قد تبدو كتابة الوصف الوظيفي مهمة بسيطة، لكنها تتطلب مزيجاً من الوضوح والإبداع؛ إذ يتعين عليك تقديم تفاصيل واضحة وعملية عن المهام اليومية للدور الوظيفي المطلوب شغله، لكنك تريد في الوقت نفسه جذب أصحاب المواهب المتميزة وإثارة حماسهم بشأن الوظيفة؛ فكيف تبدأ إذاً؟ كيف تكتب وصفاً وظيفياً يقدّم معلومات وافية وجذاباً في الوقت نفسه؟ كيف تتجنّب العبارات التي قد تنفّر المتقدمين دون قصد؟ وكيف تضمن أن يعكس الوصف الوظيفي توقعات القوى العاملة في العصر الحالي؟
ما الذي يقوله الخبراء؟
إذا نظرنا إلى مجموعة المهام الإدارية، فسنجد أن كتابة الوصف الوظيفي تحتل مرتبة وسطى بين تقييم أداء الموظفين وإعداد تقارير النفقات، أي أنها مهمة مملة جداً ولا تمنح القائمين عليها شعوراً فورياً بالإنجاز؛ لكن الخبراء ينصحون بتغيير منظورك حيالها؛ فهي ليست مجرد عمل روتيني رتيب، بل فرصة حقيقية لاستقطاب موظف جديد يمكنه "تقديم أفكار مبتكرة والإسهام في تنفيذ استراتيجية المؤسسة وتعزيز فريق العمل"، على حد قول مستشار الموارد البشرية والأستاذ المساعد في كلية بوفارد بجامعة جنوب كاليفورنيا (USC Bovard College)، تايرون سميث جونيور، الذي يضيف قائلاً: "يجب أن تسأل نفسك: كيف يلبي هذا الشخص احتياجاتي الآن وفي المستقبل؟"
يضيف مؤلف "دليل هارفارد بزنس ريفيو لإدارة المشروعات" (Harvard Business Review Project Management Handbook)، أنطونيو نيتو-رودريغيز، أن كتابة الوصف الوظيفي تمثل أيضاً فرصة لإبراز رؤية المؤسسة وهويتها وقيمها، وربطها باهتمامات الباحثين عن العمل، قائلاً: "أصبح العمل اليوم أكثر مرونة، حيث يبحث الموظفون عن حرية تشكيل مساراتهم المهنية والحصول على فرص للنمو، إضافة إلى رغبتهم في التمتع بمزيد من الاستقلالية". ومن هذا المنطلق، إليك كيفية صياغة وصف وظيفي يتوافق مع تطلعات المرشحين ويشجعهم على التقدم لشغل الوظائف الشاغرة:
ابدأ بالتفكير العميق
مثلما هي الحال مع أي مهمة كتابية، لا تبدأ كتابة الوصف الوظيفي بوضع أناملك على لوحة المفاتيح استعداداً للكتابة، بل ابدأ بالتفكير أولاً. ابدأ بوضع تصور محدَّد للمرشح المثالي وفكِّر في السمات والمعرفة والخبرات والمهارات التي ستجعل منه خياراً مناسباً، ثم حدِّد المسؤوليات الأساسية للدور وأهدافه العامة، وأخيراً ضع نفسك مكان المرشح: ما هي عوامل الجذب في هذه الوظيفة؟ يقول سميث: "فكِّر في الجوانب التي تثير حماس المرشح لخوض تجربة العمل في مؤسستك وعلامتك التجارية". من جانبه يقترح نيتو-رودريغيز إشراك الزملاء في هذه العملية، مضيفاً: "اطلب منهم تقديم آرائهم حول السمات التي يبحثون عنها في زميلهم الجديد، واسألهم عن الأشياء التي يحبونها في وظائفهم والمؤسسة عموماً".
ركِّز على الأثر
قد ترغب في ملء الوصف الوظيفي بقائمة من المهام والتوقعات، لكن هذا الأسلوب لن يثير حماس المرشحين المحتملين، على حد قول سميث. فكِّر بدلاً من ذلك في الموقف من زاوية أشمل، أي سلِّط الضوء على العلاقة بين الوظيفة واستراتيجية المؤسسة. يضيف سميث: "أظهر كيفية إسهام هذا الدور في تحقيق القيمة للفريق أو للمؤسسة كلها". من جانبه يقترح نيتو-رودريغيز جذب الباحثين عن وظائف هادفة من خلال إبراز الأثر الاجتماعي أو المؤسسي لهذا الدور، قائلاً: "وضِّح للمرشحين ما سيحصلون عليه من هذه الوظيفة والمعنى الذي ستضيفه لحياتهم المهنية". يمكنك، على سبيل المثال، توضيح كيفية إسهام الوظيفة في تحقيق أهداف الاستدامة للمؤسسة أو التزامها بتعزيز التنوع. ويؤكد نيتو-رودريغيز أن هذا النهج يبرز أهمية الوظيفة و"أثرها الإيجابي المحتمل".
