عندما ذُكر مصطلح التحول الرقمي لأول مرة بين الاستشاريين وضمن منشورات الأعمال، كان الهدف منه اللحاق بالآخرين ومواكبتهم أكثر من التحول الحقيقي. كما أنه كان يطبّق في البداية على المؤسسات الكبيرة التي تواجه تحديات، أو التي تجرب في اقتصاد تتزايد رقميته باستمرار. لكن التحول الرقمي الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. وكما يتبين من الاستحواذ الأخير لـ "أمازون" على "هوول فودز" (Whole Foods)، فإننا نعيش في عالم جديد يتطلب معرفة الإدارة اللازمة للتحول الرقمي.
لقد ركزت الجهود الأولى للتحول الرقمي على مبادرات، مثل التجارة الإلكترونية، وأجهزة الاستشعار، وإنترنت الأشياء، والتطبيقات، وتجربة العميل والزبون، وغيرها. إذ يتزايد مجيء عملائنا إلينا بعد إدراكهم: أنه حتى يُكتب لهذه المبادرات اليائسة الازدهار، هناك حاجة لإخضاعها لتحول كامل، ما يتطلب نجاحه تحولات تشغيلية وهيكلية وثقافية حيوية.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: معوقات التحول الرقمي
بدأ تعقبنا لدور الرقمية في غرف مجلس الإدارة عام 2012، ويعكس بحثنا الرسمي المشاعر التي نسمعها من عملائنا في كل تفاعل معهم. كما يلعب مجلس الإدارة دوراً حيوياً في التحول الرقمي. ومع أن 63% من التنفيذيين يقولون إن شراكة مجلس الإدارة أمر حيوي لنجاح جهود التحول، فإن 27% منهم فقط يقولون إن المجلس يعمل داعماً للاستراتيجيات الحالية.
أعضاء مجلس الإدارة المسؤولون عن التحول الرقمي
إلى جانب ذلك، ركزت التوصيفات الأولى لأدوار أعضاء مجلس الإدارة المسؤولين عن الرقمية على التجاوب مع التزعزع الحالي. حيث كانت هذه الشركات تبحث عن أعضاء مجلس إدارة تنفيذيين لديهم خبرة في إدارة مؤسسات تلعب دوراً رقمياً صرفاً ممن بإمكانهم جلب ذكاء تقني وعقلية جيل الألفية. لكن هذا الدور شهد تطوراً خلال السنوات الخمس الماضية ليتطور إلى أربع فئات من القادة:
-
المفكر الرقمي:
لدى هذا العضو في مجلس الإدارة تفاعل مباشر محدود مع الرقمية باعتباره مشغلاً لها، لكنه يفهم نظرياً البيئة الرقمية. إذ عمل أحدهم سابقاً مستشاراً أو ناصحاً لأحد مجالس الإدارة في شركة رقمية لكنها لم تكن شركة رقمية صرفة.
-
المزعزع الرقمي:
يكون عضو المجلس متأصلاً في الرقمية، ولديه عادة خبرة في شركة تقنية صرفة. ولدى هذا النوع من القادة اتساع إداري عام أقل.
-
القائد الرقمي:
لدى هذا النوع خبرة وفيرة في إدارة الأعمال التقليدية التي تُسخر الرقمية بصورة كبيرة (التجزئة أو الإعلام، مثلاً). ولدى هذا الشخص غالباً خبرة عملية رقمية أقل، لكنه يدير التزعزع باعتباره مديراً عاماً.
-
المحول الرقمي:
قاد هذا العضو أو شارك في تحول إحدى الشركات التقليدية. وليس لدى هذا الشخص عادة أقدمية القائد الرقمي لكنه أكثر فطنة تقنياً.
مع أن هناك حاجة مستمرة للمزعزعين التقنيين على مستوى مجلس الإدارة (من أمثال ستاسي براون فيلبوت الرئيس التنفيذي لمؤسسة "تاسك رابيت" والمدير في شركتي "هيوليت-باكارد" (آتش بي) و"نوردستورم")، لكننا نرى تزايداً في تعيين قادة من الفئة الرابعة وهو ما نشجع عليه. فبينما تسعى الشركات اليوم لتضمين استثماراتها الرقمية الأولى في استراتيجية أكثر انتظاماً ومدفوعة بالبيانات وشاملة، نجد احتياجاتها القيادية تطورت. وبدل التركيز على القوى المزعزعة، يتزايد طلب المجلس لأعضاء يجلبون مقدرات تشغيلية ويمكنهم توجيه إعادة هندسة كامل المؤسسة.
