ملخص: تعتبر برامج التعلم والتطوير الفعالة عنصراً حاسماً في نجاح كلٍّ من الموظفين وأرباب العمل. ولكن ما الذي يتطلبه تطوير مبادرات تحقق نتائج إيجابية ملموسة؟ أثبتت الأبحاث أن النهج المعروف باسم "التعلّم في أثناء سير العمل" يسهم في ضمان استيعاب المتعلمين للمهارات والمفاهيم الجديدة وتطبيقها في أثناء سير عملهم اليومي. ويقدّم كاتب هذه المقالة 5 استراتيجيات أسلوبية تستند إلى الأبحاث لمساعدة الشركات على إعداد برامج تعتمد هذا النهج وتحقّق نتائج ملموسة: تحديد السياق العام للعملية التعليمية، واستخدام المنبهات التحفيزية بصورة متكررة، وتخصيص وقت للتفكير، وإنشاء تجارب التعلّم المصغر، وقياس التقدم المُحرز. ويجادل الكاتب في النهاية بأن بناء برامج التعلم والتطوير الناجحة يوجب على أرباب العمل الاستثمار في البرامج التي تضمن العائد على الاستثمار وتشجّع الموظفين على التعلم ليس نظرياً فقط، ولكن بشكل مباشر في أثناء سير العمل.
تعدّ برامج التعلم والتطوير عنصراً حاسماً في نجاح أي مؤسسة. تضمن هذه البرامج امتلاك الموظفين للمهارات والقدرات اللازمة لأداء مهمات وظائفهم على أحسن ما يكون، وتثبت لهؤلاء الموظفين أن أرباب العمل يؤمنون بأنها تستحق الاستثمار فيها، ما يؤدي في النهاية إلى تعزيز ثقافة الشركة وتعزيز إبداء المزيد من الالتزام تجاه المؤسسة.
وللأسف تعاني مؤسسات كثيرة صعوبات حقيقية لإثبات جدوى العائد على استثماراتها في التعلم والتطوير. ويشير أحد التقديرات في واقع الأمر إلى أن 10% فقط من إجمالي 200 مليار دولار تنفقها الشركات سنوياً على عمليات التدريب والتطوير في الولايات المتحدة تحقق نتائج ملموسة، فلماذا يعاني الكثير من المؤسسات صعوبات حقيقية في تنفيذ برامج تعليمية فاعلة؟ حدد البحث بعض التحديات الأكثر شيوعاً:
- تتم التدريبات عادة خارج المؤسسة، ما يجعل من الصعب ترجمة ما تم تعلمه في الفصول الدراسية إلى واقع ملموس في مكان العمل.
- تميل الدورات التدريبية إلى مطالبة المتعلم باستثمار قدر كبير من وقته الشخصي، مع مطالبته في الوقت نفسه بتلبية كافة واجبات العمل العادية.
- وعادة ما يتم إلقاء عبء تطبيق الدروس المستفادة من العملية التعليمية على المتعلم ذاته، مع توفير الحد الأدنى من المتابعة من قِبَل المدرّب بمجرد انتهاء التدريب.
لكن ما يبعث على التفاؤل أن الخبراء طوّروا أيضاً نهجاً يمكن أن يسهم في مواجهة هذه التحديات، وهذا النهج معروف باسم التعلّم في أثناء سير العمل. وتوضح رئيسة قسم شؤون الموظفين في شركة باي سكيل (PayScale)، شيلي هولت، هذه النقطة قائلة: "لقد تغيرت الطريقة التي يتعلم بها الناس بشكل جذري... ونحن بحاجة إلى خلق بيئة تجمع بين التعلم والتدريب والتطبيق العملي. علاوة على ضرورة توفير ما يُعرَف بالتعلّم المصغر. فلم يعد من المناسب تنظيم دورات تدريبية تستمر لمدة 7 ساعات ثم التعرُّف على كيفية تنفيذ ما تم تعلمه".
ومن المؤكد أن إنشاء تجربة تعليمية متكاملة مدمجة حقاً في مسار العمل ليس بالمهمة اليسيرة. ولكن من خلال مراجعة شاملة لأدبيات العلوم التعليمية، بالإضافة إلى أبحاثي وخبرتي كمعلم، بما في ذلك تحليلاتي لأكثر من 7 أعوام من برامج التعلم والتطوير التي أجريتها مع ما يقرب من 500 مشارك، استطعتُ تحديد 5 استراتيجيات تستند إلى الأبحاث يمكنها مساعدة القادة على تحقيق المواءمة بين برامج تطوير الموظفين والنتائج المؤسسية الرئيسية، ما يؤدي في النهاية إلى تعزيز العائد على الاستثمار لكلٍّ من الموظفين الأفراد والمؤسسة بأكملها.
1. تحديد السياق العام للعملية التعليمية
أثبتت الأبحاث أنه كلما زادت الفجوة بين السياق العام الذي يتم فيه تعلم شيء ما والسياق الذي سيتم تطبيقه فيه، قلَّت احتمالات احتفاظ الطلاب بالمادة التي تعلموها واستخدامهم لها على أرض الواقع. وعلى الرغم من ذلك، يتم تنفيذ الكثير من برامج التعلم والتطوير التقليدية خارج مكان العمل، ما يجبر المتعلمين على نقل ما تعلموه بين سياقين مختلفين للغاية. يؤدي هذا إلى تقليل احتمالية تطبيق المهارات أو المعارف الجديدة في وظائفهم.
في المقابل، عندما يتعلم الموظفون في أثناء سير العمل، يتم وضع المعرفة في السياق العام للمؤسسة التي يعمل بها الموظف ومسارات العمل النموذجية، وبالتالي تعزيز القدرة على حفظ الموظفين للمعلومات وتطبيق الدروس المستفادة على أرض الواقع. ويمكن تحقيق هذه الغاية من خلال البرامج التدريبية المصمَّمة حسب الطلب، حيث يستهدف المدرِّبون طلبات محددة على مستوى الفرد أو الفريق. وقد تكون هذه البرامج فاعلة في تحديد السياق العام للعملية التعليمية داخل المؤسسة، ولكنها غالباً ما تكون باهظة التكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً.
ثمة خيار بديل يتمثّل في "اجتماعات التعلم". وبدلاً من الاستثمار في البرامج التعليمية المخصَّصة والمصمَّمة حسب الطلب، يمكن للمدراء ببساطة تخصيص قدر صغير من الوقت لفرقهم من أجل تعلم فكرة أو إطار عمل جديد ومشاركة ما تعلموه مع فريقهم ومناقشة كيفية تطبيقه داخل الشركة. على سبيل المثال، نظّمتُ جلسة تدريبية كجزء من بحثي حول كيفية إجراء المحادثات الصعبة (مثل إطلاع زميل على التقييمات السلبية)، استخدمتُ خلالها هذه الطريقة: قدمتُ إطار عمل لتيسير المناقشة، ثم شجعتُ المشاركين على مشاركة تجاربهم الخاصة بعضهم مع بعض. قدّم إطار العمل أساساً لكيفية التعامل مع هذه المواقف، لكن المناقشة الجماعية ساعدت المشاركين على تحديد السياق العام لكيفية تطبيق هذا الإطار على المحادثات الفعلية التي كانوا يجرونها داخل مؤسساتهم. وحينما شاركوا ما تعلموه، أدى هذا إلى دفع المتعلمين إلى صياغة المعلومات بلغة مؤسساتهم، ما ساعدهم على تحديد سبب أهميتها وكيفية استخدامها في سياقات العالم الواقعي.
2. استخدام المنبهات التحفيزية بصورة متكررة
أثبتت عقود من البحث قوة المنبهات التحفيزية باعتبارها عوامل سياقية صغيرة تشجع الأفراد على اتخاذ إجراء معين في مختلف أنواع البيئات. على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى سياق التعلم، فسنجد أن رسائل التذكير القصيرة المرسلة عبر البريد الإلكتروني أو الإشعارات الفورية تساعد على تذكّر المتعلم للأفكار وأطر العمل المكتسبة واحتفاظه بها في ذهنه وزيادة احتمالية تطبيقها على أرض الواقع. صحيحٌ أن تفاصيل التنفيذ ستختلف من حالة لأخرى بطبيعة الحال، ولكن يجب على المدراء بشكل عام الالتزام بثلاث قواعد أساسية لزيادة فعالية هذه المنبهات التحفيزية:
- جعل المنبه التحفيزي موجزاً والدخول في صلب الموضوع مباشرةً، وثمة قاعدة عامة مهمة يجب مراعاتها هنا وهي أن المنبه التحفيزي يجب ألا يزيد على جملتين أو ثلاث على الأكثر.
- ربط المنبه التحفيزي بوضوح بالفكرة أو إطار العمل الذي تم تعلمه، واستخدام الكلمات الرئيسية التي سبق للمتعلم أن شاهدها فعلياً في أطر العمل من أجل تعزيز الرسالة بصورة متسقة.
