ماذا يحدث عندما لا تأخذ المؤسسات اللطف على محمل الجد؟ الحقيقة هي أن ذلك يؤدي إلى استقالة الموظفين أو تغيبهم، وكذلك إلى تراجع الثقة وضعف التواصل بين الفرق وتضييع الوقت بسبب التوتر والخلافات، كما أن تأثيرات غياب اللطف تشمل العملاء.
لاحظ الباحثون في دراسة شملت أكثر من 500 شركة من أكبر الشركات في العالم خلال فترة الاستقالة الكبرى أن احتمال استقالة الموظفين بسبب غياب اللطف من ثقافة مكان العمل كان أعلى بعشرة أضعاف من احتمال استقالتهم بسبب التعويضات. لاحظ الباحثون في دراسة أخرى أن مدراء الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 1000 يقضون نحو 7 أسابيع سنوياً في معالجة تداعيات الفظاظة، وهي عكس اللطف.
في المقابل، تتمتع أمكنة العمل ذات الثقافات والأنظمة التي ترسخ اللطف بعلاقات أوثق وعمل تعاوني أكبر ومعدلات أعلى من مشاركة الموظفين واستبقائهم. ففي أمكنة العمل هذه تزداد احتمالات مساعدة الموظفين بعضهم لبعض وتعبيرهم عن أنفسهم وتبادلهم الأفكار، كما تتضاءل احتمالات استقالتهم. من ناحية أخرى، ترتفع معدلات ثقة عملاء هذه الشركات في خدماتها وتوصيتهم بها للآخرين.
اللطف ليس مهارة شخصية، وهو ليس سلوكاً اختيارياً عشوائياً. مثل إجراءات السلامة ومراجعات الأداء، يجب أن يكون اللطف جزءاً لا يتجزأ من طريقة العمل؛ يعني ذلك أنه يجب تحديد توقعات لاتباع السلوك اللطيف وتصميم أنظمة له وضمان المساءلة فيما يتعلق به. اللطف جزء من البنية التحتية الاجتماعية التي تعزز الثقة والتعاون والتواصل داخل المؤسسة.
لتحقيق ذلك، يجب أن تتوصل المؤسسات إلى فهم مشترك وواضح للطف حتى يدرك الموظفون أنهم يتبعون هذا السلوك على النحو السليم وباتساق فيما بينهم بصفتهم أفراداً وفرقاً، وكذلك ضمن المؤسسة بأكملها ومع العملاء.
لنبدأ بتعريف اللطف: إنه سلوك وليس شعوراً، ويتجلى في الخيارات التي نتخذها وفي تصرفاتنا. توصل بحث نيكي ماكلين (المؤلفة المشاركة لهذا المقال)، الذي هدف إلى التمييز بين اللطف والتعاطف والمشاركة الوجدانية في مجال خدمات الرعاية الصحية، إلى أن اللطف هو الجهد الاستباقي الذي يهدف إلى دعم نمو الآخرين أو رفاهتهم أو نجاحهم، وهو مجموعة من الإجراءات المتعمدة التي يمكن رصدها.
يعني اللطف غالباً اتخاذ الإجراءات الصعبة مثل توجيه الملاحظات القاسية للآخرين. تخيل أن أحد أفراد الفريق الذي تديره يتأخر في تسليم المهام على نحو متكرر. عندما يكون عبء العمل ثقيلاً، من المغري أن تتولى بعض المهام لضمان تسليمها في مواعيدها أو أن تتغاضى عن تأخر الموظف، أو أن تغضب أو تشعر بالإحباط وتوبخه. ينطوي اللطف على اتباع نهج مختلف توفر وفقه الفرصة وتخصص الوقت لطرح سؤال مثل: "ما هو سبب التأخر؟" ربما الأولويات المتعلقة بالمهام غير واضحة بالنسبة للموظف، وربما يعاني ازدياد عبء العمل في مكان العمل أو المنزل. أياً كان السبب، قد يكون الحل الأفضل هو العمل مع الموظف لإعادة تحديد التوقعات أو تحسين التواصل أو تعديل عبء العمل. لا يتعلق الأمر باختلاق الأعذار أو خفض المعايير، بل بمساعدة الآخرين على الالتزام بهذه المعايير بطريقة تعزز الثقة والاحترام.
ينطوي اللين على تجنب الإزعاج والحفاظ على الوفاق مع الآخرين وتلافي المحادثات التي تسبب التوتر والتغاضي عن الأخطاء. أما اللطف فيعني عكس ذلك، فهو لا يتطلب التوافق مع الآخرين أو حتى الشعور بالود تجاههم. يدل كل من الانخراط في المحادثات التي تسبب التوتر وإثارة المخاوف على ثقتك بأن الشخص الآخر لديه إمكانات أكبر أو أنك تريد مساعدة فريقك على النجاح.
يعزز اللطف عنصرين أساسيين آخرين في ثقافة مكان العمل العالي الأداء، وهما الأمان النفسي ورأس المال الاجتماعي. عندما يتصرف الأشخاص بلطف، من خلال دعم بعضهم نمو بعض وإظهار الاحترام ومراعاة الكرامة وتقديم المساعدة فيما بينهم، فإنهم يخلقون الظروف التي تشجع الآخرين على التعبير عن أنفسهم وطلب المساعدة ومشاركة الأفكار والاعتراف بالأخطاء، وتشعرهم بأن عملهم هادف وبأنهم ينتمون إلى فريق واحد، هذه هي البيئة الآمنة نفسياً. من ناحية أخرى، يتجلى رأس المال الاجتماعي في تعزيز هذه الظروف للثقة وترسيخها للمعايير الصحية للمجموعة وتوطيدها للعلاقات التي تؤدي إلى العمل التعاوني ومشاركة المعلومات. بالتالي، اللطف عامل مؤثر جداً في العمل التعاوني بين الموظفين وتواصلهم وأدائهم.
تبعات الفظاظة
أدت العزلة الاجتماعية والتحولات السياسية إلى تراجع اللطف في مختلف أنواع المؤسسات. لم يعد الاحترام البسيط من السلوكيات المتوقعة والبديهية. قال المتخصص في علم السياسة الشهير، روبرت بوتنام، يتعلم الناس كيف يجب أن يتصرفوا؛ أي ما يجب قوله وفعله، من خلال الانخراط في المجتمع والأنشطة المنظمة، لكن المعايير السلوكية التي يعتمد عليها التفاعل المباشر تزول بغياب هذا التفاعل.
في مجال الرعاية الصحية، أظهرت البيانات المتعلقة بتصور المرضى للطف عند التفاعل فيما بينهم أن كلاً من ضعف التواصل وانخفاض تعاضد الفريق يؤثر سلباً في ثقتهم بالرعاية التي يتلقونها. على العكس من ذلك، تزداد ثقة المرضى عندما يختبرون اللطف من خلال التصرفات التي تشعرهم بأنهم ينتمون إلى مجتمع واحد وبأن الآخرين يلاحظون وجودهم وينصتون لهم ويدعمونهم.
هذه الديناميات ليست حكراً على مجال الرعاية الصحية؛ إذ كشف العديد من الدراسات التي شملت مختلف أنواع أمكنة العمل عن عواقب الفظاظة. بينت الدراسة عن الفظاظة السابقة الذكر أن 98% من الموظفين عانوا الفظاظة في مكان العمل، ما أدى إلى زيادة معدل التغيب عن العمل وانخفاض الجهد وتراجع العمل التعاوني وانخفاض الحماسة تجاه المؤسسات. لا تقتصر الفظاظة على التنمر المفرط؛ بل تشمل الوقاحة والتلاعب النفسي وقلة الاحترام.
