منذ ظهور مفهوم "الذكاء العاطفي" لأول مرة في الأوساط الأكاديمية قبل 25 عاماً، أبرزت آلاف الدراسات العلمية المستقلة أهمية التعامل مع عواطفك وعواطف الآخرين نظراً لارتباط العواطف بالنجاح المهني، والأداء الوظيفي، وريادة الأعمال، والقيادة.
لكن الأبحاث تشير إلى أن الناس الذين يتمتعون بذكاء عاطفي منخفض، قد لا يدركون ما هي المهارات المهمة التي يفتقرون إليها. ففي واقع الأمر، أظهرت الدراسات بأننا جميعاً أفضل في تقييم الذكاء العاطفي للآخرين مقارنة بتقييمنا لذكائنا العاطفي الذاتي، وأكثر ما يصحّ هذا الأمر عندما يكون ذكاؤنا العاطفي منخفضاً، لأن هذا النوع من الذكاء يشمل القدرة على معرفة الذات.
رغم أن التعامل عموماً مع الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي الأدنى يعطي نتائج أقل – فهم أكثر تذمراً، وأكثر سلبية، وأكثر غرابة من الناس العاديين – إلا أنك ستضطر في ظروف كثيرة إلى التعامل مع أفراد ذوي ذكاء عاطفي منخفض. ونظراً للصعوبة والتحديات التي قد ينطوي عليها هذا الموضوع، فقد يكون من المفيد تذكر التوصيات التالية المستندة إلى أبحاث مدعّمة بالبراهين العلمية بغية التعامل مع هذه الأوضاع بفعالية:
كن لطيفاً. إذا كنت تتعامل مع شخص غير لطيف، فهذا لا يعني بأنك يجب أن تعامله بالمثل أو تنبذه. أنت في الحقيقة يمكن أن تكون عاملاً يساعد على إحلال الاستقرار والهدوء في حياة الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي الضعيف إذا بذلت جهداً للتصرف بلطف ولباقة في تعاملاتك معهم. وتذكّر بأن انخفاض الذكاء العاطفي هو أمر مكلف نفسياً لأي إنسان، ليس فقط للآخرين بل كذلك للشخص ذاته الذي يمتلك ذكاء عاطفياً منخفضاً. فهؤلاء الناس غالباً ما يضطرون إلى مواجهة مخاوفهم الداخلية، ناهيك عن القلق الوجودي الذي يعتريهم، وعادة ما يجري تجميل هذه المعاناة في الأدبيات الأكاديمية من خلال تسميتها "المعاناة العاطفية". لذلك لا تحاول الضغط على هؤلاء الناس ليبذلوا جهداً أكبر. عوضاً عن ذلك حاول أن تُدخل السعادة إلى نفوسهم وأن تجعل حياتهم تبدو أكثر بساطة وسعادة أماناً، أو على الأقل اجعلهم أقل قلقاً. فعلى العكس من ذلك، إذا أبديت في تصرفاتك معهم ردود أفعال سلبية، فإنهم سينظرون إليك بوصفك تشكّل عنصر تهديد نفسي لهم ومصدراً للتوتر في حياتهم. كما أن اللطف والإيجابية هي صفات يحبها جميع الناس، لكن الأشخاص غير الأذكياء عاطفياً يقدّرون هذه الخصال أكثر من غيرهم. نعم بعض الأشخاص يفتقرون إلى المهارات الناعمة، لكن القسوة معهم ليست هي الحل. بل على العكس من ذلك، هناك حاجة إلى التصرف برقة وحساسية وتحديداً مع الأشخاص الأقل امتلاكاً لهذه الصفات.
كن صريحاً. بالتحديد، حاول تحاشي الغموض في السلوكيات الاجتماعية معهم. فالأشخاص ذوو الذكاء العاطفي المنخفض أقل قدرة عموماً على القراءة بين السطور، كما أن قدرتهم على تفسير نوايا الآخرين محدودة عادة. وكما قال سيمون بارون كوهين: "هم مشابهون للمهندس أو الشخص النمطي: فهم لا يهتمون بلغة الجسد (أي بالتواصل غير اللفطي)، ولا يظهرون التعاطف مع الآخرين، وهم منفصلون نوعاً ما عن الواقع، عندما يتعلق الأمر بالتواصل الشخصي مع الآخرين، وهم يشعرون بسعادة أكبر عندما يختلون بأنفسهم أو عندما يتفاعلون مع أفكارهم الذاتية أكثر من تفاعلهم مع الناس". وتثبت النظرية التي وضعها بارون كوهين بأن المهارات المعرفية تزداد غالباً على حساب المهارات الاجتماعية.
كن عقلانياً. رغم أن الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي المنخفض يتصرفون بطرق غير عقلانية، فإننا جميعاً نتصرف بهذه الطريقة أحياناً. وعلاوة على ذلك، فإن الترياق الوحيد للعاطفة هو العقلانية، التي تبدأ بإدراكك لانحيازاتك الشخصية، واعتمادك على البيانات، وقبول إمكانية أن تكون مخطئاً. وعندما تتعامل مع أشخاص ذوي ذكاء عاطفي منخفض، تذكر بأنهم أكثر عرضة للسقوط فريسة لعواطفهم الشخصية مقارنة مع الناس الآخرين، لذلك عوضاً عن محاولة الالتفاف عليهم بالتعامل معهم عاطفياً، يمكنك اكتساب ثقتهم أكثر عندما تمثّل صوت العقل لهم وعندما تشتهر في نظرهم بوصفك شخصاً منطقياً. فهذا الأمر لن يساعدك في إقناعهم على المدى القصير فحسب، وإنما سيساعدك في التأثير فيهم على المدى البعيد أيضاً. والنقطة الأساسية هي أنه حتى لو كان الإقناع العاطفي ينفع معهم، فهناك العديد من الأسباب تدعو إلى عدم سلوك هذا الطريق عند التعامل معهم.
لا تشعر بالإهانة منهم. واحدة من أكثر الصفات شيوعاً لدى الأشخاص غير الأذكياء عاطفياً هي صراحتهم الفجّة. فهم يتمتعون بحساسية منخفضة تجاه علاقتهم مع الآخرين، ويجدون صعوبة في الشعور بشعور هؤلاء الآخرين، وهذا هو السبب الذي يجعلهم يبدون أشخاصاً مفرطين في صراحتهم، بل ويقولون الأشياء غير المناسبة اجتماعياً أحياناً. ولكن إذا ما نظرنا إلى إيجابيات الأمر، فإن هذه الصفات تعني بأنهم أشخاص يتمتعون بالشفافية. فأنت بوسعك أن ترى داخيلتهم وما يدور في أذهانهم بكل وضوح وهم عادة يعنون ما يقولون، ويقولون ما يعنون. وبالتالي، فإن المفتاح الأساسي هو عدم أخذ الأشياء على أنها استهداف شخصي لك. ربما قد لا يجيدون التعامل مع عالم اللباقة التقليدية، لكنك ستتمكن بالتأكيد من إيجاد طريقة للتعامل معهم ومساعدتهم على التعامل معك.
أخيراً، تذكّر دائماً الحقيقة التالية: الذكاء العاطفي المرتفع ليس دائماً نعمة – فعلى سبيل المثال، هو لا يبيّن القدرات المنطقية لدى الشخص أو خبرته أو طموحاته – فلن تكون نهاية العالم إذا كنت أنت شخصاً يمتلك ذكاءً عاطفياً منخفضاً. قد يبدو هذا الطرح غريباً، لأن الذكاء العاطفي قد أصبح مفهوماً مفعماً بالمعاني الكثيرة هذه الأيام – حتى بات أكثر أهمية من الذكاء التقليدي. غير أن هناك جانباً مشرقاً للذكاء العاطفي المنخفض، وجانباً مظلماً للذكاء العاطفي المرتفع. فالأفراد الذين لديهم ذكاء عاطفي منخفض هم غالباً أشخاص أكثر شغفاً وإبداعاً ونقداً لذاتهم من نظرائهم ذوي الذكاء العاطفي المرتفع. كما أن الأفراد ذوي الذكاء العاطفي المرتفع يمكن أن يُصابوا بالتراخي والاعتداد بالنفس والمبالغة في التفاؤل مقارنة مع نظرائهم من ذوي الذكاء العاطفي المنخفض.
رغم أن التداخلات والإجراءات الهادفة إلى تعزيز الذكاء العاطفي غالباً ما تكون ناجحة، إلا أن الناس لا يمتلكون سيطرة كبيرة على شخصياتهم، وكل نوع من أنواع الشخصية سيظهر نقاط قوة أكبر في بعض الأوضاع مقارنة مع الأوضاع الأخرى. كما أن الحماسة الحالية بخصوص الذكاء العاطفي يمكن أن تحجب حقيقة أن هناك الكثير من الأشخاص العباقرة والناجحين – من فريدرك نيتشه إلى ستيف جوبز – كانوا من ذوي الذكاء العاطفي المنخفض، وأن هؤلاء الناس قادرون على إقامة علاقات حميمة حتى مع زملاء العمل.