سلّط الضوء على فرص النمو والتطور المهني المتاحة
يشير نيتو-رودريغيز إلى أن الكثير من الباحثين عن عمل، خاصةً الفئات الشبابية، ينجذبون إلى المؤسسات التي تتيح لهم مسارات مهنية متنوعة وفرصاً متعددة للتطور المهني؛ لذلك ينصح بالتركيز على إمكانيات النمو والتطور المهني المتاحة في الوظيفة، سواء من خلال التوجيه والتدريب أو الانتقال إلى مجالات أخرى، مثل التسويق والمبيعات والاستراتيجية، أو حتى العمل في شركات شريكة. بعبارة أخرى "وضّح لهم أن التطور المهني لا يتخذ مساراً تقليدياً بالضرورة"؛ إذ يتمثل الهدف هنا في "مساعدة المرشحين على وضع تصور ملموس لفرصهم ومستقبلهم المهني داخل المؤسسة".
ركّز على المهارات، لا الشهادات الأكاديمية
يقول نيتو-رودريغيز "يلجأ البعض أحياناً إلى الاعتماد المفرط على الخلفية التعليمية للمتقدّم عند كتابة الوصف الوظيفي، ما قد يؤدي دون قصد إلى التحيّز واستبعاد مرشحين أكفاء". وللتخلُّص من هذه الظاهرة، ينصح بإعطاء الأولوية للمهارات والخبرات والمؤهلات البديلة. ويقترح سميث "تسليط الضوء على الكفاءات المحددة التي تبحث عنها"، والتي يكتسبها المرشح أحياناً من خلال عمله في وظائف بدوام كامل أو اشتراكه في أعمال تطوعية أو مشاريع مستقلة. ويضيف: "عند توضيح أنك تبحث عن المهارات إلى جانب التعليم الرسمي أو بدلاً منه، فإنك ترسل رسالة إلى المرشحين بأنك تقدّر تنوّع الخبرات". ومع ذلك عليك أن تتجنّب المبالغة في سرد المهارات، لأن ذلك قد يُثني المرشحين الذين قد يشعرون بأنهم لا يستوفون المتطلبات كلها.
سلّط الضوء على الاستقلالية التي توفرها الوظيفة
أثبتت بيانات الدراسات الاستقصائية ازدياد تقدير الموظفين لقدرتهم على التحكم في مكان العمل ووقته وطريقته. إذا كانت الوظيفة المطلوب شغلها توفر هذا المستوى من المرونة، فاحرص على تسليط الضوء عليه. يقول سميث: "تؤمن الأجيال الشابة بضرورة توجيه التركيز إلى أداء المهام نفسها دون الالتفات إلى مكان العمل"، كما أن الموظف يرغب أيضاً في حرية صناعة القرار وتحمل مسؤولية عمله، وينبغي أن يعكس الوصف الوظيفي هذا الواقع، وفقاً لنيتو-رودريغيز الذي يقول: "تحدث عن مقدار الاستقلالية والتمكين اللذين سيتمتع بهما المرشح في دوره الوظيفي". وبدلاً من سرد المهام الروتينية، مثل زيادة عدد الموظفين أو إدارة العمليات اليومية، ركّز على المسؤوليات التي تمكّن الموظف من تنمية فريقه وإحداث أثر أو تطوير استراتيجيات جديدة. ويضيف: "ركز على توضيح الأهداف والنتائج المرجوّة منه".
اختر كلماتك بعناية لجعل الإعلان جذاباً
على الرغم من استخدام بعض المؤسسات مصطلحات براقة في إعلانات الوظائف، مثل "نجوم الروك" (Rock Stars) التي تعني أشخاصاً استثنائيين في مجالاتهم و"الغورو" (Gurus) التي تعني الخبراء ذوي المعرفة العميقة و"النينجا" (Ninjas) التي تشير إلى المحترفين الماهرين، يدعو نيتو-رودريغيز إلى استخدام مصطلحات واضحة ومباشرة؛ إذ يقترح التركيز على السمات التي يمتلكها المرشحون لجعل الوصف الوظيفي أكثر قابلية للتطبيق على أرض الواقع، كما يدعو إلى الاستفادة من تحسين محركات البحث (SEO) لضمان وصول الإعلان إلى مجموعة أوسع من المتقدمين. ينصح أيضاً بتجنب العبارات النمطية المستهلكة، مثل "نعمل بجد ونستمتع بجد" أو "التألق في بيئات العمل المشحونة بالضغوط"، لأن المرشحين للوظيفة يفسّرون هذه العبارات غالباً على أنها مؤشرات لثقافة عمل مرهقة أو غير متوازنة. ويضيف سميث: "ينبغي أن تعكس اللغة المستخدمة التزام شركتك بالشمول الاجتماعي".
تحدث عن المكافآت والمزايا بشفافية
ينصح نيتو-رودريغيز بأن تكون المؤسسات واضحة وصريحة قدر الإمكان بشأن موضوع المكافآت والمزايا التي تقدمها للموظفين عند صياغة الوصف الوظيفي، على الرغم من تجنُّب الكثير من المؤسسات الحديث عنه باعتباره موضوعاً حساساً أو محظوراً؛ إذ يقول: "المال مهم، لكنه غالباً ما يُعامل في كثير من إعلانات الوظائف وكأنه صندوق أسرار مغلق"؛ لذا من الأفضل أن تحدد نطاقاً واضحاً للرواتب والمزايا التي تقدمها الوظيفة. ويضيف: "حفّز المتقدمين من خلال توضيح فرص نمو المكافآت المالية بناءً على إسهاماتهم وإنجازاتهم"، وذلك من خلال الحوافز المستندة إلى الأداء، مثل المكافآت والعمولات وغيرهما من المزايا، كما يشير إلى أن المرشحين سيقارنون إعلانك الوظيفي بعروض المنافسين. يقول سميث: "سيعمل المتقدمون على تقييم إعلانك على عدة مستويات، منها الراتب والمرونة والمزايا مقارنةً بالسوق"؛ وبالتالي فتقديم معلومات شفافة وعرض مغرٍ مقارنة بالمنافسين سيصبّ في مصلحتك ويجذب أفضل المواهب للعمل لديك.
تجنب الأسلوب الرتيب في كتابة الوصف الوظيفي
أخيراً، لا تنسَ إضافة لمسة من المرح. يقول نيتو-رودريغيز إن الوصف الوظيفي يجب أن يكون جذاباً، ويقترح دمج عناصر الوسائط المتعددة، مثل مقاطع الفيديو أو العروض التقديمية الرقمية، لجعل الإعلان أكثر حيوية. ويضيف: "أضف إليه بعض الحيوية". عزّز إعلانك الوظيفي من خلال نشر المحتوى على منصات مثل النشرات البريدية أو مقاطع الفيديو على لينكد إن لتوسيع نطاق الوصول إلى عدد أكبر من المرشحين المحتملين. يقول سميث: "كُن مبدعاً؛ فالمرشحون يريدون الانضمام إلى مؤسسات تفكر بأساليب حديثة ومبتكرة". أظهِر أن مؤسستك متميزة في كلٍّ من المضمون والأسلوب.
مبادئ يجب تذكرها
التزم بما يلي:
- حدِّد مميزات الوظيفة التي تجعلها جذابة للمتقدمين، واطلب آراء فريقك حول السمات التي تبحث عنها في المرشحين ومواطن قوة مؤسستك.
- سلّط الضوء على مرونة الدور الوظيفي واستقلاليته بدلاً من سرد قائمة طويلة من المهام.
- وضّح العلاقة بين هذا الدور الوظيفي واستراتيجية المؤسسة وأثره العام، وسلّط الضوء على قيمته لكلٍ من الفريق والمؤسسة.
تجنَّب ما يلي:
- لا تُخفِ التفاصيل المتعلقة بالجوانب المالية؛ كن واضحاً بشأن الرواتب والمزايا لجذب المرشحين والحفاظ على ميزتك التنافسية.
- لا تبالغ في الاعتماد على الخلفية التعليمية؛ بل ركّز على المهارات والخبرات لتجنب إحباط المرشحين الذين قد يشعرون بأنهم لا يستوفون المتطلبات كلها.
- لا تستخدم المصطلحات البراقة أو العبارات النمطية المستهلكة؛ بل استخدم مصطلحات واضحة ومباشرة تعكس السمات القابلة للتطبيق على أرض الواقع والتزام شركتك بالشمول الاجتماعي.