كيف يحافظ القادة على ثقة الآخرين فيهم أثناء الأزمات؟

7 دقيقة
أصحاب المصلحة
رسم توضيحي: أندريا أوتشيني

كشفت الأبحاث الحديثة عن تراجع حاد في ثقة أصحاب المصلحة بقدرة فرقهم التنفيذية على التنفيذ والمواءمة والصمود في وجه التقلبات الناتجة عن الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية والتكنولوجية. وتنطبق هذه التصورات السلبية على مختلف المؤسسات؛ إذ يعتقد الجميع، بدءاً من مجالس الإدارة وصولاً إلى الرؤساء التنفيذيين والموظفين، أن فرقهم القيادية باتت عاجزة عن تلبية مطالب الأطراف المعنية ذات المصالح المتضاربة وتقديم مصلحة المؤسسة على مصالحها الشخصية.

تتكرر هذه الملاحظات في أحاديثي مع العملاء كذلك؛ إذ يشيرون إلى عدة عوامل تقوض تماسكهم وقدرتهم على القيادة، ما يؤدي بدوره إلى إضعاف ثقة الآخرين بهم. فقد أدّت التحولات في موازين القوى السياسية إلى تغيرات مفاجئة في السياسات، ما يفرض على القادة ضرورة التحلي بالمرونة والامتثال في ظل تغيّر القوانين واللوائح التنظيمية، كما أن تغير الأولويات، لا سيما في مجالات مثل التنوع والمساواة والشمول والتسعير ومصادر سلاسل التوريد، يجبر فرق القيادة على اتخاذ قرارات سريعة في بيئة يكتنفها الغموض. وقد تؤدي التوترات والصراعات الدولية إلى حصول اضطرابات في سلاسل التوريد وعدم استقرار الأسواق، ما يوجب على القادة تقييم هذه المخاطر وإدارتها على نحو استباقي لحماية مؤسساتهم. ومع تنامي النشاط السياسي والتوتر المجتمعي، تتزايد كذلك المخاطر التي تطال المسؤولين التنفيذيين شخصياً، ما يستدعي اتخاذ تدابير أمنية صارمة لضمان سلامة القيادة والحفاظ على استقرار المؤسسة.

تكمن صعوبة هذا النمط الجديد من التحديات في اختلافه عن أنماط التحديات المعتادة في الأسواق أو داخل المؤسسات؛ وبالتالي من الطبيعي أن يتعثر فريق القيادة في أثناء محاولته التقدم وسط ظروف مجهولة المعالم، ما يؤدي إلى تراجع الثقة به أكثر فأكثر. وفي ظل هذا الغموض، يتشبث أصحاب المصلحة بأي مؤشر للفهم، ويطالبونك، بغض النظر عن منطقية هذا المطلب، بإجابات لا تمتلكها.

قد لا تمتلك الإجابات كلها، وربما تدفعك المعلومات المستجدة إلى تغيير قناعاتك، لكن على فريق القيادة أن يكون مستعداً للتكيف ومشاركة منهجيته في صناعة القرارات مع تطور الأمور. إليك 6 خطوات يجدر بفرق القيادة اتباعها للحفاظ على الثقة بقدرتها على التوجيه وتعزيزها في ظل الأوضاع المضطربة.

اتخاذ قرارات منسجمة مع قيم المؤسسة، وتقديمها للآخرين ضمن هذا الإطار

يزيد المناخ الجيوسياسي الاستقطابي من حدة الرقابة على تصرفات القادة، لكن القادة الذين يحرصون باستمرار على مواءمة قراراتهم مع قيم المؤسسة والمبادئ الأخلاقية يحافظون على مصداقيتهم.

تعليقاً على مقال سابق في هارفارد بزنس ريفيو شاركتُ في تأليفه، كتب إليّ أحد القراء مؤخراً يصف فريقاً تنفيذياً اعتاد "عقد صفقات خلف الكواليس" في تناقض صارخ مع القيم المُعلنة للشركة بشأن "أهمية العمل الجماعي والدعم المتبادل". وقال إنه أدرك "حجم الضرر الذي يلحق بثقافة المؤسسة عند مطالبة الموظفين بالالتزام بسلوك لا يطبقه القادة أنفسهم". وتوصّل في النهاية إلى الاعتقاد بأن مثل هذا التناقض بات مألوفاً وطبيعياً في المستويات القيادية العليا.

