ما الذي يزيد أهمية الحوسبة السحابية اليوم؟
يجري تبنّي الحوسبة السحابية بوتيرة سريعة، مع تنامي عدد الشركات الكبرى التي تخطو خطوات جريئة نحو السحابة، واستخدام غالبية الشركات بعضاً من أشكال الخدمات السحابية. وعلى مدى السنوات القادمة، من المتوقع أن تتغلغل الخدمات السحابية في بيئات حوسبة المؤسسات بعمق أكبر ووتيرة متسارعة، لتواجه الشركات التي مازالت تعتمد الحوسبة المخصصة في مقرها من عقبات وصعوبات على المستوى القريب والبعيد.
ومع تطور سوق السحابة والتقنيات الرقمية عموماً بسرعة كبيرة، لن تتوافر وصفة موحّدة صالحة للانتقال إلى السحابة في جميع الظروف. لكن المدراء التنفيذيين للمعلومات الملتزمين السير في رحلة الحوسبة السحابية يتّبعون عموماً نهجاً مكوّناً من ثلاث مركبات: وضع الخطة، واختبارها، والتعلّم من نتائجها. من خلال مقالي هذا، سأقدم لكم شرحاً وافياً يساعد على فهم أهمية اعتماد استراتيجية تعتمد على السحابة.
لِمَ الانتقال إلى السحابة؟
تتنوّع احتياجات المؤسسات بحسب حجمها، فالمؤسسات الكبيرة على سبيل المثال ذات الأنظمة التقليدية المعقّدة والمقدرات الناضجة في مجال تكنولوجيا المعلومات، لها احتياجات تختلف عن احتياجات الشركات الصغيرة أو المتوسطة. كما أن الشركات العاملة في القطاعات شديدة التنظيم أو تلك التي تمتلك بيانات مهمة وحساسة جداً، من المرجّح أن تنتهج نهجاً خاصاً نحو السحابة المشتركة (حيث تكون بياناتك مع بيانات شركات أخرى) يختلف عن نهج الشركات التي تتعامل مع بيانات أقل حساسية.
إلى ذلك، ثمة ثلاثة محرّكات أساسية تدفع الشركات إلى تبنّي نهج الانتقال إلى السحابة: التحوّل في الشركات (ابتكار خدمات وأنماط عمل جديدة)، وسرعة الحركة والمرونة، وخفض التكاليف.
قد تركّز بعض الشركات على إحدى الفوائد الثلاث دون سواها، غير أن تلك الفوائد وثيقة الصلة فيما بينها. إذ تحدث تقرير صادر عن هارفارد بزنس ريفيو عن سعي شركة "جنرال إلكتريك" بقوة وإصرار شديدين إلى الاستفادة من هذه الفوائد كلّها أثناء عملية تحوّلها إلى شركة "صناعة رقمية". وأشار التقرير إلى أن الشركة تعمل الشركة على إلغاء حوالي نصف تطبيقاتها التي يزيد عددها على 9,000 تطبيق، ونقل 60% مما تبقى منها إلى السحابة. وفي سياق هذه العملية ستغلق معظم مراكز بياناتها البالغ عددها 34 مركزاً في غضون السنوات الثلاث القادمة.
بيد أن العديد من مدراء المعلومات لا يزال لديهم تساؤلات متنوعة حيال التكاليف الحقيقية للسحابة ودرجة وثوقيتها وسوية الأمن التي توفّرها.
سوق السحابة
لقد بات معظم قادة الأعمال ومدراء تكنولوجيا المعلومات في وقتنا الراهن على اطّلاع بما يُعرف بنمط "البرمجية بوصفها خدمة" (SaaS) التي يتمّ من خلالها الدخول إلى تطبيق برمجي (كالبريد الإلكتروني أو برنامج إدارة الحسابات أو تطبيق إدارة علاقات الزبائن أو إدارة الموارد البشرية) عبر الإنترنت، وعادة ما يجري تسديد ثمن هذه الخدمة من خلال الاشتراك بها. وهنالك الكثيرون أيضاً ممن اختبروا نمط "البنية التحتية بوصفها خدمة" (IaaS) –أو يعرفون على الأقل أنها توفّر إمكانية الدخول والاستفادة من خدمات المعالجة والتخزين وغيرها من موارد الحوسبة الأخرى عبر الإنترنت، على أن يسدّد الزبون عادة ثمن ما يستخدمه فقط من تلك الموارد.
