لا تدعوا خبرتكم تعمي بصيرتكم

10 دقائق

تعتبر الخبرة ضرباً من ضروب الخير المطلق في "السياقات" المهنية. فالشركات تقرنها بالأداء الرفيع والقدرة القيادية عند توظيف أشخاص لشغل المناصب الرئيسة. ولكن عند دراستي لكبار التنفيذيين خلال العقد الماضي، توصلت إلى أن الخبرة يمكن أن تشكّل أيضاً عائقاً كبيراً للأداء بطريقتين هامّتين.

لنأخذ حالة ماثيو بروديريك، الذي قاد مركز العمليات في وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية عندما ضرب الإعصار كاترينا نيو أورلينز في أغسطس/ آب 2005. بدا ماثيو، وهو برتبة عميد ويمتلك خبرة تزيد على 30 عاماً في إدارة عمليات الطوارئ، بما في ذلك فترة مديدة قضاها في رئاسة مركز القيادة الوطني لمشاة البحرية الأميركية، بمثابة شخص مثالي للإشراف على عملية مواجهة العاصفة. "لقد سبق لي أن تعاملت مع وضع مشابه، وأنجزت مهاماً مماثلة"، يقول العميد واصفاً مؤهلاته لشغل المنصب.

مع ذلك فإنّ بروديريك لم يتخذ الإجراءات الأساسية المتعلقة بجهود الإنقاذ والإغاثة إلا بعد أن ضربت العاصفة بيوم كامل. لقد قلل من شأن حجم الكارثة الأمر الذي قاد إلى عواقب كارثية وخيمة، ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى ذهنية الخبير التي كان يحملها، والتي منعته على الرغم من مهارته التي كان يتمتّع بها في التعامل مع الأزمات في السياقات العسكرية، من الاعتراف بمحدودية خبرته في التعامل مع الكوارث الطبيعية في الحياة المدنية. وبما أنّ ماثيو كان مدرّباً على التحقق من كل حقيقة وواقعة، بما يسمح له بتجنّب اتخاذ القرارات "وسط ضباب الحرب"، فقد فشل في أن يدرك أنّ السرعة في هذه الحالة كانت أهم بكثير. وقد أفرط في اعتماده على الاستخبارات العسكرية عوضاً عن الوثوق بالمصادر المحلية أو مصادر الولاية. وبسبب خبرته الواسعة مع مشاة البحرية، افترض مخطئاً أن مسؤولي الطوارئ الفدراليين سيوصلون المعلومات تلقائياً إلى الأعلى عبر سلسلة القيادة. ويبدو أنّه كان يؤمن أنّ امتلاكه الألمعية في مجال معيّن يعني كفاءته في مجال آخر.

هذا النمط من الثقة المفرطة هو أحد أشكال ما اسمّيه فخ الخبرة. أما النمط الآخر فهو عندما تحوّل المعارف والخبرات العميقة من يحملها إلى شخص فاقد لحب الاستطلاع، وضيّق الأفق، وضعيف – حتى في مجال عمله. في تسعينيات القرن الماضي، كان التنفيذيون في شركة موتورولا مصابين بهوس شديد بمنهجية الحيود السداسي (ستة سيغما) للتحسين المتواصل إلى الدرجة التي جعلتم يفوّتون أهمية التحوّل الحاصل في القطاع نحو التكنولوجيات الرقمية، ويتأخّرون تأخراً دراماتيكياً عن منافسيهم. وبعد مرور عقد من الزمن تقريباً، وعندما أطلقت شركة آبل جهاز الآيفون، سارع خبراء التكنولوجيا إلى نعت هذه الخطوة بالفاشلة، حيث ذهب ستيف بالمر، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت وقتها، والذي كان ضليعاً في أنشطة الشركة في مجال الحواسب الشخصية والحوسبة المتصلة بالإنترنت، إلى القول إنّ أي جهاز لا يتضمّن لوحة المفاتيح التقليدية لا يمتلك فرصة اكتساب حصّة سوقية كبيرة. وفي الآونة الأخيرة، عانت كبريات شركات التجزئة من منافسة أمازون لأنّ كبار التنفيذيين اعتمدوا زيادة عن اللزوم على خبرتهم الراسخة كتجّار وعلى تكتيكات مألوفة من قبيل تصميم المتجر، وإغلاق المتاجر، وإدخال التعديلات على المزيج التسويقي. في كل حالة من هذه الحالات، افترض الخبراء أن ما يعلمونه كان صائباً وسيظل صائباً على الدوام. لكن مع تغيّر الواقع، قاد هذا الانغلاق الذهني إلى تنفيذ سيء ونتائج هزيلة.

المعارف والخبرات العميقة يمكن أن تحول القادة إلى أشخاص فاقدين لحب الاستطلاع، وضيقي الأفق، وضعاف، حتى في مجالات عملهم.

عندما نبدأ بتعريف أنفسنا كخبراء، فإن أفقنا يمكن أن يضيق، سواء في عملنا اليومي أو أوقات الأزمات. فنحن نصبح متردّدين بالاعتراف بالأخطاء وحالات الفشل، ممّا يشكّل عائقاً أمام تطورنا. كما أننا نميل إلى النأي بأنفسنا عمّن هم "دوننا" مما يصعّب علينا الظفر بحبهم وثقتهم. ومع تغيّر الديناميكيات التي تحكم شركاتنا، فإننا نعرّض أنفسنا لخطر أن يتجاوزنا أو أن يحل مكاننا زملاؤنا الصاعدون، أو الغرباء الماهرون في تعلّم الأشياء الجديدة، أو خوارزميات الذكاء الاصطناعي القادرة على أداء المهام المحفوظة عن ظهر قلب أسرع وأفضل منا. ومع مرور الوقت، يمكن لذات الخبرة التي قادتنا إلى النجاح أن تجعلنا أشخاصاً غير سعداء، وغير راضين، وجامدين في أمكنتنا.

هل سبق لكم أن وقعتم في حفرة إبداعية؟ هل تشعرون أنكم "قد كبرتم" وبتّم منفصلين عن واقع وظيفتكم؟ هل يبدو أن الآخرين يشعرون بعدم الارتياح لتحدّي افتراضاتكم وأفكاركم؟ هل بدأت التطورات الحاصلة في السوق تفاجئكم؟ هذه عبارة عن بضع إشارات تحذيرية فقط تشير إلى أنكم قد سقطتم في فخ الخبرة. (للاطلاع على المزيد من الإشارات التحذيرية، راجعوا الفقرة الجانبية). الحل واضح: أعيدوا توجيه أنفسكم باتجاه التعلم والنمو. أعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء وأعيدوا استكشاف ما يسمّيه البوذيون "عقل المبتدئ". ولكن كيف؟ يخبرني العديد من التنفيذيين الذين أقابلهم أنهم لا يريدون لخبرتهم أن تتحوّل إلى أغلال تكبل أيديهم، ولكن في خضم البحر اللانهائي من الاجتماعات والرسائل الإلكترونية والمهل النهائية والأهداف، لا يبدون قادرين على إيجاد الوقت لتعلّم مهارات ومقاربات جديدة. وقد يحضرون جلسة تدريبية أو اثنتين، أو قد يحاولون قراءة أحدث كتاب في سلسلة الكتب الأفضل مبيعاً في عالم الأعمال خلال وقت فراغهم، لكنهم يظلون متمسكين بذهنية الخبير التي لديهم والأفكار القديمة المألوفة التي يحملونها ذاتها.

لكن بضعة قادة أفذاذ - وبعضهم من بين أكثر الأشخاص انشغالاً وإنتاجية - طوروا استراتيجيات للهروب من فخ الخبرة أو تجنّب الوقوع فيه. وبوسعنا أن نتعلّم منهم.

تحدّوا خبرتكم الذاتية

يتشبّث الخبراء بمعتقداتهم إلى حدّ كبير لأن الأنا الأعلى لديهم مرتبط بأنهم "أذكياء" أو "الأفضل" في المجال الذي يركّزون عليه. ولكي تكسروا هذا النمط، ابعدوا أنفسكم عن تلك الهوية، وكونوا أكثر تواضعاً، وذكّروا أنفسكم بقيودكم الفكرية.

