ملخص: يُعد إشراك أعداد كبيرة من الأشخاص في جهود التغيير عنصراً حاسماً في إدارة التغيير؛ فهو يوسع نطاق وجهات النظر، ويساعد على التوصل إلى مجموعة أكبر من الحلول، ويعزز التزام الأشخاص بالقيام بالأشياء بطرائق مختلفة. ولكن قد يكون من غير الواقعي توقُّع أن تضع مجموعة كبيرة من أصحاب المصالح المعنيين مصالحها الشخصية والعملية جانباً من أجل الصالح العام. فبغض النظر عن مقدار دفاع الأفراد عما هو في الصالح العام، فمن طبيعة البشر النظر إلى القرارات من منظور مدى فائدتها من عدمه للأفراد ولفِرقهم. وقد يكون هذا صعباً بوجه خاص في الشركات المتوسطة الحجم ذات ثقافة الانتماء. إذا كنت تفكر في إجراء تغيير كبير في شركتك المتوسطة الحجم، ولديك ثقافة المشاركة على نطاق واسع، فإن هذه المقالة تغطي بضعة مبادئ يجب وضعها في الاعتبار في أثناء خوض التغيير.
أحد المبادئ المهمة لإدارة التغيير هو "إشراك أصحاب المصلحة"؛ أي إشراك الأشخاص الذين سيتأثرون بالتغيير. يشير نموذج جنرال إلكتريك المشهور لتسريع التغيير (change acceleration model) أو (CAP) إلى ذلك بـ "حشد الالتزام". ويشدد إطار كوتر للتغيير المكون من 8 خطوات على القيام بذلك من خلال "بناء تحالف" و"تجنيد جيش من المتطوعين". حتى إن شركة ماكنزي أجرت بحثاً لتحديد عدد الأشخاص الذين يجب إشراكهم، وخلصت إلى أن 7% على الأقل من الموظفين يحتاجون إلى تحمُّل مسؤولية بعض الجوانب في أي تحول كبير.
ولكن ماذا لو أدت عملية إشراك الكثير من الأشخاص في التغيير إلى إبطاء الأمور بدلاً من تسريعها؟ من واقع خبرتي في مجال الاستشارات، يُعد هذا خطراً قائماً على الدوام في الشركات المتوسطة الحجم، لا سيما تلك التي تولي أهمية كبيرة لإبقاء الموظفين على اطلاع كامل بالأعمال وتعزيز ثقافة "الانتماء". عندما يشعر الجميع أنهم يسهمون في نجاح الشركة (وهو أمر رائع)، فسوف يشعرون أيضاً أنه يجب أن يكون لهم رأي فيما يجري تغييره. ونظراً إلى عدم وجود طريقة لدفع عجلة التغييرات بحيث ترضي الجميع، فإن عملية الإشراك إما تستغرق وقتاً طويلاً للغاية وإما تؤدي إلى تعطُّل صنع القرار.
مثال سريع: كانت شركة تكنولوجيا تضم نحو 1,800 موظف حول العالم تعاني تباطؤاً في نموها. واستناداً إلى إسهامات الاستشاريين الاستراتيجيين، اتفق فريق الإدارة العليا على أن هناك حاجة إلى زيادة تركيز الشركة على بيع فئة معينة من البرمجيات للعملاء من المؤسسات. ناقش الرئيس التنفيذي هذا الهدف الاستراتيجي في اجتماع إطلاع العاملين على التطورات، إضافة إلى وصف عام لما قد يعنيه هذا التغيير، بوصفه جزءاً من ثقافة إبقاء الجميع على اطلاع بالتطورات الجديدة في الأعمال. وفي الأسابيع التي تلت ذلك، شارك الكثير من الأشخاص في فِرق المنتجات والعمليات والمبيعات والتسويق لوضع خطط أكثر تحديداً لزيادة هذا النوع من البيع للمؤسسات. وعلى الرغم من أن جميع أعضاء الفريق لديهم مصلحة شخصية في حماية وظائفهم وميزانياتهم ومؤسساتهم، لم تتضمن أي خطة من الخطط أي أفكار حول ما سيُوقَف أو سيُؤجَّل حتى يمكن تحويل الموارد إلى ما سيكون محور التركيز الجديد. لذلك، بينما كان الجميع في الشركة يعرفون أن مبيعات المؤسسات هذه مهمة، لم يُتخذ سوى القليل من الخطوات الفعلية في هذا الاتجاه.