أما نمط "المنصّة بوصفها خدمة" (PaaS) فلا يزال مجالاً قيد التطوّر وذا تعاريف متباينة، غير أن ما تقدّمه هذه الخدمة أساساً يكمن في توفير الأدوات والخدمات اللازمة للعمل ضمن بيئة سحابية. فبمقدور مطوّري البرامج على سبيل المثال الاستفادة من خدمة PaaS لتطوير تطبيقات جديدة عبر الإنترنت وذلك باستخدام بيئة أو أكثر من بيئات التنفيذ التي يوفّرها مزوّد السحابة. غير أن نمط PaaS ليس حكراً على المطوّرين فحسب، بل إن خدماته تشمل أيضاً أنظمة التشغيل وأنظمة إدارة قواعد البيانات وأدوات التصميم ومقدرات الاستضافة التي قد يستخدمها مدراء الأنظمة والمحلّلون ومدراء المحتوى وكثيرون غيرهم. إن بعضاً من مزوّدي السحابة يوفّرون هذه المقدرات والإمكانات – إضافة إلى البرمجيات الوسيطة وبرامج تطوير وإدماج وتحليل البيانات الضخمة– بوصفها خدمات ذات قيمة مضافة على رأس قائمة عروض خدماتهم من النمط IaaS، بحيث لا تكون أقسام تكنولوجيا المعلومات في الشركات مُجبرة على إدارة هذه الخدمات بشكل مستقل أو على توظيف الكثير من المال أثناء اختبار هذه التكنولوجيات الجديدة كلياً.
قدّرت شركة أبحاث السوق "آي دي سي" قيمة الإنفاق في مجال السحابة سيصل في عام 2017 إلى 122 مليار دولار، مرتفعاً بنشبة 24% عن عام 2016، مع توقع المؤسسة بأن يصل الإنفاق على السحابة 203 مليار دولار عام 2020.
وعندما تصرّح بعض الشركات العامة الكبرى بأنها تندفع بقوة نحو السحابة العامة، فإن معظم تلك الشركات تقصد فئة مختلفة تماماً من الخدمات السحابية –تعرّفها شركة "آي دي سي" بوصفها سحابة خاصة تُستَضاف عند الطلب ويشير إليها البعض الآخر بعبارة "سحابة خاصة افتراضية". وفي هذه الحال تعمل أنظمة الشركات وبياناتها على نفس الآلات المادية التي تعمل عليها أنظمة وبيانات شركات أخرى، لكن يتم الفصل فيما بينها افتراضياً بالاستعانة ببرمجيات خاصة لهذا الغرض، مع قدر أكبر من التحكّم والسيطرة مقارنة بتلك المتاحة على السحابة العامة الخالصة. وهذا ما يوفّر للشركات فوائد ومزايا الاستفادة من وعاء مشترك من الموارد (بتكاليف أقل وإمكانية رفع وخفض حجم الاستفادة بسهولة) وبنفس الوقت ضمان إمكانية تطبيق تدابير الأمن والسياسات والحوكمة التي تحتاجها. وبالفعل، فقد صرّح "روب ألكسندر"، مدير المعلومات في شركة "كابيتال وان" للخدمات المالية، علانية أن سوية الأمن المتوفرة على السحابة العامة أفضل من تلك المتوفرة في مراكز البيانات في حرم مباني الشركة نفسها. ولا شك في أن هذا التصريح استثنائي، ومن شأنه أن يجعل جميع مدراء المعلومات يعيدون النظر في فهمهم لمدى قابلية السحابة على البقاء والانتشار.
ثمة خياران اثنان آخران لأولئك الذين لا يرغبون بعد بالدخول في خضمّ بيئة مشتركة بشكل كامل: الخيار الأول هو السحابة المُستَضافة الخاصة والمُكرَّسة، حيث يجري الفصل المادي بين أنظمة وبيانات شركة ما وأنظمة الشركات الأخرى وبياناتها مع أن جميعها يُستَضاف على موقع المزوّد؛ أما الخيار الثاني فهو السحابة الخاصة في الشركة حيث تُحفظ تلك الموارد المادية في الحرم الخاص بمباني الشركة الزبون لكنها تُدار كخدمة من قبل مزوّد السحابة.
ويشكل نمط SaaS اليوم الجزء الأكبر من سوق السحابة، إذ إنه المسؤول عن أكثر من نصف الإنفاق في السحابة عام 2015 والذي بلغت قيمته 50.9 مليار دولار. أما نمط IaaS الذي نما بنسبة 31% عام 2015 لتصل قيمته إلى 11 مليار دولار، فسيبلغ 27.8 مليار دولار بحلول عام 2019. في حين أن نمط PaaS، وبالرغم من كونه يشكل أصغر نسبة في السوق، إلا أنه ينمو بسرعة أكبر من النمطَين السابقَين. وتتوقّع شركة "آي دي إس" أن ينمو سوق النمط PaaS من حوالي 6 مليارات دولار في عام 2014 إلى ما يقارب 22 مليار دولار عام 2019.
ولا يقتصر الأمر على النمو المتسارع لسوق السحابة، بل إن محفظات المزوّدين تزداد نضوجاً أيضاً. والفضل في هذا يعود إلى الوتيرة المبهرة للتطوير والابتكار في خدمة السحابة وخدمات نمط SaaS وما يوفّره مزوّدو البرمجيات المستقلّون والمساهمون الأفراد من خلال المبادرات مفتوحة المصدر، حسبما يقول "جو واينمان" مؤلف كتاب "اقتصاد الحوسبة السحابية والأنظمة الرقمية" (Cloudonomics and Digital Disciplines)، الذي يضيف: "إن التطوّر المترافق لخبرة الزبائن وعروض المزوّدين يقود إلى تعزيز عامل الوثوقية من حيث الآلية والتكنولوجيا والبنية والآفاق المستقبلية". ويستشهد "واينمان" بانقطاع خدمة شركة "نتفليكس" في ليلة عيد الميلاد عام 2012، الذي دفع الشركة ومزوّدها إلى تغيير آلية عملهما، ما أدى إلى تعزيز وثوقية البنية الهيكلية القائمة بدورها على خدمة أكثر وثوقية أيضاً.
وبينما تتّخذ الشركات الكبرى خطوات جديّة نحو السحابة، يسعى المزوّدون بالتعاون مع هذه الشركات إلى تلبية حاجاتها الفريدة، ومن ثمّ يقومون بتطبيق ما طوّروه في الحالات الخاصة تلك لتحسين عروضهم كلها، الأمر الذي من شأنه أن يفتح السوق حتى أمام أكثر المؤسسات تحفّظاً.
السحابة "الهجينة" ولوح الزجاج المفرد
عندما يتحدّث عامة الناس عن السحابة الهجينة، فإنهم في الواقع لا يتحدّثون عن نموذج توظيف مختلف، بل عن طريقة جديدة للتعامل مع سحابات متعددة و/أو مع بيئات حوسبة عامة وخاصة. لا تستطيع السحابات الخاصة أن تُجاري السحابات العامة من حيث القدرة على توفير التكاليف ولا من حيث المرونة. وفي الوقت ذاته، ستبقى هناك في المستقبل المنظور أنظمة وبيانات لا تتناسب مطلقاً مع أي نمط من أنماط السحابة المتوفّرة. وبالنسبة لغالبية المؤسسات، فإن الانتقال إلى "السحابة بنسبة مئة في المئة" يبقى طموحاً نظرياً، لا هدفاً واقعياً بالمعنى الحرفي. وهنا تتجلّى أهمية السحابة الهجينة، حيث يكون بوسع المؤسسة الربط بين أنظمة السحابة وأنظمتها الخاصة، وبين سحابة وسحابة أخرى، مع مقدرة الشركة على إدارة أعمالها عبر جميع تلك البيئات المتباينة.
ومن الضروري أن تتوفّر الحوكمة الجيدة في أي نهج للانتقال إلى السحابة. ومع تزايد المواقع المضيفة، تغدو دورات الإصدار والإدارة التشغيلية والدعم أكثر تعقيداً. وتعدّ الشفافية والتحكّم عبر مواقع الاستضافة (سواء أكانت في سحابات متعددة أم في مباني الشركات) من العوامل الأساسية الضرورية لجودة الحوكمة وسلاسة العمليات.
