ذكرت في مقالتي السابقة أن عرض القيمة الشخصية هو ما يدفع المؤسسة لتوظيفك أو ترقيتك بدلاً من شخص آخر. إنه أساس استراتيجيتك المهنية.
لن يكون عرض القيمة لأي منتج مفيداً إلا إذا كان حقيقياً؛ أي إذا كانت الشركة تمتلك الكفاءات التنظيمية اللازمة لتقديم عرض القيمة هذا. وبالمثل، لن يكون عرض القيمة الشخصية الذي تقدمه إلا إذا كان حقيقياً؛ أي إذا كنت تتمتع بمواطن القوة المطلوبة، وبالتالي فإن الخطوة الأولى في تطوير عرض القيمة الجيد هي التقييم الذاتي لتقييم مواطن قوتك.
هل يمكن ابتكار رؤى جديدة حول مواطن قوتك؟ فيما يلي قصة شخص حقّق ذلك.
كان محمد (اسم مستعار) نائباً لرئيس قسم التسويق في شركة مدرجة في قائمة فورتشن 100. وكانت هذه الشركة قد استحوذت على شركته قبل عامين. قبل الاستحواذ، كان محمد من بين أفضل 10 موظفين في مؤسسة تضم 8 آلاف شخص، لكنه أصبح في المؤسسة الجديدة واحداً من أفضل 300 موظف في شركة تضم 100 ألف موظف. لقد فقد جزءاً كبيراً من استقلاليته وأصبح غير متيقن من مستقبله، لذلك كان يشعر بعدم الرضا.
أدرك محمد أنه بحاجة إلى استراتيجية مهنية جديدة. وبما أنه لم يكن متيقناً من المجال الذي يجب أن يستهدفه أو كيفية تقديم نفسه بأفضل صورة، فقد ركز على تحديد مواطن قوته وبناء عرض قيمة شخصي قوي يعتمد عليها.
فكر محمد في البداية أن يركز على خبرته في التسويق والنمو، خاصة في الأسواق الناشئة، لكن هذه الخبرات لم تكن مقنعة. إذ لم يكن من الواضح ما الذي جعله يتفوق في هذه المجالات، وبدت خبراته مشابهة لخبرات الآخرين. إذاً، ما الذي ميّزه عن غيره؟
بعد أشهر من المحاولات المحبطة، اتجه محمد نحو مسار غير تقليدي. لقد تعمق في تاريخه المهني الشخصي واكتشف موطن قوة رئيسي: التعاطف. أدرك أن موهبته في فهم الآخرين كانت السر المشترك لأهم إنجازاته. لقد ساعده التعاطف على ابتكار منتجات جديدة، وإقامة علاقات عمل مفيدة، وتكوين فرق عمل منتجة. ولم تكن هذه السمة قيّمة فحسب، بل كانت نادرة أيضاً بين أقرانه.
بدأ محمد رحلة بحث جادة عن وظيفة جديدة. فذكر مهارة التعاطف في سيرته الذاتية موضحاً كيف قادته إلى تحقيق إنجازات في عمله. بالإضافة إلى ذلك، ركز على التعاطف في محادثاته مع الشركات المحتملة وأظهره في طريقة إجرائه للمقابلات من خلال الاستماع بانتباه والقدرة على فهم وجهات نظر الآخرين. لقد أثّر التعاطف على الطريقة التي قدّم بها نفسه وكيفية وصفه لإنجازاته السابقة.
في نهاية المطاف، حصل محمد على وظيفة جديدة مثيرة. لقد أدرك الرئيس التنفيذي الذي وظفه "أنه يحتاج إلى شخص يتمتع بالتعاطف ليتناسب مع أسلوبه في العمل". فقد أسس الشركة وقاد نموها الاستثنائي، وكانت لديه آراء واضحة للغاية بشأن معظم القضايا. وفي حين أن معظم مرؤوسيه المباشرين كانوا يترددون في تحدي أفكاره، كان يدرك أنه بحاجة إلى من يتحداه بطريقة بنّاءة. نجح محمد بإقناعه أن بمقدورهما بناء علاقة عمل مثمرة.
بالطبع، كانت هناك عوامل أخرى أسهمت في نجاح محمد، مثل خبرته الدولية وخبرته العملية في التسويق وتحضيره الدقيق لكل اجتماع، لكن التعاطف هو ما جعله يبرز حقاً. لولا إدراكه لهذه القوة في نفسه وتسليط الضوء عليها، ربما لم يدرك الرئيس التنفيذي أنه في حاجة إليها وأن محمداً هو الشخص المناسب لتقديمها.
استلهم من مثال محمد عندما تبدأ بصياغة عرض القيمة الشخصية. لا تغفل خصائصك ومواطن قوتك التقليدية، ولكن ركز على ما يميزك وكيف يسهم ذلك في نجاحك المهني. إليك 5 خطوات لتحقيق ذلك:
- ضع قائمة بمواطن قوتك. قد تفكر أولاً في المهارات والمعرفة الملموسة التي اكتسبتها من خلال خبرة العمل والتعليم. مع ذلك، لا تنسَ مواطن القوة الجوهرية الأقل وضوحاً ولكنها لا تقل أهمية. استعرض وظائفك السابقة وحياتك الدراسية. ما الأنشطة التي استمتعت بها أكثر من غيرها؟ فيمَ برعتَ تحديداً؟ قد يحمل لك عملك الحالي أيضاً بعض الأدلة. كن متيقظاً ومنفتحاً على الاكتشافات غير المتوقعة.
- التمس التعليقات. اطلب ملاحظات صادقة دون مجاملة من زملائك الحاليين أو السابقين. ربما يذكرون مواطن قوة لم تدركها، أو يشككون بمواطن القوة التي ذكرتها، أو يطرحون أسئلة تقودك إلى اكتشاف مواطن قوة جديدة. ابدأ الحوار بطرح أسئلة مثل: "في أي مجال أتفوق؟" و"ما مواطن القوة التي يمكن البناء عليها؟" و"ما نقاط ضعفي؟" و"أي وظائف يجب أن أتجنبها؟" و"أي وظائف يجب أن أسعى إليها؟".
- راجع الملاحظات السابقة. أعِد قراءة تقييمات الأداء السابقة أو استذكر جلسات التدريب الإرشادي مع المشرفين، حتى لو كانت تتعلق بوظيفة مختلفة.
- قيّم نفسك ذاتياً. تخيل أنك ستوظف نفسك لوظيفتك الحالية وكأنك لم تشغلها من قبل. اسأل نفسك ما السبب الذي يدفعك لتوظيف نفسك لهذه الوظيفة وما الذي قد يؤدي إلى رفضك؟
- راجع قائمة مواطن القوة مرة أخرى. عد إلى قائمتك الأولى لمواطن قوتك وعدّلها لتشمل ما تعلمته حديثاً. نظّم هذه القائمة وحدد أولوياتها. كن محدداً قدر الإمكان، فمواطن القوة العامة يسهل ادعاؤها، لكنها لا تقدم فائدة كبيرة. أما مواطن القوة المحددة فهي أكثر مصداقية، وستوجهك بطبيعة الحال إلى بعض الفرص.