للأسف، هذا ليس مثالاً استثنائياً. قبل بضعة أشهر، كنت أتحدث مع رائدة أعمال كانت شركتها بحاجة إلى إيقاف معاملات العملاء في بلد معين بسبب الضغوط السياسية والتنظيمية. وقالت إنهم جمعوا فرقة عمل كبيرة وكلفوها بإنشاء عملية لتحديد العملاء الذين سيتضررون من ذلك، والآثار المالية على الشركة، والدعم التكنولوجي اللازم "لإيقاف" الوصول إلى المنتج. ومع ذلك، كانت فرقة العمل تواجه صعوبات من أجل التوصل إلى توافق في الآراء حول ما يجب القيام به وكيفية القيام به. فقد كان فريق المبيعات يدفع باتجاه نقل أهم العملاء بحيث يمكن حجز منتجات الشركة من خارج البلد المتضرر، ويمكنهم الاحتفاظ بالإيرادات، لكن فريق العمليات كان قلقاً من أن هذا سيتطلب حلولاً بديلة واسعة النطاق، وسيحتاج كل منها إلى موافقة الفريق التنظيمي. ولم يكن فريق المنتجات يعرف إذا ما كان بإمكانه إعادة تهيئة جميع عروضه بهذه الطريقة، وكان يحتاج إلى وقت لتحليل الأمر. وفي الوقت نفسه، كان الفريق المالي يحاول اكتشاف النموذج المالي الذي سيحدد أياً من العملاء يجب نقلهم. بعبارة أخرى، كانوا عاجزين عن إيجاد حل.
سيكون من السهل الابتعاد عن هذه الأمثلة معتقداً أن المستويات العالية من إشراك الموظفين يمكن أن تضر بإدارة التغيير. وربما من الأسهل على أحد كبار المسؤولين التنفيذيين، مثل الرئيس التنفيذي، أن يخبر الجميع بما يجب عليهم فعله بدلاً من "وجود عدد كبير جداً من الطهاة في المطبخ". لكن المشكلة الحقيقية لا تتمثل فيما إذا كان يجب إشراك أعداد كبيرة من الأشخاص أم لا، بل في كيفية إشراكهم والدور الذي يجب أن يواصل كبار القادة الاضطلاع به.
في الحالات الواردة هنا، أشرك كبار القادة العديد من الأشخاص في المراحل الأولى من تشكيل التغيير والتخطيط له، وهي المرحلة التي عادة ما تكون هناك حاجة فيها لاتخاذ قرارات صعبة. ولكن كلما زاد عدد الأشخاص المشاركين في اتخاذ مثل هذه القرارات، الذين سيكون لكل منهم آراء مختلفة وسيتأثر بصورة مختلفة، أصبح من الأصعب الوصول إلى نتيجة فعلياً. بغض النظر عن مقدار دفاع الأفراد عما هو في الصالح العام، فمن طبيعة البشر النظر إلى القرارات من منظور هل ستكون جيدة أم سيئة لك ولفريقك.
يتعلق الأمر أيضاً بالتوقعات إلى حد ما. يُعد الحصول على الكثير من الآراء ووجهات النظر في وقت مبكر أمراً ذا قيمة كبيرة. فهو يثري المناقشة ويفتح آفاقاً جديدة. ولكن هناك فرق بين تقديم وجهة نظر وبين أن تكون صانع قرار؛ وهنا يمكن للشركات المتوسطة الحجم التي تتمتع بثقافة المشاركة أن تواجه صعوبات. فمطالبة الكثير من الأشخاص بدراسة الأمر وفحصه وتقديم بيانات والمشاركة في النقاش تختلف عن جعل الجميع جزءاً من القرار. إذ يجب أن يقوم بذلك فريق أصغر يتكون عادة من الرئيس التنفيذي ومسؤوليه التنفيذيين. وبمجرد اتخاذ القرار، يمكن للمجموعة الأكبر تحديد كيفية تنفيذه بشكل أكثر فعالية. وحتى في هذه الحالة، يجب على مسؤول كبير (الرئيس التنفيذي أو المالك التنفيذي) أو فريق من كبار المسؤولين توجيه عملية التنفيذ لأنه سيكون هناك الكثير من الاختيارات الصغيرة التي تؤثر أيضاً على الأشخاص بطرق مختلفة. فقد كانت هذه مشكلة في كلتا الحالتين. يعرف الجميع ما يجب القيام به بشكل عام، ولكن معرفة كيفية التنفيذ تتطلب اتخاذ الكثير من القرارات بشأن إيقاف الأنشطة الحالية أو إجراء مفاضلات.
مبادئ يجب وضعها في الاعتبار إذا كنت على أعتاب إجراء تغيير كبير في شركتك
إذا كنت تفكر في إجراء تغيير كبير في شركتك المتوسطة الحجم، ولديك ثقافة المشاركة على نطاق واسع، ففيما يلي بضعة مبادئ يجب وضعها في الاعتبار:
أولاً، كن واضحاً للغاية بشأن إذا ما كنت تشرك الأشخاص لتقديم إسهاماتهم أم لاتخاذ قرار
إذا كنت تنوي اتخاذ قرار، فوضِّح مسبقاً أن الراعي التنفيذي أو كبير القادة سيتخذ القرار النهائي، لا سيما إذا لم يتمكن الفريق الأكبر من التوصل إلى توافق في الآراء. هذا ما حدث في النهاية في شركة التكنولوجيا التي أرادت إعادة التركيز على مبيعات المؤسسات. عندما لم يحدث الكثير من التغيير من خلال اتباع النهج الواسع النطاق، عمل الرئيس التنفيذي مع عدد قليل من كبار المسؤولين التنفيذيين والموظفين لتحديد التغيرات في أولويات الفِرق الرئيسية وحدد لهم أهدافاً تدعم تلك التغيرات. كما أجروا بعض عمليات إعادة الهيكلة البسيطة التي خصصت الموارد للأماكن حيث توجد حاجة ماسّة إليها. على الرغم من أن الجميع لم يكونوا راضين عن هذه التغييرات، فإنهم قبلوها بالشكل المطلوب. في الواقع، قال العديد من الأشخاص إنه كان ينبغي اتخاذ هذه القرارات في وقت أبكر بكثير.
ثانياً، تأكد من أن القائد أو الراعي سيظل مشاركاً بعمق طوال عملية التغيير
هذا ما حدث، وبشكل كبير إلى حد ما، مع فرقة العمل التي كانت مكلفة بإنهاء أعمال الشركة في بلد معين. بعد عدة أسابيع من معرفة أن فرقة العمل عاجزة عن إيجاد حلول، علمت أنهم حلّوا هذه الفرقة، وحددوا موعداً لوقف ممارسة الأعمال في هذا البلد، وأرسلوا رسائل إلى عملائهم، وأوقفوا تشغيل الأنظمة التي كانت تتطلبها الأعمال. انتهى الأمر، ولا مزيد من النقاشات. عندما سألت عن الكيفية التي تحقق بها ذلك، قيل لي إن مسؤولة تنفيذية كبيرة التقت بالفرقة المكلَّفة بالمهمة وأدركت أن المسار التي تسلكه سيتطلب آلاف الساعات من وقت الموظفين، وسيؤخر موعد "إيقاف الأعمال"، وسيثير غضب الجهات التنظيمية، وربما سيكلف أكثر من أي وفورات محتملة. لذلك، طلبت منهم تحديد موعد خلال الأسبوعين المقبلين وإنجاز الأمر. بمجرد أن نظر الجميع إلى الأمر بهذه الطريقة، لم يعد يحتاج إلى تفكير.
يُعد إشراك أعداد كبيرة من الأشخاص في جهود التغيير عنصراً حاسماً في إدارة التغيير؛ فهو يوسع نطاق وجهات النظر، ويساعد على التوصل إلى مجموعة أكبر من الحلول، ويعزز التزام الأشخاص بالقيام بالأشياء بطرق مختلفة. ولكن قد يكون من غير الواقعي توقُّع أن تضع مجموعة كبيرة من أصحاب المصلحة مصالحها الشخصية والعملية جانباً من أجل الصالح العام. لذا بصفتك أحد كبار القادة، لا تتوقع أن يتخذ هذا النوع من الفِرق قرارات صعبة بمفرده. إذ ستظل بحاجة إلى القيام بذلك، ليس فقط في البداية، بل طوال عملية التغيير أيضاً.