بيد أن معظم الخبراء يُجمعون على أن مزوّدي السحابة من غير المرجّح أن يبتكروا معايير شاملة من شأنها أن تجعل تحقيق هذا الأمر سهلاً بطبيعته. ويذهب "فيلانتي" إلى أبعد من ذلك، فيقول: "إن هذا الأمر لن يحدث مطلقاً". ولكي يتمكّن مدراء المعلومات من الإدارة ضمن بيئة سحابية متعددة المزوّدين، عليهم أن "يخلقوا طبقة تجريد من خلال ما يسمى "واجهات برمجة التطبيقات" تسمح لهم بحوكمة محفظة تطبيقاتهم". ومن شأن طبقة التجريد هذه أن توفّر ما يُطلق عليه غالباً "لوح الزجاج المفرد"، الذي يتيح للمدراء التنفيذيين للمعلومات إمكانية التحكّم برنامجياً بمسائل عديدة ومتنوعة كالحوكمة والأمن وسياسات الشركة. "لذلك، إن كنت تنوي حجز بعض إمكانات التخزين [لدى أحد المزوّدين] وبعض إمكانات الحوسبة [لدى مزوّد آخر]، فإنك تقوم برنامجياً بتطبيق سياسات شركتك على عناصر البنية التحتية تلك بشكل تلقائي وعبر البرمجيات. ومن دون ذلك يكون الأمر مجرد سحابة "هرج ومرج" مسعورة"، حسبما يرى "فيلانتي".
إن القدرة على إدارة هذه السحابة الهجينة هي واحدة من العروض الجديدة الصاعدة في السوق. وقد شرع "مزوّدو الخدمات المنظّمة" إلى تقديم هذا النموذج من العروض بوصفه طبقة إدارة لجميع أصول زبائنهم، سواء أكانت على السحابة أم في مباني الشركات أم مُستضافَة من قبل أولئك المزوّدين. ويتطلّب تخفيف آثار المخاطر توفّر الوضوح وإمكانية الدخول والتخطيط عبر المنصات كافة. وينبغي على "اتفاقيات مستوى الخدمة" التركيز على آلية سير العمل في جميع جوانبها، ويجب أن يشمل ذلك الأنظمة القائمة في مباني الشركة وتلك الموجودة على السحابة الواحدة أو على السحابات المتعددة.
تطوير التطبيقات واختبارها في بيئة سحابية
تحتاج شركات تكنولوجيا المعلومات إلى سرعة الحركة والمرونة في الاستجابة لمتطلبات تطوير التطبيقات الجديدة. وتشجّع عمليات التطوير الحديثة ما يسمّى "الاندماج المستمر" والذي يشكل مبدؤه الأساسي إصدار البرمجيات بشكل مستمر وبمساعدة آلية الإصدار التلقائي. ويحتاج إنجاز ذلك إلى سلسلة عمليات مترابطة: عملية إسناد الموارد لمطوّري البرمجيات والإنتاجية البرمجية، وعملية إسناد مهام الاختبارات وإجرائها على نطاق واسع، وعملية إصدار المعالجات التواردية (من البناء إلى الإصدار)، وعملية التوظيف التشغيلي، وعملية تصحيح الأخطاء البرمجية. ولعلّ المشكلة التاريخية هنا تكمن في أن هذه العمليات في وضعها الراهن غير مرتبطة مع بعضها البعض، الأمر الذي يؤدي إلى تكاليف أعلى ودورة إصدار أطول.
مزايا نهج "التطوير والاختبار" على السحابة:
• خدمة ذاتية لتطوير التطبيقات وحجز أو إلغاء حجز مخدّمات الاختبار.
• تُوفّر أوعية الموارد المشتركة قدراً أكبر من الإمكانات مما توفّره الأجهزة المخصصة التي ربما تكون الاستفادة منها غير كاملة.
• قد تكون قدرات المطوّرين على السحابة أوفر وأضمن (لغات جديدة وخدمات ميكروية).
• استخدام الحاويات ومخصّصات التخزين الافتراضية يزيد من المرونة في استثمار سعات التخزين.
من الواضح أن الخيار الأول بالنسبة للكثير من مدراء المعلومات في الدخول إلى السحابة هو نهج "التطوير والاختبار"، الذي يشكّل فرصة عظيمة لاكتساب الخبرة الحقيقية مع منصة السحابة وخدمات بُناها التحتية قبل نقل أنظمة الإنتاج إليها.
ويُجمع مدراء المعلومات وخبراء السحابة على أن نقطة البداية المثلى للانطلاق في الرحلة نحو السحابة هي الأنظمة سهلة التطبيق وذات السوية الأدنى من المخاطر المُحدقة بتطبيقاتها وبياناتها. فالكثيرون يكتسبون أولى خبراتهم السحابية في تطوير التطبيقات واختبارها (انظر الإطار أعلاه) قبل الانتقال إلى أنظمة الإنتاج.
الانتقال إلى السحابة
مع أن كل مؤسسة يجب أن تتّخذ قراراتها الخاصة حول ما ترغب في نقله إلى السحابة بناءً على حاجاتها الخاصة؛ فإن المقترحات التالية تشكّل إطاراً عاماً لعملية اتخاذ تلك القرارات.
بدايةً عليك أن تحدّد مواصفات أعمالك: وهذا الأمر ليس سهلاً بالنسبة للمؤسسات الكبيرة والمعقدة.
وحتى المؤسسات الصغيرة، قد تكون تعاني من تطبيقات ومخدّمات صعبة الاكتشاف في أنظمتها المخفية تحت مكاتبها، غير أن هذه الخطوة ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها.
بعد أن تكون قد تعرّفت على ما لديك من تطبيقات وبنىً تحتية، عليك فرز تطبيقاتك ضمن التصنيفات التالية:
1. أنظمة قديمة أو منتهية الصلاحية ذات قيمة محدودة يجب التخلص منها كلياً. غير أن ذلك بحاجة إلى قرار من المدير التنفيذي للشركة، بتوصية من المدير التنفيذي للمعلومات فيها من أجل سحب بعض التطبيقات القديمة من المستخدمين المعتادين عليها. ولقد بات أمام مدراء المعلومات اليوم أمثلة جيدة يُعتَدّ بها مثل شركة "جنرال إلكتريك" و"موتورولا سولوشنز" و"أسترازينيكا" و"تيليفونيكا"، وغيرها.
2. خدمات ضرورية لكنها عامة وغير تمييزية. فالخدمات العامة كالبريد الإلكتروني والبرامج المكتبية وبرامج أتمتة عمليات البيع وغيرها من التطبيقات الاعتيادية الأخرى في الشركات، يجب ترحيلها إلى خدمة SaaS. إذ من شأن ذلك تمكين الشركات من الحصول على أحدث البرامج والتطبيقات بسرعة وفعالية لحظة طرحها في السوق، كالميزات الجديدة الهادفة إلى زيادة إنتاجية الموظفين مثل المعالجة الاجتماعية وملحقات القوى العاملة المتنقلة وتعزيز أساليب التحليل، وإتاحة الفرصة أمام مدراء المعلومات لأن يركّزوا جلّ اهتمامهم وجهود فريقهم على المسائل التي من شأنها أن تُحدث فرقاً تنافسياً.
ومع أن الانتقال إلى خدمة SaaS يُعدّ أبسط من عملية إعادة كتابة التطبيقات، إلا أنه ليس ببساطة التوقف عن استخدام تطبيق ما والبدء باستخدام تطبيق آخر. إذ عليك أولاً أن تكون صريحاً مع مستخدمي النظام بأن الخدمة المختارة هي التي تحدد العملية. وهذا الأمر قد يتطلب بعض التفاوض مع المستخدمين. إذ يتعيّن عليك تعميم البيانات وتخطيطها وضمان التحكم بحقوق الدخول إليها. وأخيراً، يجب إعادة تدريب المستخدمين على التطبيقات الجديدة.
3. تطبيقات ضرورية خاصة وتمييزية. وهذه هي التطبيقات الأصعب نقلاً إلى السحابة. فالأنظمة الفريدة أو المطوَّرة داخل الشركات أو المعدَّلة إلى حد كبير لتلبّي حاجات الزبائن ليست من بين المرشحين الجيدين للانتقال إلى خدمة SaaS لكن قد تكون مناسبة للانتقال إلى إحدى خدمتي IaaS أو PaaS. ويتطلب اتّخاذ القرار في كيفية التعامل مع تلك الأنظمة والتطبيقات، فرزها تبعاً لاعتبارات عديدة مثل مدى تعقيد قاعدة الكودات، ومدى الترابط بين برمجيات المحفظة وقضايا الإمكانات المتاحة على الشبكة وما إذا كان الطلب ثابتاً أم متغيراً إضافة إلى متطلبات حفظ البيانات في الدول التي تعمل فيها الشركات إلى جانب بواعث الأمن والخصوصية الفردية والالتزام بالقواعد ومراعاة القوانين.