- إنهاء كل منبه تحفيزي بدعوة إلى اتخاذ إجراء يشجع المتعلم على تطبيق الفكرة في أسرع وقت ممكن، مع تضمين سلوك معين يجب على المتلقي تبنيه خلال فترة زمنية محددة لتحفيزه على اتخاذ إجراء على المدى القريب بناءً على ما تعلمه.
حينما كنت أجري بحثي، حرصتُ على تنفيذ منبهات تحفيزية أسبوعية في مجموعة متنوعة من البرامج التدريبية، وذكر المتعلمون في هذه البرامج باستمرار في استقصاءات المتابعة أن المنبهات التحفيزية ساعدتهم على تذكُّر المحتوى الذي تعلموه وتطبيقه على أرض الواقع. وقد أوضح أحد المشاركين هذه النقطة قائلاً: "قدمت لي [المنبهات التحفيزية] رسائل تذكيرية سريعة لتخصيص ما يكفي من الوقت لفعل أشياء بسيطة تسهم في تحسين إدارتي وقيادتي لفريقي". ووصف آخر أثر المنبهات التحفيزية في "تعزيز مفهوم التعلم"، بينما قال آخر إنه قد "أحب قدرة الرسائل التذكيرية على مساعدته على حفظ المعلومات". أسهمت هذه الرسائل القصيرة في تشجيع المشاركين على استخدام ما تعلموه في المواقف المرتبطة بمكان العمل في العالم الحقيقي وترسيخ المعلومات في أذهانهم وزيادة احتمالية استمرارهم في تطبيقها على أرض الواقع في المستقبل.
3. تخصيص وقت للتفكير
يعد التفكير عنصراً أساسياً في عملية التعلم، وعلى الرغم من ذلك فنادراً ما يتم تضمينه في خبرات التعلم التقليدية. ويستلزم إعداد برامج ناجحة في حقل التعلم والتطوير تشجيع المتعلمين على التفكير في كيفية دمج ما تعلموه وتطبيقه على أرض الواقع خلال يوم العمل العادي.
على سبيل المثال، حينما أجريت تدريبات في إطار بحثي العلمي، كنتُ أحدّد دائماً وقتاً مخصصاً للتفكير في نهاية كل أسبوع. كنتُ أطلب من المتعلمين خلال هذه الاجتماعات القصيرة أن يفكروا في كيفية استخدامهم للمعلومات التي تعلموها خلال هذا الأسبوع ومشاركتها. ثم كنتُ أطلب منهم وصف أثر هذه الاجتماعات، وسمعتُ باستمرار أن إجبارهم على التراجع خطوة إلى الوراء والتريث قليلاً والتفكير في كيفية تطبيقهم لما تعلموه ساعدهم على اغتنام فرص التفكير التي أسهمت بدورها في مساعدة المشاركين على فهم المعلومات الجديدة وتطبيقها على أرض الواقع. وقد أوضح أحد المشاركين أن "[تخصيص وقت للتفكير] أدى إلى ازدياد احتمالية الاستمرار في استخدام ما تعلمته بصورة ملموسة"، بينما أشار آخر إلى تقديره لأثر هذه الطريقة في "إرغامي على التريث والتفكير في كيفية استخدام ما تعلمته".
4. إنشاء تجارب التعلّم المصغر
أثبتت الأبحاث أن تقسيم محتوى التدريب إلى أجزاء أصغر يمكن تطبيقها في أنشطة أخرى يعزز العملية التعليمية ويحسن القدرة على حفظ المعلومات. وبدلاً من مطالبة الموظفين بتعلم موضوع كامل دفعة واحدة، تسهم برامج التعلم والتطوير الفاعلة في تقديم الأفكار المستمدة من الموضوع ضمن إطار عمل يسهل استيعابه ويمكن تقديمه في أجزاء صغيرة الحجم. على سبيل المثال، بدلاً من مطالبة الموظفين بحضور ورشة عمل لمدة يوم كامل، يمكن للمدراء تشجيع الموظفين على الاشتراك في دورات تدريبية قصيرة عبر الإنترنت يمكن دمجها بسهولة أكبر في جداول المواعيد الأسبوعية.
وتم دعم هذا الاتجاه من خلال التعليقات الواردة من المتعلمين في البرامج التي أجريتها، حيث تم تقسيم المحتوى إلى تجارب تعلّم مصغر تتراوح مدتها بين 15 و30 دقيقة. وأفاد المشاركون أنهم يفضلون بشدة هذه الدروس القصيرة، ويعتقدون أنهم كانوا أكثر قدرة على استخدام ما تعلموه عندما أصبحت الدروس تغطي فكرة أساسية واحدة فقط وكيفية استخدامها طوال يوم العمل (بدلاً من تضمين العديد من الأفكار المختلفة في تدريب واحد).
5. قياس التقدم المُحرز
أخيراً، يستلزم التقييم الدقيق للعائد على استثمار مؤسستك في برامج التعلم والتطوير قياس مستوى التقدم الذي يحرزه كل متعلم. وهذا يعني إجراء التقييمات قبل تنفيذ البرنامج وبعده، بالإضافة إلى تتبّع التغييرات في السلوك أولاً بأول وفي الوقت الحقيقي لحدوثها من أجل التعرُّف على الأثر الكلي لبرنامج التعلم. ومن الأهمية بمكان تحديد المقاييس التي يمكن أن تساعدك على تحديد توقيت نجاح مبادرة التعلم والتطوير (أو عدم نجاحها)، خاصة عندما يتعلق الأمر بقياس فعالية برامج التدريب على المهارات الشخصية التي قد يكون من الصعب قياسها كمياً.
علاوة على ذلك، من المهم أن نتذكر أن التعلم عملية فردية ويمكن أن تختلف نتائجها على نطاق واسع من متعلم لآخر، سواء كان ذلك بسبب الاحتياجات والمهارات الفريدة للأشخاص المختلفين أو بسبب تأثير الأحداث الخارجة عن سيطرة المتعلم، مثل التغييرات في عبء العمل أو أحداث الحياة غير المتوقعة. ومن هذا المنطلق فإن تقييم الفعالية الإجمالية لبرنامج التعلم غالباً ما يستلزم تجميع النتائج الفردية على مستوى الفريق أو المؤسسة. ويمكن أن يساعدك هذا التحليل على تحديد نتائج المستوى التنظيمي، مثل كيفية تغيُّر مستويات التزام الموظفين أو الكفاءات الرئيسية نتيجة التدريب. وقد وجدتُ من خلال خبرتي في العمل مع المؤسسات أن أسئلة التقييم التالية يمكن أن تساعدني على تحديد توقيت نجاح البرنامج، وتمكّنني من وضع يدي على الجوانب التي تحتاج إلى التحسين:
- هل استخدمتَ إطار العمل هذا الأسبوع؟
- إذا كان الأمر كذلك، فكيف استخدمتَ إطار العمل؟
- وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكنك استخدام إطار العمل الأسبوع المقبل؟
بعد تحليل ردود المشاركين على هذه الأسئلة، استطعتُ تحديد التغييرات في سلوكيات المتعلمين التي يمكن ربطها مباشرة باستخدام المواد التي تعلموها وتطبيقها على أرض الواقع. بالإضافة إلى ذلك، فإن تشجيع المتعلمين على تتبع كيفية تطبيقهم لما تعلموه يسهّل عليهم أيضاً إظهار قيمة هذه البرامج التعليمية داخل مؤسساتهم، ما يزيد في النهاية من فرص استمرار مدرائهم في الاستثمار في البرامج الفاعلة. على سبيل المثال، في حين أن المتعلمين يشيرون عادةً إلى التدريبات التي تلقوها خلال العام الماضي في تقييماتهم السنوية، فإن توفير آليات معينة للمتعلمين لقياس مستوى التقدم الذي يحرزونه يمكّنهم من كتابة قائمة ليس فقط بالبرامج التي أكملوها، ولكن أيضاً الأثر المباشر لتلك البرامج على المؤسسة وقابليته للقياس.
تسهم برامج التعلم والتطوير في منح الموظفين الأدوات التي يحتاجون إليها لأداء مهمات وظائفهم بنجاح وإحراز التقدم في حياتهم المهنية. وللأسف، غالباً ما تفشل البرامج التقليدية في تحقيق هذه الغاية وتتطلب التزامات زمنية غير واقعية وتُخفِق في تحقيق أثر قابل للقياس على النتائج المؤسسية الرئيسية. ويوجب بناء برامج التعلم والتطوير الناجحة على أرباب العمل الاستثمار في البرامج التي تضمن العائد على الاستثمار وتشجّع الموظفين على التعلم ليس نظرياً فقط، ولكن بشكل مباشر في أثناء سير العمل.