حين تعمّ التقلبات وينعدم اليقين، قد يكون الميل إلى الانكفاء على الذات أمراً مفهوماً بدافع الحفاظ على البقاء. غير أن هذا السلوك قد يبدو في نظر بقية أفراد المؤسسة ضرباً من تغليب المصلحة الشخصية على حساب الصالح العام. وفي المقابل، فإن وحدة الصف والاصطفاف الجماعي خلف القرارات الصعبة يشكلان ركناً أساسياً في ترسيخ مصداقية الفريق القيادي. أما الانغلاق أو التمترس خلف اعتبارات ذاتية، فيُنظر إليهما اليوم بوصفهما مؤشراً على ضعف الالتزام بقيم المؤسسة ودافعاً مشروعاً لتراجع الثقة.

في إحدى المؤسسات التي أعمل معها، أدى الذعر المفاجئ الذي انتاب الفريق التنفيذي بسبب تداعيات رفع الرسوم الجمركية إلى موجة من المقترحات المرتجلة والدفاعية، بدافع الوقاية من المخاطر المحتملة. استمعت الرئيسة التنفيذية إلى فريقها باهتمام ودون إصدار أحكام، ثم قالت: "أنظار الجميع موجّهة إلينا. نحن نكتب على جدران مقرنا وعلى موقعنا الإلكتروني: ’نلتزم بفعل الصواب، مهما كان الثمن‘. لكن ما أسمعه منكم الآن يعكس رغبتكم في الحفاظ على سلامتكم الشخصية، دون الالتفات إلى مصالح عملائنا أو مساهمينا. فلنُعد التفكير مجدداً". وبعدها خاض الفريق نقاشاً جاداً تبنّى منظوراً أبعد وركّز على خيارات تلبي احتياجات أصحاب المصلحة، ومنهم الموظفون.

ولضمان توافق عملية صناعة القرار في فريقك مع قيمك:

  • عند مناقشة أي قرار استراتيجي، احرص على تحديد القيم المؤسسية المعنية بوضوح منذ البداية، واعتبرها مرجعية أساسية لتقييم الخيارات المتاحة.
  • عند إبلاغ الآخرين بالقرارات، ابدأ بقول: "هذه هي القيمة التي أعطيناها الأولوية عند اتخاذ هذا القرار"، ثم أوضح المبررات؛ فالربط بين الإجراء والمبدأ الذي استند إليه يعزّز المصداقية.

تقديم نموذج في سرعة التعلّم والتكيف.

من المعروف أنكم تخوضون تجارب غير مسبوقة، فلا داعي لإخفاء ذلك. والفريق الذي يُظهر قدرته على التعلّم والتطور بوضوح استجابة للتغيرات يمنح الآخرين ثقة بأنه سيظل مرناً وقادراً على التأقلم، لا متصلباً ومصراً على اتخاذ موقف دفاعي، عندما تتغير الظروف مجدداً.

أطلع الآخرين على ما تتعلمه وكيفية تعلُّمه وكيفية توظيف المعرفة الجديدة. واحرص قدر الإمكان على مواكبة تحولات القطاع والمخاطر الجيوسياسية والتكنولوجيات الناشئة؛ فالقائد الذي يستثمر في التعلم المستمر وصقل المهارات يحافظون على ثقة الآخرين بقدرتهم على التعامل مع التعقيدات. أما التعلم السريع والتخلي السريع عن المعرفة غير الملائمة فيعكسان صفتين ضروريتين لدى القائد في ظل الاضطرابات الحالية.

لتقديم نموذج لسرعة التعلم:

  • ابدأ اجتماعات فريق القيادة بجولة تحت عنوان "ما الذي أتعلمه الآن؟"، وادعُ أعضاء الفريق إلى مشاركة أي أفكار أو تجارب جديدة يخوضونها أو يحاولون فهمها.
  • صمّم مساحة تعلّم قيادية مشتركة، سواء كانت ملموسة أو إلكترونية، يُتاح فيها لأعضاء الفريق التنفيذي مشاركة مقالات أو أدوات أو تجارب مرتبطة بالتحديات الراهنة، ما يعزز ثقافة التعلم المستمر والانفتاح المعرفي.

تعزيز الأمان النفسي ضمن الفريق.

يسهم تشجيع الآراء المعارضة والحوار المفتوح داخل الفرق في تعزيز جودة صناعة القرار؛ لذا من الضروري إفساح المجال أمام وجهات النظر المتنوعة تفادياً للانغلاق الفكري أو الانقسام الأيديولوجي أو الوقوع في مزلق التفكير الجمعي؛ فالفرق التي تتعامل مع الخلاف وحب الاستطلاع بوصفهما أمراً مألوفاً تعكس قدراً عالياً من النضج العاطفي والانفتاح، وهما سمتان كثيراً ما تُفسَّران على أنهما دليل على القوة. وفي غياب هذا الأمان النفسي، يلوذ الأفراد بالصمت أو يلجؤون إلى المقاومة السلبية، ما يبدّد الثقة بسرعة أكبر من أي خلاف علني.

أشار قارئ آخر لمقالنا السابق إلى أن الفريق التنفيذي بشركته لا يتمتع بدرجة كافية من الثقة تمكّن الأعضاء من مصارحة أحدهم الآخر بآرائه. وتساءل: "كيف نوفر بيئة آمنة بما يكفي لترسيخ ثقافة المصارحة حتى في الأمور الشائكة؟"

يبدو أن صيغة السؤال تفترض أن المشكلة تكمن في "الاستعداد النفسي"، أي أن التطرق إلى المواضيع الصعبة يستوجب شعوراً بالألفة والارتياح. بيد أن الواقع مغاير؛ فهذه الأحاديث غير مريحة بطبيعتها، لكنها تستدعي مهارات يفتقر إليها الكثير من فرق القيادة.

ما الذي أنصحه به؟ التمرين المنتظم؛ فمهارة إدارة الخلافات، مثلها مثل أي مهارة أخرى، تحتاج إلى تدريب متواصل. عليك أن تتردد على "صالة التدريب على الخلافات التنفيذية" وتواصل التمرين حتى تقوى عضلاتك بالقدر الذي يسمح لك بالتعامل مع أي خلاف قد يطرأ.

لخلق بيئة يشعر فيها الجميع بالأمان النفسي:

  • خصص وقتاً دورياً للفريق (شهرياً أو كل 3 أشهر مثلاً) للتدرُّب على إدارة الخلافات وطرح القضايا الشائكة عمداً بهدف اعتياد الاختلاف وتعلّم كيفية الاستجابة دون اتخاذ مواقف دفاعية.
  • اعتمد قاعدة جماعية، مثل "اختلف كما تشاء، لكن التزم بما نتفق عليه" لتشجيع طرح الآراء بصراحة، مع الحفاظ على وحدة التنفيذ بعد اتخاذ القرار.

التحاور بصراحة وإظهار موقف موحد أمام الآخرين.

إلى جانب اعتياد الخلافات البنّاءة داخل فريق القيادة، اجعل هذا الفريق أكثر البيئات أماناً للتعبير عن الإحباط أو القلق أو حتى الشعور بالعجز عن مواكبة التحديات. فثمة مَن في المؤسسة سيحاول زرع الانقسامات بينكم لفرض رؤيته للواقع أو لحماية مصالحه الشخصية. لا تنجرّوا وراءه؛ فغالباً ما تكون الفرق الأكثر نضجاً هي التي تخوض أشدّ النقاشات داخلياً، لكنها تفعل ذلك باحترام وبهدف مشترك وضمن ضوابط واضحة.

توافقوا على الرسائل الأساسية في كل نقاش، واحرصوا على ألا يكون هناك أي تباين بين ما تتفقون عليه داخلياً والطريقة التي يعبّر بها كلٌّ منكم عن تلك الرسالة خارجياً، فعند الإعلان عن الرسالة، تصبح ملكاً للفريق بأكمله. وأي انحراف عن ذلك يفتح الباب أمام التكهنات والانقسامات ويقوّض الثقة في وحدة صف القيادة.

لضمان التوافق على رسائل تعكس وحدة الفريق القيادي:

  • استخدموا قالباً موحّداً للرسائل بعد كل نقاش قيادي مهم، لضمان اتساق الصياغة وتوحيد النقاط الرئيسة قبل الشروع في تعميم الرسائل على مختلف المستويات.
  • اتفقوا على وجود "مساحة خاصة" داخل الفريق تُستخدم لمراجعة أي تحفظات أو اعتراضات بعيداً عن أعين الآخرين، حفاظاً على وحدة الموقف المعلَن.

تعزيز التعاون المشترك بين مختلف الأقسام.

تؤدي الضغوط الخارجية المتزايدة إلى تركيز القادة على مسؤولياتهم المحددة، سواء ضمن الإدارات أو المناطق. لكن هذا النمط من القيادة المنعزلة يفاقم انعدام الكفاءة ويقوّض الثقة على مستوى المؤسسة كلها.

تتميز الفرق العالية الأداء بقدرتها على كسر الحواجز ومواءمة الجهود بين مختلف الأقسام، ما يعزز الشعور بوحدة الصف في مواجهة الاضطرابات الخارجية؛ فعندما يعمل الفريق باعتباره وحدة واحدة لا تكتلات منفصلة، فإنه يقدم نموذجاً للتوافق الذي يُفترض أن تقتدي به بقية المؤسسة. وفي أوقات التوتر، يُعطي التعاون مؤشراً على وجود هدف مشترك وتنفيذه بصورة جماعية منضبطة، وهما أمران يمنحان الآخرين شعوراً بالأمل والثقة.

خلال إحدى مبادرات التحول العالمية التي شاركتُ فيها مؤخراً، كان 3 مسؤولين تنفيذيين يقودون 3 أقسام تختص بثلاثة مجالات حيوية متداخلة (تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتكنولوجيا المعلومات) وكانوا يواجهون خلافات حادة بخصوص المهام والمسؤوليات المنوطة بكلٍّ من الأقسام الثلاثة. ولحل هذه المعضلة، بادروا بجولة ميدانية على مستوى العالم للقاء فرقهم وتقديم نموذج عملي للانسجام وتعزيز فهم كيفية التعاون بين الأقسام. وفي لفتة ذكية، تولى كل منهم عرض إسهامات زميلَيه بدلاً من إسهامات قسمه، في إشارة رمزية إلى تقاسم المسؤولية. وبعد 4 أشهر، تحسنت مستويات التعاون والتآزر بصورة ملحوظة.

لتعزيز التعاون المشترك بين الأقسام:

  • كلّف مسؤولين من أقسام مختلفة بقيادة المبادرات معاً، بحيث يتشاركون المسؤولية عن النتائج والرسائل الصادرة.
  • في مستهل كل اجتماع قيادي، اطلب من أحد الأقسام أن يقدّم لمحة موجزة عن أثر إحدى المشكلات المؤسسية الحالية عليه؛ فهذه الممارسة تساعد على إبقاء العلاقات المتداخلة حيّة وواضحة.

قيادة الآخرين عبر الصراحة مع توضيح السياق المحيط بالقرار.

حين تشارك الآخرين طريقة تفكيرك، فإنك تمنحهم فرصة ليتعلّموا منك ويتعرفوا إليك من كثب؛ فيرون ضعفك الإنساني، ما يجعلك أكثر جدارة بثقتهم. و"القيادة عبر الصراحة أو المكاشفة" تعني التصريح بما يدور في ذهنك، مثل: "ما زلت أحاول فهم هذا الأمر بنفسي، لكن ما أعرفه حتى الآن هو" أو "دعونا نعيد النظر ونتذكر أن" أو "أعلم أنكم قد تميلون إلى تفسير الأمر على هذا النحو، لكنني أدعوكم للتفكير فيه من زاوية مختلفة".

ويساعدك توضيح السياق في قطع الطريق على الروايات غير الدقيقة التي تنشأ من المعلومات المنقوصة؛ فحين يدرك الآخرون فحوى القرار، إضافة إلى خلفيته وأسبابه، فإن ذلك يعمّق ثقتهم، وإن اختلفوا معه. لكن عندما تغيب الشفافية، تظهر الفرضيات والتأويلات البديلة بسرعة وغالباً ما تكون ظالمة. وهنا تبرز أهمية "القيادة عبر المكاشفة"، باعتبارها وسيلة استباقية لمواجهة التشويش ببناء فهم حقيقي وتواصل فعال.

لمكاشفة الموظفين وتعريفهم بالسياق المحيط بالقرار المتخَذ:

  • استخدم عبارات تمهيدية في الاجتماعات والرسائل لتوضيح سياق صناعة القرار، مثل: "هذه هي العوامل التي كنا نوازن بينها" أو "ما زلنا نجهل بعض الجوانب" أو "هكذا توصّلنا إلى القرار الذي اتخذناه".
  • شجّع القادة على توضيح طريقة تفكيرهم في أثناء الحديث باستخدام صيغ مثل: "ما زلت أرتب أفكاري، لكن هذا ما أفكر فيه حالياً"، لا سيّما خلال النقاشات المباشرة أو جلسات الأسئلة والأجوبة.

لا تنبع الثقة في فرق القيادة من كمالها، بل من تضامنها وقناعتها الراسخة وجهودها الملموسة. وفي زمن تبدو فيه أمور كثيرة خارجة عن السيطرة، فإن الفرق القيادية التي تلتزم بالشفافية والتواضع ووحدة الصف تمنح مؤسساتها شيئاً نادراً: ركيزة راسخة في وجه العواصف. صحيح أن العالم يتحول إلى بيئة تزداد فيها صعوبة القيادة، لكن الفرق التي تتبنى هذه الممارسات تحفز الآخرين على الثقة بقدراتها القيادية واتباع خُطاها في نهاية المطاف.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي