هناك الكثير من البراهين والأدلة المتزايدة التي تشير إلى أن العمليات التقليدية لمراجعة أداء الموظفين لا تعطي النتائج المنشودة. ووفقاً لتحليل أجرته "سي إي بي" (CEB)، حول كيفية تقييم أداء الموظف، فإن استخدام المنهجيات التقليدية في إدارة الأداء يؤدي إلى تحسن طفيف فقط في أداء الموظف بنسبة تتراوح ما بين 3% إلى 5% فقط. وفي الخريف الماضي، بينت دراسة لإحدى جمعيات الموارد البشرية، أن 53% من المتخصصين في مجال الموارد البشرية منحوا مؤسساتهم علامة (B) إلى (C+) في مجال إدارة مراجعة الأداء، بينما لم يمنح إلا 2% منهم علامة (A) إلى مؤسساتهم. وفي ضوء نتائج من هذا النوع، فإن بعض الشركات بدأت تتخلى عن عمليات مراجعات الأداء السنوية.
بعد أن أخذت شركتي التي أسستها بنفسي تنمو وتكبر، بدأت أعالج القضايا المتعلقة بالمراجعات التقليدية للأداء بشكل شخصي ومباشر. فمعظم أنظمة إدارة الأداء تعتبر وبكل بساطة مفرطة في تعقيدها ورسميتها بالنسبة لعالم الشركات الناشئة هذه الأيام. يضاف إلى ذلك، بأن الوقت الذي تحتاجه عمليات المراجعات هذه يشكّل بحد ذاته عائقاً كبيراً أمام تنفيذها على أحسن وجه. وبالنسبة لي أنا شخصياً، لم يكن أمراً عملياً أن أقضي ساعة من الزمن مع 30 موظفاً كل 3 أشهر (أي في كل ربع) في اجتماع شخصي على انفراد مع كل واحد منهم، ناهيك عن كل التحضيرات وعمليات التوثيق المطلوبة قبل كل اجتماع. وبما أن موظفينا كانوا يتلقون أصلاً آراء فورية بخصوص القضايا المتعلقة بأدائهم، فقد وجدت بأنه ليس هناك الكثير من المعلومات الجديدة التي يمكن تبادلها خلال هذه المراجعات.
أهمية مراجعات الأداء
وفي الوقت نفسه، شعرت بأهمية إجراء هذه المراجعات بنفسي، عوضاً عن تفويضها إلى أشخاص آخرين. وبما أنني كنت من أسّس الشركة، فقد أردت المحافظة على علاقة مباشرة مع أعضاء فريقي، ولا أعتقد أنهم أيضاً كانوا يريدون منّي الابتعاد عنهم؛ ففي الكثير من الأوقات، ينضم الموظفون إلى المؤسسات الأصغر حجماً بسبب السيّدة التي أسستها وبسبب شغف هذه السيدة والرؤية التي تحملها. وبالتالي، فإن إيجاد الوقت للبقاء على مقربة من الموظف وتعزيز نموه كان أمراً أساسياً، ولكن كان من المهم أيضاً إيجاد طريقة أنجح لتقديم الرأي إلى الموظف بخصوص أدائه.
بعد فهم التفاصيل الدقيقة لهذه العوامل، توصلت إلى نمط من مراجعات الأداء أسميته "مراجعات الأداء القائمة على الحب والقسوة". وهذا النوع من المراجعات هو عبارة عن محادثة مدتها 10 دقائق تجري مع كل موظف على انفراد، وتهدف إلى مناقشة الشيء الذي يؤديه هذا الموظف بطريقة استثنائية جداً، والشيء الذي يحتاج إلى إدخال تحسينات عليه حتى يتمكّن من الارتقاء إلى المستوى التالي. والنتيجة هي محادثة مفيدة تعطي الموظفين الفرصة للتحكم بمسار الحديث الذي يقود إلى خلاصتين رئيسيتين في نهاية الاجتماع يمكن تذكرهما بسهولة لاحقاً والبناء عليهما لاتخاذ إجراءات محددة. فأنا أدير شركة تعمل في مجال الابتكار وتحسين تجربة المستخدمين، وهذا يعني أن وظيفتي تتمثل في جعل المنتجات أفضل وأسهل ومصدراً لربح أكبر، لذلك، حاولنا التعامل مع قضية مراجعة الأداء بوصفها مشكلة تصميم. وقد طرحنا على أنفسنا السؤال التالي: كيف بوسعنا الحصول على أقصى أثر ممكن في أقل وقت ممكن؟ وقد درست طرقاً مختلفة لتغيير عملية مراجعة الأداء، بما في ذلك الأسلوب الذي يقدّم به الرأي إلى الموظف بخصوص أدائه، ومدة المقابلة، ومن يتولى دفة الحديث أثناء مراجعة الأداء، وما هي الغاية النهائية، وما مدى تواتر إجراء المراجعة.
