غرس الأمان النفسي في مكان العمل

15 دقيقة
الأمان النفسي في مكان العمل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مقابلة حول غرس الأمان النفسي في مكان العمل

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة في أحد برامجها الصوتية (بودكاست) مع إيمي إدموندسن. وهي أستاذة في كلية هارفارد للأعمال.

وننقل لكم مقتطفات من المقابلة:

كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج “آيديا كاست” المقدّم من هارفارد بزنس ريفيو، معكم كيرت نيكيش.

عرّفت إدموندسون مفهوم “الأمان النفسي في فرق العمل” للمرة الأولى في العام 1999، وبدأت تلاحظ منذ ذلك الحين كيف يتحسّن أداء الشركات التي تمتلك أماكن عمل آمنة. لا يتمثل الأمان النفسي في أن يكون المرء لطيفاً، كما تقول، بل في تقديم ردود الفعل الصريحة، والاعتراف بالأخطاء علناً، والتعلّم من الآخرين. كما ترى أنّ أهمية هذا النوع من الثقافة المؤسساتية تزداد في الاقتصاد الحديث. وإدموندسون هي مؤلّفة الكتاب الجديد بعنوان مؤسسة لا تعرف الخوف: غرس الأمان النفسي في مكان العمل من أجل التعلّم والابتكار والنموّ” (The Fearless Organization: Creating Psychological Safety in the Workplace for Learning, Innovation, and Growth).

في أواخر التسعينات تقريباً، كانت الأخطاء الطبية في المستشفيات تُعتبر مشكلة كبرى، وحدث أن مرّت الباحثة إيمي إدموندسن بلحظة ذعر. كانت تدرس فرق عمل مختلفة في المستشفى نفسها بغية معرفة ما إذا كانت الفرق الأفضل تقترف أخطاء أقل.

ولكن ما وجدته كان عكس ما توقعت، فقد تبيّن أنّ أكثر الفرق تماسكاً في المستشفى هي التي ترتكب معظم الأخطاء وليس أقلها. فاجأها الأمر إلى أن أدركت ما يلي: ربما لم تكن الفرق الأفضل ترتكب أخطاء أكثر، بل ربما كانت أكثر قدرة على الحديث عن أخطاء أعضائها وأكثر استعداداً لذلك.

وبالتالي، كان هذا عنوان الورقة البحثية التي أجرتها إدموندسون: “الأمان النفسي وسلوك التعلم في فرق العمل”. ومنذ ذلك الحين تراكم البحث ليظهر فيما بعد أنّ الأمان النفسي يمكنها أن يحسّن أداء الفرق وأداء المؤسسات بأكملها.

مرّت عشر سنوات على آخر مشاركة لإيمي إدموندسن في برنامج “آيديا كاست” من هارفارد بزنس ريفيو، وها هي اليوم معنا. إيمي، شكراً جزيلاً لك على المشاركة في هذه المقابلة.

إيمي إدموندسن: شكراً لك على استضافتي.

كيرت نيكيش: من الرائع وجودك معنا، لأنّ الأمان النفسي ورد كثيراً معنا في برنامج “آيديا كاست”. ومن الممتع أن نتحدّث عن الأمر الآن، خصوصاً بعد فترة على ما تعلّمته في العقدين الأخيرين. والآن تقولين إنّ مصطلح الأمان النفسي ليس المصطلح الأفضل، لماذا؟

إيمي إدموندسن: يوحي المصطلح للناس شعوراً بالراحة: “كلّ شيء سيكون على ما يرام”، سنكون جميعاً لطفاء مع بعضنا البعض، ولكنّ الأمر ليس كذلك. يتعلّق الأمر بالصراحة، والوضوح، والمخاطرة، والاستعداد للقول “لقد أفسدت هذا الأمر”، وكذلك بالاستعداد لطلب المساعدة عندما تكون مضغوطاً.

كيرت نيكيش: لماذا يُحتمل أن يقول المزيد من الناس إنّهم لا يشعرون بالأمان النفسي في العمل مع الآخرين؟ أقصد، ما زال يبدو أنّ هذه ليست القاعدة.

إيمي إدموندسن: ليست هذه القاعدة على الإطلاق، بل أعتقد أنّ هذا الأمر غير اعتيادي، وهذا ما يُحتمل أن يجعله ميزة تنافسية. السبب الذي يجعل الأمان النفسي نادراً يرتبط بالطبيعة البشرية وفطرة الإنسان. على سبيل المثال، أنت تريد بالفطرة أن تبدو جيداً أمام الآخرين، وأن تلقي اللوم على غيرك، وأن تتّفق مع صاحب عملك. والتسلسل الهرمي هو المكان الذي تُضخم فيه هذه الخصال الفطرية.

