إحدى المؤسّسات التي عملتُ معها بياناتٍ من نظام تعقّب الوقت لوضع مخطّط يبين كيفية حصول تغيّر تدريجي على شبكات الموظفين حسب المشروع والنظر بعد ذلك في كيفية تأثير هذا التغيّر على قدرة الأفراد على تحصيل الإيرادات وتحقيق أهداف أخرى في العمل. فمن الضروري لتغيير القناعات إثبات أن الموظفين الذين يُبدون قدرة عالية على التعاون فيما بينهم يحققون باستمرار نتائج أفضل. وهكذا سيرى الآخرون أن زملاءهم قد كانوا قادرين على تحقيق التغييرات السلوكية المرجوّة، وقد ساعد هذا على التأكيد للمشكّكين في إمكانية حصول ذلك، لأنّه لا يسعهم الجدال عند رؤية تحسّن الأداء.

يجدر بك حين تصمّم رسالتك للآخرين بخصوص التعاون الذكي أن تسلّط الضوء على الإيجابيات التي يهتمّ بها بعض الموظفين في شركتك. وبما أن الأمر يتعلق بالجهد الجماعي، فإنّك ستكون بحاجة إلى تنازلات واسعة يتم القيام بها عبر مستوياتٍ وأدوارٍ ومهامَّ متعدّدة. وسترى أن العديد من الأشخاص يقدّرون أي فرصة قد تجعلهم قادرين على تحقيق المزيد من الإنجازات. وقد وجدت عند الاطّلاع على استبيانات أجريت مع آلاف الموظّفين حول العالم أن روح الزمالة القوية، والتحدّي الذهني المرتبط ببيئة العمل الأكثر تعقيداً، وتوفّر الفرصة للتعلّم من الآخرين، قد تكون من أهمّ الحوافز لبعض الموظفين. كما أن الموظّفين الذين يقتربون من نهاية مسيرتهم المهنية عادة ما يعبّرون عن رغبتهم في ترك أثرٍ بين الموظفين الصاعدين الذين يشرفون على تدريبهم.

في بعض الأحيان يتطلّب الحديث عن قصّة مؤثّرة تقديم برهان على صلاحية المفاهيم موضوع الحديث. يمكنك مثلاً تطبيق مبادرة التعاون التي كوّنت تصوّراً عنها على نطاق ضيق في البداية على سبيل التجربة. وبالعودة إلى مثال معهد دانا-فاربر نجد أن رولينز قد اعترف بأنّه وكبار القادة في المعهد قد تعجّلوا بسذاجة حين أطلقوا عشرة مراكز تكاملية دفعةً واحدة، دون أي مرحلة تجريبية أو اختبار لمثال واحد منها. ولكنّ تقديم التجربة المثالية الناجحة يقدّم برهاناً يتحدّث عن ذاته، كما أن النجاحات الصغيرة تدفع النّاس للاستمرار في العمل والتقدّم.

حاول تغيير سلوك الموظفين “النجوم” عبر إدخال تغييرات في الأنظمة والبنية التنظيمية في الشركة. تجنّب التعامل مع التعويضات المالية على أنّها الخلطة السحرية لكل معضلة. صحيح أنّها تؤدّي دوراً مهمّاً في التأثير على سلوك الموظفين، ولعلها تفسّر أيضاً سبب كون بعض الشركات، في المعدّل، تهتمّ بالتعاون أكثر من سواها. ولكنّ الجانب المالي لا يفسّر الاختلافات الحاصلة في مستوى التعاون بين أفرادٍ يعملون وفق نفس نظام التعويضات. ففي إحدى الشركات التي عملت معها عن كثب، وجدت أن حوالي ثلث المديرين لا يتعاونون فيما بينهم مطلقاً، بينما كان ربع المديرين فيها يجعلون التعاون جزءاً أساسياً من عملهم. وقد لاحظت هذا المستوى من التباين في معظم الشركات التي درستها، حتى في تلك التي تعمل وفق نظام المحاصصة حيث تكون تعويضات المديرين الشركاء وفق حصّة محدّدة من مجمل الأرباح. وقد تظنّ أنّه في مثل هذه الشركات، سيمتلك كلّ شخص الحافز لمشاركة عمله مع الآخرين في أقسام ومكاتب أخرى حرصاً منه على تعزيز تجربة العميل أو زيادة أرباح الحسابات. ولكن تبيّن لي في إحدى هذه الشركات التي تعمل وفق هذا النظام أن الأشخاص كانوا يحتفظون بالأعمال فيما بينهم على مستوى القسم، وكان بعض مدراء الحسابات يشركون مديرين شركاء إن كانوا من نفس المكتب، حتى لو لم يكن هؤلاء على قدر كافٍ من الأهلية. وفي أحيانٍ أخرى يكون للمدير الشريك الأساسي فرصة لإشراك خبير مرموق عالمياً في مجاله من مكتب آخر لا يبعد عنه سوى مسافة قصيرة بالسيارة، ولكنّه يُعرض عن التعاون معه. والنتيجة كما هو متوقّع بطبيعة الحال هي النموّ البطيء لهذه الحسابات مقارنة مع شركات أخرى.

من الجلي تماماً أن الاعتماد على الجانب المالي لا يكفي من أجل إقناع الآخرين بالتعاون. وواقع الأمر أن معظم علماء النفس (وعدد متزايد من علماء الاقتصاد) يرون أن مقاييس الأداء، بغضّ النّظر عن ارتباطها بالتعويضات المالية من عدمه، تؤثّر على السلوك وتوجّهه. لذا عليك التركيز على نظام إدارة الأداء في شركتك، بحيث يتمّ دعم التعاون عند توظيف أي من عناصر التغيير، بحيث لا يمنع أي عامل كان من تحقيقه. عليك في الوقت ذاته أن تعي هذا الأمر: إن نتائج التعاون الذكي تظهر على المدى الطويل، أمّا الاستثمار في ذلك فلا بدّ أن يحدث سلفاً.

اطلب من موظّفيك اللامعين تقديم خطط عمل خاصّة بهم كي تتمكّن بعدها من تعقّب التقدم المتحقّق وفق أهداف محدّدة قابلة للتقييم والقياس. واحرص عند تقييم الآخرين أن تركّز على الغايات التي تتحقّق بأفضل شكلٍ عبر التعاون، كزيادة عدد العملاء الذين استفادوا من خدمات الشركة بشكل كبير في أقسام مختلفة في الشركة. إن الاعتماد بشكل مبالغ به على المقاييس التي تتبّع نقاط البداية في نشاط ما دون متابعة ذلك حتى النهاية، مثل مراقبة عدد الإحالات بين الأقسام المختلفة مثلاً أو المشاريع المتداخلة بين الأقسام، قد يجعل النظام عرضة للتلاعب- كأن يقوم بعض الموّظفين مثلاً بربط زملائهم بعملاء يغلبّ الظنّ عليهم بأنّهم لن يؤكّدوا طلبهم. ولتجنّب هذه المخاطرة احرص على قياس المخرجات الأعمّ التي تريد أن يعزّزها التعاون.

استخدم التقنية أيضاً كي تضمن الشفافية في أهداف العمل على مستوى الأفراد والمجموعات أمام المؤسّسة بأكملها. فإن كان بالإمكان البحث عن هذه الأهداف والتعرّف إليها، فإنّ الزملاء سيتمكّنون عندئذٍ من الاستفادة منها من خلال تقديم ما لديهم من خبرات أو طلب المساعدة لدعم مشاريع مشابهة. ويجب أن يكون المدير قادراً على الاطلاع على هذه الخطط والوصول إليها بسهولة (عبر الهاتف المحمول مثلاً) بحيث يكون بوسعه الإشارة باختصار إلى ما يجري من تحديثات حين يحقق فريق العمل بعض التقدّم فيما يتعلّق بأحد الأهداف المعلن عنها. وهذا ما يبثّ الحيوية في خطط العمل ويساعد الموظّفين على الحفاظ على مستوى عال من التركيز والحماسة.

من الضروري كذلك وضع بنية تنظيمية تدعم التعاون. وربّما لا يكون للأمر علاقة كبيرة بتغيير الهيكلية التراتبية الرسمية في الشركة، وإنّما يتعلّق أكثر بخلق حالة توحي بالتغيير، كما لاحظنا مسبقاً في حالة معهد دانا-فاربر. وهذه الاستراتيجية متبعة بشكل واسع في شركات الخدمات المهنية، والتي تنتقل الآن إلى العمل وفق منهجية خاصّة بكل قطاع تهتمّ بمجالات نشاط العملاء وتساعد على توجيه الخبراء الداخليين للتعامل مع الاحتياجات الخاصّة بهذه المجالات. لكنّ العديد من أشكال الشركات الأخرى تجلب موظّفين من العديد من المجالات والأقسام للعمل بطرق إبداعية بعيدة عن التعقيد وذلك من أجل تعزيز القدرة على الابتكار أو تقديم خدمات أفضل للعملاء.

وعلى سبيل المثال، كان أحد الأهداف التي وضعتها شركة سيسكو يتمثّل في بيع الحلول التقنية للمستخدم، ولكنّها وجدت أن الخبراء المعنيين بتطوير مثل هذه الأنظمة المعقّدة قد كانوا متفرقين على أقسام مختلفة في أكثر من دولة، والعديد منهم لم يكونوا يتعاملون بشكل مباشر مع المستخدمين. ومن أجل تنمية تلك الأشكال من التعاون الضرورية لحلّ مشاكل العميل والتشجيع على الابتكار قامت سيسكو بإنشاء مركز التصميم للتميّز (Architecture Center of Excellence) وهي مساحة عمل مزوّدة بأحدث التقنيات المناسبة لمشاركة المحتوى والأدوات، وقامت الشركة بتقديم الحوافز للمشاركة فيها.

وأثناء عملك على البنية التنظيمية احرص على تعريف الأدوار بشكل واضح، وفكّر بكيفية دعم كلّ دور للآخر، لأنّ هذا سيجعلك تربط بعض التصرفات المحدّدة بكل واحد من هذه الأدوار. كما ستحتاج إلى إعادة النظر بتوصيفات الأدوار بشكل دوري من أجل تحديد اللازم والوقوف على ما هو حاصل بالفعل في المؤسسة التي تشهد التغيير. (تذكّر أن القائمين على معهد دانا-فاربر قد قاموا بجلب موظفين للقيام بمعظم العمليات الإجرائية، وذلك كي يتمكّن كبار الباحثين “النجوم” من العودة إلى الأمور التي يحسنون القيام بها)، واحرص في الوقت ذاته على تحديد وتوظيف مدراء مشاريع قادرين على الحفاظ على سير الأمور بشكل سليم. كما يمكن أن يكون هنالك دورٌ هام وحسّاس يؤدّيه المختصّون الاستشاريون، ولكنّ المبالغة في الاعتماد على أطراف خارجية قد يبعث برسالة تفيد بأنّ هذا التغيير مؤّقت. عليك لذلك أن تستثمر في قادة التغيير الداخلي الذين يمتلكون المقدرات والصلاحيات للمضي قدماً في الأمر الذي بدأته.

دعّم مهارات التعاون لدى الموظفين “النجوم”. إن كنت تريد أن يصبح التعاون ممارسة راسخة على المدى الطويل فيلزم القادة أن يلتقوا لبعض الوقت وبشكل فردي مع المسؤولين الأساسيين عن تطبيق الاستراتيجية وتقديم ما يحتاجون إليه من الدعم والتدريب. وكما رأينا في اللقاءات التي عقدها رولينز مع القادة المحتملين للمراكز، فإنّ هذه الجلسات في غاية الأهمّية للتأكّد من وجود القدرات التقنية اللازمة وتعزيز السلوك التعاوني.

إنّنا نعرف تمام المعرفة أن البالغين نادراً ما يتعلّمون بمجرّد الاستماع إلى التعليمات، بل هم بحاجة إلى استيعاب معلومات جديدة واستخدامها عملياً وإدراجها مع ما لديهم من معارف سابقة. وهذا الأمر من الناحية العملية يستغرق الكثير من الوقت، حتّى لو كان لديه استعداد للقيام بذلك. ولكن لا بدّ على الأقل بالبدء من خلال محاولة بناء واستخدام شبكة كفاءة شخصية، وهي أداة تعلّمت استخدامها أثناء عملي في ماكنزي. ستحتاج إلى التعاون مع فريق التنمية المهنية في الشركة لتحديد القدرات الأساسية، ولنقل أن عددها يبلغ ستة، تكون ضرورية لتحقيق النجاح في كل دورٍ في المؤسسة. ثم اجلس (أو اطلب من قائد الفريق الجلوس) مع كل فرد واتفق معهم على الجوانب التي يعدّ تطويرها أولوية. وفي الوضع المثالي فإنّه من اللازم على كلّ شخص أن يحقّق الحدّ الأدنى من الكفاءة في كل جانب من الجوانب الستّة، مع تحقيق التميز في جانب أو جانبين. وبهذه الطريقة فإنّك تدفع الموظفين لتعزيز ما لديهم من نقاط قوّة.

وهذه طريقة فعّالة لتنمية التعاون الذكي، وذلك لأنّها تظهر وتثمّن المقدرات المختلفة الضرورية للعمل بشكل فعّال في بيئة العمل المتداخلة. يمكن مثلاً أن يُشار بالبنان إلى الشخص صاحب المعرفة العملية المتخصّصة والمتميزة ليصبح من المساهمين الفعّالين، حتّى لو لم يكن صاحب مهارة كبيرة في الفوز بالصفقات.

وفي الحالة المثالية – وهذه وصفة للتطبيق على المدى البعيد – سيكون عليك أن تبدأ بتطوير الكفاءات في الصفّ الثاني من الموظّفين الأقل خبرة. فعلى سبيل المثال، توفّر شركة ماكنزي للمدراء فرصاً متميزة في القيادة التعاونية (كالإشراف على فرق التوظيف أو التخطيط للاجتماعات الخارجية على مستوى وحدة الأعمال) في وقتٍ مبكّر من بدء عملهم في الشركة. ويقوم مدراء المشاريع في ماكنزي، والذين يمتلكون في العادة خبرة ثلاث إلى خمس سنوات في الشركة، بمراقبة العديد من الجوانب المتعلقة بعلاقات العملاء. فمن الممكن في هذه المرحلة غرس ثقافة التعاون، وبهذا تساهم في بناء مستقبل الشركة.

إن لم تكن قادراً على أن تتبنى التغيير، فأشِر إليه على الأقل. لعل أهمّ ما في الأمر هو أن الموظّفين يريدون أن يروا كيف تتصرّف أنت وبقية كبار العاملين في قيادة الشركة بالطريقة التي تدعو إليها. فعليك أن تكون نموذجاً لأشكال التعاون التي ترغب في ترسيخها في ثقافة الشركة. عليك أن تقدم على بعض المخاطر المحسوبة عبر القيام باستثمارات معينة (بالوقت أو المال أو السمعة) في فرق عمل من طراز جديد، وعليك أن تتولّى أنت قيادة هذه الفرق، تماماً كما فعل رولينز في معهد دانا-فاربر.

وفي مستوى محدّد في المؤسّسة قد تجد أن مسؤولياتك الإدارية تمنعك من البقاء في الخطوط الأمامية من الأنشطة التعاونية. فإن وجدت نفسك في هذا الموقف، فعليك أن تذكر أن ما تقوله وما تفعله ما يزالان يعبّران عن أنماط السلوك التي تقيّمها أنت بالفعل وتحرص عليها. ولكن بإمكانك أيضاً الاعتماد على قادة آخرين سواك في المؤسسة، راغبين على غرارك أنت في تعزيز التعاون الذكي، ولنصف هذه العملية بالنموذج بالوكالة.

وهنا عليك أن تذكر أن هذا الوكيل الذي ينوب عنك في أداء دور النموذج قد يكون شخصاً لم تفكّر به من قبل. ففي إحدى شركات العلاقات العامّة التي عملت معها كان قائد التّغيير الرئيسي من الموظّفين الصغار نسبياً، ولكنّه كان يهتمّ اهتماماً بالغاً بشؤون التعاون. وقد تعلّم هذا الشابّ بشكل شخصي كي يتمكّن من تحقيق الفهم الدقيق والحديث عن حالة الأعمال، وقد ذهب به الأمر إلى حدّ أنّه قد خصّص واحدة من إجازاته كاملة في إحدى السنوات للمشاركة في برنامج تطوير تنفيذي.

وبالاعتماد على المعرفة التي حصّلها هناك وما بذله من جهود في السابق في مجال التعاون، فقد قام هذا الموظف بوضع مقترح أقنع فيه قادة الشركة بضرورة الاستثمار في قضية التعاون. كما نظّم بعض ورش العمل وجلسات مجموعات التركيز داعياً زملاءه للمشاركة، وحصل على دعم للاستعانة بخبراء خارجيين للمساعدة في المبادرة التي أطلقها. ليس من السهل أن يكون المرء في الطليعة ليفتح للآخرين الطريق، لأنه ليس هنالك طريق واحد وحسب، ولكنه في الوقت ذاته أمر مبهج ويبعث على الرضا. ولا بد إذاً من العمل مع أولئك الأفراد المتعاونين الذين لديهم استعداد لخوض التحدي والشعور بلذّته.

لا تنسَ في النهاية أهمية عرض القصص على الآخرين من أجل تشجيع الموظفين على التعاون بطريقة صحيحة. عملت مرة مع إحدى الشركات، وكان كبار القادة فيها يترددون دوماً في الإطراء على بعض الأمثلة الصغيرة من النجاح، بحجة أن مثل هذا الاحتفاء قد يظهر فيه نوعٌ من المحاباة وقد يؤثّر على نظام القيمة في المؤسسة. ولكني رأيت الرئيس التنفيذي في عدد من الاجتماعات يتحدث عن قصة فريق قد حقّق مستوى فعالاً من التعاون، وقد كان التجاوب مع ما قاله إيجابياً من قبل الجميع. يحب الناس أن يروا أن شخصاً من مستوى قريبٍ منهم يحصل على تقدير من الآخرين على ما يحرص عليه من التعاون، كما أحب الناس أن يسمعوا قصة سهلة وبطريقة جيدة، لأنها قد جعلتهم يقولون في أنفسهم: يمكن أن أكون أنا بطل القصة في المرة القادمة من أجل تشجيع الموظفين على التعاون في العمل.

اقرأ أيضاً: 4 طرق لاستفادة القادة من جهود الابتكار في الشركة بشكل أفضل

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

Content is protected !!