في ظل الاضطرابات الاقتصادية السائدة اليوم، تعمل المؤسسات غالباً على تسطيح البنى التنظيمية لخفض التكاليف وتسريع عملية صناعة القرار، مستغنية بذلك عن مستويات الإدارة الوسطى. سرحت شركات مثل ميتا وجوجل وأمازون عشرات الآلاف من الموظفين في عامي 2023 و2024 وحدهما؛ إذ دمجت الأدوار وخفضت عدد الفرق وزادت عدد الموظفين التابعين لكل مدير.
قد تبدو البنى التنظيمية المسطحة ذات كفاءة من الناحية النظرية، لكن المهام اليومية قد تكون مربكة بالنسبة لكبار القادة الذين يديرون الفرق الكبيرة؛ إذ تتراكم الرسائل التي يجب أن يطلعوا عليها ويزداد عدد الاجتماعات الثنائية التي يجرونها، كما أنهم يضطرون لحل المشاكل الطارئة بأنفسهم.
نسمي هذه الظاهرة "الطوفان القيادي". دون وضع استراتيجية واضحة، يصبح توسع الفرق عبئاً. لاحظنا هذا النمط مراراً وتكراراً خلال عملنا في تقديم المشورة لعشرات الشركات التي تخوض التحولات العالية المخاطر (كاثرين هي مدربة تنفيذية ومتحدثة رئيسة وجيني هي مستشارة تنفيذية وخبيرة في التعلم والتطوير). حددنا 5 استراتيجيات أثبتت فعاليتها في مساعدة القادة على تحسين أدائهم في إدارة عدد كبير من الموظفين.
1. تغيير طريقة العمل بالتعاون مع الزملاء
ستواجه أزمة لا محالة إذا تضاعف حجم فريقك بين عشية وضحاها دون أن تزداد مواردك. يتمسك القادة بالروتين المألوف غالباً؛ أي إجراء الاجتماعات الثنائية أسبوعياً والعمل على مدار الساعة والمشاركة في صنع القرارات جميعها. ولكن الآليات الفعالة في إدارة الفرق الصغيرة ليست فعالة في إدارة الفرق الكبيرة الأكثر تعقيداً، وسيعرضك التمسك بأساليب القيادة نفسها لخطر الاحتراق الوظيفي.
يجب عليك أن تعيد وضع التوقعات بالتعاون مع فريقك؛ وضح الأمور التي ستستمر في تقديمها بصفتك قائداً (مثل تحديد الأولويات والعمل في المواقف الحرجة وإزالة العقبات التي تعوق العمل) وتلك التي قد تضطر إلى تغييرها (مثل الاستجابة الفورية والانخراط العميق في كل مشروع). بعد ذلك، توصل بالتعاون مع الفريق إلى طرق جديدة للعمل، مثل الآليات المختلفة لصناعة القرار وإدارة الاجتماعات ومناقشة النزاعات.
أجرى قائد دربناه كان قد ورث فريقاً مدمجاً يتألف من 30 مرؤوساً مباشراً "ورشة لإعادة ضبط الفريق"، وسأل فيها:
- ما الذي يساعدك على أداء عملك بالجودة الأعلى؟
- ما هي العقبات التي تعوق عملك؟
- ما هي الاتفاقات التي يمكننا عقدها لتساعدنا على العمل معاً بفعالية أكبر؟
توصل الفريق في هذا النقاش إلى مجموعة من المعايير، وهي: "افتراض النوايا الحسنة" و"إبراز المخاطر في وقت مبكر" و"الامتناع عن عقد الاجتماعات قبل الساعة التاسعة صباحاً إلا عند الضرورة القصوى". منح ذلك الجميع القدرة على الإسهام، كما أنه خفض عدد النزاعات وعزز الشعور بالأمان النفسي.
حافظ على بساطة المسألة من خلال وضع ما لا يزيد على 5-7 اتفاقات، واحرص على أن تكون معايير الفريق واضحة وراجعها على أساس ربع سنوي، واحرص أيضاً على المساءلة المتبادلة بينك وبين الفريق فيما يتعلق بالالتزام بهذه المعايير.
2. التركيز على ترتيب الأولويات وتوضيح المسائل الأهم
عندما يتشتت تركيزك نتيجة العمل مع عدد كبير من الموظفين وعلى العديد من المشاريع، سيصبح دورك الأساسي هو الفرز الاستراتيجي للمهام والمشاريع. لن تتمكن من أداء المهام جميعها أو إدارة المشاريع كلها، ويجب ألا تحاول فعل ذلك في المقام الأول. ركز على المهام والمشاريع ذات الأثر الأكبر، وفوض ما يمكن تفويضه، وتخل عما فقد أهميته.
لن يقتصر دورك على ترتيب الأولويات؛ إذ يجب عليك أيضاً توضيحها على نحو لا لبس فيه. بالنسبة للقادة، تحديد الأولويات ليس صعباً، لكن توضيح المهام والمشاريع التي تحظى بالأولوية هو الصعب. إن لم يدرك الجميع الأولويات بوضوح، فستحاول الفرق أداء المهام جميعها وإنجاز المشاريع كلها، أو ستتردد في اتخاذ الإجراءات. يؤدي ذلك إلى الاحتراق الوظيفي وارتكاب الأخطاء وإهدار الفرص الثمينة.
ورثت المديرة التنفيذية في مجال التكنولوجيا، جنى، فريقاً مكوناً من 25 فرداً بعد أن أجرت مؤسستها عملية تسريح ودمج للموظفين، وشعرت في البداية بأن قيادة الفريق تتطلب ما يفوق طاقتها، لكنها أدركت أن طرق العمل القديمة التي اتبعتها لن تكون فعالة عند قيادة فريق كبير. غيرت جنى أسلوبها القيادي وبدأت بتقديم رسالة أسبوعية بعنوان "أهم 5 أولويات" للفريق. هذا التغيير البسيط الذي يوفر معلومات مهمة وضح الأولويات الأهم للجميع وقلص عدد المشاكل التي اضطرت جنى لحلها بنسبة 30% في غضون بضعة أشهر. بين ذلك للفريق أن جنى تدعمه ووضح الأولويات التي تساعده على المضي قدماً بثقة. لم تتوقف جنى عن الانخراط في العمل، وإنما كانت تقود الفريق بطريقة غير مباشرة.
استخدم أحد أطر عمل اتخاذ القرارات، مثل إطار عمل التمييز بين العاجل والمهم أو مصفوفة توزيع المسؤوليات أو الإرشادات المخصصة على مستوى الفريق، لوضع معايير للمشاكل والمسائل التي يجب أن يستشيرك الفريق بشأنها. سيساعد ذلك الفريق على التمييز بين المهام الملحة والاستراتيجية وغير الضرورية. الهدف ليس ممارسة الإدارة التفصيلية، بل توضيح آليات العمل بما يتيح للآخرين العمل دون الرجوع إليك.
3. تحسين مهارة التفويض
تتطلب إدارة فريق أكبر أكثر من مجرد الثقة بالآخرين؛ إذ يتعين عليك تسخير قدرات أعضاء الفريق لتعظيم أثرك. لن تتمكن من قيادة فريق كبير من خلال أداء المزيد من المهام، بل من خلال التركيز على المهام التي تستطيع أداءها وتمكين الآخرين من تولي باقي المهام.
حدد القادة أو قادة الفرق أو المساعدين الموثوقين أو كبار الموظفين في المستوى الأدنى منك مباشرة القادرين على تولي مسؤوليات أوسع وتحقيق النتائج في مجالات اختصاصهم، وطور قدراتهم القيادية. ثم اعمل على تمكينهم؛ أي امنحهم الاستقلالية ودربهم بانتظام ووفر لهم الظروف التي يحتاجون إليها ليقودوا فرقهم ببعد نظر بدلاً من الاكتفاء بتقديم التعليمات. إذا تمكنت من فعل ذلك، فستخفف عبء العمل عليك وتعزز أثرك وتزيد عدد الموظفين الموهوبين الجاهزين لاستلام الأدوار القيادية في المستقبل.
على سبيل المثال، طبقت النائبة الأولى لرئيس إحدى شركات التكنولوجيا الصحية هذه الطريقة من خلال تعيين "قادة المجالات" في كل قسم أساسي في شركتها. تمتع كل قائد بالقدرة على اتخاذ القرارات وإدارة الاجتماعات، مع إمكانية استشارتها فقط عند الحاجة. أدى ذلك إلى تسريع عملية صناعة القرار وارتفاع المعنويات وتحسين جودة التنفيذ، وتحضير 3 أعضاء من الفريق لتولي مناصب قيادية في المستقبل.
استخدم سلم التفويض لوضع التوقعات الواضحة وتأكيد ثقتك بالموظفين. على سبيل المثال، بدلاً من أن تقول لأحد موظفيك: "حضر مسودة توصية وأنا سأقرر"، قل: "قرر أنت ولا تستشرني إلا إذا كان قرارك ينطوي على المخاطر". تزداد ثقة الآخرين بك مع ازدياد وضوحك. التفويض ليس تنازلاً، بل استثماراً استراتيجياً في نمو فريقك.
4. تبسيط النظام لتسريع العمل
مع نمو فريقك، تفقد الأنظمة والبنى القديمة فعاليتها؛ إذ يصبح التواصل أصعب ويزداد عدد العمليات المطلوبة لإنجاز العمل، كما قد تتعارض الأدوات المستخدمة في العمل. وتصبح البنى التي كانت مفيدة أنظمة تبطئ العمل وتعقده وتخفض دافعية الموظفين. رصدنا من قبل أنه مع توسع الأنظمة وتعددها، يعلق الموظفون في الروتين بدلاً من أن يركزوا على إحراز التقدم في العمل.
مهمتك ليست التحكم بهذه الفوضى، بل التخلص من الأنظمة التي تبطئ العمل. يتطلب ذلك إعادة النظر في فعالية الأنظمة القديمة وإلغاء الخطوات غير الضرورية والتوفيق بين العمليات المتبعة والأولويات المرحلية. حدد بالتعاون مع فريقك الأنظمة والعمليات التي تعوق العمل والتي يمكن إلغاؤها؛ قد تتمثل في عمليات التسليم البطيئة أو تقديم تقارير الحالة العديدة أو الاجتماعات التي تبدو مضيعة للوقت. هذه ليست مصادر إزعاج بسيطة، بل نشاطات تهدر الموارد على مستوى النظام بأكمله. بينت إحدى الدراسات أن الاجتماعات العديمة الفعالية وحدها تكلف الشركات الكبيرة ما يصل إلى 100 مليون دولار سنوياً؛ إذ أفاد المشاركون أن 30% من الاجتماعات الأسبوعية التي يحضرونها يمكن الاستغناء عنها.
لاحظ فادي، وهو مدير تنفيذي في مجال التكنولوجيا المالية دربناه من قبل، أن الموظفين في شركته يشاركون التحديثات المهمة بطرق متعددة مثل البريد الإلكتروني وبرنامج تيمز للتواصل وفي مجموعات التحديثات الخاصة بالفرق. كانت المعلومات في هذه التحديثات مكررة غالباً، كما أن الموظفين فقدوا الكثير منها أو أساؤوا فهمها. أطلق فادي "مشروعاً سريعاً لمراجعة العمليات" مدته أسبوعان، مكن فيه قادة المجالات في فريقه من تحديد العمليات الفعالة والعديمة الفعالية وبسط طرق التواصل بين أعضاء الفريق. بالنتيجة، أزال فادي العديد من المشتتات وتمكن من تحقيق التوافق ضمن الفريق بسرعة أكبر وقضاء المزيد من الوقت في إنجاز العمل الذي يحقق النتائج الحقيقية.
لا يتطلب كل تغيير في النظام وضع مخطط توجيهي لتحول جذري؛ ابدأ بالأنظمة التي تستخدمها بكثرة واحرص على شرح الأولويات وآليات اتخاذ القرارات بوضوح وتتبع التقدم. اسأل فريقك عن الأنظمة والعمليات التي تعوقه واحرص على إلغائها. قد يبدو التبسيط على هذا المستوى طفيف الأثر، لكنه يوضح أولوياتك بدقة.
5. توفير الطاقة وتبني المرونة
عندما ينمو فريقك بسرعة تزداد متطلباته أيضاً، وبالنتيجة سيضيق وقتك وستشعر بأن نشاطك ينخفض، وسيلاحظ فريقك ذلك. سيتبع فريقك السلوك العاطفي نفسه الذي تتبعه في الفترات العصيبة.
قيادة الفرق الكبيرة هي عملية طويلة الأمد لن تؤتي ثمارها بسرعة. وعلى الرغم من أن توفير الطاقة يبدو تصرفاً أنانياً، فهو استثمار يعزز فعاليتك في القيادة. لا يقتصر هدفك على تتبع المهام، بل يشمل ضبط إيقاع العمل بأكمله وثقافة المؤسسة عموماً. يتطلب ذلك أن توضح بصدق نطاق تحملك وتخصص وقتاً للراحة وتتخذ الخيارات التي تمنحك القدرة على الاستمرار في العمل على المدى الطويل بدلاً من التركيز على إنجاز العمل بسرعة. يتطلب إظهار المرونة في تعزيز هذه القدرة كي يقتدي الآخرون بك التركيز على الحضور بدلاً من جودة الأداء.
خصص في نهاية كل أسبوع بضع دقائق لإجراء جلسات مراجعة بسيطة بهدف تحديد الأنماط السلوكية التي تقوض قدرتك على الاستمرار في العمل على المدى الطويل في وقت مبكر. هذه الجلسات هي بمثابة أداة للتأمل الذاتي مخصصة لك بصفتك قائداً، وليست أداة لتقييم أداء فريقك.
اسأل نفسك: ما هو تقييم أدائي حالياً؟ ما هي سرعتي في العمل؟ ثم اتبع نظام التقييم المرمز بالألوان كما يلي:
- الأحمر: يعبر عن أنك مستنفد وتحتاج إلى الراحة
- الأصفر: يعبر عن أنك مجهد لكنك قادر على الاستمرار في العمل
- الأخضر: يعبر عن أنك نشيط وأن تركيزك عال
لست مضطراً لمشاركة هذا التقييم مع أحد، لكن يمكنك مشاركة حالتك مع فريقك من حين لآخر لتحفيز أعضائه على التحدث عن القدرة على التحمل والاستمرار في العمل على المدى الطويل. عندما توفر طاقتك وتثق بفرقك، يرتفع مستوى الاستقلالية والإبداع.
تجنب إجبار نفسك على العمل، فاكتساب القدرة على التحمل يتطلب تحديد الحالات التي يجب أن تتوقف فيها عن العمل حتى تضمن قدرتك على العمل حين يكون عملك ضرورياً. احرص على توفير طاقتك واعتبره جزءاً من مسؤولياتك (وهو كذلك فعلاً)، سواء من خلال إجراء الاجتماعات الثنائية في أثناء المشي أو تحديد الأوقات التي تكون فيها متاحاً بدقة أو تخصيص فترات خالية من الاجتماعات.
عندما يزداد حجم الفريق الذي تقوده فجأة، فمن الطبيعي أن تشعر بالإرهاق بسبب كثرة القرارات والطلبات وحجم العمل الهائل. تعتمد قيادة المؤسسة التي تضم عدداً كبيراً من الموظفين على اتباع أسلوب قيادي مختلف، وليس على إنجاز المزيد من العمل فقط. لن تؤدي هذه المهمة على نحو مثالي، ولست مضطراً لفعل ذلك في المقام الأول. لكن إذا تمكنت من تغيير أسلوبك القيادي بدلاً من مجرد الاستجابة للمشاكل فقط، فستتمكن من إدارة عدد كبير من الموظفين بفعالية وستساعد فرقك على استعادة استقرارها والتركيز على غايتها واستئناف العمل المنتج بثقة.