وهنالك أربعة احتمالات أو خيارات للتعامل مع تلك الأنظمة:
• خيار "ارفع وانقل"
يتمّ في هذا الخيار نقل التطبيقات القائمة إلى بنية السحابة من دون إعادة كتابتها. إنه خيار جيد بالنسبة للمؤسسات التي تُنفق أموالاً طائلة على بنيتها التحتية، وبالنسبة للتطبيقات التي ترتبط فيها البيانات ارتباطاً وثيقاً ببنيتها المنطقية. فشركة "موتورولا سولوشنز" التي كانت قد لجأت في الماضي بقوة إلى تعهيد إدارة بنيتها التحتية وتطبيقاتها للخارج، اعتمدت هذا الخيار ووظفت جزءاً كبيراً من محفظتها الاستثمارية في تعزيز قضايا الوثوقية والتوفّر والخفض السريع للتكاليف. ولعلّ أنظمة العمل الافتراضية، كبرامج "في إم وير" على سبيل المثال هي الأسهل نقلاً ضمن هذا الخيار ويمكن استضافتها من دون أي تغيير على المنصات التي تدعمها. لكن إن كانت تكاليف بنيتك التحتية مقبولة، فإنك قد لا تستفيد كثيراً من الانتقال وفق هذه الطريقة، إذ إن تطبيقاتك لن تكون حينئذ قادرة على الاستفادة من بعض أهم مزايا البنية التحتية السحابية، كقدرتها على توسيع حجم أعمالك بسرعة وسهولة. كما إن هذا الخيار ليس جيداً بالنسبة للتطبيقات التي تحتاج إلى موارد كبيرة، إذ إنها قد تكلّف أكثر إذا ما جرى تشغيلها على السحابة كما قد تعاني أيضاً من قضايا الأداء والقدرات الكامنة.
• خيار الحاويات
يوفّر هذا الخيار غلافاً يحيط بالبرنامج القائم للسماح له بالانتقال من بيئة برمجية إلى أخرى. ومن إحدى أكثر الحاويات شهرة واستخداماً منصّة "دوكر" مفتوحة المصدر. يوفّر خيار الحاويات هذا قدراً أكبر من ميزات السحابة من خيار "ارفع وانقل" من دون تحمّل أعباء إعادة كتابة التطبيقات مرة أخرى.
وهو خيار مفيد أيضاً بالنسبة للتطويرات الجديدة، إذ إنه يسمح لك بتطوير البرامج في بيئة برمجية محددة واختبارها في بيئة أخرى وتشغيلها في بيئة ثالثة، حسبما يقول "واينمان". ولكن كما هي الحال في معظم أجزاء الحيّز السحابي، لا تزال الحاويات في طور التطوّر والنمو. إنها أداة رائعة حظيت بإعجاب الكثيرين من مدراء المعلومات، لكنها قد لا تكون مناسبة لجميع التطبيقات. جرّبها لاختبار نقل بعض التطبيقات المعقدة لكن غير الحساسة، وتعلّم من تجاربك.
• خيار "إعادة كتابة التطبيقات"
(أو إعادة برمجتها أو صياغتها بلغة برمجية أخرى من دون تغيير أية وظيفة من وظائفها). حاول اعتماد هذا الخيار للاستفادة من جميع إمكانات السحابة حينما يكون من المهم إحراز استجابة أكبر لحاجات شركتك –كما هي الحال في مجالات العمل المتغيرة بسرعة، والتي من المتوقع ضمان استفادة أكبر منها حينما تكون دورات إصدار النماذج الجديدة أقصر، أو بالنسبة للتطبيقات الجوالة. من شأن إعادة كتابة البرمجيات أن تزيد من إنتاجية مطوّري البرمجيات على المدى الطويل وأن تسهّل وتسرّع إصدار النماذج الجديدة، نظراً لكون التطبيقات على السحابة مبنية من مركّبات وخدمات ميكروية جاهزة. بوسع خيار "إعادة كتابة التطبيقات" أن يوفّر أداءً واستجابة أفضل مقابل تكاليف أقل.
بالطبع قد يكون لدى الشركات الكبرى عدد كبير من تلك التطبيقات، ولا شك في أن إعادة كتابتها كلها سيكون مكلفاً من حيث المال والوقت، لذلك من المهم أن تعرف كيفية تلبية تلك التطبيقات لحاجات شركتك وما هي عوامل الخطر المرتبطة بإعادة كتابتها. وقد تكون البداية المناسبة من التطبيقات التي تتوقع من إعادة كتابتها أكبر قدر ممكن من الفائدة والمنفعة للشركة، والتي لا تعاني من عوامل خطر كبيرة ذات صلة بالبيانات.