تقييم الأداء بسرعة
وإليكم الطريقة التي تسير وفقها هذه المراجعة المقترحة.
أولاً، أنشؤوا ملفاً في برنامج "إكسل" يضم الأعمدة التالية:
العمود الأول: اسم الموظف
العمود الثاني: جانب القسوة: كلمتان أو عبارتان مقتضبتان تساعدان في تذكر التفاصيل أثناء عملية المراجعة. بوسعكم أن تضيفوا أيضاً القضايا الإشكالية في الأداء، و/أو الأهداف التي لم تتحقق، و/أو الإشكاليات التي تتعلق بالطباع الشخصية للموظف، و/أو تعليقاً على جودة العمل الإجمالية إذا كانت تحتاج إلى تحسين.
العمود الثالث: جانب الحب – مرة أخرى، ركزوا على كلمتين أو 3 كلمات رئيسية. فكروا في الإضاءات المشرقة، أو الأهداف المنجزة، أو العمل العظيم، أو الإنجازات الحديثة، أو الإطراءات من الزبائن أو أعضاء الفريق.
حاولوا أن تفكروا في الإسهامات التي قدمها كل موظف إلى الشركة طوال تاريخها: ما هي الأشياء المفيدة التي تحتاجون من هذا الشخص تقديمها؟ وما هي الإسهامات المميزة التي يقدمها هذا الشخص؟ وما هي الأشياء التي تشكل عائقاً له أو أنها ببساطة تعتبر مصدر إزعاج بالنسبة له؟ اطلبوا من زملاء العمل تقديم رأيهم بالموظف سراً إذا رأيتم أن ذلك ضروري.
حددوا قبل بضعة أيام موعداً لاجتماع يدوم 10 دقائق مع كل موظف لإنجاز عملية المراجعة. وفيما يلي تفصيل لجدول الأعمال النموذجي لهذا الاجتماع:
خلال الدقيقة الأولى: حاولوا أن تشرحوا للموظف بأن الهدف من إجراء المراجعة هو توضيح الخصال الإيجابية، والمجالات التي تحتاج إلى تحسين. وسيعمل الموظف مع مديره بهدف وضع خطة للإجراءات العملية المطلوبة مع تحديد للمسؤوليات. بعد ذلك اطرحوا على الموظف السؤال التالي: ما هو شعورك تجاه تلقي النصائح اليوم على مقياس من 1 إلى 10؟ حيث (1) هو لطيف ومريح، و(10) هو محدد ومباشر. فهذا المقياس سيجعل الموظف يشعر بأنه مسيطر، وأن هذه السيطرة قد انتقلت إلى يديه، في حين أن من يجري المراجعة سيصبح بمنزلة السيد الذي يخدم، والذي يراعي قواعد كل موظف وخياراته المفضلة. يحتاج الأمر منكم إلى سرعة في التفكير، لكن تعديلكم لصيغة رسالتكم التي توجهونها بحسب وضع كل موظف يطمئن هذا الموظف إلى أن المراجعة تُجرى خدمة لمصالحه. وينبغي تذكر الملاحظة المهمة التالية: من يختارون الرقم (10) لا يجب أن يواجهوا مديراً لئيماً؛ وإنما يجب أن يتعاملوا مع مدير مباشر لا يلجأ إلى اللف والدوران. أما الناس الذين يختارون أرقاماً أقل، فإنهم يحصلون على المضمون الصادق نفسه، لكنه سيعرض عليهم باستعمال كلمات أنعم.
من الدقيقة 2 حتى الدقيقة 4: القسم الخاص بالقسوة أو الحب: بالنسبة لمن يقدّمون إجابات هي عبارة عن (7) أو أعلى، فإنكم يجب أن تبدؤوا معهم بالجانب القاسي. أما من يختارون (4) أو أقل، فابدؤوا معهم بجانب الحب. ومن يجيبون في المنتصف أي (5) أو (6)، اطرحوا عليهم السؤال التالي: "ما هي الأمور التي تحتاج إلى تحسين برأيكم؟" فهذا الأمر يعني طرح الجانب القاسي في البداية، بحيث يكون بوسعكم الاختتام في جانب الحب.
من الدقيقة 7 حتى الدقيقة 10: الآن، دعوا الموظف يجلس في مقعد السائق ويقدم الإجابة التي يريدها لينهي بها جلسة المراجعة. حاولوا مراقبة ما يحصل واستيعابه دون تحيّز، واعلموا بأنكم قادرون على المتابعة لاحقاً إذا اقتضت الضرورة ذلك.
أخيراً، تذكروا بأنه على الرغم من أننا نفترض بأن الناس يحبّون تلقي الآراء بخصوص أدائهم، فإن هناك العديد من الدراسات التي تظهر بأن الناس يكرهون هذا الأمر فعلياً. فكما اكتشفت كارول دويك من جامعة "ستانفورد"، فإن الناس يختلفون في نظرتهم إلى الآراء المتعلقة بأدائهم وفي تقبّلهم لها، فهم إما يقاربونها بذهنية ثابتة أو بذهنية تركز على النمو. والناس الذين يقاربونها بذهنية ثابتة يعتقدون بأن خصالهم هي سمات ثابتة ("هذا أنا كما أنا")، في حين أن الناس الذين يمتلكون ذهنيات تركز على النمو يعتقدون بأن صفاتهم ليست أكثر من مجرد نقاط بداية، يمكن تطويرها عبر العمل الجاد، ليصلوا إلى الحالة التي ينشدونها. ولكن بمقدوركم أن تساعدوا أعضاء فريقكم على الانتقال إلى تبني الذهنية التي تركز على النمو من خلال طرح رأيكم في أدائهم بطريقة تربط هذا الأداء بنموهم وتطورهم.
على سبيل المثال، يخبرنا كين موران، المسؤول عن قسم العلاقات مع الزبائن في شركتنا فضلاً عن توليه كامل مسؤوليات قسم الموارد البشرية فيها، عن رأيه بتجربته الشخصية مع هذا النوع من مراجعة الأداء، أي "مراجعة الأداء القائمة على القسوة والحب في آنٍ معاً"، والتي تطلبت منه العمل على تحسين خصلة موجودة لديه، ألا وهي اتخاذه موقفاً دفاعياً على الدوام. "تتمثل وظيفتي في الشركة في ضمان عدم حصول المشاكل، وعندما تقع المشاكل، فيجب علي عندئذ التعامل معها. وقد جرى تذكيري خلال مراجعة الأداء بأن اتخاذي لموقف دفاعي على الدوام يقوّض قدرتي على العمل بروح الفريق وعلى تولي دور القائد (لأن الأمر طرح على هذا النحو)... وللمرة الأولى، عرفت السبب الذي من أجله يجب أن أتغيّر".
منذ أن بدأنا بتطبيق هذه المنهجية الجديدة في مراجعة الأداء، شهدنا حصول قدر كبير من التغيّر البنّاء لدى موظفينا. كما شهدنا أيضاً حصول تحولات هائلة في ديناميكيات عمل الفريق، في حين أن مدير الموارد البشرية المذكور أعلاه موران تلقّى قدراً أكبر من الإطراءات من الزبائن بخصوص أداء الفريق. ورأينا أيضاً براهين على أن بعض الموظفين استمدوا القوة التي يحتاجونها من أجل اتخاذ الإجراءات المطلوبة منهم بموجب عملية المراجعة: فقد سجل أحد الموظفين في دورة للخطابة وإلقاء الكلمات أمام الجمهور؛ بينما ذكر موظف آخر بأنه أجرى مقابلة مع شخص متخصص في تقديم الإرشاد والتوجيه المهني ليتحدث معه بتفصيل أكبر حول مراجعة الأداء التي خضع لها.
وفي نهاية الحديث عن كيفية تقييم أداء الموظف، فإن التعامل مع مراجعات الأداء بهذه الطريقة يمنح مؤسسي الشركات فرصة مهمة للاجتماع مع كل موظف على حدة، وشكره على العمل العظيم الذي يقوم به – كما أنه يساعد الموظف على معرفة الأشياء التي تمنعه من الاستفادة القصوى من طاقته الكامنة ليحسّن مساره الوظيفي، ويخدم شركته، ويحقق الازدهار.
اقرأ أيضاً: