هل يشهد فريقك تغييرات متكررة مؤخراً؟ ربما انضم عضو جديد له أو تركه عضو أساسي أو تغيرت الأدوار فيه أو تطورت استراتيجيته، وربما نشب صراع بين أعضائه أو تراجع أداؤه. تشهد فرق العمل اليوم حالة من التغير المستمر؛ إذ تتغير هياكلها بسبب الديناميات الداخلية والضغوط الخارجية. مع ذلك، يستمر العديد من القادة في العمل دون تخصيص الوقت لإعادة تنظيم الفريق بعد التغيير.
يعرف أفضل القادة أن النجاح لا يستمر من تلقاء نفسه، بل يتطلب التجديد المنتظم. يخضع فريق العمل لتغييرات كثيرة، سواء بسبب إعادة الهيكلة أو معالجة توتر العلاقات وغياب الدافع للعمل أو تعديل الاستراتيجية. هذه التغييرات ليست بسيطة وتستدعي أحياناً إعادة تنظيم الفريق وإطلاقه للعمل من جديد.
بناءً على خبرتنا مع مئات الفرق على مدى العقد الماضي، سنقدم في هذا المقال خطة توجيهية لإعادة فريقك إلى المسار الصحيح.
1. إعادة التقييم: حدد المشكلات قبل وضع الحلول
يجري القادة التغييرات غالباً دون تحديد المشكلات الجذرية، ما يؤدي إلى تفاقم المشكلات. قبل اتخاذ أي إجراء، اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- هل غايات أعضاء الفريق وأهدافهم وأولوياتهم متوافقة؟
- هل ثمة نزاعات أو أزمات ثقة غير محلولة؟
- هل انخفض حافز الموظفين للعمل أو اندماجهم فيه أو رفاهتهم؟
- هل ثمة ضغوط خارجية تؤثر في الأداء؟
- هل تتوافر للفريق الموارد المناسبة؟
- هل ثمة التزام مشترك بتوثيق العلاقات؟
- هل ثمة عيوب في أسلوب قيادتك أو تصور موظفيك لدرجة إنصافك لهم؟
لن يشعر أعضاء الفريق جميعهم بالاستعداد للتحدث صراحة، خاصة في اللقاءات الجماعية واللقاءات المباشرة معك بصفتك المدير. تؤثر العوامل مثل القواعد الثقافية والتاريخ الشخصي وآليات توزع السلطة كثيراً في طريقة تعبير الناس عن مخاوفهم. بالإضافة إلى المحادثات الثنائية، يمكنك إجراء استقصاءات جس النبض المجهولة الهوية، أو الطلب من عضو موثوق به تقصي المشكلات غير المعلنة وإبلاغك بها. إذا كان أعضاء الفريق يتمتعون بالأمان النفسي، فاحرص على إجراء حوار منظم يستطيع الأعضاء فيه مشاركة وجهات نظرهم بطريقة محترمة وشاملة.
الهدف ليس فرض الانفتاح على الفريق، بل كشف ما يحدث بين الأعضاء بطريقة تناسبهم. عندئذ فقط ستتمكن من معالجة الأسباب الجذرية وإعادة إطلاق الفريق إلى العمل على نحو هادف.
خذ مثلاً أحد القادة الذين عملنا معهم في شركة تكنولوجيا أوروبية. اعتقد القائد أن فقدان أعضاء فريقه حافزهم جعلهم يشعرون باللامبالاة، ما أدى إلى تراجع أدائهم. طلبنا منه البحث عن سبب أعمق لهذه المشكلة ربما يكون غير معلن، وكشف استقصاء تشخيصي من دون كشف هوية المشاركين عن مشكلة أعمق، وهي أن العديد من أعضاء الفريق شعروا بالتهميش وبأن قيمتهم أقل مما يجب بسبب عملية إعادة هيكلة إدارية أجراها القائد مؤخراً، ما أدى إلى انفصالهم عن العمل عاطفياً. بمجرد كشف السبب الحقيقي، تمكن القائد من اتخاذ إجراءات موجهة لإعادة بناء الثقة وتحفيز الفريق من جديد.
على الرغم من أن المحادثات الثنائية مفيدة في تحديد أسباب المشكلة، يجب أن يجري القائد عملية إعادة تنظيم الفريق مع أعضائه بأكملهم. يفرط القادة غالباً في الاعتماد على المحادثات الثنائية، ما يعزز الانقسامات في الفريق عن غير قصد. ما يهم حقاً هو بناء قدرة الفريق على مواجهة الحقائق القاسية جماعياً.
2. إعادة التواصل: احرص على بناء الثقة وتعزيز الأمان النفسي
إذا مر فريقك باضطرابات شديدة، فمن المرجح أن تكون الثقة بين أعضائه قد اهتزت. على سبيل المثال، عملنا مؤخراً مع أحد كبار القادة في شركة أدوية استخف بتغيير في تركيبة الفريق لأنه ينطوي على استبدال "شخص واحد فقط" وقال إن "الفريق ظل كما هو تقريباً". لكن الواقع كان مختلفاً؛ فعلى الرغم من أن التغيير ينطوي على استبدال عضو واحد فقط، كان العضو الجديد غير مهتم وأدلى بتعليقات تهكمية، ما أدى إلى اضطراب عميق في ديناميات الفريق بأكمله وسبب تراجع الأمان النفسي.
تبدأ عملية إعادة إطلاق الفريق بإعادة بناء الأمان النفسي من خلال خلق وسط يشعر فيه الأعضاء بأن السلوكيات مثل التعبير عن أنفسهم ومشاركة خبراتهم وتحدي أفكار الآخرين وحتى الانخراط في الصراعات البناءة بين الحين والآخر لا تعرضهم للخطر. يمكنك البدء بالخطوات التالية:
- أظهر مواطن الضعف في القيادة من خلال إجراء لقاءات المراجعة لتقييم حالة الأعضاء على الصعيدين الشخصي والمهني.
- شجع على الحوار المفتوح من خلال إجراء اجتماعات مراجعة منظمة لتقييم الأداء السابق. اسمح لكل عضو بالتحدث عن خبراته وأفكاره واحرص على أن يستمع الآخرون إليه ويقبلون بها، وشارك الدروس المستفادة التي توصلت إليها والإجراءات المستقبلية التي ستتغير.
- امنح الأعضاء الفرصة لتقديم الملاحظات البناءة من خلال ترسيخ عمليات الفريق المنظمة التي تكون فيها الملاحظات مسؤولية مشتركة.
3. إعادة التصور: ما هي غاية الفريق؟
ما هي غاية فريقك؟ ما الذي يحمله المستقبل؟ وما الذي تخاطر به؟ تلتف الفرق حول الرؤى الواضحة والملهمة، خاصة خلال فترات التغيير. أطر عملية إعادة الإطلاق على أنها فرصة لإعادة الاتفاق حول غاية الفريق وليست فقط رد فعل على مواجهة المشكلات.
على الرغم من أن القادة يفترضون غالباً أن أعضاء فرقهم متفقون على الأهداف والاستراتيجية، فهذا ليس صحيحاً بالضرورة، يجب توضيح الاعتبارات الضمنية غير المعلنة. عملنا مع رئيسة تنفيذية للشؤون المالية في شركة تصنيع ألمانية حاولت إعادة إطلاق الفريق ولكنها لم تنجح. تجاهلت عميلتنا خطوة إعادة التصور لأن أعضاء فريقها أصروا على أن الرؤية "واضحة" على الرغم من أنهم لم يكونوا متوافقين.
يمكنك تحقيق التوافق الذي تحتاج إليه من خلال التصريح بالتحديات التي يمر بها الفريق مع التركيز على المستقبل:
- توضيح الرؤية العامة والخريطة الاستراتيجية المطلوبة لتحقيقها. اتفق مع الفريق على بعض النتائج الرئيسية التي تميز النجاح عن الفشل على المديين المنظور والطويل.
- أعد تأكيد غاية الفريق وقيمته بالنسبة للمؤسسة والعملاء.
- رسخ نهجاً يركز على المستقبل يبعث على التفاؤل ويولد لدى الأعضاء الشعور بالقدرة على التصرف.
4. إعادة التعاقد: وضح طرق عمل الفريق
ينبع عدم التوافق غالباً من عدم فهم أعضاء الفريق لأدوارهم وأولوياتهم وطرق العمل المتبعة للتعاون. خلال عملية إعادة إطلاق الفريق إلى العمل، جدد العناصر الرئيسية لما يشير إليه خبراء شركة ماكنزي آند كومباني بـ "نظام تشغيل الفريق" ووضحها من جديد، وهي "ركائز العمل التعاوني وإحداث التغيير والدعم المتبادل بين أعضاء الفريق". احرص على مراعاة ما يلي:
- الأدوار والمسؤوليات: احرص على أن يفهم الجميع بوضوح ما تتوقعه منهم. يشمل ذلك التوقعات المكتوبة وغير المكتوبة حول توزيع المسؤولية عن المنجزات بين أعضاء الفريق بدقة.
- عمليات صناعة القرار: وضح توزيع مسؤوليات صناعة القرار وآليات جمع آراء المشاركين فيها.
- معايير الفريق وتوقعاته: فكر في السلوكيات المتوقعة من الأعضاء وحدد الإيقاع الأمثل للاجتماعات والعمل التعاوني والتوقيت الملائم لتقديم الملاحظات. من الضروري إعادة تنظيم هذه التوقعات وتعزيزها بانتظام ولا سيما إذا كان الفريق موزعاً على عدة مدن أو بلدان أو مناطق زمنية.
عملنا مع فريق القيادة في شركة متخصصة في السلع الاستهلاكية السريعة التداول في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا على إعادة تنظيم الاجتماعات. عانى أعضاء الفريق كثرة الاجتماعات؛ إذ كانوا يقضون ساعات العمل بأكملها فيها، ما لم يتح لهم إلا القليل من الوقت لإنجاز "أعمالهم الفعلية". طلبنا من الفريق الإجابة عن الأسئلة التالية بأكبر قدر ممكن من الدقة: من هم الأعضاء الذين يجب أن يحضروا الاجتماعات فعلاً، ومن هم الذين يمكن تقديم المحاضر لهم لاحقاً؟ ما هي التحضيرات المتوقعة للاجتماعات؟ ما هي الممارسات المتعلقة بالاجتماعات الافتراضية والشخصية، بما فيها مدة الاجتماعات والآلية المتبعة لمنح الجميع فرصة للتحدث والوقت الذي يجب تخصيصه للمقدمات؟ بعد الاجتماع، هل ثمة وقت لاستخلاص المعلومات والشرح؟ بعد إجراء هذا التمرين، وضع الفريق معايير جديدة والتزم بها، ما حسن جودة الاجتماعات بقدر كبير.
5. تجديد الحافز: الاستفادة من النجاحات
العودة لاتباع الأنماط السلوكية السابقة هي خطأ متوقع. يمكنك ضمان أن تكون نتائج عملية إعادة إطلاق الفريق إلى العمل مستدامة من خلال التركيز على النجاحات السريعة التي تحقق التقدم وتعزز السلوكيات الجديدة. حدد هدفاً أو هدفين ملموسين وقابلين للتحقيق يمكن تحقيقهما في أول 30 إلى 60 يوماً واعترف بجهود أعضاء الفريق الرامية لتحقيقهما؛ فالنجاحات البسيطة تبني الثقة وتعزز ديناميات الفريق الإيجابية، والتفاعلات اليومية بين أعضاء الفريق ونجاحاته وإخفاقاته توقع أثراً كبيراً على نشاطه، وإعادة إطلاق الفريق إلى العمل هي فرصة ممتازة لاقتراح الإجراءات الروتينية التي تعزز التوافق والمشاركة أو تجديدها. إليك بعض الأفكار:
- اللقاءات نصف الأسبوعية: حدد المواعيد لاجتماعات قصيرة ومركزة للفريق تهدف إلى التوفيق بين الأولويات.
- مراجعات النجاحات والدروس المستفادة: احرص على الاحتفاء بالتقدم الذي أحرزه الفريق والتأمل في الدروس المستفادة بعد قطع المراحل الرئيسية.
- التدريب الفردي: امنح الأولوية لفرص التواصل المباشر المنتظمة بين القائد وكل عضو من أعضاء الفريق بهدف خوض محادثات تطويرية موجهة نحو النمو. لا تقل محادثات التدريب بين الأقران أهمية عن ذلك، إذ يساعد الزملاء بعضهم بعضاً من خلال طرح أسئلة موسعة تهدف إلى تعزيز المهارات.
عملنا مع فريق سلسلة التوريد في إحدى الشركات، وقد خصص الوقت لتقدير التقدم الذي أحرزه في اتباع سلوك الاستماع الفعال؛ إذ قدم أعضاؤه ملاحظات مشجعة لزميل لهم كان يهيمن على المحادثات في السابق وتدرب على كبح نفسه في الاجتماعات، فشجعه ذلك على مواصلة التدريب، ما دفع تقدم الفريق أكثر. توقع هذه اللحظات من الدعم المعنوي الإيجابي أثراً كبيراً على ثقافة الفريق وتعززها.
6. الاستمرار بالتعديل: الحفاظ على الزخم
إعادة الإطلاق ليست عملية تجريها مرة واحدة؛ بل هي مستمرة وتتألف من خطوات ليست متسلسلة دائماً. يمكنك الحفاظ على الزخم من خلال ما يلي:
- تتبع التقدم نحو تحقيق الأهداف الجديدة والالتزام بالأولويات الجديدة.
- تقديم الملاحظات الدقيقة المتكررة والموجزة والموجهة بدقة، بالإضافة إلى المساءلة المتبادلة بين أعضاء الفرق حول تطبيق طرق العمل الجديدة.
- إعادة تقييم التغييرات الملائمة وغير الملائمة وتعديلها بانتظام، بما في ذلك الأدوار والمسؤوليات وعمليات صناعة القرار ومعايير الفريق.
سبب أحد أعضاء المجلس التنفيذي في إحدى شركات الخدمات اللوجستية التي عملنا معها الإحباط لزملائه، فتحزبوا كلهم ضده. مع ذلك، ما لاحظناه هو أن الواقع كان أكثر تعقيداً من ذلك؛ إذ كان الفريق ينتهك باستمرار قاعدة متفقاً عليها سابقاً تنص على تناوب الأدوار واقتسام الوقت في المناقشات، بعد أن وضعوا اللوحة التي كتبوا القاعدة عليها في زاوية الغرفة وتجاهلوها بالنتيجة. طلبنا منهم الاطلاع على تلك القواعد من جديد، ما كان كافياً لبدء عملية إعادة الضبط. بعد ذلك، طلبنا من أعضاء المجلس تقييم أنفسهم من خلال الإجابة عن السؤال: "كيف تقيمون نجاحكم في تنفيذ الاتفاق المبدئي على التناوب واقتسام الوقت وفق مقياس من 1 إلى 10؟".
يحتاج الفريق إلى الرعاية المنتظمة والاهتمام والتجديد المدروس لكي يزدهر. إعادة إطلاق الفريق إلى العمل ليست علامة على الفشل، بل علامة على القيادة الحكيمة. من خلال تخصيص الوقت لإعادة تقييم الفريق وضبطه وتنظيمه، يستطيع القائد تجديد حافز فريقه وتعميق الثقة وتعزيز الوضوح والزخم اللازمين لتحقيق الأداء المستدام في البيئات الدائمة التغير.
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو باستخدام الذكاء الاصطناعي