ملخص: لا يستطيع الوصف الوظيفي التقليدي مواكبة وتيرة تغيّر الأدوار في مؤسسات اليوم. فمع إدخال التكنولوجيا الجديدة التي تزعزع العمليات وتتطلب مهارات جديدة، بالإضافة إلى انتقال الشركات إلى ترتيبات العمل القائمة على المشاريع، بدأنا نشهد تحولاً جذرياً في الوصف الوظيفي، فبدلاً من أن يكون ثابتاً وشاملاً يبقى مع الموظف سنوات دون تغيير، أصبح دليل توجيه حيوياً يتغير وفقاً لمتطلبات الدور المحدد. حلّت أساليب أكثر مرونة محلّ الوصف الوظيفي التقليدي، ترتكز على النتائج والمهارات المطلوبة وديناميكيات الفريق.
تتغير الوظائف بسرعة في عالم اليوم، والوصف الوظيفي التقليدي غير قادر على مواكبتها، فمع إدخال التكنولوجيا الجديدة التي تزعزع العمليات وتتطلب مهارات جديدة، بالإضافة إلى انتقال الشركات إلى ترتيبات العمل القائمة على المشاريع، بدأنا نشهد تحولاً جذرياً في الوصف الوظيفي، فبدلاً من أن يكون ثابتاً وشاملاً يبقى مع الموظف سنوات دون تغيير، أصبح دليل توجيه حيوياً يتغير وفقاً لمتطلبات الدور المحدد.
على سبيل المثال، قد تعيّن شركة موظفاً لأداء مجموعة محددة من المهام، ولكن بعد 4 أشهر تحتل مجموعة مختلفة من المهام أولوية استراتيجية في دوره. حتى لو كان الموظف يتمتع بالمهارات اللازمة لأداء المهام الجديدة، فيمكنه رفض أدائها بالقول إن وصفه الوظيفي ينص على أنه عُين لمجموعة مختلفة من المهام، أو على العكس من ذلك، إذا قبل أداء المهام الجديدة، فإن وصفه الوظيفي يصبح قديماً ولا يعكس دوره بدقة.
ولأن الوصف الوظيفي يكون غالباً وثيق الارتباط بمجال العمل الأساسي للموظف، فمن الممكن أن يعزز عن غير قصد عقلية الصومعة داخل المؤسسة من خلال تثبيط العمل التعاوني بين الوظائف. ولا يشجع الوصف الوظيفي غير المرن تجريب التقنيات الجديدة التي لم تكن متوقعة عند إنشائه، وأخيراً، يمكن أن يمنع الوصف الوظيفي المحدود الموظف من الاستفادة بالكامل من مهاراته ومواهبه في العمل، ما يؤدي إلى انعدام الرضا الوظيفي.
استجابة لذلك، بدأت الشركات التعامل مع الوصف الوظيفي بطرائق جديدة أكثر مرونة تعتمد على النتائج والمهارات المطلوبة وديناميكيات الفريق. سأشرح كل عنصر من هذه العناصر على حدة، ولكن لنلقِ نظرة أولاً على كيفية تطور الوصف الوظيفي إلى شكله الحالي ونناقش الغرض منه.
ما الغرض من الوصف الوظيفي؟
نشأ الوصف الوظيفي كما نعرفه اليوم خلال الثورة الصناعية. مع انتشار المصانع والمؤسسات الكبيرة الأخرى، ظهرت الحاجة إلى تحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح أكبر لتعزيز الكفاءة والإنتاجية. أدت هذه الحاجة إلى إنشاء مسميات وظيفية موحدة تحدد مهام كل منصب وواجباته ومتطلباته.
بحلول منتصف القرن العشرين، أصبح الوصف الوظيفي منظماً ومفصلاً أكثر، وهو في الوقت الحالي يُستخدم لعدة أغراض:
- التوظيف: يوضح الوصف الوظيفي للمرشحين المحتملين مدى ملاءمتهم للوظيفة، إذ يبين لهم المهام التي يتضمنها الدور والمهارات والمؤهلات المطلوبة.
- توضيح الدور: يساعد الوصف الوظيفي على توضيح المسؤوليات والمهام والتوقعات المتعلقة بالدور، ما يسهم في تجنب الغموض والخلافات.
- إدارة الأداء: يعدّ الوصف الوظيفي مقياساً معيارياً لتقييم أداء الموظفين.
- إدارة الموارد البشرية: يساعد الوصف الوظيفي الموارد البشرية على وضع خطط تطوير الموظفين وتحديد التعويضات، ويعدّ وثيقة قانونية.