ومن بين المرشّحين الجيدين أيضاً لهذا الخيار الأنظمة ذات التصاميم المتواضعة لأنها بشكلها القديم (إذا ما اتُّخذ خيار "ارفع وانقل") "تستهلك موارد السحابة بكفاءة منخفضة، وتؤدي إلى فاتورة سحابية مرتفعة، حتى إنها قد تتسبب في مشاكل مرتبطة بالأداء والاستقرارية"، حسبما يقول "ديفيد لينثيكم" كبير نواب رئيس مؤسسة "كلاود تكنولوجي بارتنرز"1.
• خيار "دعها وشأنها"
قد تكون بعض الأنظمة المعقّدة والتقليدية في الشركات بحالة جيدة كما هي، على الأقل راهناً. فإذا كان الطلب على خدمات النظام ثابتاً وكان النظام يعمل بشكل جيد، قد لا يكون هنالك أي سبب ملحّ للانتقال إلى السحابة. لكن من جهة أخرى، إذا لم يكن هنالك حقاً سوى عدد قليل من الناس يفهمون النظام ويستطيعون العمل فيه، فإن ذلك يشكّل عامل خطر حقيقي. ولذلك يعمل مدراء المعلومات على الموازنة بين إيجابيات وسلبيات الحفاظ على هذه الأنظمة، وإدارة تكاليف وتعقيد مراكز البيانات، والانتقال باستثمارات شركاتهم من نفقات رأس المال إلى نفقات التشغيل. وسيشكل هذا الأمر عملية مستمرة على مدى السنوات الخمس أو العشر القادمة.
دور مدير تكنولوجيا المعلومات في شركتك
بغض النظر عن النموذج الذي تتّبعه للانتقال إلى السحابة والعمل في بيئتها، فإن ذلك يتطلّب قيادة قوية في مجال تكنولوجيا المعلومات لديك ومهارات سحابية متميزة. فحتى المؤسسات التي تعتمد على مزوّدي الخدمات المنظّمة، ينبغي عليها تطوير قدرات داخلية في مجال إدارة الخدمات السحابية. وفي حين أن الأمور الأساسية تعدّ "متوفّرة" إلى حدّ ما، إلا أنه يتعيّن على مدير المعلومات قيادة الاستراتيجية السحابية الشاملة لشركته ووضع خططها. فهو الذي يحدد السياسات ويُبرم "اتفاقيات مستوى الخدمة" ويُديرها، كما يُشرف على تخطيط السعات المتاحة وقضايا الالتزام والأمن ومعالجة الأعطال. كما أن مزوّدي الخدمات المختلفين يقدمون خدمات مختلفة وذلك يتغيّر باستمرار مع نضوج السوق. ولهذا يتعيّن على مدراء المعلومات تنسيق عمليات تعديل أنماط الاستفادة من الخدمات التي تقدّمها السحابة والانتقال بين خدمات من النمط SaaS إلى أخرى من نفس النمط أو إلى خدمات تُقدَّم في الشركات نفسها.
تقوم السحابة بتغيير المهارات التي تحتاجها ضمن شركتك وهي تؤثر في كل وظيفة تقريباً، من المخطّطين، إلى مطوّري البرمجيات، ومديري العمليات طويلة الأمد، على الجميع أن يتعلموا كل ما هو جديد. فمهمة مدير النظام على سبيل المثال ستتغير، فعوضاً عن مهمته في تجهيز وتشغيل حزم البرمجيات الكبرى، تغدو مهمته كتابة البرمجيات وتطويرها وأتمتتها.
تحدث هذه التحوّلات في مختلف مؤسسات تكنولوجيا المعلومات، وإن الشركات التي تستثمر مواردها في السحابة من دون المهارات والمعرفة المناسبة ستضطر إلى دفع أثمان باهظة. فلقد تعرّض نظام إحدى شركات المنتجات المنزلية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات إلى هجوم كبير على السحابة، الأمر الذي دفعها إلى استعادة نظامها إلى داخل مبانيها حتى تتمكن أولاً من تطوير خبراتها الداخلية في مجال إدارة أمن السحابة ومن ثم الانتقال إلى السحابة بشكل صحيح ومن دون أية خسائر.
أمن المعلومات ضمن السحابة
هناك رأيين في قطبين مختلفين عندما يدور الحديث عن أمن المعلومات في السحابة، إذ يخشى الكثيرون من أن بياناتهم ستكون أقل أمناً في السحابة، في حين يرى آخرون أن إجراءات الأمن في شركاتهم لا يمكنها أن تضاهي إجراءات أمن السحابة التي توفّرها الشركات الكبرى المزوّدة. وبالطبع فإن الحقيقة ليست على هذه الدرجة من الإطلاق والحديّة. فمهما كانت إجراءات الأمن التي يوفّرها مزوّدك بالخدمات السحابية متطورة ووافية، فإنك ستبقى دائماً مسؤولاً عن الأمن الخاص بمؤسستك. وتتمثل الخطوة الأولى التي عليك اتّخاذها في القيام بما يلزم للتعّرف بشكل دقيق ومفصّل على ما توفّره الشركة المزوّدة للسحابة من إجراءات حماية (في حال كانت الخدمات السحابية من النموذج IaaS، غالباً ما يشمل الأمن المقدَّم من الشركة المزوّدة البنية التحتية المادية والشبكة الافتراضية) وما يبقى على فريقك أن يقوم به من إجراءات (مثل أمن نظام التشغيل والتطبيقات والبيانات وتجهيز الخدمات). والمهم هنا هو تقسيم الأعمال والمسؤوليات بشكل واضح لا لبس فيه. ومع التطوّر السريع للسوق فإن مدراء المعلومات الملتزمين بالانتقال إلى السحابة يعملون بشكل وثيق مع مزوّديهم لتطوير نماذج جديدة تلبّي احتياجاتهم. فمثلاً كان يُعتقد أن قطاع الخدمات المالية لا يمكن أن يستخدم السحابة في أي عمل حساس. غير أن شركة "كابيتال وان" للخدمات المالية عملت مع مزودها بالخدمات السحابية على تطوير نظام للأمن، واستطاعت الشركة بمساعدة مزوّدها من تطوير واستثمار تطبيقها الجديد للخدمات المصرفية الجوالة على السحابة.
وفي حال اخترت ألا تعتمد على مزودك بشكل كامل، يمكنك الاستعانة بـ "تحالف الأمن السحابي" على سبيل المثال، والذي يُدار من قبل أعضائه، ويقدم لك مجموعة كبيرة من المصادر والممارسات الفُضلى، بما في ذلك لائحة بالأسئلة التي يتعيّن عليك طرحها على مزوّدك بالخدمات السحابية.
ختاماً
ليست السحابة حلاً سحرياً لجميع المشاكل، بل على كل شركة أن تحدد بنفسها ما تريد نقله إلى السحابة وما يجب أن يبقى داخل حرم مبانيها، وذلك تبعاً لحاجاتها الخاصة ودرجة استعدادها للانتقال إلى السحابة. فحتى الشركات التي تستثمر بشكل هائل في السحابة، كشركة "جنرال إلكتريك"، تُبقي على جزء من بنيتها التحتية داخل حرمها، أقلّه على المدى المنظور.
وفي البداية يتعين على قادة الشركة ومدير تكنولوجيا المعلومات فيها أن يحددوا بدقة ما تهدف إليه شركتهم. هل الهدف النهائي تحقيق انتقال شامل إلى السحابة، كما هو الحال بالنسبة لشركة "جنرال إلكتريك"؟ أم يقتصر هدفك في أن تكون قادراً على الاستجابة بسرعة لظروف السوق المتغيرة أو على تخفيض التكاليف؟ فمن شأن ذلك التحديد أن يساعد في اختيار النهج والسرعة المناسبيَن ويضمن أنك كمدير للمعلومات لست وحيداً في رحلتك.
أما الخطوة التالية فتتمثّل في وضع خطة طريق بناءً على الإطار السابق. فلتبدأ بالأعمال التي يسهل نقلها إلى السحابة من دون مخاطر كبيرة، وستتعلم أكثر عن الموضوع بينما تخطو هذه الخطوات الأولى.
وأخيراً تحرّك بسرعة لكن من دون تسرّع. صحيح أن السحابة شرط ضروري للمنافسة بفعالية في الاقتصاد الرقمي، لكن الكثير من جوانبها لا يزال جديداً. فاضمن أن تتعرّف جيداً على تلك الجوانب الجديدة والمختلفة، وأن ينخرط جميع قادة الشركة في عملية اتخاذ القرارات، وأن يمتلك فريقك المعرفة والمهارات اللازمة للعمل بفعالية، وأن يتلقّى المستخدمون النهائيون الدعم اللازم للتأقلم مع التحولات الجديدة. المهم ألا تجلس من دون حراك بينما تراقب كيف يعمل منافسوك على زيادة سرعة حركتهم من خلال الانتقال إلى السحابة.