نرغب فعلاً في أن نبدو جيدين في التسلسل الهرمي، ونريد ذلك، وتكمن الطريقة العفوية لمحاولة تحقيق هذا الهدف في أن تكون هادئاً ما لم تكن متأكّداً من أنّ ما ستقوله سيلقى آذاناً صاغية، خصوصاً من قبل المسؤولين الكبار.

كيرت نيكيش: وهذه عبارات نعرفها في الحياة أيضاً، مثل “السلامة خير من الندامة”، و”لا تقل ما يثير المشاكل“.

إيمي إدموندسن: صحيح، لا تقل ما يثير المشاكل، فلا أحد يُطرد من أجل بقائه ساكتاً. وكما تعلم، نحن نميل إلى اللعب وليس إلى الخسارة، أليس كذلك؟ نريد أن نبقى بأمان، وأن نبدو جيدين، وأن نحسّن أداءنا، ولا نريد أن نتعلّم إن كان ذلك ينطوي على الفشل.

كيرت نيكيش: أريد أن أتعلّم عندما يفشل الشخص الآخر.

إيمي إدموندسن: أصبت، نحن نحب التعلم بالوكالة. هل أرغب بأن أتعلّم بنفسي مباشرة أنّ هذا الأمر لم ينجح بينما يشاهد الجميع فشلي؟ بالطبع لا.

كيرت نيكيش: دعينا نتحدّث عن الكارثة، حيث لا يوجد أمان نفسي ما أدّى إلى مصيبة مالية، أو…

إيمي إدموندسن: لقد أدّى ذلك إلى فشل تجاري هائل، ومن الأمثلة الأخيرة على ذلك ما حصل مع شركة “ويلز فارغو” (Wells Fargo) التي اعتُبرت في عام 2015 من أكثر الشركات إثارة للإعجاب في العالم، حيث كانت نجماً ساطعاً في سماء الخدمات المصرفية.

كيرت نيكيش: لمن لا يعرف، هذه الشركة فهي بنك أميركي ذو تاريخ عريق.

إيمي إدموندسن: صحيح، وهي نوع من البنوك الموجّه للعملاء والأسر، وكانت استراتيجيتها – التي أعتقد أنها استراتيجية جيدة – تقوم على حثّ “البيع المتقاطع” (cross-selling). بالطبع، عندما تبني علاقة مع العميل يصبح من السهل الاستفادة من هذه العلاقة لبيع هذا العميل المزيد من المنتجات بدلاً من تكبّد المزيد من التكاليف على تأسيس علاقات جديدة. ولذلك كان من المنطقي أن تركّز الشركة على عملية “البيع المتقاطع”.

كيرت نيكيش: تعنين بهذا أنه إذا كان لدى أحد الأشخاص حساب ادخار أو حساب جار يمكنه الحصول على قرض سيارة أو ربما على قرض لشراء منزل أو غيره.

إيمي إدموندسن: قرض للمنزل وبطاقة ائتمان. كانت شركة “ويلز فارغو” في الواقع تتغنى بشعار “Going for GR8″، حيث قامت فكرته على أنّه يجب عليّ أن أبيعك 8 منتجات مالية مختلفة. إنّها فكرة جميلة، ولكنها سرعان ما تعارضت مع محدودية محافظ العملاء. إلا أنه بدلاً من أن يعمد المسؤولون التنفيذيون إلى الحصول على ردود الفعل من الموظفين المعنيين فعلاً، بقيت رسالة الشركة وكأنّها أمر منزل من أعلى الهرم إلى أسفله على طريقة “عليكم فعل هذا”. شعر الموظفون بأنّهم سيُطردون في حال لم يحققوا الأهداف التي وُضعت لهم، وكان المدراء قاسين جداً وحاضرين بقوة.

كيرت نيكيش: أهداف ممتدة!

إيمي إدموندسن: أهداف ممتدة؛ أحبّ هذا المصطلح، فأنا معجبة كثيراً بالأهداف الممتدة. ولكن إذا أردت أن يكون لديك أهداف ممتدة من الأفضل أن يكون لديك آذان صاغية. ولذلك أعتقد أنّ سبب فشل “ويلز فارغو” كان الأهداف الممتدة والآذان الصماء.

ما حصل في النهاية أنّ فريق المبيعات بدأ يتجاوز الحدود الأخلاقية، فقد بدأ أعضاء الفريق بتكوين عملاء مزيفين، والكذب على العملاء بالقول إنّك إذا أردت شراء هذا المنتَج سيكون عليك شراء ذاك المنتج الآخر أيضاً. أعني أنهم ارتكبوا عدداً من الأمور الصغيرة والتي كانت غير مناسبة وخاطئة. وفي النهاية، كما هو الحال دائماً، يظهر الضوء في آخر النفق، إذ تبيّن أنّ النجاح المبهر الذي حققته شركة “ويلز فارغو” كان نحاجاً واهماً.

كيرت نيكيش: لماذا ترين الأمر على أنّه غياب للأمان النفسي النفسية أكثر من كونه مشكلة حوافز أو مشكلة أخلاقية؟

إيمي إدموندسن: أعني أنّ القصة هنا قصة حافز، ولكن يمكنني أن أعطيك حافزاً صغيراً في وظيفتك بينما تزودني بردود الفعل. يمكنك أن تخبرني بأنّ هذا لا ينجح فعلاً. في الواقع، إذا فكّرت في ذلك سترى أنّه يتمثّل في التشجيع على بعض السلوكيات التي لا ترغب في التشجيع عليها.

وبعد ذلك كنت لأقول: “هذا مثير للاهتمام فعلاً، أنت محق، دعنا نتحدث عن أفضل حافز يمكنه أن يحسّن أداءنا”. ولكن لم يكن هذا ما حصل. لذلك، أرى أنّ القصة هنا هي قصة أمان نفسي، لأنّ الناس حسبما أعلم لم يشعروا بالأمان للقول أنّ هذا لا ينجح وأنّ تنفيذه غير ممكن. إنّها استراتيجية جميلة، ولكنّ تنفيذ الاستراتيجية يكمن في استكشاف بعض الأشياء الجديدة والمهمة حول واقع السوق.

وفي مؤسسة ذات إدارة جيدة، سيكون المدراء – مدراء الإدارة الوسطى وكبار المدراء والمسؤولون التنفيذيون – مهتمين جداً بهذه البيانات، ولن يقولوا تلقائياً إنّ “هؤلاء الموظفين لا يبذلون ما في وسعهم، فهلموا نضغط عليهم أكثر”.

كيرت نيكيش: هلا أخبرتنا عن مثال لشركة أتقنت تنفيذ الأمان النفسي في مكان العمل واكتسبت هذه الميزة التنافسية التي أشرت إليها في البداية؟

إيمي إدموندسن: القطاع الوحيد الذي يصعب تحقيق النجاح فيه، ولاسيما النجاح المستمر، هو صناعة الأفلام. غالباً ما يحقق معظم منتجي الأفلام ومعظم دور السينما نجاحات هائلة عرضية ومن ثم القليل من بعض النجاحات الأخرى.

شركة “بيكسار“، هي شركة حقّقت 17 نجاحاً كبيراً على التوالي في شباك التذاكر، وهو نجاح غير مسبوق.

كيرت نيكيش: نجاح ضخم بالفعل!

إيمي إدموندسن: هو كذلك، ويتجاوز بأشواط النجاح المرتبط بالنوعية الجيدة وحسب. كما أنّ إد كاتمول، الشريك المؤسّس لشركة “بيكسار” وقائدها لفترة طويلة، ترك متعمداً منصبه ليفسح المجال أمام إنشاء بيئة آمنة نفسياً والحفاظ عليها، حيث تكون الصراحة متوقعة وممكنة.

تفعل الشركة ذلك بطريقتين أساسيتين: الأولى سلوكية، والثانية بنيوية. تتمثّل الطريقة السلوكية في أشياء سيقولها كاتمول كثيراً مثل “هذا هو الخطأ الذي ارتكبته”. فالقادة عليهم أن يكونوا أوّل من يفعل ما يقولونه، ويجب أن يُظهروا أنهم يعرفون أنّهم بشر معرضون للخطأ. فالقائد هو من يظهر بمظهر المتواضع وصاحب الفضول، والذي يهتمّ لما يقوله الآخرون والذي يخطئ.

والطريقة الثانية البنيوية تقوم على إعداد اجتماعات وجلسات مصممة بطريقة مدروسة لتسهيل تقديم ردود الفعل الصريحة وانتقاد الفيلم حقّ انتقاد. وكان كاتمول ليقول أشياء مثل: “منذ البداية، أفلامنا كلّها سيئة، إنّها فظيعة”. لا يقول هذا لأنّه خبر جيد بالضرورة، بل لأنه يريد من الجميع أن يعرفوا أنّ هذا جزء من المسيرة المهنية. لا توجد طريقة للوصول إلى مرحلة رائعة إلّا إذا مررنا في مراحل سيئة وغير ملائمة ومملة ومضجرة، بينما نعاود العمل على منتجاتنا ونواصل العمل على تحسينها.

هذا الفيلم الذي أعمل عليه هو بمثابة طفلي وأنا لا أريدك أن تنتقد طفلي، ولكن يجب أن أدرك جيداً أنّني أريدك أن تفعل ذلك لأنني أفضل أن أتلقى انتقاداتك الآن وليس في شباك التذاكر لاحقاً.

كيرت نيكيش: إذاً، دعينا نتحدث عن كيفية تحقيق هذا الأمر. ما الذي يمكن أن تقوليه للناس؟ إذا أرادوا إنشاء مؤسسة لا تعرف الخوف ما الذي يتوجب عليهم فعله؟

إيمي إدموندسن: كنت لأقول إنّ ثمة ثلاث خطوات مؤقتة، ثلاثة أنواع من الأنشطة التي ينبغي لك أن تفعلها كقائد. ولكن أود أن أوضح هنا أنّ الأمر لا يقتصر على فعل ذلك لمرة واحدة وحسب، بل هو يتكون من ثلاثة أنشطة عليك أن تكررها باستمرار، وهي: تهيئة الظروف والدعوة إلى التفاعل والمشاركة والاستجابة على نحو مثمر.

تهيئة الظروف تعني إشراك الموظفين فعلاً في الحديث عن طبيعة العمل الذي نفعله وطبيعة المشروع الذي نعمل عليه. ويتمثّل المتغير الأهم في العمل الذي نفعله في مقدار عدم اليقين الذي نواجهه، ما هو مستوى التعقيد وما هو مستوى الاعتماد المتبادل؟ كلّما كان العمل غير مضمون أو معقدّاً أكثر، كان صوتك ضرورياً لنجاحنا.

كيرت نيكيش: يتعلّق هذا بالثقة، أليس كذلك؟ إذا كان الموظفون يشعرون أنّه من السهل التحدث بصوت عال عندما يعرفون أنّ ما يقولونه سيجد آذاناً صاغية خصوصاً بين المسؤولين الكبار. ويصبح الأمر أصعب عندما لا يكونون متأكدين من شيء ما وإذا كانوا في مكان معقد – مثلما تتحدّثين الآن بالضبط – فهذا يعني أنّ مستويات الثقة عبر الفرق وعبر المؤسسة وعبر المشروع، وعبر أي شيء آخر، هي مستويات أقل، ويعني أيضاً أنّه عليك أن تزيدي مستوى الأمان النفسي لكي يشعر الموظفون أنهم يستطيعون التحدّث معك عندما لا يكونون متأكدين من شيء ما.

إيمي إدموندسن: إذا كنت تفكّر في أنّ كل شخص منّا يضع دائماً حدوداً لنفسه بشأن ما سيتحدث عنه وما الذي سيقوله هنا أو هناك.

كيرت نيكيش: إنّه مقياس.

إيمي إدموندسن: هو مقياس، ويبدو الأمر مثل “ربما سأتحدّث عن الأمر إذا كنت واثقة بنسبة 50% من صحّته”، أو بنسبة 40% لشخص آخر.

كيرت نيكيش: سأفعل ذلك مرة في الأسبوع.

إيمي إدموندسن: ما أعتقد أنّه يتعيّن على القادة فعله هو الاستمرار في محاولة دفع هذه الحدود إلى وراء ما هو طبيعي وفطري. ومن خلال التذكير بالأمور الملحة والتذكير بعدم اليقين أو التعقيد، أقول إنّ “صوتك مهم حقاً فهو قد يحدث فرقاً”. وبهذا أكون أعمل على تكوين مبرر منطقي للصوت.

كيرت نيكيش: هل من مثال على ذلك؟ مثال حقيقي لشيء سمعت أحداً يقوله في شركة ما؟

إيمي إدموندسن: تقول جولي موراث، مديرة العمليات في مستشفى عيادات الأطفال في مينيابوليس، إنّ تقديم الرعاية الصحية بطبيعته نظام معقد معرّض للخطأ. ماذا يعني ذلك؟ يلمح ذلك إلى أنّ الخطأ مرجّح الحدوث أكثر من الصواب، ولذلك فإنّ التحدث عما يدور ينقذ الأرواح.

لأنّني أعتقد أنّ موقفنا المفترض يتمثل في أنّ العمل يشبه المصنع، أي يُفترض بنا أن نعرف ما يجب القيام به وأن نفعله، ويُفترض بنا أن نحقّق أهدافنا. وبالتأكيد نريد موظفين يبذلون قصارى جهدهم لتحقيق أداء أفضل. ولكن عندما نفترض، مبدئياً، أنّنا نعرف ما هي المقاييس الصحيحة، أعتقد أنّنا نغفل شيئاً ما.

كيرت نيكيش: هل يواجه المدراء خطر الظهور بصورة لينة عند قيامهم بذلك؟

إيمي إدموندسن: أعتقد أنّ عدداً كبيراً من المدراء يخشون هذه المجازفة التي قد تُظهرهم كأشخاص ليّنين.

كيرت نيكيش: من الأسهل إذاً توفير المقاييس…

إيمي إدموندسن: هذا صحيح، من الأسهل توفير المقاييس التي تجعلني أبدو صارمة، ولكن هذا بعيد عن الواقع قليلاً. كلّما كنّا نمرّ بمرحلة حرجة – والكثير من المؤسّسات تمرّ بمرحلة حرجة على الأقلّ في جزء من أنشطتها ولاسيما الابتكار، ازداد تمثّلنا بإد كاتمول إذ نقول أموراً مثل: “نريد أن نسمع منك، ما هي الأفكار التي لديك؟ نريد تجربتها؛ دعنا نجرّبتها بسرعة”.

أو نتمثّل بأسترو تيلر من شركة “جوجل إكس“، شيء يشبه “مونشوت” (Moonshot). ربّما لن ينجح الأمر ولكنّنا سنمنحه كل ما لدينا. سنتعلّم بسرعة عن طريق القيام بذلك، ولذا فإنّ القادة الذين يحسنون فعل ذلك ليسوا ليّنين. إنّهم مندفعون ومتحمّسون ومقنعون ولكنّهم ليسوا ليّنين، ويمتلكون شعوراً بالتعاطف.

كيرت نيكيش: ولديهم فضول أيضاً – يحاولون فهم ما يمنعنا من الوصول إلى هناك؟

إيمي إدموندسن: أجل، ويصبحون إنسانيين أكثر، كأن يعرفوا أنّ ما يطلبونه قد لا يكون سهلاً بالضرورة، ولكنّهم لن يستسلموا لأنّ ثمّة الكثير من الأمور المهمة.

كيرت نيكيش: ولهذا يستغرقون وقتاً في تهيئة الظروف؟

إيمي إدموندسن: نعم.

كيرت نيكيش: ما الذي يحدث تالياً؟ أو ما هي الخطوة التالية؟

إيمي إدموندسن: ما يحدث بعد ذلك هو أن تدرك أنّه ينبغي لك أن تكون سباقاً كقائد، وأنه يجب عليك أن تشجّع الآخرين على المشاركة. يبدو ذلك نوعاً من المبالغة، ولكن ما أقصده حقاً هو طرح الأسئلة.

اطرح الأسئلة مباشرة، مثل ما الذي تراه؟ أريد أن أسمع منك؛ ما هي أفكارك بهذا الشأن؟ كيف يمكنني مساعدتك؟ عندما أطرح سؤالاً فليكن حقيقياً وواقعياً، فعندما أستمع إلى الإجابة جيداً أكون أؤسّس للأمان النفسي – بل وأكثر من ذلك. أقول إنّني مهتمة حقاً، وإنّ ما تقوله قد يكون مشابهاً للوعيد إلى حد ما وأنت متردد في قوله، ولكنني أفسح لك المجال للقيام بذلك.

كيرت نيكيش: هذا رائع، ما السؤال الذي يمكن أن تطرحيه على أحدهم إذا كان يعتقد فعلاً أنّك تهتمين له. يمكنك أن تسألي أيّ شيء.

إيمي إدموندسن: يمكنك فعل ذلك، إذا كان الموظّفون يعتقدون أنّك تهتمّ فسيُدلون بآرائهم ويأملون في التوصل إلى شيء ما، مثل تعلّم شيء ما أو الشعور بتحسن أكبر حيال موقف ما. كما فعلت جولي موراث في مستشفى الأطفال عندما شجعت الموظفين على الإدلاء بملاحظاتهم وأفكارهم.

كيرت نيكيش: في كتبك ثمّة مقولة رائعة مقتبسة عن جولي موراث، وقد تكون الكلمات التي استخدمتها لحثّ الناس على الاعتراف بأمور ما أفضل. قالت ما مفاده: ما الذي رأيته هذا الأسبوع وتعتبرأنّه قد يكون آمناً أكثر للمرضى؟

إيمي إدموندسن: كان هذا لأنّهم كانوا يقاومون، عندما قالت “لنجعل هذا المكان آمناً حقاً، آمناً بقدر الإمكان”. عادة ما يفكّر الناس بطريقة تشبه القول “أعتقد أنّ كل شيء على ما يرام، فأنا لا أسمع عن أيّ خطأ يحدث”.

كيرت نيكيش: لم يرفع علينا أحد دعوى في الآونة الأخيرة.

إيمي إدموندسن: لذلك لم تحاول موراث مواجهة هذه المقاومة، بل طرحت عليهم سؤالاً وطلبت من المجموعات والجمهور وعموم الموظفين ما يلي: “فكّروا في تجاربكم مع مرضاكم في الأسبوع الماضي، هل كان كلّ شيء آمناً كما تريدونه أن يكون؟”. وكان السؤال المهم الذي لم تقله بالمناسبة: “هل رأيتم الكثير من الأخطار؟”.

كيرت نيكيش: هل ارتكب أحد ما أي خطأ؟

إيمي إدموندسن: بالنسبة لهذا السؤال، قالت: “هل كان كلّ شيء آمناً كما تريدونه أن يكون؟”. دفعهم ذلك إلى التفكير في الأمر، وقالت: “لقد أصبح مكتبي ككرسي اعتراف إذ توافد الموظفون ليقولوا: لا، لم يكن آمناً كما نريده أن يكون”.

ومثل أيّ شيء يحدث فجأة، أدركوا أنّ موراث كانت مصغية وأنّها ساعدتهم على النظر إلى تجاربهم بطريقة مختلفة. ساعدتهم على رؤية تجاربهم بعكس ما يطمحون، أي على أنّها آمنة كما يُفترض أن تكون، وليس بعكس ما هو سائد، أي أنّ كل شيء يبدو على ما يرام بالنسبة لي. أعني الحالة التي كانت سائدة سابقاً، وهذا ما لا بأس فيه.

كيرت نيكيش: ماذا تفعلين إذاً عندما يأتي أحدهم ويقول: “لقد رأيت هذا وقد لا يكون آمناً كما يجب أن يكون”؟

إيمي إدموندسن: دعني أطرح سؤالاً أصعب، مثل أن يأتي أحدهم إليك ويقول: “إنّ مشروعي تأخّر كثيراً وأصبح بعيداً عن المسار الصحيح”. هذا لا يعني أي خطاً، ولكن هذا الشخص قد أطلعني على أخبار سيئة.

تدفعك فطرتك إلى الشعور بالغضب والتعبير عن خيبة أمل كبيرة، ولا بأس في ذلك. في الواقع، يجب أن تصاب بخيبة أمل، ولكن ليس من الجيد أن تشعر بالغضب، وذلك لأنّ الإنجاز الأساسي للشعور بالغضب قد يكون امتناعك عن الاستماع إليّ في المرة المقبلة.

أما الرد المثمر فهو: “شكراً لك على هذا الوضوح”. ولتكن أسئلتك التالية كما يلي: كيف يمكنني مساعدتك؟ ما الذي يمكننا أن نفعله لإعادة المشروع إلى السكة الصحيحة؟ ففي نهاية المطاف هذا ما يهم كلانا.

كيرت نيكيش: ماذا نفعل في حال أفسد أحدهم الأمور؟

إيمي إدموندسن: هذا الشخص هو إنسان، وارتكاب الأخطاء طبيعة بشرية. ولذلك سأؤجل للحظة مسألة إفساد الموظف للأمور بشكل متكرر لأعود إليها لاحقاً. ولكن من المسموح لكل واحد منا أن يفسد الأمور بين الحين والآخر، فهذه طبيعة بشرية.

لا يمكن أن يكون هذا شيئاً نعاقب الموظف عليه، فمعظمنا يشعر بالسوء عندما نفسد شيئاً ما، ولا نريد أن يأتي المدير ويقول لنا إنّ “إفسادك للأمر سيئ للغاية”، فنحن نعرف ذلك بالفعل، وما نحتاجه هو المساعدة لمعرفة كيفية العودة إلى المسار الصحيح. والآن، إذا كان أحد الموظفين يفسد الأمور باستمرار يتوجب علينا إما تقديم المساعدة الحقيقية له عبر تدريبه وتمرينه لكي لا يتكرّر الأمر أو لكي يقرر مستقبله.

كيرت نيكيش: لا ضير في الكثير من الأمان النفسي، هل يمكن اعتماد ذلك؟ هل ترين أي مجالات يمكن زيادة الأمان النفسي فيها؟

إيمي إدموندسن: لا أعتقد أنّه يمكنك توفير قدر كبير من  الأمان النفسي، بل أعتقد أنه يمكنك أن تدفع الموظفين لكي يتحدثوا أكثر وأن يعرفوا أنّهم يحتاجون إلى ردود الفعل من جانبنا ويستحقونها. معظم الناس يريدون أن يصبحوا فعالين، لذلك فلنبلغهم بملاحظاتنا حول مدى فعاليتهم، ولكن دعنا لا نحاول تنظيم الأمور عن طريق الخوف.

كيرت نيكيش: هل يعني هذا أنه علينا أن نتّسم بالشفافية حيال كل شيء – مثل أن نكون صريحين إلى أبعد الحدود؟

إيمي إدموندسن: أعتقد أنّه ينبغي لنا أن نتسّم بالشفافية بشأن الأمور ذات الصلة. ليس من الضروري أن أخبركم عن المشاجرة التي حصلت بيني وبين ابني المراهق في الأسبوع الماضي، بل يتعيّن عليّ أن أخبركم عن المعلومات الجديدة التي حصلت عليها من عملي. يجب أن نتسم بالتروي وأن نتحسّن في ذلك خصوصاً في تحديد الأمور ذات الصلة.

كيرت نيكيش: ماذا عن الأمان النفسي في ثقافات مختلفة؟ يبدو أنّنا تحدثنا كثيراً عن الشركات الأميركية، أي البلد الذي أجريت فيه الكثير من الأبحاث. هل ينطبق هذا المفهوم على الثقافات التي تكون المؤسسات فيها ذات بنية هرمية أشد وحيث تختلف طريقة التحدث مع السلطات وكذلك طريقة العمل كمجموعة؟

إيمي إدموندسن: هذا سؤال مهم لأنّه من المغري أن نقول إنّ “هذا لا ينطبق على أماكن مثل اليابان أو على بلاد يكون فيها فارق القوى  والتسلسل الهرمي مهمين حقاً. وهو مغر كما لو أردنا أن نتراجع ونقول “لا، هذا ينطبق على هذه الأماكن”. طبيعة العمل هي نفسها، ولكن إذا كانوا يحاولون التوصل إلى منتجات جديدة مبتكرة فمن المهم الاستماع إلى أفكار الموظفين. وإذا كانوا يحاولون تحسين الجودة في خط الإنتاج الحالي، من المهم أن يأتي الموظفون ويخبروهم في حال كانت الأمور لا تسير بشكل جيد.

وبالتالي أودّ أن أقول إنّ الأمان النفسي مهم للتميز في أي مؤسسة في العالم، ولكن من الصعب تحقيقه.

كيرت نيكيش: أو ينبغي عليك ابتكار نظام ما – تصميم طرق لتحقيق ذلك.

إيمي إدموندسن: صحيح، ولنأخذ على سبيل المثال خط إنتاج شركة “تويوتا” التي صمّمت الشيء الجميل الذي يُسمّى حبل “أندون” (Andon cord).  هذا الأخير هو نظام لإبلاغ الإدارة وفرق الصيانة وغيرهم بأي مشكلة في الجودة أو عملية الإنتاج، وهو لا يخبرهم فقط بأنّ كل شيء على ما يرام بل يتوقع ويُطلب منك أن تشد الحبل عندما ترى أي خلل.

وحتى إن كنت غير متأكد، كما يحصل في حالات الخطأ في عملية الإدماج، حيث يصبح الأمر أكثر صعوبة لأحد الزملاء اليابانيين على سبيل المثال عندما ينادي أحد الموظفين ومن ثمّ يتساءل كلّ شخص منهم إن كان هو المعنيّ. ولكن شد الحبل بهدوء سيضيء مصباحاً – وهذا ليس بالأمر السيئ ويمكنني فعله. ولهذا يضعون هذه السقالات من أجل تسهيل الأمور.

بعد إنجاز ذلك، أوجدوا هذا النوع من الأمان النفسي للحديث عن المشاكل، كما أنشؤوا ميزة تنافسية رائعة.

كيرت نيكيش: ما الذي تعلّمته عن الأمان النفسي خلال العقود القليلة الماضية منذ أن بدأت بإجراء البحوث حول هذا الأمر، علماً أنّ الاقتصاد قد تغيّر كثيراً بالنسبة للكثير من الأشخاص؟ ما الذي تعلّمته عن الأمان النفسي وكان غير متوقعاً ومفاجئاً؟

إيمي إدموندسن: أحد الأمور التي فاجأتني كثيراً كانت دراسة “جوجل” المعروفة باسم “مشروع أرسطو” والتي نُشرت في “نيويورك تايمز” قبل عدة سنوات. هدفت هذه الدراسة إلى معرفة ما الذي يميّز الفرق عالية الأداء عن الفرق منخفضة الأداء. وبالطبع، درس المشروع كل شيء عن الموظفين، مثل الجامعة التي درسوا فيها والتنوع الجنسي في الفرق وكل ما يندرج تحت رأس المال البشري ويساهم في التنبؤ بأداء الفريق.

لم يتوصلوا إلى شيء إلى أن برز لهم مفهوم الأمان النفسي ووجدوا أنّه عامل مهم في التنبؤ بأداء الفرق – الفرق في شركة “جوجل”. وإذا سألتني ما إذا كان الأمان النفسي العامل الأهم في التنبؤ بأداء الفرق في شركة “جوجل” لكنت قلت إنّني لا أعتقد ذلك.

أظنّ أنّ كلّ هؤلاء الموظفين سيكونون قادرين على الاعتناء بأنفسهم، أليس كذلك؟ لطالما قيل لهم إنهم أذكياء حقاً، وإنهم أبلوا بلاء حسناً في الجامعة، وإنّهم سيبرزون.

كيرت نيكيش: لقد اختيروا بعناية.

إيمي إدموندسن: نعم، وكانوا سيتوقعون أن يكون زملاؤهم مهتمين جداً بما يقولون.

كيرت نيكيش: ولكن حتى في شركة “جوجل”.

إيمي إدموندسن: حتى في شركة “جوجل”. أرى أنّ تلك اللحظة كانت قوية ومثيرة للدهشة، فحتى في شركة “جوجل” سيكون لديهم تباينات – ما يعني أنّ القيادة مهمة للغاية. يمكن لقادة الفرق وقادة المشاريع، في أماكن عمل مثل “جوجل” أن يجعلوا من هذه التجربة تجربة رائعة ومفعمة بالنشاط، أو أن يجعلوها تجربة غير آمنة، حيث يرتدع الموظفون، ما يترك آثاراً سلبية حقيقية على الفريق.

كيرت نيكيش: وهذا يعني أنّه حتى لو كنت في مكان لا توجد فيه هذه الفرصة يمكنك أن تحدثي فرقاً عن طريق محاولتك أن تكوني من هذا النوع من المدراء.

إيمي إدموندسن: أصبت، وأعتقد أنّ الكثير من المواهب لا يُستفاد منها لأنّها لا تشعر بالأمان النفسي بما يكفي لكي تبرز وتعمل على نحو جيد.

كيرت نيكيش: حسناً، وهذا يعني أنّك كنت أمام موظفين كانوا يملكون لفترة طويلة أفكاراً مستقلّة حول طريقة تحسين الأمور ولكنّهم لم يتحدّثوا عنها.

إيمي إدموندسن: صحيح، وهذه كانت إحدى المفاجآت. وأذكر من الأمور الأخرى التي لم تكن بمثابة مفاجأة كبيرة أنه لطالما سُئلت خلال سنوات عن كيفية تفسير حالات شركات شبيهة بـ “أوبر” أو “آبل” إذ لا تبدو آمنة نفسياً ولكنّها تمتلك حصة هائلة في السوق.

كيرت نيكيش: لقد فكّرت في هذا الأمر عندما تطرّقت إلى “بيكسار” وفكّرت بستيف جوبز.

إيمي إدموندسن: لهذا أريد دائماً أن أشرح أنّ ثمّة علاقة بارزة وقوية بين الأمان النفسي والتعلّم والأداء. لا يعني هذا أنه لا يمكنك الوصول إلى أداء عال من دون الأمان النفسي، ففي بعض الأحيان قد يكون أداؤك عالياً لأنّ لديك استراتيجية رائعة لا يمكن لأحد آخر تقليدها، أو قد يكون لديك منتَج لا يُقاوم.

أريد أن أقول إنّك قد تتمكّن من النجاح من دون الأمان النفسي، إذ قد يكون لدى الشركة قائد جذاب يحسن كيفية الاستفادة من ذكاء الآخرين في المؤسسة ولا يعتمد فقط على ذكائه.

كيرت نيكيش: إيمي، تسعدني كثيراً مشاركتك في البرنامج للحديث عن البحث الذي عملت عليه لسنوا وكذلك عن كتابك الجديد “مؤسسة لا تعرف الخوف”.

إيمي إدموندسن: شكراً لك، شكراً على استضافتي. لقد كان ذلك من دواعي سروري، فوجودي هنا علّمني أيضاً بعض الأمور.

كيرت نيكيش: كانت هذه إيمي إدموندسن، وهي أستاذة في كلية هارفارد للأعمال، ومؤلّفة الكتاب الجديد بعنوان “مؤسسة لا تعرف الخوف: غرس الأمان النفسي في مكان العمل من أجل التعلّم والابتكار والنموّ”.

أنتج هذه الحلقة ماري دوو، وتلقينا المساعدة التقنية من روب إيكهاردت، وكان معنا في إدارة إنتاج الصوت آدم باخهولز.

نشكركم على الاستماع إلى برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. كان معكم كيرت نيكيش.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .