ملخص: إذا كنت مرهقاً عاطفياً نتيجة الاعتناء بموظفيك، فاعلم أنك لست وحدك، فإرهاقك أو جمودك العاطفي أمر طبيعي ومقبول تماماً. في الواقع، يلاحظ العديد من المدراء أن تعاطفهم مع الآخرين يزداد وينقص، وهي حالة معروفة باسم "إجهاد التعاطف"، وتعني الإعياء الجسدي والعاطفي العميق والمصحوب بألم عاطفي. لكن هناك إجراءات تدخلية تساعدك على التخفيف من مخاطر إجهاد التعاطف.
- اتبع روتيناً للرعاية الذاتية: من خلال الحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول طعام صحي، وقضاء وقت مع الأشخاص الذين تهتم لأمرهم، وممارسة الأنشطة التي تحبها، وأخذ إجازات من حين لآخر. أما إذا أهملت نفسك، فستقوّض بذلك قدرتك على إدارة ردود أفعالك، وعلى أن تكون حاضراً لدعم أعضاء فريقك، وإبداء تعاطفك مع الآخرين.
- مارس التعاطف الذاتي: يتجنّب العديد من الناس ممارسة التعاطف الذاتي خشية أن يقودهم إلى الرضا عن النفس وعدم المبالاة بالنجاح. لكن تشير البحوث إلى أن التعاطف الذاتي يجعل المرء قائداً أفضل، ويعزز قدرته على التعامل مع الضغوط العاطفية المتزايدة.
- حافظ على اتزانك العاطفي: عندما يشارك الآخرون آلامهم ومشكلاتهم معك، فركز على البحث عن معلومات إضافية تتيح لك فهم الموقف. إذ تساعدك هذه الخطوة على تجنب بعض الآثار الضارة الناتجة عن إجهاد التعاطف لأنها تقود إلى التعاطف المعرفي بدلاً من التعاطف العاطفي.
هل تجد بصفتك مديراً أن قدرتك على التعاطف تزداد وتنقص؟ قد تجد نفسك أحياناً قادراً على دعم أعضاء فريقك خلال الأوقات المشحونة عاطفياً، في المقابل تؤدي الواجبات الموكلة إليك فقط في أحيان أخرى متجاهلاً العقبات التي تعترضهم.
وإذا كنت تواجه هذا الوضع بالفعل، فلا تخجل، فإرهاقك أو جمودك العاطفي أمر طبيعي ومقبول تماماً. في الواقع، تمثّل مساعدة الذين يواجهون صعوبات استجابة اجتماعية إيجابية، لكنها قد تكون مرهقة عاطفياً وجسدياً، وتؤدي مع مرور الوقت إلى ما يسميه الخبراء "إجهاد التعاطف".
يصف إجهاد التعاطف الآثار الجسدية والعاطفية والنفسية الناتجة عن مساعدة الآخرين، وهو يختلف بذلك عن الاحتراق الوظيفي. وإجهاد التعاطف حالة شائعة بين العاملين في مجال تقديم الدعم والرعاية خلال الضغوط والصدمات، مثل الأطباء أو المعالجين، ويتميز بالإعياء والمشاعر السلبية وفقدان التعاطف. في المجال الطبي مثلاً، تقول عالمة النفس هايدي أليسباك: "قد يبدي مقدمو الرعاية تعاطفاً مفرطاً مع معاناة المرضى يؤدي في نهاية المطاف إلى جمودهم وفقدانهم القدرة على التعاطف تماماً".
في الواقع، شهدنا تزايد هذه الظاهرة في أماكن العمل على مدار العامين الماضيين؛ ولا سيما بعد الطلب من القادة والمدراء مضاعفة تعاطفهم ودعمهم لأعضاء الفريق الذين مروا بفترات صعبة وعانوا الحزن والخسارة ومشكلات نفسية، وأن يكونوا أكثر وعياً باحتياجات الآخرين، وأن يتحملوا أعباء عاطفية جديدة، وأن يتعاملوا في الوقت نفسه مع مستويات استثنائية من عدم اليقين، وأن يحققوا أهدافاً أكبر باستخدام موارد أقل. وعلى الرغم من أن التركيز على التعاطف أصبح السمة السائدة في أماكن العمل، فقد حمّل معظم القادة تكاليف باهظة.
على الرغم من تراجع تأثير الجائحة في عدة أماكن في العالم، لا تزال المتطلبات العاطفية على القادة هائلة. في الواقع، يتوقع الموظفون العمل لصالح مدراء متعاطفين في أماكن عمل مستدامة تدعم صحتهم النفسية، ما يدفعهم إلى الاستقالة عند عدم تلبية هذه التوقعات.
وسواء كنت مديراً للمرة الأولى أو قائداً متمرساً، فعليك اتخاذ تدابير لحماية نفسك من إجهاد التعاطف كي تتمكن من تلبية هذه المعايير والحفاظ على رفاهتك وصحتك النفسية. وإليك بعض الاستراتيجيات المفيدة:
اتبع روتيناً للعناية بنفسك
يقول القول المأثور: فاقد الشيء لا يعطيه. وإذا تجاهلت الاعتناء الكافي بنفسك، فقد تتراجع قدرتك على إدارة ردود أفعالك ودعم الفريق عند الحاجة والاستماع للآخرين والتعاطف معهم. يعزز اعتناؤك بنفسك قدرتك على التحمل، وتزداد أهميته عندما تتولى قيادة فريق في عالم تسوده حالة من عدم اليقين والضغوط.
قد يعني ذلك عموماً الحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول طعام صحي، وقضاء وقت مع الأشخاص الذين تهتم لأمرهم، وممارسة الأنشطة التي تحبها، وأخذ إجازات من حين لآخر. على سبيل المثال، إذا كنت تعلم أن زيادة عدد ساعات النوم قد تفيدك، فما هو الإجراء الصغير الذي يمكنك اتخاذه على الفور؟ يمكنك مثلاً إطفاء الأنوار قبل 15 دقيقة، أو وضع هاتفك في غرفة أخرى لتقلل من إغراء التحقق من الإشعارات قبل النوم.
يمكنك أيضاً اتخاذ خطوات بسيطة جداً للاعتناء بنفسك حتى في الأيام التي تكون فيها مشغولاً. على سبيل المثال، خصّص أحد عملائي وقتاً للمشي خلال فترة الغداء، ونظّم عميل آخر جدول مواعيده بحيث يضمن تخصيص 10 دقائق للراحة بين الاجتماعات. توفر لك هذه الخطوات البسيطة راحة كبيرة بالفعل.
في الواقع، يعزز اعتناؤك بنفسك قدرتك على التحمل وإدارة التوتر؛ يمكنك تشبيه هذه الخطوات بالودائع التي تضعها في حسابك البنكي لتضمن ألا تتعرض للإفلاس في الأوقات الصعبة.
مارس التعاطف الذاتي
التعاطف الذاتي يعني أن تعامل نفسك بلطف عندما تواجه عثرة ما أو تحدياً صعباً وأن تعتبرها صديقة لك؛ وهو مهارة بسيطة، لكنها صعبة بالنسبة لمعظمنا.
يتجنّب العديد من الناس ممارسة التعاطف الذاتي خشية أن يقودهم إلى الرضا عن النفس وعدم المبالاة بالنجاح. ومع ذلك، تُؤكد البحوث عكس ذلك. فالتعاطف الذاتي يحسّن قدراتك القيادية، ويعينك على التعامل مع المتطلبات العاطفية المتزايدة للقيادة في الزمن الصعب الذي نعيش فيه.
تُظهر البحوث أن الذين يمارسون التعاطف الذاتي يتمتعون بمستويات أعلى من القدرة على التحمل والذكاء العاطفي، ويحافظون على هدوئهم تحت الضغط. كما يسهم التعاطف الذاتي بتعزيز الرفاهة العاطفية وتقليل التوتر والقلق والاكتئاب.
وأخيراً، يرتبط التعاطف الذاتي والتعاطف مع الآخرين أحدهما بالآخر ارتباطاً وثيقاً؛ أي أنك عندما تعامل نفسك بلطف أولاً، فستعزز بذلك قدرتك على التعاطف مع الآخرين ومعاملتهم بلطف.
ولتحقيق الاستفادة الكاملة من التعاطف الذاتي، تبين الباحثة الرائدة كريستين نيف أنه من الضروري أن تتوافر فيه 3 عناصر، حاول الانتقال بينها واحداً تلو الآخر عبر هذه الخطوات:
- اليقظة الذهنية. ركز على مشاعرك الحالية؛ فكر في المشاعر التي تنتابك خلال الأوقات الصعبة، ثم صنّفها. تُظهر الدراسات أن وصف المشاعر بالكلمات يساعد على التقليل من أثرها فيك ويخفف توترك الجسدي. قد تقول لنفسك: "أنا قلق لأنني لا أعرف ما عليّ فعله"، أو "أنا حزين لأنني غير قادر على دعم موظفيّ". وبالتالي، يساعدك توصيف المشاعر على زيادة وعيك بها ووضوحها في ذهنك.
- الإنسانية المشتركة. من المهم أن تدرك أن العديد من الأشخاص يواجهون هذه الصعوبات أيضاً، قل لنفسك: "أعلم أن القادة الآخرين يواجهون هذه المتطلبات أيضاً". استناداً إلى عملي مع العديد من المدراء والفِرق أؤكد صحة هذه المعلومة، ويشعر القادة بالارتياح بالفعل عندما يدركون أن نظراءهم يواجهون تحديات مشابهة وأنهم ليسوا وحدهم.
- اللطف مع الذات. أخيراً، عامل نفسك بلطف ورفق. قل مثلاً: "أنا مرهق بالتأكيد نظراً إلى كل ما هو مطلوب مني الآن"، أو "هذا صعب بالطبع؛ فأنا لم أتلقّ تدريباً عليه من قبل". مجدداً، قد تكون هذه التصريحات صحيحة بالنسبة لك بالفعل. التعاطف الذاتي يعني أن تعامل نفسك بدرجة الرحمة واللطف نفسها التي تعامل صديقك بها.
هذا الأمر لا يحتاج إلى وقت ولا يلفت الانتباه؛ وسيفيد التكرار في النهاية في تحقيق فوائد ملحوظة.
حافظ على اتزانك العاطفي
قد يكون سماع معاناة الآخرين ومشكلاتهم تحدياً صعباً، خاصة إذا كنت شخصاً عاطفياً بطبيعتك. وعلى الرغم من أن التعاطف يساعدك على التواصل مع الآخرين، فقد يجعلك تتأثر بمشاعرهم أيضاً.
أكّدت البحوث بالفعل ظاهرة عدوى المشاعر على مدى سنوات عديدة، ولكن أظهرت دراسة حديثة أن استماع القادة لموظفيهم وهم يتحدثون عن مشاعرهم في العمل يعزز المشاعر السلبية فيهم، ويزيد من احتمال أن يعاملوا الآخرين معاملة سيئة في وقت لاحق خلال اليوم. والأهم من ذلك، قدمت البحوث حلولاً للقادة للتخفيف من هذه الآثار السلبية. كيف؟
عندما يشارك الآخرون آلامهم ومشكلاتهم معك، فركز على البحث عن معلومات إضافية تتيح لك فهم الموقف، وقد يجنّبك ذلك بعض الآثار الضارة بالفعل لأنه يقود إلى التعاطف المعرفي بدلاً من التعاطف العاطفي. في الواقع، يركز التعاطف المعرفي على فهم مشاعر الآخرين وأفكارهم؛ في حين ينطوي التعاطف العاطفي على تجربة مشاعر الآخرين، فإنه قد يؤدي إلى إجهاد التعاطف ويضر بصحتك إذا لم تنتبه له.
عندما يشارك الزملاء آلامهم ومشكلاتهم، فعلى القادة اعتبار دورهم باحثين عن معلومات بدلاً من معالجين، بحسب نصيحة الأستاذة والخبيرة في تنظيم المشاعر في العمل، أليشيا غراندي. قد توفر المشاعر السلبية معلومات قيّمة بالفعل حول كيفية القيادة بفعالية، شرط أن تحمي نفسك من أضرارها الجانبية المحتملة.
ولتتجنب معاملة شخص ما بسوء دون قصد في وقت لاحق خلال اليوم، احرص على تحسين حالتك العاطفية بعد الاستماع إلى أعضاء فريقك أو زملائك. مارس أنشطة بسيطة مثل المشي، أو تمارين اليقظة الذهنية، أو أي شكل آخر من أشكال العناية بالنفس على المستوى الشخصي.
باختصار، لا تتجاهل العبء العاطفي الكبير الذي تحمله بصفتك قائداً اليوم. قد تكون المطالب العاطفية لدورك مرهقة وتتطلب منك اتخاذ تدابير لحماية نفسك، مثل وضع روتين للعناية بالذات، وممارسة التعاطف الذاتي، وحماية حالتك النفسية، إذ تُعينك هذه التدابير على مواجهة المطالب العاطفية لقيادة فريقك في ظل الضغوط التي يشهدها العالم اليوم بنجاح.