يُعد تولّي منصب قيادي، سواء كان دور مدير متمرس أو دور مشرف مبتدئ، أمراً صعباً ومثيراً للحماسة في الوقت نفسه. وستؤثر طريقة تعاطيك مع هذه النقلة في حياتك المهنية إلى درجة كبيرة. فيجب أن تباشر العمل على الفور وبأعلى مستوى من الأداء، سواء بالنسبة لمدرائك، أو حتى بالنسبة لمرؤوسيك المباشرين. تبين الأبحاث أن وضع خطة على مدى 90 يوماً، مع تحديد مراحل رئيسية على بعد 30 يوماً و60 يوماً، يمكن أن يزيد من فرصك في تحقيق النجاح، لكن على الرغم من أن هذه الخطط هي أدوات رائعة، فإن مرؤوسيك المباشرين سيقيّمون هويّتك وكفاءاتك قبل وقت طويل من وصولك إلى هذه المراحل الرئيسية. في الواقع، سيخرج مرؤوسوك المباشرون بتقييمات تعلق بأذهانهم عنك منذ أول حوار يجمعكم. ولهذا، أعتقد أنه يتعين عليك وضع خطة “اليوم الأول”، أو ما أحب أن أطلق عليه اسم “العرض الترويجي للقائد الجديد”.

وتماماً كما يحتاج رواد الأعمال إلى أصحاب الأموال، من أشخاص ومؤسسات، للاستثمار في أفكار شركاتهم الناشئة، يحتاج القادة والمدراء إلى أشخاص يمتلكون رأسي المال الاجتماعي والبشري كي يوفروا لهم الدعم. ويؤثر مدى الدعم الذي يحصلون عليه في فعاليتهم بصورة مباشرة. الجانب الإيجابي هنا هو أن مديرك المباشر وجد فيك استثماراً جيداً من قبل (فهو يعرف كفاءاتك وقدراتك وهو من وظفك)، لكن مرؤوسيك المباشرين لم يبادروا إلى “الاستثمار” الطوعي نفسه، ليس بعد على الأقل. ويجب ألا تفترض على الإطلاق بأنهم سيتبعون تعليماتك تلقائياً لمجرد حملك لقب مدير أو نائب رئيس أو حتى مدير عام، فهذا نفوذ رسمي فحسب. عليك أن تكسب تأييدهم، ويجب أن تضع استراتيجية لتحقيق هذا الأمر بحيث تستطيع تحويلها إلى مجموعة من نقاط التكلم المقنعة التي توجه -عموماً وليس حرفياً- جميع حواراتك الأولى معهم. إذا كانت المجموعة التي ستتولى إدارتها كبيرة، فمن المرجح أن تبدأ هذه النقاشات باجتماع عام لطاقم العمل لتقديم نفسك، متبوعاً باجتماعات إفرادية مع مرؤوسيك المباشرين على مدى الأيام القليلة التالية.

ماذا يجب أن يتضمن العرض الترويجي للقائد الجديد؟

للإجابة عن هذا السؤال، سألتُ مجموعة من المهنيين الذين يعملون بدوام كامل، من خلال منصة استطلاع للرأي عبر الإنترنت، ما الذي يرغبون في معرفته من القائد الجديد في أول حوار يجمعهم؟ بلغ عدد المشاركين الذين أجابوا عن الأسئلة 278 شخصاً. بلغ متوسط الأعمار 36 سنة، وكان نصف المجموعة تقريباً من الرجال (53%) والنصف الآخر من النساء (47%)، وكانت مكونة بمعظمها من خريجي الجامعات (77%)، ومثّلت نطاقاً واسعاً من الصناعات والقطاعات المختلفة، بما فيها الاتصالات بنسبة 14%، والجهات الحكومية بنسبة 12%، والرعاية الصحية وشركات الأدوية بنسبة 11%، والتعليم بنسبة 11%، والقطاع المالي بنسبة 10%، والصناعات التحويلية بنسبة 10%. وقد تعمدتُ صياغة استطلاع الرأي على شكل حوار بدلاً من عرض تقديمي، حتى أتيح للمشاركين التعبير عما يرغبون شخصياً في معرفته، بدلاً مما يظنونه رغبة الآخرين أو رغبة مجموعاتهم. وفيما يخص إطار العمل الذي اعتمدته، أدمجت أبحاثاً أخرى أجريتها وأجراها زملائي على مدى العقد المنصرم حول علاقات العمل وإعداد الموظفين الجدد للعمل.

انقسم المشاركون في استطلاع الرأي إلى مجموعتين متساويتين تقريباً، وهما مجموعة “المحاربين” (warriors) ومجموعة “القلقين” (worriers). وقد عبّرت كل مجموعة عن مجموعة متمايزة من المخاوف. من المرجح أن مرؤوسيك المباشرين يتضمنون أشخاصاً من كلتا المجموعتين، ولهذا يجب أن تعرف كيف تخاطب كل مجموعة في عرضك الترويجي. لنلقِ نظرة على ما يتطلبه هذا الأمر:

يقيّم المحاربون معرفتك، وكفاءتك، وخبراتك (وعلاقة هذه الخبرات بالعمل)، وأسلوبك في القيادة، وذلك كي يحددوا مدى دعمهم لك. فهم يريدون معرفة مدى قدرتك على تولي العمل، وفهم ما يلزم لمساعدتهم في تنفيذ عملهم على نحو أفضل، أم أنك ستكون عائقاً في طريقهم فحسب.

على سبيل المثال، قال أحد المحاربين -وهو محترف تقني يعمل لصالح شركة مختصة بالتكنولوجيا المتطورة- إنه يرغب في معرفة إن كان القائد الجديد “قد مارس هذا العمل بالفعل، أم أنه يعتقد أنه يعرف متطلبات العمل فقط. إلى أي درجة سيكون هذا القائد مستعداً للمشاركة فعلياً في عملنا وتجربته بنفسه؟”. وقالت محاربة أخرى، وهي ممرضة، إن أكبر مخاوفها يتعلق بما إذا كان القائد الجديد “يعرف كيفية إنجاز العمل المطلوب مني فعلاً. فأنا أشعر بإهانة كبيرة عندما يحاول الأشخاص الذين لا يعرفون عملي إطلاق الأحكام عليه”.

قد يعتقد بعض القادة الجدد أن هذه الأسئلة تمثل محاولة للتقليل من شأنهم، وعلى الرغم من أن هذا الاحتمال قائم، فإن النية العامة لدى المحاربين مختلفة تماماً. عادة ما يكون تعامل الموظفين مع قائد جديد مبنياً على تجربتهم مع آخر شخص تولى قيادتهم. فقد يكون المرؤوس المباشر المحارب مسروراً للتخلص من قائد متعثر الأداء، لكن من المحتمل أنه ما يزال متوتراً بعض الشيء بسبب إمكانية تكرار هذه التجربة معك. وبالفعل، فقد استرسلت الممرضة في شرحها قائلة إن “هذا مهم جداً، لأنه كان يمثل مشكلة كبيرة في الماضي”.

أيضاً، يرغب المحاربون في معرفة إن كنت قائداً نشطاً يشرف على كل شيء مباشرة. في المحصلة، يرغب المحاربون في أن يبادر القائد الجديد (وفقاً لتوصيف أحد المهنيين) “بالدخول مباشرة في العمل وتحمل مسؤولية متابعة الفريق لكل المستجدات، وتوفير الحماية لهم في حال حدوث مشاكل مع المستويات الأعلى من الإدارة”.

أما القلقون، فعلى العكس من هذا، فهم أكثر تركيزاً على استكشاف إن كان القائد الجديد يمثل استثماراً “آمناً”. وقد لخص أحد محترفي المبيعات وجهة النظر هذه بالكامل عندما قال إنه يريد القائد الجديد أن “يجعلنا نشعر بالأمان في وظائفنا وفي الشركة”. كيف يمكنك طمأنة هؤلاء المرؤوسين؟ بالنسبة للكثيرين من هؤلاء المرؤوسين، يمثل “توضيح توقعات العمل” المهمة الأساسية للقادة الجدد. أيضاً، أبدى الكثيرون منهم فضولاً عميقاً إزاء خطط القادة الجدد للمستقبل، وخطواتهم التالية (لا سيما في أوضاع التحولات الجذرية). وقد قال أحد القلقين: “أريد معرفة إن كان القائد الجديد يخطط لتطبيق أي تغييرات، خصوصاً التغييرات التي يمكن أن تنعكس عليّ”. أخيراً، يرغب القلقون أيضاً في الحصول على معلومات حول الأسلوب القيادي للمدير الجديد، لكن مخاوفهم مختلفة قليلاً عن مخاوف المحاربين. فهم يريدون الحصول على إجابات عن أسئلة مثل: ما أسلوبه في الإشراف؟ هل يتبع سياسة الباب المفتوح؟ كيف يريدنا أن نبلغه بالمشاكل؟

عند التحدث مع كلتا المجموعتين، يجب أن تحرص على أن يتضمن عرضك الترويجي معلومات حول كفاءاتك والتغييرات التي ستطبقها، وخبراتك وتوقعاتك، وأسلوبك القيادي العام. وقد وصف لي آدم (اسم مستعار)، وهو مساعد في مجال تطوير المنتجات العالمية في شركة أدوية في منطقة الكاريبي، كيف حقق أحد القادة الجدد كل هذا في أول حوار له: “استعرض القائد الجديد إنجازاته السابقة بقدر كبير من التفصيل. لقد كان مثيراً للإعجاب. ووضح منهجه المتعلق بالإلمام بأولويات الأقسام المختلفة. وقال لي إنه سيعدّل هيكلية المؤسسة لدعم العمل التجاري، لكن هذا سيؤدي إلى توسيع مجال الوظائف والفرص. فلن يُفصل أي شخص من عمله، لكن سيتعين على الجميع إجراء المقابلات مرة أخرى لإشغال المناصب الوظيفية من جديد. لقد ترك هذا الاجتماع الأول انطباعاً رائعاً، وقد شعرت بالحماسة لرؤية ما سيحدث لاحقاً في الشركة”. على الرغم من أن فكرة إجراء مقابلات جديدة لإشغال المناصب الوظيفية أثارت الذعر لدى بعض القلقين، فإن وضع توقعات واضحة طمأنهم بشأن المستقبل.

تحذيرات ونصائح

أشار المشاركون في استطلاع الرأي أيضاً إلى عدة أخطاء يمكن أن يرتكبها القادة الجدد، وما يجب أن يفعلوه بدلاً من ذلك.

1. لا تبالغ في المشاركة، بل حاول إقامة صلات شخصية مع المرؤوسين.

قد تشكل العلاقات الشخصية مع المشرفين دافعاً قوياً جداً. وتبيّن الأبحاث أن وجود صلة قوية بين المرؤوس المباشر والقائد يزيد من احتمال تماهي المرؤوس المباشر مع المؤسسة، وانخراطه في العمل بسلوكات إبداعية، ومساعدته للآخرين في العمل. وفقاً لأحد المهنيين، فإن العلاقة الطيبة مع المدير “تدعم المعنويات والعمل الجماعي”.

ومن المثير للاهتمام أن مشاركاً آخر، وهو مستشار في تكنولوجيا المعلومات، قدّم نصيحة دقيقة حول كيفية إقامة علاقة بنّاءة. فقد قال إن القادة الجدد يجب “أن يخبروني بشيء عن حياتهم الشخصية، دون الكشف عن الكثير من التفاصيل، ولكن ما يكفي حتى أشعر بإنسانيتهم”. خلاصة القول، لا تبالغ في الجوانب الشخصية. وقدّم مهني آخر وجهة نظر إضافية: “أرغب في معرفة المزيد عن القائد الجديد، لا الأماكن التي عمل فيها من قبل فحسب. إن كان بإمكانه فعل شيء في حياته إلى جانب عمله الحالي، فماذا سيكون؟”. قال آخرون إن مشاركة التفاصيل الشخصية تساعد القائد الجديد على أن يصبح “أكثر قرباً من الآخرين” و”إقامة الصلات مع الآخرين”. وقد تساعد أيضاً على وضع الأساس الذي ستعتمد عليه لاحقاً في تقديم رؤيتك للتغيير وكيفية متابعة العمل. وعلى الرغم من أن التحدث عن هذه الرؤية على الفور قد يساعدك في إثارة حماسة مرؤوسيك، فقد يكون التريث أفضل. فقد أكد لي أحد المهنيين أنه يفضل أن ينتظر القائد الجديد “حتى يتعرف إلينا، نحن طاقم العمل، على نحو أفضل، قبل عرض رؤيته للقسم”.

2. لا تكتفِ بالكشف عن سيرتك الذاتية الاحترافية، بل أخبرهم “بقصتك” أيضاً.

في حين يركز المحاربون على خبراتك ويتساءل القلقون بشأن تأثيرها على تعاملك معهم، فإن كلتا المجموعتين سترغب في الاطلاع على تاريخك المهني. لكن كلتا المجموعتين تريد منك الدفاع عن حقك في أن تكون قائداً جديداً لها من خلال “قصة” أو رواية حياتك المهنية. على سبيل المثال، سترغب المجموعتان في معرفة الأسباب التي جعلت وظيفة ما تبدو مناسبة لك في فترة معينة. وقد قال لي أحد المحاربين: “أريد أن أعرف ما الذي دفع بمشرفي إلى تولي منصب كهذا. فنحن نساعد دور العجزة على إدارة شؤون الرعاية الصحية، وإضافة إلى هذا، فإن شركتنا متوسطة الحجم فقط، وليست ثرية. وليس الجميع مستعدين للتخلي عن الراتب المرتفع والوظيفة لصالح قضية خيّرة كهذه”.

تمكّن مدير أدم من تقديم رواية مهنية قوية وتحمل طابعاً شخصياً. وقد استذكر آدم ما حدث قائلاً: “عبّر القائد الجديد عن حماسته للانضمام إلى هذه الشركة. واستغل هذه الفرصة ليكشف عن أشياء تخص حياته الشخصية. فقد تحدث عن الفترة التي مارس فيها الرياضة في الكلية، وكيف استقى منها دروساً قيّمة استفاد منها في مسيرته المهنية وإنعاش حافزه اليومي. وتحدث أيضاً عن نجاحات سابقة حققها في منصب مماثل، وقال إنه يظن أنها ستؤدي إلى تحقيق نجاحات مماثلة في مؤسستنا”.

في روايتك، يمكنك أن تُسقط قصتك على المستقبل، بل يجب أن تفعل هذا. في الواقع، أراد عدة مشاركين معرفة أهداف القائد الجديد بالنسبة إلى المنصب القيادي نفسه. وعلّق أحد المحترفين في مجال الرعاية الصحية قائلاً: “أود أن أعرف تبعات رؤية القائد الجديد بالنسبة إلى المنصب، وكيف ستؤثر هذه الرؤية عليّ شخصياً”. أيضاً، يمكن أن تترك انطباعاً إيجابياً لدى الموظفين إذا شرحت الأسباب التي تجعل منصبك الجديد جزءاً أساسياً من قصتك، والأهم من ذلك، الدور المهم لمرؤوسيك المباشرين في هذه القصة.

ففي نهاية المطاف، يرغب الجميع في أن يكونوا جزءاً من قصة ما، خاصة إذا كانت قصة عمل تكلل بالنجاح. وإذا تأملت ملياً، بوصفك قائداً جديداً، في كيفية إحداث انطباع أولي جيد لدى مرؤوسيك واكتساب دعمهم، فمن الممكن أن تساعدهم على أن يصبحوا جزءاً من قصتك.