راقبوا الأنا الأعلى لديكم. هل تُرخون أحياناً بظلالكم على الآخرين بحيث يكون بمقدوركم أن تبدوا بمظهر حسن؟ هل تُمْلُون الحلول على أعضاء الفريق عوضاً عن الاعتماد على قدراتهم؟ هل تمارسون الضغوط على أنفسكم كي تظهروا دائماً "على صواب"؟ ما مدى فخركم بالتشريفات التي تحصلون عليها على مستوى الشركة، والدعوات التي تتلقونها لحضور المؤتمرات، والجوائز التي تنالونها في قطاع أعمالكم؟

إذا كنتم تشعرون برضا مفرط عن المكانة التي تحظون بها نتيجة معارفكم والتي كابدتم كثيراً لاكتسابها، حاولوا أن تتحلوا بالتواضع قليلاً. فمن الشهير أن مايكل بلومبيرغ قد تخلّى عن مكتبه الخاص الفخم في شركته الإعلامية لصالح مقصورة صغيرة وغير مميّزة. وكذلك كان حال مؤسس إيكيا، إنغفار كامبراد، الذي عاش حياة بسيطة، وسافر بطريقة غير باهظة، وقاد سيارة قديمة. وكان إيان كوك، الرئيس التنفيذي السابق لشركة كولجيت بالموليف (Colgate-Palmolive) الذي يشغل الآن منصب رئيس مجلس إدارتها التنفيذي، حريصاً على زيارة غرف تبديل الملابس في المعامل والمنشآت لمعرفة ما الذي كان يجري فعلياً. ويتخلّى بعض التنفيذيين الذين عملت معهم عن مواقف السيارات المخصصة لهم ويركنون سياراتهم في المواقف الخلفية ليكون بمقدورهم الركوب في حافلات النقل الجماعي مع الموظفين ذوي المراتب الوظيفية الدنيا. وهم يسلّطون الضوء على إنجازات الآخرين في الاجتماعات والمناسبات الخاصة بالقطاع ويقاومون الشعور المُلح لديهم بنسب الفضل عن كل نجاح إلى أنفسهم. كما يُمضون الوقت في الإصغاء إلى أعضاء الفريق عوضاً عن إخبارهم بما يجب عليهم فعله.

راجعوا افتراضاتكم بشكل ممنهج. وضع العميد بروديريك مجموعة من الافتراضات التي تفتقر إلى الحكمة في استجابته الأولية لإعصار كاترينا. بوسعكم تجنّب الأخطاء المشابهة من خلال إجراء مراجعة منتظمة لأفكاركم المتجذّرة واختبارها. في بداية مشروع أو تكليف جديد، اكتبوا ثلاث "نظريات" أو أكثر من النظريات التي تشكّل أساساً له. على سبيل المثال، إذا كان هدفكم هو تعزيز نمو الإيرادات من خلال دخول سوق في منطقة جغرافية جديدة، ربما أنتم تفترضون أن السوق المعنية جذابة، وأن منتجاتكم أو خدماتكم مناسبة لها، وأنكم تفهمونها تماماً كما يفهمها الآخرون، وهكذا دواليك. حللوا هذه الافتراضات واحداً تلو الآخر؛ وقرّروا أيها صالح وأيها يجب التخلص منه؛ وغيروا استراتيجيتكم أو مقاربتكم بناءً على ذلك.

كانت إحدى كبريات التنفيذيات في شركة متوسطة الحجم متخصصة بالأجهزة الطبية، ممّن أقدّم لهن الإرشادات تواجه صعوبة في زيادة الحصة السوقية لشركتها، رغم أن الأخيرة كانت تمتلك تكنولوجيا عظيمة. عندما طلبت منها تطبيق هذا التمرين، كان ردّها هو: "المتخصصون بالحقل الطبي هم حرّاس البوابات الرئيسيون. منافسونا الكبار يتمتعون بعلاقات وثيقة مع أكبر أنظمة المستشفيات. التكنولوجيا التي لدينا هي الأفضل في السوق". عندما حللت هذه العبارات، أدركت أنه على الرغم من أن المتخصّصين هم عادة حرّاس البوابات، إلا أن من يتمتعون بروح ريادية أكبر بينهم قد يكونون منفتحين على العمل مع شركاء جدد. وبوسع شركتها دعم الأطباء الساعين إلى ترك أنظمة المستشفيات الكبيرة وافتتاح عياداتهم الخاصة المستقلة. سمح لها هذا الأسلوب في التفكير بالخروج من فخ الخبرة وقيادة شركتها إلى المنافسة بطريقة غير تقليدية، وتحقيق نتائج ممتازة.

