تتغيّر اقتصادات اليوم بسبب النمو المتسارع للتقنيات الجديدة، وتطوّر سياسات الاستدامة، وتغيُّر تفضيلات المستهلكين، ما يقود إلى حدوث زعزعة (Disruption) في أغلب القطاعات. ولم تكن القطاعات الراسخة بمعزل عن هذه الزعزعة، وعلى رأسها قطاع السيارات، خاصةً مع ظهور السيارات الكهربائية والسيارات الذاتية القيادة وآلية النقل التشاركي، وغيرها. قالت الرئيسة التنفيذية لشركة جنرال موتورز، ماري بارا: "إن صناعة السيارات مهيأة لمزيد من التغيير في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة عما شهدته في الخمسين عاماً الماضية".
وعلى الرغم من الزعزعة في قطاع السيارات بسبب هذه التقنيات وتغيّر احتياجات العملاء، يواجه قطاع المبيعات مشكلة في مواكبة هذه التغيّرات، إذ انخفض متوسط الأرباح التشغيلية لشركات بيع السيارات من 8.9% في عام 2015 إلى 1.7% في النصف الأول من عام 2018، ما يجعل شركات بيع السيارات بحاجة إلى اتباع استراتيجيات جديدة للتكيّف مع هذه الزعزعة في القطاع، وفقاً لتقرير صادر عن شركة ماكنزي، وهو ما اتّبعه الرئيس التنفيذي لمجموعة السيارات ومعدات البناء والطاقة المتجددة (ACERE) التابعة لشركة محسن حيدر درويش في سلطنة عمان، رائد الأعمال العماني، محسن البحراني. وتُعد مجموعة السيارات ومعدات البناء والطاقة المتجددة واحدة من الشركات الرائدة في قطاع مبيعات السيارات منذ أكثر من 60 عاماً.
ففي الوقت الذي يشهد فيه القطاع اضطراباً واضحاً، استطاع البحراني زيادة مبيعات العلامات التجارية الشريكة بنسب فاقت التوقعات، فعلى سبيل المثال، استطاع تحقيق قفزة واضحة في مبيعات العلامة التجارية الشهيرة إم جي موتورز (MG Motors) في السلطنة من المركز الـ 15 في عام 2019 إلى المركز الثالث في 2021 من حيث حجم المبيعات المحلية، وقد حازت الشركة جائزة جراند بري (Grand Prix) ذات تصنيف 5 نجوم لتحقيق نسبة مبيعات عالية من هذه العلامة التجارية.
اعتمد البحراني نهجاً واكب الزعزعة، بالاستناد إلى ثلاث ركائز رئيسة، هي تفعيل التجارة الإلكترونية لاتباع نهج يرتكز أكثر حول العميل، وتوسيع عرض القيمة عبر توسيع قائمة المنتجات، والتسويق بأساليب مختلفة.
1. التجارة الإلكترونية للتركيز حول العميل
أدت الزعزعة الرقمية في سوق السيارات إلى تحويل نموذج البيع التقليدي إلى نموذج أكثر تركيزاً على العملاء، لتركز تركيزاً كاملاً على تجربة الشراء الخاصة بالعميل. وهنا تصبح التجارة الإلكترونية واحدة من الأساليب الفعالة لتطبيق هذا النموذج، إذ تمتد عبر تطبيقات الهاتف المحمول والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والمتاجر التقليدية. ومن خلال التعامل مع العلامات التجارية عبر مجموعة متزايدة من القنوات ذات الصلة، يجد المستهلكون الإلهام في لحظات مختلفة ما يثير الرغبة في اختصار المسار من الاكتشاف إلى الشراء.
تولى البحراني منصب الرئيس التنفيذي للمجموعة في 2020، أي في أثناء جائحة كوفيد-19، وعلى الرغم من صعوبة التوقيت، استطاع الاستفادة من هذه المحنة لتفعيل عمليات التجارة الإلكترونية لعلامات تجارية مثل شركة إم جي موتورز، التي أتاحت للمستهلكين لأول مرة في سلطنة عمان شراء سيارة بثلاث خطوات فقط، ما ساعد الشركة في الوصول إلى جمهور أوسع والحفاظ على علاقة مستمرة مع العملاء والشركاء الحاليين، إضافة إلى تحسين منصة التجارة الإلكترونية لعلامات مثل جاغوار ولاند روفر.
فيقول البحراني إنه على الرغم من أن الشركة لم يكن لديها قطاع متكامل للتجارة الإلكترونية، فإنهم استطاعوا دمج خيار نمط التجارة الإلكترونية لبيع السيارات، لا سيّما أنه شخصياً لطالما كان مهتماً بالتحول الرقمي وابتكار الحلول التي تسهل حياة المستهلكين، موضحاً أن هذه الخطوة الجريئة ضمنت وصول الشركة إلى عملائها والعكس صحيح مع زيادة الوعي بالعلامة التجارية، ما أدى إلى تحسين أداء المبيعات، وهكذا حقق قسم السيارات نجاحاً ملهماً في وقت كانت فيه العلامات التجارية للسيارات في جميع أنحاء العالم تتعامل مع عواقب الوباء.
وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، استثمرت شركة محسن حيدر درويش كمجموعة، وفقاً للبحراني، بشكل كبير في تعزيز منتجاتها الرقمية، وهذا ما منحه الثقة لدفع التحول الرقمي من خلال إطلاق التخصيص الإلكتروني للسيارات عبر الإنترنت وحتى تقديم طلب عبر الإنترنت للسيارات التي يفضلها العميل. فيقول البحراني: "عندما يتعلق الأمر بموضوع السيارات، غالباً ما تميل العلامات التجارية اليابانية إلى السيطرة خاصة في المنطقة، لكن السلطنة تخوض تحولات في هذا القطاع، إذ دخلت العديد من ماركات السيارات المحلية المفضلة في المنافسة بشكل قوي".
2. توسيع عرض القيمة
تصنف شركات رائدة كثيرة نفسها في مجال ضيق جداً لصناعة محددة وتحصر نفسها فيه، وهنا تكون مساحة اكتشاف مجالات نمو جديدة مقيدة ومحدودة جداً، بحسب ما جاء في مقال منشور في هارفارد بزنس ريفيو عن الزعزعة. وقد سعى البحراني إلى الخروج من المساحة المحدودة إلى مجالات أوسع عبر تقديم خدمات متنوعة متعلقة بالسيارات، إذ كان أحد جوانب النمو والنجاح الكبيرين لمجموعة السيارات ومعدات البناء والطاقة المتجددة هو قدرة رئيسها التنفيذي على فهم احتياجات العميل.
واستحدثت الشركة قسماً خاصاً بتأجير السيارات لتقديم خدمة تأجير لمجموعة واسعة من المركبات الصغيرة وذات الدفع الرباعي إضافة إلى المركبات الفاخرة، إذ يشغل حالياً أسطولاً مكوناً من 2,000 سيارة خلال 18 شهراً فقط من إطلاق القسم، ويخدم هذا القسم رؤية عمان 2040، فيما يتعلق بتطوير قطاع السياحة.
وتشهد أرباح قطع الغيار والخدمة زيادة متنامية، إذ زاد إجمالي الأرباح من 45% في عام 2015 إلى أكثر من 49% في عام 2018. ويتوقع تقرير شركة ماكنزي أن تنمو أرباح خدمات الصيانة وقطع الغيار ما بعد البيع مجتمعة من نحو 40 مليار دولار إلى ما بين 42 مليار دولار و46 مليار دولار في عام 2030.
أسس البحراني أيضاً قسماً للطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية وهو الأول من نوعه في سلطنة عمان، انطلاقاً من رؤيته حول ضرورة تقليل البصمة الكربونية، بناء حلول مستدامة، إذ يركز البحراني على استخدام الموارد المتاحة لتطويرها. وقدم خلال القسم علامة إيه بي بي (ABB) لتوريد شواحن المركبات الكهربائية العالية الطاقة التي سيتم تركيبها في جميع أنحاء البلاد، لدفع الابتكار التكنولوجي المدعوم بالطاقة النظيفة.
3. أساليب تسويق مختلفة
نماذج الأعمال المختلفة تتطلب أساليب ترويجية مختلفة أيضاً. فحرص البحراني على اتباع عدة استراتيجيات أسهمت في زيادة حجم مبيعات السيارات، ومن ضمنها افتتاح 13 منفذ بيع جديد، وتوسيع خدمات ما بعد البيع من ثلاثة أفرع في عام 2019 إلى 11 فرعاً في عام 2022، واتباع استراتيجية تسويقية فعّالة آتت ثمارها سريعاً.
هذه الخطوات مكّنت شركة محسن حيدر درويش من استقطاب أشهر العلامات التجارية للشركة مثل لاند روفر (Land Rover)، وجاغوار (Jaguar)، وهونشي (Hongqi)، وجيتور (Jetour) ومكلارين (McLaren)، وإم جي موتورز (MG Motors)، وجيب (Jeep)، ورام (RAM)، ودودج (Dodge) وألفا روميو (Alfa Romeo)، وإينيوس (Ineos)، لتصبح واحدة من أكبر الكيانات التي تضم علامات تجارية في الشرق الأوسط، ويصبح محسن البحراني أصغر رئيس تنفيذي لمجموعة مدرجة في أكثر 100 شركة عائلية قيّمة في عام 2021 من قِبل فوربس الشرق الأوسط، وإدراجه أيضاً في مجموعة 2022 ضمن قائمة فوربس "30 تحت 30" (30Under30).