ملخص: إذا كنت على وشك تولي دور قيادي، فإن لتصرفاتك التي تسبق ذلك دوراً حاسماً في نجاحك خلال الأشهر الثلاثة الأولى وما بعدها. ففي حين أنك تميل إلى الاعتماد على معرفتك السابقة واتباع أسلوب نجح معك من قبل، فإن هذا السلوك قد يقودك إلى استنتاجات غير صحيحة تأخذك في اتجاه خاطئ، ولتجنب ذلك، عليك أن تغادر منصبك الحالي بطريقة مدروسة، وتجدد طاقتك وعلاقاتك، وتكتشف ما يتطلبه النجاح في دورك الجديد.
جاءتني منى طلباً للمساعدة في نهاية أول 3 أشهر من توليها منصباً في الإدارة التنفيذية العليا، لقد بدأت بثقة، إذ سردت تجاربها وعبّرت عن طموحاتها في المؤسسة التي باشرت العمل لديها، وعملت بجد لتحقق النجاح السريع، ولكن المشاكل سرعان ما بدأت تتراكم؛ فقد كان المستثمرون في حيرة بشأن الاتجاه الاستراتيجي للشركة، وشعر الموظفون بخيبة أمل بسبب الوعود غير المنجزة، وظل العملاء غير راضين عن الخدمة التي يتلقونها.
فكرنا فيما كان بإمكان منى فعله بطريقة مختلفة، ورأينا أن رغبتها في إثارة إعجاب أصحاب المصلحة جعلتها تتسرع في اتخاذ بعض القرارات دون أن تأخذ وقتاً كافياً لمعرفة أسلوب عمل المؤسسة، وسمحت للأفراد المقاومين للتغيير (الحرس القديم) بمنع المبادرات الجديدة التي تتحدى مصالحهم ولم تعالج ضعف الأداء في بعض الأقسام.
من جهة أخرى، درسنا كيف استفادت منى من الوقت المتاح لها قبل الانتقال من دور قيادي إلى آخر، لتجهز نفسها للتحدي التالي، للوهلة الأولى لم نجد أنها فعلت أي شيء خارج عن المألوف، لكنها اتبعت النهج الأسهل دون أن تدرك ذلك، فبدلاً من أن تأخذ الوقت الكافي للتخلص من الضغوط وتجديد طاقتها والتفكير في معيار النجاح في دور جديد عليها تماماً، اعتمدت على ما تعرفه وما فعلته من قبل.
اتبعت منى هذا النهج بسبب ثقتها المفرطة بقدراتها، إلى جانب خوفها من المستقبل، ما أدى إلى وقوعها في 4 مزالق لاحظتها خلال عملي مع المدراء التنفيذيين في الإدارة العليا على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، وهي مزالق تصرف انتباهك عن الجوانب المهمة وتعوق قدرتك على صنع القرار، حينما يكون عليك تقديم أفضل أداء. إليك فيما يلي المزالق التي عليك الحذر منها وخطوات التغلب عليها عندما تتولى منصباً تنفيذياً في الإدارة العليا.
الانهماك في مسؤوليات الدور السابق
فيما يلي صورة مألوفة للمرحلة التي تسبق تولي منصب تنفيذي في الإدارة العليا: اتفقت مع الإدارة على موعد لمغادرة المنصب الحالي وبدأت بتسليم مسؤولياتك إلى الآخرين، فمن المقبول عموماً أن تتضاءل إسهاماتك مع اقتراب نهاية فترة الإشعار أو الفترة المتفق عليها،
وأنت الآن تستمتع بالثناء الذي تتلقاه، فتمضي وقتك في تأمل النجاح الذي حققته والأيام الطيبة السابقة. يغتنم زملاؤك في العمل الفرصة لطلب المشورة منك، فتقدمها لهم بكل سرور نظراً لإحساسك بالمسؤولية وحاجتك إلى الشعور بأن خبرتك مطلوبة، وبسبب ذلك، تجد أيضاً صعوبة في الابتعاد عن المشروعات والقرارات المهمة التي كنت تقودها، فتبذل الكثير من طاقتك الذهنية عليها لأنك ترى أن الفريق ليس جاهزاً تماماً بعد للنهوض بالعمل دونك، كما أنك تقضي الكثير من الوقت في المساعدة على تحديد مَن سيخلفك، بدءاً من المشاركة في وضع الوصف الوظيفي وحتى إجراء المقابلات مع المرشحين.
لكن بدلاً من تقليص مسؤولياتك تدريجياً تجد نفسك أنك ما زلت منهمكاً في العمل الذي ستتركه قريباً، الأمر الذي يقلل الوقت المتاح لديك للتحضير للدور التالي، وهذا يعني أنك قد تتباطأ في بناء الفريق الجديد وإجراء التغييرات اللازمة. وقد يتساءل الزملاء عن سبب استمرارك في المشاركة، وهو ليس انطباعاً طيباً تتركه لديهم قبل تولي المنصب الجديد.
الممارسات التي عليك اتباعها في هذه الحالة:
- اتفق مع مديرك على مسؤولياتك، ومن ذلك الاتفاق على طريقة تسليم العمل، ومشاركتك في تحديد خليفتك وتوظيفه وتدريبه، وإن كنت ستقدم له الإرشاد والتوجيه وكيفية ذلك. حدد بوضوح متى ستكون متاحاً حتى ذلك الوقت، وما الذي ستركز عليه، ومَن ستسلم المسؤوليات إليه.
- حدد المخاوف التي قد تمنعك من المضي قدماً وحدد الإجراءات التي يمكنك اتخاذها للتخفيف منها. على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالقلق بشأن قدرتك على التواصل في منصب أعلى فيمكنك الاستعانة بمدرب لمساعدتك في تطوير هذه المهارة.
- دوّن الإنجازات ونقاط القوة التي تفتخر بها، فهذا يمنحك إحساساً بأنك أنهيت دورك ويساعدك على تحضير القصة التي ستشاركها مع زملائك الجدد.
- جهّز مجموعة من العبارات تستخدمها لرفض طلبات الآخرين، مثلاً: "يسعدني أنك طلبت مساعدتي وأنا أرغب في مساعدتك، لكنني آمل أن تتفهم أنني أركز الآن على إكمال المهام المتبقية الأخيرة قبل أن أترك المؤسسة، وأخشى أنه ليست لدي أي قدرة على تحمل مسؤوليات إضافية، فهل يمكنني أن أقترح عليك طلب المساعدة من فلان؟".
- يجب أن تعلم أن فقدانك المسؤولية والنفوذ بسرعة في حين يتابع زملاؤك عملهم بصورة طبيعية، قد يثير قلقك، وقد تحتاج إلى تعلم الكثير في فترة زمنية قصيرة، وهو أمر ربما لم تفعله منذ مدة طويلة. ابدأ بالاستعداد لدورك الجديد من خلال معرفة ما عليك تعلمه وكيف ستتعلمه، واعرف على وجه الخصوص مَن عليك التعامل معه.
التمسك بالحماسة المرتبطة بنجاحات الدور السابق وتحدياته
بعد إنهاء دور ما قد تتملكك حالة من السعادة حيث تستمتع بالثناء وتتأمل نجاحاتك، ما يجعلك ترغب في مواصلة العمل في هذا الدور حتى تنجز أكثر وتزيد سعادتك. في الحقيقة أنت لا تعي أنك مدمن على إحساس إفراز الأدرينالين الذي يحدث عندما تواجه ضغوطاً وتحديات وتحقق نجاحات في دور قيادي صعب. وحتى لو أخذت إجازة خلال الفترة الانتقالية بين الدورين، فإنك لا تحصل على الراحة الكاملة ولا تتمكن من تجديد طاقتك، لأنك تخشى أن يحد الانقطاع عن العمل من قدرتك على مواكبة مستجداته عند العودة، كما تستمر المشكلات الصحية والأسرية التي ظهرت لك خلال توليك الدور القيادي السابق.
قد تميل إلى البقاء في حالة تأهب على هذا النحو، لكن ذلك يمنعك من بناء القوة اللازمة لتقديم أفضل أداء عند تسلم الدور، وطوال فترة توليك له. كما أن هذا السلوك يدفعك للتقليل من تقدير تأثير المسؤولية الإضافية والوقت الذي يتطلبه والعبء العاطفي لدور جديد. لقد رأيت قادة يعانون مشكلات صحية وتنهار علاقاتهم عندما تكون المؤسسة في أمسّ الحاجة إليهم.
للتغلب على ما سبق، اغتنم الوقت المتاح خلال الفترة الانتقالية كما يلي:
- أجرِ فحصاً طبياً نفسياً وجسدياً، لتقييم قدرتك على التحمل وتحديد أي مشكلات تتطلب منك تغيير نمط حياتك.
- تعرف إلى مشاعرك وتقبّلها: مثل حزنك بسبب فقدانك جزءاً من هويتك أو خيبة أملك لأن زملاءك نسوا إسهاماتك وتأثيرك بعد تعيين خلف لك. تواصل مع معارفك الذين مرّوا برحلة مماثلة لتحصل منهم على التعاطف والتشجيع والمشورة.
- تحدث إلى الأفراد الذين يعرفونك حق المعرفة والتمس آراءهم الصادقة حول حضورك في دورك الجديد والتغييرات التي يرون أن عليك إجراءها.
- راقب روتينك اليومي لتعرف التغييرات التي يجب أن تجريها على عاداتك في النوم والرياضة ونظامك الغذائي، واختر 3 عادات جديدة يمكنك ممارستها.
- ناقش متطلبات دورك الجديد مع الأشخاص المهمين في حياتك مثل زوجتك وأولادك، وصمم نظاماً يسمح لك بالموازنة بين مسؤولياتك المهنية والشخصية، مع مراعاة المرونة اللازمة للتعامل مع أي تغيرات مستقبلاً.
التسرع في الاستنتاجات
خلال الفترة الانتقالية، عليك أن تتأمل ما تعلمته خلال عملية الاختيار وتبدأ البحث في تطلعات المؤسسة الجديدة والمشكلات التي تواجهها، ربما توصلت دون وعي إلى بعض الاستنتاجات بشأن ما عليك فعله، ما يتيح لك التركيز على كيفية تنفيذ خطتك بسرعة وثقة وحسم.
المشكلة في هذا النهج هو أنه يجعلك تركز تركيزاً مفرطاً على العقبات الكبيرة التي تعترض طريقك نحو تحقيق أهدافك، الأمر الذي قد يمنعك من طرح أسئلة كافية أو الإصغاء جيداً لما يقوله الآخرون، ما يزيد احتمال أن تتخذ اتجاهاً خاطئاً دون الحصول على دعم الأفراد الذين تحتاج إليهم لتحقيق التغييرات.
في هذه المرحلة، يجب أن تحدد مجموعة من الفرضيات والافتراضات، وليس الاستنتاجات، وأن تختبرها بطريقة منهجية وبعقل منفتح، فأنت في بداية عملية التعلم، وليس نهايتها.
لتجنب الوقوع في مزلق الاستنتاجات، استعن بالممارسات الآتية خلال الفترة الانتقالية:
- اجمع المعلومات التي عرفتها عن ماضي المؤسسة وحاضرها ومستقبلها من خلال المقابلات والتفاعلات مع داعميك وزملائك الآخرين، وحدد الأسئلة التي لم تتلق أجوبتها والفجوات في المعلومات.
- حدد التحيزات أو الجوانب المبهمة التي يجب أن تكون على دراية بها، مع مراعاة أي ملاحظات أو تجارب بارزة سابقة. قد تشمل التحيزات التفاؤل المفرط أو الميل إلى الاستماع إلى أفراد معينين دوناً عن غيرهم.
- رتب قائمة بالأسئلة التي تريد معرفة أجوبتها والافتراضات التي تريد تجربتها تبعاً للأولوية. على سبيل المثال، قد تطرح السؤال الآتي: "شعرت بأنكم ترددتم في متابعة ابتكار المنتجات، ما هو مدى انتشار هذا الأمر؟ وما هو سببه؟".
- ابتكر طريقة للتحقق من صحة هذه الافتراضات مع العمل في الوقت نفسه على تحديد المكاسب السريعة وتطوير مخطط عمل للمؤسسة، ويجب أن يتضمن هذا المخطط التواصل مع أصحاب المصلحة المؤثرين (مثل المستثمرين أو العملاء الرئيسيين) وأصحاب المصلحة الذين لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم (المفكرين أو المعلقين أصحاب الآراء الخارجة عن المألوف) لفهم وجهات نظرهم، وتذكّر أن دورك يقتصر في هذه المرحلة على الاستماع، لا تقديم آراء فعالة. اطلب منهم النصح بشأن المجال الذي يجب أن تركز انتباهك ومواردك عليه.
التمسك بالأسلوب السابق
طورتَ على مر السنين أسلوباً في العمل والقيادة يناسبك تماماً يتضمن طريقتك في صنع القرارات وتوضيح الاستراتيجية للآخرين وتصميم الهيكل التنظيمي وتشجيع سلوكيات معينة وإشراك العملاء والمؤسسات الشريكة، كما أنك تحاول دوماً تطبيق ممارسات المؤسسات والقادة الذين تحترمهم.
من المستحسن أن تبدأ التعرف إلى مؤسستك الجديدة خلال الفترة الانتقالية، لكن ثمة خطورة في أن تفعل ذلك بعقلية محدودة؛ أي أن تحاول فرض النموذج الذي تريده على المؤسسة حتى إن كانت ظروفها أو استراتيجيتها أو ثقافتها تتطلب نموذجاً آخر. تخيل أنك تقدمت مهنياً في مؤسسة تعمل وفقاً لهياكل ونظم بيروقراطية وسياسات معقدة، قد لا تكون المعرفة التي اكتسبتها للتغلب على التحديات في هذه المؤسسة مطابقة لأسلوب قيادتك لمؤسستك السابقة التي كانت أبسط وأصغر وتمنح موظفيها قدراً أكبر من السلطة والاستقلالية، ومع ذلك تميل إلى استخدام ذاك الأسلوب لأنك تعرفه وقد حقق لك المطلوب.
ويؤدي هذا الانحياز نحو أفكار بعينها إلى اتخاذ قرارات لا تعكس ما تحتاج إليه المؤسسة لتحقيق الازدهار، وفي الواقع في كثير من الحالات قد تكون هذه القرارات ضارة. بدلاً من ذلك، استخدم أسلوباً منهجياً لمعرفة ما تحتاج إليه المؤسسة منك:
- كن طموحاً، واسأل نفسك: "ما الذي يمكن لهذه المؤسسة أن تحققه في أفضل حالاتها؟ ما الذي يجب علينا فعله كي نتفوق في المنافسة؟ ومن هم منافسونا؟ وما هو مدى تأثير هذا التفوق في العملاء والموظفين؟".
- حدد الفرص التي تستند إلى نقاط القوة في المؤسسة. اسأل نفسك: "ما هي أفضل فرص النمو التي يجب أن نأخذها في الاعتبار؟".
- حدد التحديات الأكبر التي تمنع المؤسسة من تحقيق أفضل أداء ومن اغتنام هذه الفرص، ضع رسماً تخطيطاً للهياكل والعمليات والأنظمة التي تساعد في معالجة هذه التحديات.
- اربط الصورة التي تنشأ لديك بما صممته أو لاحظته في شركة أخرى، مع تحديد العناصر التي قد تكون فعالة في الظروف الجديدة.
- أنشئ مخطط عمل للاستراتيجية والنموذج التنظيمي، ثم ابدأ بتجربته من خلال المناقشات التي تجريها عندما تستلم الدور الجديد.
إذ كنت على وشك تولي دور قيادي، فإن لتصرفاتك التي تسبق ذلك دوراً حاسماً في نجاحك خلال الأشهر الثلاثة الأولى وما بعدها، ففي حين أنك تميل إلى الاعتماد على معرفتك السابقة واتباع أسلوب نجح معك من قبل، فإن هذا السلوك قد يقودك إلى استنتاجات غير صحيحة تأخذك في اتجاه خاطئ، ولتجنب ذلك، عليك أن تغادر منصبك الحالي بطريقة مدروسة وتجدد طاقتك وعلاقاتك وتكتشف ما يتطلبه النجاح في دورك الجديد.