تزداد مشاعر الاستياء بين الموظفين بصورة ملحوظة، لكنّ هذه المشاعر لا تقتصر على الموظفين فحسب؛ إذ يعاني القادة على المستويات جميعها وطأة هذه المشاعر المدمرة وتداعياتها.
يعبّر أحمد، وهو أحد الرؤساء التنفيذيين للعمليات الذين أدرّبهم، عن استيائه بسبب تصرفات بعض أعضاء فريقه الذين يستغلون مرونة جدول العمل التي توفرها الشركة، عبّرت رنا أيضاً، وهي من كبار قادة فريق المنتجات، عن استيائها تجاه أحد زملائها الذي يبدو أنه يحظى بمعاملة مميزة عن الآخرين، كما تحدثت مريم عن غضبها وانزعاجها بسبب الوقت والطاقة الإضافيَين اللذَين استثمرتهما في أحد أعضاء الفريق الذي بدا غير مستعد للمبادرة وتحمل مسؤولية عمله.
الاستياء هو شعور معقد ومتعدد المستويات يتضمن مزيجاً من المشاعر الصعبة مثل الغضب وخيبة الأمل والإحباط والشعور بالمرارة، ويظهر عندما تشعر بأن أحدهم عاملك معاملة مجحفة أو قلل من قيمتك أو استغلك، وعلى الرغم من أن الاستياء يمكن أن ينشأ بسبب تجربة سيئة أو موقف سلبي، فإنه يتراكم عادة ويتفاقم بمرور الوقت. يؤدي تراكم هذه المشكلات والشكاوى إلى تفاقم الضرر الذي ينعكس على العلاقات، ويمكن أن يصبح الاستياء هاجساً مقلقاً يؤثر تأثيراً سلبياً في حياتك.
على الرغم من مجموعة المشاعر غير المريحة، فمن الممكن أن يكون الاستياء مغرياً بحيث يصعب التخلي عنه، ولكن التمسك به له عواقب وخيمة؛ إذ يؤدي الاستياء إلى توتر العلاقات في مكان العمل، ما يضر بالعمل التعاوني والتواصل بين الموظفين ويقوّض إنتاجيتهم، ويمكن أن يتسبب أيضاً بانفعالهم وتبنّيهم سلوكيات عنيفة وفظّة. يمكن أن يؤدي الشعور بالاستياء أيضاً إلى استمرار التوتر الذي يضر بحالتك المزاجية وصحتك النفسية ويستنزف طاقتك. يمكن أن يتفاقم أثر تراكم الاستياء أكثر من ذلك؛ إذ تشير الأبحاث إلى مجموعة من المشكلات الصحية والجسدية المرتبطة به، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وضعف الجهاز المناعي.
نظراً لإمكانية انتقال المشاعر بين الموظفين لا إرادياً، أو ما يسميه الخبراء "العدوى العاطفية"، إلى جانب أثر القادة الكبير في الحالة المزاجية للفريق والأداء المؤسسي، فمن الأفضل تفريغ مشاعر الاستياء ومعالجتها في مراحلها المبكرة قبل أن تتراكم وتزداد سوءاً. سواء كنت تعاني مشاعر الاستياء منذ زمن أم بدأت تشعر ببوادرها للتو، فمن المفيد تطبيق الاستراتيجيات التالية لحماية رفاهتك ورفاهة فريقك والحفاظ على جودة الأداء.
تحديد مصدر الاستياء وسببه
يمكن أن ينشأ الاستياء من مصادر متنوعة، لذلك، فإن تحديد سببه الأساسي ضروري جداً للتعامل معه بطريقة فعّالة ومثمرة.
ابدأ بتحديد الأفعال أو السلوكيات أو الظروف المحددة التي تثير استياءك. على سبيل المثال، هل أنت مستاء من زميلك لأنه لا يتحمل المسؤولية أو لا يلبي توقعات الأداء، أو يقوّض سلطتك أو يبدو أنه يخفي عنك بعض المعلومات؟ أم أنك تشعر ببعض الظلم لأنه يتلقى معاملة مميزة وهذا التمييز يضرّك؟
بعد ذلك، فكر في العوامل التي تثير مشاعرك السلبية تجاه هذا الزميل أو الموقف. ماذا تكشف هذه التصرفات التي تثير استياءك عن حدودك الشخصية وقيمك ومبادئك المهمة؟ سيؤدي تفكيرك العميق في مشاعر الغضب والألم التي تعتريك إلى رفع وعيك الذاتي وتعزيز فعالية قيادتك. على سبيل المثال، بعد التأمل والتفكير، أدركت رنا أن المصدر الحقيقي لاستيائها لم يكن زميلها، بل عدم شعورها باعتراف الفريق التنفيذي بمساهماتها وعدم تقديره لها.
أخيراً، فكر في درجة ما تعانيه من توتر واحتراق وظيفي، إذ يتفاقم الاستياء وغيره من المشاعر السلبية عندما نعاني استنزاف الطاقة والإنهاك. هل تزداد حدّة مشاعرك بسبب الضغوط التي تواجهها بالفعل أو بسبب إنهاكك نتيجة العمل بكامل طاقتك؟ إذا كان الأمر كذلك، فتأكد من تخصيص الوقت لتجديد مواردك الداخلية من خلال حرصك على العناية بنفسك بالدرجة الكافية.
النظر إلى الموقف من منظور مختلف
يتمثّل أحد أسباب تمسكنا بمشاعر الاستياء وعدم التخلي عنها في أنها تسمح لنا بالاحتفاظ بإحساسنا بأننا على حق وتحررنا من حمل أي لوم أو مسؤولية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الانحياز التأكيدي سيؤدي إلى عثورك على أخطاء إضافية تعزز مشاعر الاستياء لديك بحيث تصبح غير قادر على رؤية تصرفات الشخص الآخر المخالفة لاعتقادك بسبب تركيزك على ما يؤكد مشاعرك، وكلما زادت جهودك في تأكيد مشاعر الاستياء أو بناء حجج تدعمها، أصبح من الصعب عليك التغلب عليها.
لكن اسمح لنفسك بالتفكير في أنك ربما لا تعرف الحقيقة كلها أو أنك تتحمل بعض المسؤولية عن الموقف أيضاً. ما هي الافتراضات التي تتبناها حول الشخص أو الموقف والتي تحفّز مشاعرك السلبية؟ هل تسهم في استمرار هذا الوضع بسبب ما تفعله أو لا تفعله؟ على سبيل المثال، أدرك أحمد أنه كان يفترض أن موظفيه يستغلون المرونة في جدول العمل عمداً، وذلك أجج مشاعر الاستياء لديه، أدرك أيضاً أنه ربما لم يوضح توقعاته وأن سلوك فريقه قد يعكس سوء فهمهم للمتطلبات وليس عدم احترامهم له.
ضع نفسك أيضاً في مكان زميلك: كيف يبدو الموقف من وجهة نظره؟ افترض أنه إنسان عقلاني وحسَن النية، فما هو التفسير المنطقي لسلوكه؟ هل يمكن أن يكون غير مدرك أنه تجاوز الحدود وأنك تشعر بالانزعاج؟
كن منفتحاً على تفسيرات بديلة للأحداث؛ إذ يمكن أن تقلل هذه الجهود مشاعرك السلبية وتساعدك على تحديد خطوات أكثر إيجابية وفعالية للمضي قدماً.
التركيز على إيجاد الحلول المناسبة
يشير الاستياء غالباً إلى تجاوز الحدود أو عدم تلبية الاحتياجات. وتشير مشاعرك إلى أن الوضع الراهن يحتاج إلى تغيير، لذلك، بدلاً من الانغماس فيها دعها تُحفّزك على التصرف بطريقة إيجابية ووجّه طاقتك نحو إيجاد حلول عملية قد تُحسّن الوضع.
إذا كان هناك سلوك معيّن يسبب المشكلات، ففكر في كيفية معالجته بطريقة بنّاءة وفعالة. على سبيل المثال، أراد أحمد في البداية أن يرسل رسالة إلكترونية لأعضاء فريقه يعبّر فيها عن استيائه. لكن بعد أن تريث وأعاد التفكير، قرر بدلاً من ذلك أن يبدأ بإجراء محادثات مع الموظفين لفهم وجهات نظرهم، ما ساعده على تطوير أسلوب تواصل أعمق وسياسة أكثر حكمة، وهو ما حظي باستحسان الفريق كله في النهاية.
فكر أيضاً في كيفية تعديل الموقف أو العلاقة لمعالجة العوامل التي تثير المشاعر السلبية والعمل على تحسين الظروف لصالحك. في معظم الأحيان، لا يمكننا تجنب الأشياء أو الأشخاص الذين يثيرون مشاعر الاستياء لدينا بسهولة، ولكن من الممكن عادةً اتخاذ خطوات استباقية لتغيير الوضع ومعالجة العوامل التي تثير مشاعرنا السلبية ووضع حدود صحية وواضحة في العلاقات أو التفاعلات مع الآخرين. على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالاستياء من زملاء العمل الذين يقاطعون سير عملك بصورة متكررة من خلال طلبات المساعدة أو المحادثات العفوية، فيمكنك تحديد أوقات للتركيز لإبلاغهم أنك لن تكون متاحاً خلالها، أو يمكنك استخدام إشارات بصرية مثل إغلاق الباب أو وضع السماعات للإشارة إلى أنك تفضل عدم الإزعاج والمقاطعة.
أخيراً، فكر في طلب المشورة من مرشد أو زميل أو صديق. قد يساعدك التحدث إلى زميل أو صديق موثوق به في الحصول على وجهة نظر أكثر موضوعية وتوجيه ودعم مفيدَين.
التواصل البنّاء والفعال
يمكن أن تسهم المحادثات المفتوحة والصادقة في حل سوء الفهم ومعالجة المشكلات، لكن قد يكون من الصعب طرحها والتعامل معها. يمكن أن يفيد استخدام تقنية "التواصل السلمي" (Nonviolent Communication) في تقليل الانزعاج والتوتر؛ إذ تساعدك هذه التقنية المثبتة على معالجة المشكلة بطريقة مباشرة وصادقة مع الحفاظ على الاحترام في المحادثة والتركيز على المستقبل، ما يحسّن نتائجها.
يركز التواصل السلمي على 4 عناصر:
- إبداء ملاحظات موضوعية وغير قائمة على الأحكام المسبقة بشأن الأفعال أو السلوكيات.
- التعبير عن المشاعر الناجمة عن تلك الأفعال وأثرها فينا.
- تحديد قيمنا أو احتياجاتنا.
- اقتراح خطوات واضحة لحل المشكلة.
تخيل أنك تتعامل مع الزميل الذي يبدو غير مستعد للمبادرة وتحمل مسؤولية عمله، مثلما حدث مع مريم. بدلاً من أن تقول: "لقد سئمتُ من انتظارك دائماً للتعليمات قبل اتخاذ أي إجراء"، يمكنك أن تقول: "عندما ألاحظ أنك تنتظر التعليمات بدلاً من المبادرة، أشعر بالقلق لأنني أريد من أعضاء فريقي التحلّي بروح المبادرة وحل المشكلات بطريقة استباقية وفعالة، فكيف يمكننا التعاون معاً لتعزيز الاستقلالية في عملية صناعة القرار؟".
أو لنفترض أنك مضطر إلى العمل مع زميل لإنجاز مشروع مشترك، وأنك تشعر بأنه لا يبذل جهداً كافياً، فبدلاً من لومه على التقصير واتهامه بعدم تنفيذ دوره وتحمّل مسؤولياته، يمكنك أن تقول: "عندما ألاحظ التأخير أو المشاركة المحدودة من فريقك في مشروعنا، أشعر بالتوتر والضغط لأنني بحاجة إلى شراكة موثوقة للوفاء بالتزاماتنا، لذلك، هل يمكننا إعادة النظر في خطة المشروع وتوضيح التوقعات لكل من فريقَينا؟".
التخلي عن المشاعر السلبية
في بعض الأحيان، لا يمكنك التعبير عن مصدر الاستياء بسبب العواقب المحتملة، كما أن ذلك لا يغير شيئاً غالباً، على الرغم من جهودك التي تبذلها. لذلك، فكر في التخلي عن مشاعرك السلبية والتسامح، على الرغم من صعوبة هذا الأمر بالفعل. مع أن مشاعرك قد تبدو مبررة وصحيحة، فالتمسك بمشاعر الاستياء وعدم التخلي عنها غير مفيد، فبينما تعاني أنت أضراراً بالغة على صحتك الجسدية وأيضاً صحتك النفسية، يواصل الشخص الآخر حياته دون أن يتأثر بمعاناتك الداخلية أبداً.
إن اختيار التسامح لا يعني الهزيمة أو الاستسلام أو عدم الدفاع عن نفسك أو حتى استعادة ثقتك بالآخرين، بل يعني ذلك اتخاذ قرار بالتخلي عن مشاعرك السلبية تجاه الشخص الآخر، سواء كان يستحق ذلك أم لا، والتخلص من أي ضغينة أو مشاعر سيئة تشعر بها.
سيساعدك تقبّل مشاعرك الحقيقية وتدوينها في مذكراتك اليومية واختيار التسامح مع الآخرين على التخلي عن مشاعرك السلبية والمضي قدماً. بالإضافة إلى ذلك، فإن ممارسة التعاطف من خلال التفكير في الظروف أو التاريخ الشخصي والتجارب السابقة التي ربما أثّرت في أفعال الآخرين المؤذية يمكن أن تساعدك على تخفيف مشاعر الاستياء. قد يكون من المفيد أيضاً تذكّر اللحظات التي عاملتَ فيها شخصاً ما بطريقة سيئة مع الاعتراف بأننا جميعاً نرتكب الأخطاء، ما يؤدي إلى شعورك بالتعاطف تجاه نفسك وتجاه الآخرين. أخيراً، تذكّر أن عملية التسامح تستغرق وقتاً، فعندما تظهر الذكريات السيئة وتثير مشاعرك الأولى، ذكّر نفسك بقرارك بالمضي قدماً والتخلي عن المشاعر السلبية.
يعاني العديد من القادة اليوم ضغوطاً تفوق قدرتهم على التحمل، وفي هذه الحالة، يمكن أن تظهر مشاعر الاستياء بسهولة وتسيطر عليهم. قد يتطلب التعامل مع مشاعر الاستياء والتغلب عليها قدراً كبيراً من القوة والمثابرة، وقد يكون صعباً، ولكنه يعود بفوائد كبيرة عليك وعلى فريقك وعلى المؤسسة كلها.