إذاً كيف يمكن زيادة مرونة الوصف الوظيفي وتلبية هذه الاحتياجات في الوقت نفسه؟
أساليب أكثر مرونة
نلاحظ أن الشركات تتبنى 3 أساليب جديدة في أثناء تعاملها مع الأدوار السريعة التغيّر والقائمة على المشاريع.
الوصف الوظيفي الذي يركز على النتائج
بدأ بعض الشركات تحديد الوصف الوظيفي بناءً على النتائج التي تتوقعها من الدور بدلاً من تحديد مهام الموظف أو واجباته فيه بالتفصيل، يوفر هذا النهج المرونة للموظف لتحديد أفضل طريقة لتحقيق تلك النتائج، وبالتالي يحفزه على الابتكار والمبادرة، والأهم هو أنه يتيح له تكييف نهجه مع تغير الظروف.
على سبيل المثال، بدلاً من إدراج المهام في الوصف الوظيفي لمدير المبيعات، مثل "إجراء لقاءات ربع سنوية مع العملاء الرئيسيين" أو "إعداد تقارير شهرية للمبيعات"، يركز الوصف الوظيفي على النتائج المرجوة مثل "زيادة المبيعات الإقليمية بنسبة 15%" و"تحسين استبقاء العملاء بنسبة 10%".
تستخدم شركة جوجل مثلاً وصفاً وظيفياً يركز على النتائج لتحفيز أفضل المواهب لديها؛ يقول النائب الأول السابق للرئيس لشؤون عمليات الأفراد في جوجل، لازلو بوك، موضحاً: "نعتقد في جوجل أن الوصف الوظيفي الذي يركز على النتائج ضروري لجذب الموظفين الموهوبين والاحتفاظ بهم. عندما يفهم الموظف المتوقع منه وطريقة تقييم أدائه، سيزداد حافزه واندماجه في عمله".
على سبيل المثال، قد يتضمن الوصف الوظيفي التقليدي لاختصاصي أخلاقيات التصميم في جوجل مهام محددة مثل تحليل خوارزمية البحث للتحقق من التحيز مرة واحدة شهرياً أو الحرص على تحديث تقرير مخاطر الخصوصية باستمرار، في المقابل يحدد الوصف الوظيفي القائم على النتائج مهمة أوسع لاختصاصي أخلاقيات التصميم تتمثل في تحديد المخاطر الأخلاقية في منتجات جوجل أو وضع مبادئ توجيهية للتصميم الأخلاقي للمنتجات. أي يتيح الوصف الوظيفي القائم على النتائج لكل من الموظف والشركة المرونة لتكييف مهام اختصاصي أخلاقيات التصميم مع تطور التقنيات، كما هي الحال عند دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدمات جوجل مثلاً.
الوصف الوظيفي الذي يركز على المهارات
تُنشئ شركات أخرى مستندات حيوية تحدد المهارات والقدرات التي يمتلكها الموظف بالفعل أو التي يحتاج إلى تطويرها لأداء دوره. يحول هذا النهج التركيز من المهام المحددة التي يُتوقع أن يؤديها الموظف إلى المواهب والمهارات التي يملكها وطرق الاستفادة منها في مشاريع الشركة المختلفة.
يتطلب تنفيذ هذا النهج من الشركة تحديد المهارات والمؤهلات اللازمة لكل دور، وإنشاء برامج تدريبية ومسارات مهنية تساعد الموظفين على اكتسابها. الهدف هو تحقيق الفائدة الكاملة من قدرات الفرد ومواطن قوته وتطويرها، ما يؤدي إلى زيادة رضاه الوظيفي وتعزيز أدائه. يسمح هذا النهج أيضاً للشركات بجمع فريق من الأفراد الذين يتمتعون بالمهارات والخبرات اللازمة بسرعة للتعامل مع مشاريع أو مبادرات محددة.
على سبيل المثال، يمكن لمحلل البيانات الذي يتمتع بمهارات عالية في التصوير المرئي أن يتحول بسهولة من إنشاء نماذج بيانات معقدة إلى مهمة إعداد التقارير المرئية اعتماداً على متطلبات المشروع. سيكون على المحلل الخضوع إلى برنامج تدريبي متخصص مصمم لتعزيز مهارات محددة، مثل تقنيات التصوير المرئي المتقدمة وسرد البيانات. على هذا النحو، ومن خلال التركيز على مواطن القوة الفريدة ومجموعة المهارات الأوسع لدى المحلل، يمكن للمؤسسة صقل خبراته الحالية وتطويرها ليصبح محترفاً يتمتع بمهارات أكثر تنوعاً وشمولاً.
الوصف الوظيفي المستند إلى الفريق
أخيراً، وبدلاً من منح كل عضو في الفريق وصفاً وظيفياً فريداً، يُعين بعض الشركات أفراداً في فرقٍ مكلّفة بتحقيق مجموعة مشتركة من الأهداف والنتائج والمنجزات. في هذه الحالة، الأمر منوط بالفريق ليقرر بصورة جماعية دور كل عضو في تحقيق أهداف الفريق.
وشركة سبوتيفاي من أبرز الشركات التي تتبع هذا النهج، حيث يعمل الموظفون في فرق صغيرة متعددة الوظائف لكل منها مهمة محددة، تقرر كل فرقة منها بصورة مستقلة الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق أهدافها، معتمدة في اتخاذ قراراتها على إجماع أعضائها والفهم العميق لمواطن قوة كل عضو وتفضيلاته، وتعقد الفِرق اجتماعات منتظمة لمناقشة التحديات وتقييم التقدم المحرز وتعديل الأهداف وحل أي مشكلات أو معوقات تنجم عن توزيع المهام.
التغلب على التحديات
إلى جانب مقاومة التغيير البسيطة، ثمة تحديات كثيرة أخرى يجب على الشركات معالجتها عند التخلي عن الوصف الوظيفي التقليدي.
يكمن التحدي الأساسي الأهم في عدم وضوح توقعات الوظيفة والأداء، بعبارة أخرى، كيف يمكن للموظف معرفة ما يُتوقع منه في غياب الوصف الوظيفي التقليدي؟ وكيف يمكن للمدير تقييم أدائه موضوعياً وضمان منح التعويضات والترقيات المناسبة من دون التوجيه الواضح الذي يوفره الوصف الوظيفي التقليدي عادة؟
يمكن للمدراء اتباع طرق بديلة للعمل مع فرقهم على تحديد الأدوار والمسؤوليات وإنشاء فهم مشترك لمسؤوليات كل عضو في الفريق. على سبيل المثال، لنفترض أنك تدير فريقاً من مطوري البرمجيات، وأن شركتك تنتقل إلى تبنّي الوصف الوظيفي القائم على الفريق. في هذه الحالة، يمكن للمدير أن يتعاون مع الفريق لإنشاء مصفوفة مهارات تحدد مهارات كل عضو في الفريق وقدراته، وبعد ذلك، يمكن للمدير استخدام أدوات إدارة المشاريع مثل منهجية أجايل (Agile) أو نظام لوحات كانبان لإدارة أعباء العمل وتحديد أولويات المهام.
بالنسبة للتوظيف، تمثل المقابلة القائمة على الكفاءة وسيلة أكثر فعالية لتقييم ملاءمة المرشح لدور مرن وحيوي مقارنة بالمقابلة التقليدية التي تركز عادة على خبرة المرشح ومؤهلاته.
وبالنسبة لتقييمات الأداء، يمكن لأدوات مثل تقييم الأداء بطريقة 360 درجة أن تساعد المدير على تقييم أداء الموظف في مجالات مختلفة، منها مهارات الموظف وقدراته وإسهاماته في الفريق.
من القضايا الشائكة الأخرى الامتثال للقوانين، مثل قانون معايير العمل العادلة (FLSA) المعمول به في الولايات المتحدة، إذ يمثل تحدياً دون وجود وصف وظيفي رسمي. قد يكون الحل في مثل هذه الحالة إنشاء "وثيقة الامتثال للدور" لكل موظف، التي توفر مخططاً عاماً للوظيفة وتتضمن تفاصيل مثل تصنيف الوظيفة (معفاة من أجر العمل الإضافي أو غير معفاة). بالإضافة إلى ذلك، من الضروري مراقبة مهام الموظفين ومسؤولياتهم وساعات عملهم الفعلية لضمان توافقها مع مبادئ العمل التوجيهية، وبناءً على ظروف العمل يمكن أن تنطوي هذه العملية على إجراء مراجعات دورية أو إنشاء سجلات تفصيلية باستخدام برمجيات الموارد البشرية الحديثة.
مع ازدياد مرونة المؤسسات وتفاعلها وإتاحة التقدم التكنولوجي أشكالاً جديدة من العمل في السنوات القادمة، سيستمر التوجه نحو العمل القائم على المشاريع والحاجة إلى وصف وظيفي أكثر مرونة. يتطلب هذا التغيير الجذري تحولاً في العقلية والثقافة ويدعو الأفراد والمدراء والقادة والمؤسسات إلى تجربة طرق العمل الجديدة والتعلم منها والتكيف معها. يمكن أن يؤدي اعتماد العقلية والنهج الصحيحين إلى رفع مرونة المؤسسات وقدرتها على الاستجابة والابتكار، وتهيئتها لمواجهة التحديات المستقبلية.