هناك عواقب سلبية حتى لمشاهدة السلوكيات الفظة؛ إذ بينت إحدى الدراسات أنه عندما شاهد الموظفون زملاءهم يتصرفون بوقاحة، تراجع مستوى الابتكار لديهم وانخفضت قدرتهم على اتخاذ القرارات. تخاطر الفرق التي تتسامح مع الفظاظة المنخفضة الدرجة بتطبيعها بمرور الوقت، ما يؤدي إلى انخفاض كل من تماسك المجموعة والأمان النفسي والمشاركة ومعدل الاحتفاظ بالموظفين، وبالتالي يضعف انهيار رأس المال الاجتماعي الميزة التي تتمتع بها المؤسسة بصفتها مزودة خدمة، كما أنه ينفر موظفيها منها.
اللطف يقي من ذلك. عندما يشعر الموظفون بالاهتمام والتقدير والاحترام، يبدون استعداداً أكبر للمساعدة والتعاون لحل المشكلات. أهم عوامل التنبؤ بالاحتفاظ بالموظفين ليست الرواتب أو أعباء العمل بل العوامل الاجتماعية؛ فالمهم هو الاحترام والشمول والعلاقات المتينة ضمن الفريق والشعور بالفخر بالعمل. يدعم اللطف ذلك؛ إذ إنه يرسخ ثقافة الأمان والثقة والرعاية. تقل احتمالات استقالة الموظفين عندما يلاحظون أن قيمهم الشخصية مثل اللطف تنعكس في التزام المؤسسة بالجودة والسلامة والثقافة.
ما يبعث على الأمل في مجال الرعاية الصحية هو أن تجربتي الموظف والعميل متوافقتان غالباً. عندما يشعر الموظفون بالاحترام، يشعر المرضى به أيضاً، ويتعزز شعورهم بالأمان عندما يرون العمل الجماعي المتين. لكن عندما لا يشعر الموظفون بالاحترام أو بدرجة من الأمان تشجعهم على التعبير عن أنفسهم، فمن المرجح أن يستقيلوا، ومن المرجح أن يقل شعور المرضى بالثقة في جودة الرعاية أيضاً.
أولوية قيادية
تقع مسؤولية جعل اللطف المعيار السائد في أمكنة العمل على عاتق كبار القادة، إذ يتعين عليهم إبراز السلوكيات اللطيفة واتباعها، أو بعبارة أخرى، لا تكتف بالقول إن اللطف مهمة، بل أثبت ذلك بأفعالك. التصرف بلطف سهل في الظروف السهلة، لكن الاختبار الحقيقي هو سلوك الأشخاص عندما يزداد عبء العمل وتتوتر العلاقات. هنا يجب على القادة خلق مساحة لطرح وجهات النظر المختلفة والإنصات لما يعانيه الموظفون ويثبطهم وفهم العوامل التي تعوق اتباع السلوك اللطيف.
الصمت في المواقف الصعبة هو أحد مظاهر الفظاظة؛ فالمشكلات ستستمر إذا لم يعبر الأشخاص عن أنفسهم، كما أنهم سينسون أخطاءهم. يتطلب رفض الصمت بلطف من القادة اتباع طرق هادفة لتحديد السلوكيات التي يجب تقديرها ومكافأتها والتي يجب انتقادها أو تجاهلها؛ وبذلك يقاومون الفظاظة بفعالية.
أحد الرؤساء التنفيذيين الذين يدركون ذلك هو ساتيا ناديلا من شركة مايكروسوفت؛ إذ جعل كلاً من اللطف والتعاطف وحب الاستطلاع جزءاً لا يتجزأ من معايير القيادة العالية الجودة. أدرك ناديلا أن ثقافة اللطف تعزز الابتكار والتعاون والثقة.
يصمم القادة الذين يأخذون اللطف على محمل الجد أنظمة لدعمه، وأحدها هو عملية المراجعة المهنية السنوية في مؤسسة كليفلاند كلينك. يشارك الأطباء جميعهم في مراجعة سنوية هيكلية وجهاً لوجه، يناقشون فيها أداءهم وأهدافهم وتوجهاتهم. تطلب المؤسسة من كل طبيب تحديد هدف تحسين شخصي يجب تحقيقه خلال سنة. قد يرغب البعض في تعلم تقنية جديدة أو تحسين مهارات التواصل أو تعزيز مهارة التدريس. يقدم الموظفون الملاحظات للمؤسسة، التي تقدم لهم الملاحظات أيضاً وتطلب منهم تحديد آليات العمل الفعالة وغير الفعالة وطرق الدعم التي يحتاجون إليها. تحدد هذه الهيكلية معياراً مهماً؛ إذ ترسخ ثقافة الثقة والوضوح والمسؤولية المشتركة، كما تكرس شكلاً من اللطف في المؤسسة يتجلى في مراعاة الموظفين وتقديم والاهتمام لهم ومعاملتهم باحترام. يبين ذلك للموظفين أنهم مهمون وأن المؤسسة تستثمر في نجاحهم.
نهج إداري
بالإضافة إلى مسؤوليات كبار القادة، يجب أن يصبح اللطف جزءاً من الإدارة اليومية في مختلف أنحاء المؤسسة. يجب أن يدرك المدراء جميعهم أن اللطف ليس اختيارياً بل جزءاً من وظيفتهم، وأنهم يحملون مسؤولية الالتزام به.
في نهاية المطاف، يتحمل المدراء مسؤولية أداء فرقهم وطرق عملها التعاوني في مختلف أنحاء المؤسسة. اكتشف فريق إيمي إدموندسون (المؤلفة المشاركة لهذا المقال) في دراسة من عام 1999 شملت 51 فريق عمل في إحدى شركات التصنيع أن الأمان النفسي هو العامل الأهم في أداء الفريق. قاست الدراسة الأمان النفسي من خلال استبيانين، شمل أولهما الفرق التي طلب الباحثون من أفرادها تقييم أدائهم، بينما شمل ثانيهما متلقي عمل الفرق (إما مديراً وإما عميل توزيع داخلياً) الذين طلب الباحثون منهم تقييم هذا العمل. ظهرت النتيجة نفسها في مشروع أرسطو، وهي مبادرة من جوجل هدفت إلى تقييم العوامل التي تجعل فرق الشركة البالغ عددها 180 فعالة أو غير فعالة. بين المشروع أن الفرق الأعلى أداءً (وفقاً للمقاييس المتعلقة بالإنتاجية والالتزام بالمواعيد النهائية وجودة العمل) تمتعت بمستويات استثنائية من الأمان النفسي؛ إذ تمكن أفرادها من التعبير عن أنفسهم وتبادل الأفكار، وأظهروا اهتمامهم ودعم بعضهم بعضاً.
هذا ما يحدث عندما يكون اللطف مدمجاً في أنظمة موثوق بها تتمتع بقدرة وظيفية عالية ويديرها مدراء يدركون أن اللطف ليس اختيارياً. يستخدم هؤلاء المدراء أساليب واضحة لترسيخ اللطف باعتباره أولوية استراتيجية؛ إذ إنهم يبينون أنه سلوك متوقع ويقيسونه ويعززونه في مختلف المستويات. تشمل الآليات الرئيسية التي تجعل اللطف معياراً على مستوى المؤسسة ما يلي:
1. التعامل مع اللطف على أنه مهارة فنية.
تستطيع المؤسسات توضيح معنى اللطف من خلال الممارسة وتعليم الموظفين هذا السلوك. يتضمن ذلك المهارات مثل الاستماع دون اتخاذ موقف دفاعي وتقديم الملاحظات وتلقيها والتعامل مع الصراعات أو المحادثات التي تسبب التوتر بعناية.
تدرب شركة جوجل المدراء وتتوقع منهم أن يعملوا بنشاط على خلق بيئات عمل آمنة نفسياً لفرقهم والحفاظ على هذه البيئات. تستخدم الشركة استقصاءات آراء الموظفين وملاحظاتهم لقياس تأثير المدراء في سلوكيات الفرق (مثل الطرق التي يتبعونها في تقديم الملاحظات وتلقيها وتوضيح التحديات ومواطن عدم اليقين والتعامل معها). تضمن الشركة هذه البيانات في مراجعة أداء المدراء، وتبرز السلوكيات الإيجابية وتكافئها وتعزز تحمل المسؤولية. تأطير اللطف على أنه قدرة مهنية يرسخ أنه مهارة حاسمة مرتبطة بالنجاح داخل المؤسسة، وليس مجرد سمة محبذة.
خذ مثلاً شركة إس أيه بي، المعروفة بممارساتها التي تعزز الشمول في مكان العمل ومراعاتها للتنوع العصبي في التوظيف، إذ تدير برنامج التوحد في العمل لتعليم المدراء طرقاً عملية لدعم الأمان النفسي والتعامل بلطف. يتلقى المدراء التدريب لتطوير مهارات إدارة الصراع والتواصل بطريقة واضحة ولطيفة وتعزيز سلوك الفريق الشمولي. أدى هذا البرنامج إلى زيادة الإنتاجية والمشاركة ورفع معدلات الاحتفاظ بالموظفين.
2. تحديد توقعات واضحة.
لا بد للمؤسسات التي تسعى لترسيخ اللطف أن تعرفه بدقة وتعززه تماماً مثلما تفعل مع إجراءات السلامة والسلوكيات المهنية.
إحدى المؤسسات التي تفعل ذلك هي فريق أول بلاكس الوطني النيوزيلندي للرجبي؛ إذ تفرض إدارته معياراً سلوكياً واضحاً على أعضائه ينص على ضرورة التحلي بالتواضع والتعامل باحترام مع الآخرين والتصرف بمسؤولية في أي مسألة تتعلق بالفريق. لا يترك هذا المعيار أي مجال للغرور غير المقيد، وهو ينعكس في القرارات المتعلقة باختيار اللاعبين والعمل الجماعي داخل الملعب وخارجه. يتوقع قادة الفريق من اللاعبين المخضرمين تحمل مسؤولية تنظيف غرف تبديل الملابس بعد المباريات، بينما يتوقع من اللاعبين كافة أن ينبه بعضهم بعضاً بشأن السلوكيات غير المتوافقة مع هذا المعيار. يطرد قادة الفريق أي لاعب يضر سلوكه بتماسك الفريق ويضعف ثقافته، بغض النظر عن موهبته.
برنامج تواصل بلطف التدريبي في مؤسسة كليفلاند كلينيك هو من الأمثلة الأخرى على تحديد التوقعات الدقيقة المتعلقة باللطف، وهو يشمل العاملين في مجال الرعاية الصحية جميعهم في المؤسسة. وضعت طرق التواصل الهادف مع الآخرين في المحادثات اليومية في عبارات مختصرة تضم التوجيهات التالية: "ابتسم ورحب بحرارة"، و"عرف عن نفسك ووضح دورك وتوقعاتك"، و"استمع بفاعلية وساعد"، و"ابن العلاقات وعزز الألفة"، و"اشكر الآخر". رسخت المؤسسة نموذج السلوك المهني هذا في كل جانب من جوانبها التنظيمية، من إعداد الموظفين الجدد والتدريب إلى التقييم، وعرضته بوضوح في أماكن عمل الموظفين.
يجب أن يعرف الموظفون أنهم مطالبون بأن يتعاملوا بلطف دائماً مع الزملاء والعملاء وأصحاب المصلحة الخارجيين مثل الموردين والموزعين، وأن المؤسسة لن تتسامح مع عدم الالتزام بذلك. يجب أن يدرك الموظفون أن التعامل مع الآخرين بفظاظة، حتى لو قليلاً، يؤثر في الأداء والثقة والمعنويات. ومثلما تطبق أماكن العمل أنظمة الإبلاغ عن المخاوف المتعلقة بالسلامة، يجب أن تطبق أيضاً عمليات رسمية وموثوقة للإبلاغ عن المخاوف المتعلقة بالسلوكيات الفظة، خاصة في بيئات العمل التي تتسم بالضغط الشديد أو بسرعة العمل أو التي يتعامل فيها الموظفون مع العملاء مباشرة.
يجب على المدراء من مختلف المستويات أن يضعوا المعايير بأنفسهم من خلال تحديد السلوكيات المقبولة وغير المقبولة عبر اتباعهم لها وتجسيدها في سلوكهم. تستطيع المؤسسات دعم المدراء من خلال تعليمهم طرق ترسيخ التوقعات، بما فيها ما يجب فعله عندما لا يلتزم الموظفون بالمعايير.
يمكننا التعلم من بعض المؤسسات التي بادرت بتنفيذ ذلك، ومنها وزارة شؤون المحاربين القدامى الأميركية، التي تعد التدريب على اللباقة جزءاً من آليات تطوير القدرات القيادية. يتضمن هذا التدريب تعلم إدارة حلقات الملاحظات حول السلوك غير المهني والاستجابة لها في الوقت الحقيقي. شركة ريتز كارلتون هي مثال آخر، وهي سلسلة فنادق ومنتجعات فاخرة. خلال تدريب إعداد الموظفين الجدد، تعطيهم الشركة "بطاقة المعتقدات" التي تتضمن قائمة بما تتوقعه منهم، مثل تحية الضيوف بحرارة بالاسم وإظهار الاحترام والتقدير الحقيقيين للزملاء. ترسخ الشركة هذه القيم في اجتماعات الفريق اليومية، وتعترف بجهود الموظفين صراحةً عندما يلتزمون بها.
فيما يلي بعض الأمثلة على معايير اللطف التي يمكن دمجها في هيكلية الحوكمة والعمليات مثل إعداد الموظفين الجدد ومراجعات الأداء وبرامج التدريب القيادية:
- مخاطبة الموظفين والعملاء بالاسم دائماً، وبذل الجهد لنطق الأسماء على النحو الصحيح.
- الإنصات جيداً والحضور الكامل في المحادثات (على سبيل المثال، تجنب استخدام الهاتف والحفاظ على التواصل البصري).
- التعبير عن الامتنان للآخرين وتقبل إسهاماتهم.
- تقديم الملاحظات الإيجابية أو التصحيحية على نحو منتظم وسريع، ودائماً باحترام وصدق ومراعاة للكرامة ودعم النمو.
- إذا تصرف شخص ما بفظاظة، فيجب أن يواجهه الآخرون مباشرة ويحملونه مسؤولية هذا السلوك. وإذا عرض سلوك الفرد الآخرين لخطر الأذى الجسدي أو العاطفي، فيجب التعامل معه بجدية ومتابعته من خلال قنوات الإبلاغ الرسمية.
عندما تؤطر المؤسسات اللطف بهذه الطريقة، فإنه يصبح جزءاً من المعتقد المشترك حول العمل مع الآخرين؛ أي ما يعنيه أن تكون زميلاً أو مهنياً أو مديراً أو قائداً جيداً.
3. قياس اللطف.
تحرص أغلبية المؤسسات التي تأخذ أمراً ما على محمل الجد على قياسه، ويجب ألا يكون اللطف استثناءً. يجب قياس اللطف وفقاً للسلوكيات القابلة للرصد وتجربة الفريق، وليس وفقاً لاعتبارات غامضة أو ذاتية. على الرغم من عدم وجود مقياس مثالي للطف حالياً، يقيس العديد من المؤسسات ديناميات ذات صلة واضحة مثل الأمان النفسي والشمول واللباقة والثقة. تبحث مؤسسات أخرى عن الأسباب الجذرية للدوران الوظيفي والتغيب عن العمل والمشاركة والإنتاجية، التي قد تشمل اللطف أو الفظاظة في العمل.
ليس من الضروري أن تبتكر المؤسسات طرقاً جديدة لقياس السلوكيات في العلاقات؛ إذ يمكنها تعديل الاستقصاءات المتاحة بالفعل. يمكن استخدام البنود التي لا تمثل اللطف بالاسم لقياس الظروف التي ترسخ اللطف في العمل اليومي أو تعوقها.
يوضح هذا المقال في هارفارد بزنس ريفيو بنود الاستقصاء التي تستخدمها شركة برس غاني لقياس رأس المال الاجتماعي، وهي شركة تعمل في مجال تحسين أداء الرعاية الصحية وتتخصص في قياس تجارب المرضى والموظفين والمستهلكين وتحسينها. تشمل هذه البنود شعور موظفي الرعاية الصحية بالاحترام والمشاركة والعدالة والانتماء، وتصوراتهم لثقافة السلامة. هذه هي البنود التي تعكس بيئات العمل التي تتسم باللطف. تتضمن بنود الاستقصاء، المصنفة وفق مقياس من 1 إلى 5 (تقابل الدرجة 1 غير موافق بشدة، بينما تقابل الدرجة 5 موافق بشدة)، ما يلي:
- يعامل مديري الموظفين باحترام.
- تهتم هذه المؤسسة بالمرضى.
- يشجع مديري العمل الجماعي.
- يقدر زملائي في العمل الموظفين من خلفيات مختلفة.
- يستطيع الموظفون الإبلاغ عن الأخطاء دون خوف.
تتمم بيانات تجربة العميل بيانات الموظفين. تشمل مؤشرات تجربة المريض في الاستقصاء نفسه تصوره عن معاملة الآخرين له (باهتمام وتعاطف) وممارسات التواصل التي يتبعها مقدمو الرعاية الصحية. وتشمل المؤشرات الرئيسية ما يلي:
- عمل الموظفون معاً جيداً لرعايتي.
- اهتم الموظفون بي شخصياً.
- لبى الموظفون احتياجاتي العاطفية.
- عاملني الممرضون بلطف واحترام.
- أبدى مقدمو الرعاية الصحية اهتماماً بأسئلتي ومشكلاتي، واستمع الأطباء إلي بتمعن.
استخدمت شركة جوجل ضمن مشروع أرسطو الاستقصاءات لقياس سلوكيات الموظفين التي نعتقد أنها تدل على ثقافة الفريق اللطيفة والمحترمة، مثل الاستماع دون مقاطعة وإشراك الآخرين في صناعة القرار وتقبل التقييمات الصادقة والعمل بها ومنح أعضاء الفريق فرصاً متساوية للتحدث ومشاركة الأفكار. يوضح قياس هذه السلوكيات أنها مطلوبة وليست اختيارية.
يساعد تحديد مقياس معياري لهذه البيانات الفرق والأفراد على مقارنة أدائهم بأداء الآخرين، كما أنه يساعد أعضاء الفرق على تأمل الممارسات الجيدة التي يتبعونها وتلك التي يمكن تحسينها. قياس اللطف يبرزه أكثر ويعيد صياغته على أنه قيمة أساسية للمؤسسة.
اجعل اللطف شرطاً غير قابل للتفاوض
حان الوقت لكي تتوقف المؤسسات عن النظر إلى اللطف على أنه ممارسة إضافية اختيارية، فالأدلة التي تبين أهميته واضحة؛ إذ إنه يحسن الأداء ويبني فرق عمل أكثر فعالية ويعزز الثقة بين الموظفين والعملاء ويحافظ على الرابط بين المؤسسات والناس.
على غرار إجراءات السلامة والسلوكيات المهنية، يجب أن يكون اللطف جزءاً من الإدارة، كما يجب أن تعلمها المؤسسات لموظفيها وتقيسها وتعززها. يستحق اللطف أن نعامله على أنه سلوك بالغ الأهمية في تقارير مجالس الإدارة وآليات تطوير القدرات القيادية والمحادثات حول الأداء؛ يعني ذلك وضع معايير عالية لآلية العمل الجماعي وطرق تعامل الموظفين مع زملائهم وعملائهم وأصحاب المصالح الآخرين. السلوك اللطيف واجب، ولكنه أيضاً الخيار الذكي لضمان مشاركة الموظفين والعملاء والاحتفاظ بهم وبناء علاقات أوثق وتحقيق مستويات عالية من العمل التعاوني والابتكار.