ابحثوا عن أفكار جديدة طازجة

يحتاج التعلم إلى الانفتاح على كل ما هو جديد. ولكن عندما تكونون في موقع الخبير، من السهل عليكم أن تُصابوا بالعزلة الفكرية. والنتيجة هي أن الآخرين لا يتحدّونكم أو لا يستطيعون تحدّيكم كما اعتادوا من قبل، في حين أن سلطتكم أو مكانتكم تعزلكم عن الضغط لكي تتعلموا وتنموا. ولكن إذا ما مارستم التمارين التالية بانتظام، فإنكم ستحصلون على آراء أكثر تنوعاً دون أن يتشتت انتباهكم عن الأولويات الأخرى.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: ما هو المزيج التسويقي؟

انظروا إلى الزملاء في الفريق بوصفهم معلّمين. خصصوا بضع دقائق كل شهر لتأمّل أهم العبر أو الدروس التي استخلصتموها من أعضاء فريقكم، ولاسيما من يمتلكون خبرة أقل من خبرتكم أو لديهم خبرات مختلفة. اطرحوا عليهم أسئلة ذات نهايات مفتوحة لتحفّزهم على التعبير عن أفكارهم وتشجّعهم على تحدّي أفكاركم وإعطائكم آراءهم التقويمية. ثم تأكّدوا من أخذ تعليقاتهم على محمل الجد. كافئوا الأشخاص الذين يُعبّرون بصوت عالٍ عن أفكارهم، عوضاً عن التقليل من شأنهم أو توجيه سهام النقد إليهم. وصف آرون آين، الرئيس التنفيذي لشركة البرمجيات "كرونوس" (Kronos) إحدى العادات التي كان يمارسها ألا وهي التجوّل في المكتب لخوض نقاشات غير رسمية أو عقد اجتماعات نقاشية مرتجلة مع الموظفين على جميع المستويات في مؤسسته للاطلاع على آرائهم بخصوص القضايا التجارية الملحّة واستنباط استنتاجات جديدة.

ثمّة تكتيك آخر يتمثّل في إيجاد الفرص للزملاء الأحدث عهداً لتقديم عروض حول المواضيع أو القضايا التي يجدونها مهمة ولا يأخذها كبار القادة بحسبانهم حالياً. لا تشكّل هذه الجلسات الحوارية فرصة عظيمة للنمو بالنسبة للشباب الأصغر عمراً فحسب، وإنما تزيد من اطلاعكم أيضاً على الاتجاهات، أو التكنولوجيات، أو الشروط المتّصلة بسوقكم. تبنّى كيفين كوكس هذه المقاربة في 2016، عندما كان يتولّى منصب مدير الموارد البشرية في "أميريكان إكسبريس" .

طلب من بعض شباب الشركة ذوي الأداء العالي المشاركة في جلسة خاصّة لتوليد الأفكار ومن ثم عرض أفضل مقترحاتهم للشركة على كبار القادة. لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه المناسبات منظمّة أو مرتّبة وفق هيكلية محددة. كان أسطورة صناديق التحوّط جوليان روبرتسون مشهوراً بعقد جلسات غير رسمية كانت تعطي الفرصة لمحلليه الأحدث عهداً لكي يناقشوا أفكارهم أمام أقرانهم. ورغم أنّه كان يقاومهم بشكل منتظم، إلا أن الجميع كانوا يفهمون روحية النقاش الحيوي الذي كان يحاول التشجيع عليه ويقدّرونها.

ابحثوا عن مصادر جديدة للموهبة. يصل الخبراء إلى مرحلة من الجمود الخلاق ويصبحون غير قادرين على التعلّم لأنهم يحيطون أنفسهم بأناس يبدون مثلهم ويتحدّثون بطريقة مشابهة لطريقتهم. والحل بطبيعة الحال هو الاستعانة بأشخاص يمتلكون خلفيات وظيفية أو ثقافية مختلفة أو ينتمون إلى قطاعات أخرى. يحظى بيل ويلش، المدرّب الأسطوري لفريق سان فرانسيسكو فورتي ناينرز باحترام في أوساط الرابطة الوطنية لكرة القدم في أميركا لاستعانته بمدرّبين مساعدين من الأميركيين الأفارقة وإنشائه لبرنامج تدريبي سمح للرابطة بالاستفادة من هذا التجمع من المواهب الذي لم يكن مستغلاً سابقاً. وعندما أنشأ مصرف "إيسترن بانك" (Eastern Bank)، ومقرّه بوسطن، مختبراً للابتكار في 2014، استعان بفئة من العاملين لم تكن أمثالها تُرى في المؤسسات المالية المماثلة، ألا وهم أنماط خلاقة من الشباب الذين يرتدون الجينز والشباشب.

فكّروا في فريقكم، وشركتكم، وقطاعكم. هل هناك ضعف في تمثيل أي فئة من فئات التنوّع - سواء من حيث النوع أو الخبرة أو غير ذلك؟ ما هي الأفكار أو الآراء التي يمكن لمكان عملكم أن يكتسبها من الأشخاص ذوي الخلفيات المفقودة؟ حاولوا تعيين بعضهم عبر الأقنية غير التقليدية ثمّ حاولوا تعريفهم على الشركة بالتدريج وبلطف لكي يحتفظوا بأصالتهم وحب الاستطلاع لديهم. وإذا لم تكونوا في وضع يسمح لكم بالتعيين، ابحثوا عن الأصوات الجديدة في المؤتمرات أو في مجتمعكم المحلي، وانخرطوا معهم في حوارات ونقاشات، وأدخلوهم ضمن دائرتكم.

أضيفوا نموذجاً يُحتذى به أو رفيقاً لكم في التعلّم. يتطلّع ماركوس صاموئيلسون، الطاهي التنفيذي الإثيوبي السويدي في مطعم "ريد روستر" الشهير في نيويورك إلى أقرانه كباراً وصغاراً ليستوحي منهم الإلهام لكي يواصل التعلم. وبحسب رأي صاموئيلسون، فإن واحداً من هؤلاء هي ليا تشيس، الطاهية من نيو أورليانز التي يزيد عمرها على تسعين عاماً، التي "ماتزال تطرح أسئلتها المشكِّكة بذات القدر من الإثارة". من بوسعكم التطلّع إليه بذات الطريقة؟ هل هناك في شركتكم أو قطاعكم من يكرّس نفسه عادة للإبداع والنمو؟ ابحثوا عن ذلك الشخص، وتابعوا أنشطته، واسألوه إذا ما كان بوسعكم التواصل معه بانتظام لتبادل الأفكار والمقارنة بينها. ما الذي يفكّر فيه أو يقرأ عنه؟ ما الذي يفعله ليوسع آفاقه ويظل مواكباً للأحداث؟

بوسعكم أيضاً أن تحيطوا أنفسكم بمجموعة من "رفقاء التعلم" أي الزملاء الذين يتحدّون طريقتكم في التفكير والذين بوسعكم استمزاج رأيهم بخصوص الأفكار الجديدة. يتشاور الرئيس التنفيذي لشركة "سكريبس هيلث" (Scripps Health) كريس فان غوردير مع مجموعة من "الأصدقاء الأوفياء" داخل المؤسسة وخارجها ممّن يعرف أنهم يعطون "رأياً تقويمياً صادقاً وأحياناً قاسياً بأدائي". في المرّة القادمة التي تشاركون فيها ضمن برنامج لتطوير التنفيذيين مع مشاركين من شركات أخرى، أعطوا أولوية للتواصل مع شخص أو شخصين ممّن يمكن أن يمنحوكم آذاناً صاغية لأفكاركم.

تبنّوا الفكر التجريبي

لا يُعمي القادة والمدراء العالقون في فخ التجربة أنفسهم عن الأفكار الجديدة فحسب - بل هم يتوقفون عن التجريب والمجازفة، الأمر الذي يقود في نهاية المطاف إلى سقوطهم، لأنهم نادراً ما يتعلمون شيئاً جديداً. من المهم بمكان أن توسعوا حدود "منطقة راحتكم"، حتى لو كنتم معرّضين لخطر السقوط على وجوهكم.

اطرحوا تحديات خلاقة على أنفسكم بشكل متكرّر. لا تنتظروا الآخرين حتى يدفعوكم إلى التجريب. تحدّوا أنفسكم لاقتحام آفاق جديدة من خلال الترحيب بفكرة إيكال مهام غير مألوفة أو غير معتادة إليكم وعاملوها بوصفها "تجارب علمية". امنحوا أنفسكم الأذن لتنحية القواعد الراسخة جانباً وتجريب طرق مختلفة لإنجاز المهام. قد لا يستغرق فعل الأشياء بطريقة مختلفة وقتاً أطول (وقد يقود حتى إلى تحقيق كفاءات جديدة)، لكنه يظل يستحق أن تطالبوا مديركم بهامش للمناورة، على أن توضحوا أنكم منخرطون بفاعلية في التجريب وتعمدون إلى المجازفة خدمة لمصالح الفريق. قاوموا الشعور المُلِح الذي يدفعكم إلى رفض كل ما هو جديد.

إنّ تحدّيكم لأنفسكم بخوض مساعٍ جديدة تقع خارج نطاق عملكم يعتبر عنصراً مساعداً لكم أيضاً. فالعديد من القادة الناجحين يحتفظون بهوايات خلاقة كأسلوب للمحافظة على التجدّد و"الشباب" في حياتهم ويصطحبون هذه الذهنية معهم إلى المكتب أيضاً. ها هو مارك زوكربيرغ وكما قيل قد علّم نفسه لغة جديدة هي اللغة الصينية المندرينية. أمّا ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لغولدمان ساكس، فيمارس هواية تنسيق الموسيقى (دي جي) في النوادي الليلية في مانهاتن. ويكتب التنفيذي السابق في مايكروسوفت ناثان ميهرفولد كتباً في فن الطبخ.

تعلموا من أخطائكم. يقلّل العديد من المدراء الخبراء من شأن أخطائهم الذاتية أو يتجاهلونها، ربما من أجل حماية نظرتهم الرفيعة إلى قدراتهم الذاتية. ويعلم القادة البارزون الذين درستهم أن الأخطاء هي شيء يجب الإقرار به، وليس غباراً يجب أن يُكنس تحت السجادة (كما يقول المثل) - ولاسيما عندما يرتكبونها هم أنفسهم. ما مقدار وعيكم الذاتي في هذا المجال؟ خصصوا بعض الوقت كل شهر للتفكير في الأخطاء التي ارتكبتموها، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة. هل تلاحظون وجود أي أنماط؟ هل كنتم في حالة من عدم التواؤم مع أعضاء فريقكم؟ هل تسرّعتم في إطلاق الأحكام في معرض اتخاذكم للقرار؟ هل نجم عن التجارب التي حاولتم خوضها أي أخطاء؟ إذا كانت الإجابة هي نعم، ما هي العبر والدروس التي بوسعكم استخلاصها؟ وما هي التجارب الجديد التي قد تلجؤون إليها لتحسين أدائكم؟

لا تخشوا من طرح ثمار هذه التجربة على الملأ. اعقدوا اجتماعات فصلية مخصصة للأخطاء حيث بوسعكم خلالها وصف أكبر خطأ ارتكبتموه في الأشهر القليلة الماضية وماذا تعلمتم منه. ثم ادعوا أعضاء الفريق إلى فعل الشيء ذاته. حاول العملاق الصناعي الهندي الشهير راتان تاتا مأسسة هذه الممارسة من خلال ترؤس جائزة سنوية تدعى "تحدّي التجريب" وهي مخصصة لتقدير الموظفين الذين مضوا في مشاريع مُستحقة لكن لم يحالفها النجاح.

يعلم القادة الاستثنائيون أن التعليم لا "ينتهي" أبداً، بل هو مسعى يستمر طوال الحياة، وهو يقود إلى التواضع بقدر ما يقود إلى المتعة. لا يكمن الخوف الأكبر لديهم من أن تجربتهم وسلطتهم ستخضعان للتحدي، وإنما من أن يصابوا بالتراخي. والمفرح في الأمر هو أننا جميعاً نمتلك القدرة على غرس التعلم ضمن جوهر عملنا الذي نؤديه.

على الرغم من انتشار فخ الخبرة على نطاق واسع وخطورته، إلا أننا قادرون على الهروب منه - أو تجنّبه بالكامل - من خلال إعادة موازنة هوياتنا المهنية، والتدقيق في افتراضاتنا، والإصغاء إلى زملائنا في الفريق، وإشراك أصوات مختلفة، والبحث عن مُثل عليا جديدة للاقتداء بها، وتحدّي أنفسنا بمساعٍ جديدة، والتعلم من أخطائنا. بوسعنا تبني ذهنية المبتدئ لكي تسير جنباً إلى جنب مع نظرتنا كخبراء بحيث ندفع أنفسنا إلى مستويات جديدة من الإبداع والأداء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي