كيف تُصبح قائداً أفضل باستخدام التعاطف الذاتي؟

5 دقيقة
التعاطف الذاتي
بريت إرلانسون/ غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: عندما تواجه تحديات صعبة وتضطر إلى اتخاذ قرارات حساسة، ربما ينتابك الشك في قدراتك الشخصية والخوف من النتائج المحتملة، ما يمنعك من اتخاذ القرارات الصحيحة. يجب على القادة ممارسة التعاطف الذاتي لتعزيز قدرتهم على فهم إمكاناتهم وأهدافهم واتخاذ القرارات الصائبة. تُظهر الأبحاث أن ممارسة التعاطف الذاتي يزيد من مستويات الذكاء العاطفي والمرونة والنزاهة، ويجعلك أكثر تعاطفاً مع الآخرين، ما يؤدي إلى تحسين فعالية القيادة. يقدّم المؤلفان العديد من التمارين لتنمية هذه المهارة، بدءاً من الممارسات اليومية القصيرة وصولاً إلى الأساليب التي تساعدك في تغيير طريقة تفكيرك.

من الطبيعي أن تسيطر مشاعر الخوف والشك والتعرض للانتقادات على القادة عند اتخاذ قرارات عمل مهمة تؤثر بصورة كبيرة على حياة الناس ومصادر رزقهم. لكن يحتاج القادة في الأوقات التي تكون فيها الأمور غير مؤكدة ومضطربة إلى الصفاء الذهني والتوازن العاطفي والشجاعة والرؤية المستقبلية الواضحة. لكي تتخلص من الشك الذاتي والعجز وتنتقل إلى وضوح التفكير والعمل، تحتاج إلى مهارة التعاطف الذاتي التي يُساء فهمها غالباً. استناداً إلى خبرتنا في تدريب عشرات الآلاف من القادة على دور التعاطف الذاتي في تنمية الذكاء العاطفي والقيادة الفعالة، نود مشاركة بعض النصائح والأساليب الأساسية لتنمية هذه المهارة المهمة.

أولاً، من المهم أن نفهم التعاطف الذاتي بصورة صحيحة ودقيقة. ببساطة، يعني ذلك أن تعامل نفسك بلطف وتفهّم وتعبر عن التعاطف والدعم الذاتي في مواجهة الصعوبات التي تواجهها، كما تفعل مع صديق أو زميل يواجه انتكاسة أو تحدياً. إنها مهارة بسيطة، لكنها تبدو صعبة التطبيق بالنسبة للكثيرين منا. وفقاً لإحدى أبرز الباحثات في هذا المجال، كريستين نيف، لدينا 3 عناصر أساسية للتعاطف الذاتي: اللطف مع الذات والتجربة الإنسانية المشتركة واليقظة الذهنية. يظن البعض أن التعاطف الذاتي يعني التساهل مع النفس، ما يؤدي إلى التراخي، لكنّ هذا الأمر غير صحيح؛ إذ إن التعاطف الذاتي في الواقع هو أساس المرونة، ويساعد على تنمية الشجاعة لمواجهة التحديات الصعبة. عندما تتبنى موقفاً إيجابياً تجاه جهودك القيادية بدلاً من انتقاد نفسك بشدة عند مواجهة الصعوبات، فإنك تزيد قدرتك على التعامل مع التحديات والمواقف غير المتوقعة.

التعاطف الذاتي يحسّن قدراتك القيادية

ازدادت الأبحاث حول التعاطف الذاتي بصورة ملحوظة خلال الـ 15 عاماً الماضية، كما تظهر الدراسات أن فوائد هذا التعاطف تتوافق مع العديد من المهارات القيادية المهمة.

الذكاء العاطفي: تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يمارسون التعاطف الذاتي يتمتعون بمستويات أعلى من الذكاء العاطفي ويتمتعون بقدرة أكبر على الحفاظ على هدوئهم عندما يرتبكون ويميلون إلى الشعور بمزيد من السعادة والتفاؤل.

المرونة: تشير أبحاث كريستين نيف وأبحاث أخرى إلى أن من يمارسون التعاطف الذاتي ومن يفتقرون إليه لديهم معايير وأهداف كبيرة، لكنّ الفرق بينهم هو أن من يمارسون التعاطف الذاتي لا يجلدون أنفسهم دون مبرر أو دون جدوى عندما لا يحققون هذه المعايير والأهداف، بل يعاملون أنفسهم بلطف وتفهّم. يساعدك التعاطف الذاتي على تجاوز الانتكاسات واستعادة التركيز والمضي قُدماً بطريقة فعالة.

عقلية النمو: تشير الدراسات التي أجرتها نيف وزملاؤها إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من التعاطف الذاتي يميلون أكثر إلى تحقيق النمو الشخصي، وبدلاً من تجنب التحديات يميلون إلى وضع استراتيجيات وخطط محددة لمواجهة هذه العقبات وتحقيق أهدافهم.

النزاهة: تُظهر الأبحاث علاقة قوية بين التعاطف الذاتي والضمير والمساءلة، ما يشير إلى أن التعاطف الذاتي يمكّن القادة من التصرف بطريقة مسؤولة وأخلاقية، حتى عند اتخاذ القرارات الصعبة.

التعاطف مع الآخرين: تقول أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي (UC-Berkeley)، سيرينا تشين: “التعاطف الذاتي والتعاطف مع الآخرين مرتبطان ارتباطاً وثيقاً؛ إذ يمكن أن تؤدي معاملة الذات بلطف وعدم التسرع في إصدار الأحكام تجاهها إلى معاملة الآخرين بتعاطف”. القادة الذين يبادرون في تجسيد التعاطف مع أنفسهم ومع الآخرين قادرون على بناء الثقة والأمان النفسي، ما يؤدي إلى رفع مستويات اندماج الموظفين وأدائهم العالي المستدام في الفرق والمؤسسات.

كيف تزيد قدرتك على التعاطف الذاتي؟

تتمثل الخطوة الأولى في الاعتراف بقيمة التعاطف الذاتي وفوائده، والخطوة الثانية هي تعزيزه. إليك مجموعة من الممارسات الأساسية لبدء رحلتك في تعزيز التعاطف الذاتي.

ممارسة التعاطف الذاتي في اللحظة الحالية

أسهل طريقة للبدء هي تمرين يستغرق من 5 إلى 20 ثانية، يمكنك ممارسته في أثناء يومك: عند بداية اجتماع، أو عند الجلوس إلى مكتبك أو إلى طاولة المطبخ، أو حتى في لحظات الاستراحة الصغيرة بين مهام مثل الرد على رسائل البريد الإلكتروني.
لممارسة التعاطف الذاتي خلال هذه اللحظات، تنفس بعمق 3 مرات، ومع كل نفس، فكر في 3 أفكار متتالية، يرتبط كل منها بأحد العناصر الأساسية للتعاطف الذاتي:

• اليقظة الذهنية: على سبيل المثال، يجب عليك أن تعترف أن الأمر الذي تواجهه صعب جداً في الوقت الحالي أو ربما تعبّر عن شعورك بالتوتر الشديد تجاهه؛ من خلال إدراكك لمشاعرك دون أن تسمح لها بالسيطرة عليك ستتمكن من اتخاذ القرارات بوضوح وحكمة أكبر.

• التجربة الإنسانية المشتركة: يجب أن تعترف بأنك لست الوحيد الذي يواجه هذه التحديات؛ إذ يواجه القادة الآخرون تحديات مماثلة؛ يمكن أن يسهم ذلك في دعم صحتك النفسية وتعزيز شعورك بالترابط مع الآخرين، ما يساعدك على التفكير فيمن سيتأثرون بتصرفاتك.

• اللطف مع الذات: يجب عليك أن تكون لطيفاً مع نفسك وأنت تواجه هذا التحدي، كما يمكنك أن تتساءل عن الشيء اللطيف الذي يمكنك فعله لنفسك في الوقت الحاضر. فمعاملة نفسك بلطف ضرورية لتحفيزك وزيادة قدرتك على مساعدة الآخرين.

يمكن تنفيذ هذه الممارسة القصيرة بسرعة ودون أن يلاحظها أحد.

أعِد برمجة طريقة عمل دماغك

بالإضافة إلى الممارسات القصيرة والفورية، نوصي بممارسة تمارين أطول قليلاً لتعزيز قدراتك بفعالية. خصص مدة 5 – 10 دقائق يومياً لممارسة التأمل في التعاطف الذاتي وستلاحظ فرقاً كبيراً في حياتك. وفقاً للأبحاث المتعلقة باللدونة العصبية، يغيّر ما نفكر فيه ونهتم به بنية دماغنا ووظائفه لتسهيل ممارسة هذه العادات، وعندما نخصص الوقت الكافي لتعزيز القدرة على التعاطف الذاتي، فإننا ندرب الدماغ على ممارسة اللطف مع الذات، ما يؤدي إلى استجابة أسهل وأكثر تلقائية عند مواجهة الصعوبات.

بإمكانك ممارسة التأمل الموجّه (خذ تمريناً يستغرق 9 دقائق مثلاً) في الصباح أو خلال استراحة الغداء أو في نهاية يوم العمل. للتخفيف من أفكار اللوم والتوبيخ الذاتي التي تراودك خلال فترات النهار، بإمكانك تجربة جلسة تأمل أقصر أيضاً (إليك مثالاً على تمرين تأمل مدته 5 دقائق).

احرص على تغيير طريقة تفكيرك

يمكنك تغيير طريقة تفكيرك بشأن العثرات أو التحديات وتوجيهها نحو التعاطف الذاتي من خلال الكتابة. أظهرت دراسة مقارنة أن الطلاب الذين مارسوا التعاطف الذاتي من خلال تمارين الكتابة أبلغوا عن تطوير دافع أكبر للتغيير ورغبة أكبر في معالجة نقاط ضعفهم، كما بذلوا جهداً أكبر لتحسين أدائهم عموماً. كانت هذه النتائج أفضل بكثير مقارنة بكل من مجموعة الضبط القياسية والمجموعة التي نفذت تمريناً كتابياً مماثلاً يركز على تقدير الذات (بدلاً من التعاطف الذاتي).

جرّب تمرين الكتابة هذا لتغيير طريقة تفكيرك بالطريقة نفسها. اكتب رسالة تشجيعية لنفسك من صوتك الداخلي المتعاطف وأجب عن الأسئلة التالية: ماذا سيقول مرشدك الداخلي عن التحديات التي تواجهها؟ ما الاقتراحات التي يمكن أن يقدمها وكيف سيشجعك؟ ماذا تقول لصديقك الذي يعاني موقفاً مماثلاً؟

نوصي بأن تبدأ بالكتابة وتستمر في تحريك قلمك (أو أصابعك على لوحة المفاتيح) مدة 4 – 5 دقائق. بمجرد الانتهاء من كتابة رسالتك، خذ بعض الوقت لقراءتها ولاحظ شعورك بمزيد من الانفتاح على التحديات التي تواجهك والاستعداد لقبولها. يمكنك أيضاً استعراض هذه الرسالة مرة أخرى بعد عدة أيام أو أسابيع، كما يمكنك إعداد بريد إلكتروني وتأجيل إرساله إلى وقت لاحق، بحيث تصل إليك كلماتك التحفيزية عندما تحتاج إليها.

في ظل انعدام اليقين الذي نواجهه اليوم، نحتاج إلى قادة يهتمون بالجوانب الإنسانية المشتركة مع موظفيهم وعملائهم وأصحاب المصلحة. يجب أن يعمل القادة أيضاً على التواصل مع الآخرين ومحاولة النهوض بهم، ويبدأ هذا السلوك من خلال ممارسة القادة اللطف تجاه أنفسهم.

من الطبيعي أن يعرقل الشك حركتنا عند مواجهة التحديات أو المواقف العصيبة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .