ملخص: من الطبيعي أن يمتنع الموظفون عن إبداء رأيهم بخصوص مجريات العمل في مثل هذه الأوقات الحافلة بالاضطرابات، بغية تجنُّب أي مخاطر قد تترتب على إفصاحهم عن رأيهم. قد يتخذ هذا الإحجام عن إبداء الرأي أشكالاً عدة، ومن أبرزها امتناع الموظفين عن الإبلاغ عن الأخطاء أو طرح الأسئلة أو تقديم أفكار جديدة أو الاعتراض على الخطط الموضوعة؛ حيث يحاول الموظفون، بوعي أو دون وعي، حماية سمعتهم ووظائفهم. وللأسف، فإن هذه السلوكيات نفسها التي تبدو محفوفة بالمخاطر في عيون الموظفين هي بالضبط ما تحتاج إليه شركاتهم من أجل الازدهار في هذا المناخ الاقتصادي المشوب بحالة من عدم اليقين. ولحل هذه المعضلة، فإننا نشجع القادة على تبني "صيغة رابحة" لخلق مكان عمل أكثر أماناً نفسياً والتمتع بالفوائد التي يوفرها.
لا يزال مؤشر عدم اليقين العالمي مرتفعاً. وتسهم عمليات إفلاس البنوك والحروب وارتفاع معدلات التضخم وتسريح العاملين في زيادة الشعور بعدم الاستقرار وتأجيج الاضطرابات. وكما أخبَرَنا مدير الموارد البشرية في إحدى شركات التكنولوجيا، فإن "مجرد رؤية فريقك يتقلّص من 35 إلى 18 فرداً قد يكون أمراً مخيفاً للغاية؛ ويثير لديك حالة من القلق الشخصي الشديد والخوف من فقدان وظيفتك".
وعندما يبدو العالم مكاناً مخيفاً، فمن الطبيعي أن يتجنب الموظفون تجشُّم المخاطر من أجل حماية أنفسهم. وقد لاحظنا من خلال أعمالنا البحثية والاستشارية مع المؤسسات تغلغل هذا النفور من تجشُّم المخاطر على المستويين الواقعي والافتراضي، ما يؤدي إلى إحجام الموظفين عن التعبير عن رأيهم.
ونحن نعلم أن الشركات تتعلم بشكل أسرع وأفضل في الأوقات التي تشهد استقراراً اقتصادياً، لأن الموظفين يكشفون حينذاك عن الأخطاء ويثيرون الأفكار ويطرحون الأسئلة ويتحدون الرؤى والتصورات، دون خوف. وقد ثبت لنا أيضاً أن هذه الأعمال نفسها المعنية بمشاركة المعرفة وتحدي الأفكار وتقديم الملاحظات أكثر أهمية في الأوقات المشوبة بحالة من عدم الاستقرار، وتحدث الفارق غالباً بين الشركات القادرة على الابتكار والتكيُّف مع الظروف المحيطة وتلك غير القادرة على الابتكار.
ولكي تستطيع المؤسسات اجتياز المحنة المرتقبة، فإنها بحاجة إلى الاستفادة من الأصول التي تمتلكها كافةً، بمن في ذلك أصحاب المواهب والرؤى المتوافرون ضمن قوتها العاملة. ويُعتبَر الشعور بالأمان النفسي، وهو الاعتقاد بأن المرء يستطيع التعبير عن رأيه دون التعرض لخطر العقاب أو الإذلال، هو العامل الذي يمكّن الموظفين من التعبير عن رأيهم، ومن المهم أكثر من أي وقت مضى أن يعزّز قادة الشركات هذا الشعور بالأمان النفسي لدى موظفيهم.
لماذا يُعدّ الصمت ملاذاً آمناً؟
لا يرغب الموظفون في تجشُّم المخاطر بالصورة التي قد تضر بسمعتهم أو سبل عيشهم، وهو أمر منطقي عند المقارنة بين نتائج التعبير عن الرأي والتزام الصمت. وكما يوضح الرسم البياني التالي المنقول بتصرف من كتاب إيمي، "المؤسسة الجريئة" (The Fearless Organization)، فإن التعبير عن الرأي هو فعل يعود بالنفع على المؤسسة وعملائها في المقام الأول، وليس الموظف وحده. علاوة على ذلك، فإن هذه الفوائد ليست مضمونة وتستغرق وقتاً حتى تتحقق. وفي الوقت نفسه، فإن إحجام الموظفين عن إبداء الرأي يمنحهم فائدة فورية ومضمونة تتمثل في الشعور بالأمان وعدم التعرض للمخاطر.
ويجب على القادة استيعاب هذا التفاوت من أجل تجنُّب السلوك الشائع الذي يتم فيه إلقاء اللوم على الموظفين بسبب التزامهم الصمت. فما الذي يدعوهم إلى التضحية بحياتهم المهنية من أجل مكاسب بعيدة وغير مؤكدة، وإذا تحققت، فإنها ستعود على الآخرين في المقام الأول؟
وبالتالي، فإن القادة مسؤولون عن ترغيب الموظفين في التعبير عن رأيهم وإثبات أنه عمل يستحق المخاطر المحدقة به.
إعادة النظر في سلوكك والقواعد السائدة في مكان عملك
ليس موظفوك وحدهم الذين يحتاجون إلى الشعور بالأمان النفسي من أجل التعبير عن رأيهم في العمل؛ فمع ترقي الموظفين في المناصب، تزداد الضغوط الواقعة عليهم لإمساك ألسنتهم والإحجام عن إبداء الرأي. وما أحسن تعبير الأستاذ في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد)، جيانبيرو بتريليري، حينما قال: "لا يؤدي مرور الزمن إلى اكتساب الشجاعة. كل ما هنالك أنه يحوّل الخوف من الإدلاء بالحقيقة أمام أصحاب السلطة إلى الخوف من الإدلاء بالحقيقة وأنت في السلطة". والحقيقة أن معظم القادة لا يظهرون السلوكيات التي تعزز شعورهم أو شعور الآخرين بالأمان النفسي، وفق ما توصّل إليه بحث أجرته شركة ماكنزي أند كومباني (McKinsey & Company).
وعندما نعمل مع كبار المسؤولين التنفيذيين، نطلب منهم أن ينظروا إلى أنفسهم في المرآة قبل أن يصوبوا أنظارهم إلى سلوك الآخرين. على سبيل المثال، أعلنت إحدى الشركات مؤخراً عن إلغاء آلاف الوظائف، فسألت كونستنس قائدة وحدة عمل بالشركة عما إذا كانت تشعر بضغوط متزايدة لتقديم صورة وردية عن سير العمل في وحدتها لكلٍّ من أصحاب المناصب التنفيذية العليا ومجلس الإدارة ومؤسسات وول ستريت المالية. واعترفت القائدة في شيء من الحزن بأنها قد فعلت، وبالتالي كانت تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تقاوم الإغراءات التي تدعوها إلى تجميل الأخبار المنقولة لهذه الأطراف.
قبل الشروع في حملة تعزيز الأمان النفسي، خذ بعض الوقت لإعادة النظر في مخاوفك وسلوكياتك. متى تتحدث؟ متى تمتنع عن الكلام؟ توفر الإجابة عن هذين السؤالين مؤشرات حول المناخ العام للعمل ومدى التسامح مع المخاطر فيما يتعلق بك وبموظفيك. الأهم من ذلك، عليك أن تذكر أنك إذا وجدت أن شعورك بالأمان النفسي، أي استعدادك للمخاطرة، منخفض، فأنت بلا شك تشير دون أن تدري إلى مرؤوسيك بأن عليهم أن يمسكوا ألسنتهم ويحجموا عن إبداء رأيهم.
الصيغة الناجحة للأمان النفسي
لحسن الحظ، طورت إيمي منذ فترة طويلة من الزمن "صيغة رابحة" لخلق الشعور بالأمان النفسي وتتألف مما يلي: توضيح الأساس المنطقي للتعبير عن الرأي، وإرسال دعوات موجَّهة، وتقليل العقوبات (إن لم يكن إلغاؤها تماماً)، وزيادة المكافآت. ونستعرض فيما يلي بعض الطرائق لتطبيق الصيغة الرابحة في مكان عملك:
توضيح الأساس المنطقي
أظهر لموظفيك أسباب الحاجة إلى إسهاماتهم، ليس فقط في المستقبل البعيد، ولكن في الوقت الحالي. ويجب ألا تكون المناقشات التي تشجع فيها التعبير عن الرأي منفصلة عن المحادثات الجارية حول الاستراتيجية والتسويق والبحث والتطوير والعمليات والتمويل، وما إلى ذلك. في الواقع، فإن الربط بين هذه الأنشطة التجارية والتعبير عن الرأي أمر ضروري لتحفيز المشاركة. على سبيل المثال، اشرح سبب اعتماد جذب عملاء جدد على الأفكار الجريئة التي يقترحها كل عضو في الفريق وطرح رؤى وتصورات مختلفة، أو اشرح كيف سيسهم تقييم مواطن القوة والضعف بشكل مكثّف وتعاوني في مساعدة مطوري المنتجات في الشركة على صناعة مُنتَج أفضل.
وإذا كان النشاط التجاري يركّز على خفض التكاليف، فاشرح الأسباب التي تدعو العاملين إلى تسليط الضوء على الأخطاء والتعلم منها أو تحدي الوضع الراهن. تبدو هذه الإجراءات أعمالاً محفوفة بالمخاطر، وبخاصة إذا كان شبح فقدان الوظائف يلوح في الأفق. على سبيل المثال، قد يخشى الموظفون أن يؤدي الكشف عن مشكلة في خط التصنيع إلى زيادة فرص إغلاق المصنع، في حين أن الكشف عن هذه المشكلة قد يكون الإجراء المطلوب اتخاذه لضمان مستقبل المصنع. بالإضافة إلى ذلك، فقد يحتاج الموظفون إلى أن يسمعوا من رؤسائهم أن أولئك الذين يمتلكون القدرة على المبادرة والتفكير النقدي سيلقون التقدير على إيجابيتهم.
وقد تبيّن لنا بحكم خبرتنا أن الأمر يتطلب تنفيذه على نحو متكرر والإعلان عنه من خلال مختلف قنوات التواصل حتى يستوعب الموظفون هذه الطريقة الجديدة في التفكير. ويتضمن توضيح الأساس المنطقي ضرورة التعريف بأسباب انتفاع كل موظف على حدة، وكذلك المؤسسة ككل، من التعبير عن الرأي وكيفيته. كن صريحاً في بيان هذا المنطق وأكّد عليه مراراً وتكراراً.
إرسال دعوات موجَّهة
يعتقد مدراء كثيرون أن الدعوات المبهمة للتعبير عن الرأي كافية، ولكنها ليست كذلك. على سبيل المثال، التقينا بعدد لا يحصى من المدراء الذين أفادوا بأنهم يطبّقون "سياسة الباب المفتوح" في مقر العمل أو عبّروا عن استعدادهم "في أي وقت" لإجراء محادثة سريعة عبر برنامج "تيمز" (Teams). وعلى الرغم من ذلك، فإن هؤلاء المدراء أنفسهم أفادوا أيضاً بعدم تلقيهم آراء صريحة في الوقت المناسب من موظفيهم. حتى إذا كنت تعقد اجتماعات عامة وتنظّم جلسات استماع وتتواصل مع موظفيك عبر قنوات "سلاك" (Slack) وتجري استقصاءات حول الثقافة المؤسسية، فإن الأمر يتطلب بذل جهود مكثفة والمتابعة من كثب للتأكد من فاعليتها، وإلا فإنك ستكون معرضاً لخطر فقدان جوانب مهمة ممّا يحدث أو الاستماع إلى مجموعة صغيرة من الموظفين الذين لديهم شغف خاص بقضية ما.
عليك أن توفّر، إذاً، توجيهات محددة للموظفين حول كيفية التعبير عن الرأي بشكل فعال والموضوعات المطروحة للنقاش. اطرح عليهم أسئلة مباشرة للتعرُّف إلى رؤاهم وتصوراتهم. وإذا كنت تعقد اجتماعاً عاماً، فكن صريحاً مع الحاضرين بشأن الموضوعات التي تحتاج إلى الإدلاء بآرائهم حولها مسبقاً. ثمة طريقة أخرى تتمثل في عقد اجتماعات فردية شهرياً مع كل مرؤوس مباشر وطرح بندين فقط للنقاش على جدول الأعمال: "ما الذي يجب أن أعرفه الآن، ولكنني أجهله؟" و"كيف يمكنني دعمك بشكل أفضل خلال تجشُّمك المخاطر؟". يجب ألا تكون الدعوات المنظمة معقدة، بل يجب أن تكون واضحة وموجّهة.
إلغاء سياسة العقوبات
يراقب البشر بيئاتهم باستمرار. ويلاحظ الموظفون بوعي ودون وعي لغة الجسد والتعبيرات اللفظية والتداعيات التي تترتب على أيٍّ من التصرفات المرتبطة بتجشُّم المخاطر. وقد أثبتت لنا عقود من أبحاث العلوم الاجتماعية أن التداعيات السلبية أقوى أثراً من التداعيات الإيجابية عندما يتعلق الأمر بتعزيز السلوك البشري.
وهذا يعني أنه يجب عليك مراقبة التداعيات السلبية عند التعبير عن الرأي بصراحة وتصحيح أي تداعيات سلبية قد تترتب عليه. واعلم أن ردود فعلك كمدير لها أهمية كبيرة. ومن الضروري أن تراقب أساليبك التعبيرية وسلوكياتك وتعدلها باستمرار لكي توضّح انفتاحك وامتنانك في مواجهة التحديات. وإذا ارتكبتَ خطأ (وكلنا يرتكب أخطاء)، مثل الانزعاج من الأخبار السيئة، فعليك أن تبادر إلى الاعتذار بسرعة.
استعن بمدرب لمساعدتك في هذا الخصوص إذا لزم الأمر. ويتمثّل هدفك في تخليص النظام الاجتماعي من إلقاء اللوم عن هؤلاء الذين يعبّرون عن رأيهم والسخرية منهم وتجاهلهم. قد يتطلب ذلك تدريباً فردياً وجماعياً لبناء المهارات. وقد يكون التدرُّب من خلال تقمُّص الأدوار والمحاكاة مفيداً أيضاً.
زيادة المكافآت
من الضروري أن تعمل على الحد من سلبيات التعبير عن الرأي وزيادة إيجابياته. ابدأ بإظهار التقدير، وأوضِح أن التعبير عن الرأي سلوكٌ ينمُّ عن الشجاعة والفداء؛ لأنه ينطوي على إقدام الموظف على شيء يشعر بأنه قد يعود عليه بالضرر، ولكنه يفيد المجموعة، لذا عليك أن تشكره في العلن وفي السر، وتعبّر عن امتنانك له بكل صدق.
نسمع المدراء يتساءلون متذمرين: "لماذا عليّ أن أشكر شخصاً ما على أدائه لعمله؟". فنرد عليهم: "آه! هل أنتم متأكدون أن هذا جزء من وظيفته؟". اسأل نفسك هذا السؤال: هل تندرج الصراحة ضمن تقييمات الأداء والتعويضات والمكافآت والترقيات؟ وهل يتم الاحتفاء بالفرق لإجرائها محادثات صادقة تكشف عن الأخطاء مبكراً وتتضمن أشكالاً صحية من الخلاف في الرأي وتعزز الشعور بالشمول؟ إذا لم تكن متأكداً، فهذا هو الوقت المناسب لإعادة تقييم نظام إدارة الأداء في مؤسستك. يعد التوافق بين ما تطلبه من الموظفين وما تكافئهم عليه أمراً بالغ الأهمية للشعور بالاندماج في أجواء العمل ويجعل كلا الجانبين يشعران بالمسؤولية.
على عكس ما قد يبدو عليه الأمر، فإن هذه الأوقات الصعبة تقدّم فرصة ذهبية لتعزيز الشعور بالأمان النفسي في المؤسسات. ويعد تسيير العمل بالأساليب المعتادة نهجاً معيباً في الأوقات المشوبة بحالة من عدم اليقين الحاد؛ لذا فإنك مُطالب بدلاً من ذلك بالإبداع والتجريب والتعلُّم والتحلي بالمرونة، ولكن قد يشعر الموظفون بالخطر أكثر من أي وقت مضى. ويعتمد القادة بصورة كبيرة على إسهام الموظفين بأفكارهم ووجهات نظرهم ومواهبهم وآرائهم. باختصار، إنهم يعتمدون على الأمان النفسي إذا كانوا يرغبون في تسخير القوة الكاملة لقوة العمل لمواجهة التحديات المقبلة.