ومثال على هذا، هناك أعضاء مجلس إدارة من أمثال جيم هاجمان، الرئيس التنفيذي لشركة "ساب" (شركات ماريسك وسيمنز) وبيرتراند بودسون رئيس شؤون التسويق ورئيس الشؤون الرقمية (شركة إلكترو كومبونيتنس) الذين يجلبون معهم خبرة في التعامل مع الزعزعة وقيادة تغيير الثقافة وتطبيق الاستراتيجيات المدفوعة بالبيانات وعمليات اتخاذ القرار والتنظيم حول تجربة القنوات المتعددة والمنصة التقنية.
وفي حين يجب أن يكون قادة الرقمية قادرين على الإبلاغ عن الكيفية التي ستؤثر فيها التطورات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة على كامل المشروع، ننصح عملاءنا بأن يكونوا حذرين من أعضاء مجلس الإدارة الذين يعملون بمبدأ "المشكلة الواحدة" لأن القدرة على المساهمة في جميع قضايا الحوكمة هي مقدرة حيوية في تعيين أي عضو ضمن مجلس الإدارة. وفي هذا السياق، هناك فكرة خاطئة بأن الفطنين الأذكياء رقمياً (بغض النظر عن ملفهم التعريفي) أقل خبرة، ولذلك يُنظر لهم على أنهم غير قادرين على التعامل مع هذا النوع من الاتساع، بينما الواقع يقول إن متوسط عمر عضو مجلس الإدارة المشرف على الرقمية أقل بعام واحد فقط من التنفيذيين العاديين. ووفرت ندرة المواهب الرقمية التي لديها خبرة في منصب الرئيس التنفيذي فرصة للشركات منفتحة العقلية من أجل إدخال تحويل على مجلس الإدارة بدل عمليات التجميل التقليدية: تشكل النساء 58% من أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين الرقميين (NEDs)، الذين أضيفوا مؤخراً إلى مجلس الإدارة. بالنتيجة، 37% من أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين الرقميين هنّ من النساء (مع أنهن كنّ فقط 19% من مجموع الأعضاء غير الرقميين).
الفوارق بين عضو مجلس الإدارة الرقمي وغير الرقمي
لكن أعضاء مجلس الإدارة الرقميين لا يمكنهم أن يكونوا الصوت الوحيد حول موضوع التحول. فبينما تُعتبر الملفات الأربعة التعريفية السابقة هي الأكثر شيوعاً بين التعيينات التي نراها، فإن الفوارق بين عضو مجلس الإدارة الرقمي وغير الرقمي تتداعى. فبعد مرور حوالي ثلاثة عقود على ثورة الإنترنت، أصبح أعضاء مجلس الإدارة في مختلف الصناعات اليوم أكثر إلماماً بالرقمية، إن لم نقل متقنين لها. وبينما ننتقل إلى مرحلة هجينة من التحول تستحوذ فيها الشركات الرقمية على شركات تقليدية وتُعيد الشركات التقليدية تنظيم نفسها من أعلى إلى أسفل. ما يجب على جميع أعضاء مجلس الإدارة أن يُصبحوا أكثر إلماماً بالرقمية.
أخيراً، ننصح الشركات بالبحث عن قادة لديهم خلفيات إدارية عامة واستراتيجية، وأشخاص لديهم صلاحية التحدث عن وجهة نظر العميل وعن الرؤية والاستراتيجية والقيادة والثقافة، ومن يجلبون أيضاً فطنة تجارية واستثمارية. ومع تنبّه مجالس الإدارة إلى أن أعضاء مجلس الإدارة لا يحتاجون بالضرورة لأن يجلبوا معهم خبرة سابقة باعتبارهم رؤساء تنفيذيين أو أعضاء في مجلس إدارة، فإنهم يُدركون الفرص التي يوفرها وجود شخص ينظر للأمور من وجهة نظر مختلفة. كما ننصح بالجمع بين كل اثنين من أعضاء المجلس الجدد والأعضاء المخضرمين من أجل نشر الفهم والوعي بالثقافة، وإدماج الحوار الرقمي في جميع النقاشات الاستراتيجية.
يجب أن يحدث التحول الرقمي على نطاق واسع. ويجب أن يجتاح الابتكار الرقمي ويغيّر شكل كل ناحية من نواحي الأعمال ومجلس الإدارة. حيث إن الشركات التي تفعل ذلك سوف تزدهر في العالم الجديد، أما التي لا تفعل ذلك فسوف تفشل عاجلاً أو آجلاً في توفير الإدارة اللازمة للتحول الرقمي.
اقرأ أيضاً: