هل ينجح أسلوب الترغيب في تغيير السلوك التنظيمي للأفراد داخل المؤسسات؟

4 دقائق
تغيير السلوك التنظيمي
shutterstock.com/ Thorsten Schmitt

ملخص: أظهر الاقتصاد السلوكي أنه يمكن استخدام أداة الترغيب السلوكي والتي تعرف أيضاً باسم "الوكز" (Nudging) لمساعدة الأفراد في التصرف بما يخدم مصالحهم الشخصية. لكن هل يمكنك تطبيق أدوات مماثلة لتغيير السلوك التنظيمي؟ تعاون الباحثون مع وزارة المالية في مدينة أونتاريو في كندا لترغيب المؤسسات التي تأخرت في تقديم الإقرارات الضريبية السنوية عن الأجور. ووجدوا أن إجراء تغييرات بسيطة على الرسالة الموحدة المرسلة إلى مقدمي الإقرارات المتأخرين حققت زيادة بنسبة 61% في الضرائب المحولة في غضون 10 أيام من استلام الرسالة، وهو ما وفر على الوزارة صرف ما يقرب من 6,000 دولار من تكاليف التحصيل ووفر على المؤسسات صرف أموال كانت ستدفعها لقاء الغرامات والفوائد الإضافية.

تعلّمنا بعد أكثر من عقد من إجراء البحوث في علم الاقتصاد السلوكي أن الأفراد "يستجيبون للترغيب"، وأنه يمكن استخدام العوامل السياقية التي تبدو بسيطة لحث الأفراد على التصرف بما يخدم مصالحهم الشخصية في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك صحتهم وأمورهم المالية وتعليمهم، مثل محفزات التبسيط والتخطيط التي توضح وقت ومكان وكيفية العمل.

ومع ذلك، على الرغم من اتساع نطاق الرؤى الثاقبة حول كيفية تحسين سلوكيات الأفراد، فإننا لا نعرف سوى القليل نسبياً عن مدى تأثير تلك الأدوات، أو حتى ما إذا كانت تؤثر على السلوك التنظيمي بالفعل. هل يجب أن نتوقع من المؤسسات أن تستجيب بشكل مختلف للترغيب؟

السلوك البشري

علّمنا علم الاقتصاد السلوكي أن السلوك البشري يعتمد على السياق، وقد درس الباحثون في مجالات علم النفس الاجتماعي والسلوك التنظيمي بالفعل عدة طرق يمكن للسياقات الجماعية من خلالها أن تعزز بعض العمليات النفسية وأن تحد من غيرها. فمن ناحية، تخضع المؤسسات لضغوط تنافسية، وهو ما يحفز الحاجة إلى مضاعفة الأرباح، ويمكن للمؤسسات بالفعل تقديم الدعم المعرفي لمساعدة الموظفين في اتخاذ قرارات أفضل، مثل تقديم التدريب والدعم التكنولوجي وانتهاج البيروقراطية. قد نفترض نتيجة ذلك أن عملية صناعة القرار التنظيمي فاعلة تماماً وأن الترغيب سيوفر مساعدة إضافية محدودة أو معدومة. ومن ناحية أخرى، تُعتبر ظواهر مثل التفكير الجماعي والاستقطاب وتوزيع المسؤولية والتسكع الاجتماعي تحيزات تؤثر بشكل فريد في عملية صناعة القرار الجماعي، وهو ما يشير إلى أن الترغيب الذي ينجح مع الأفراد قد يكون حلاً سيئاً ويتسبب في انحراف المؤسسات عن مسارها.

استجابة المؤسسات للترغيب

تعاونا مع وزارة المالية في مدينة أونتاريو للمساعدة في معالجة مسألة استجابة المؤسسات للترغيب. وركز بحثنا على المؤسسات التي فشلت في تقديم إقرار ضريبي سنوي عن الأجور. اعتادت وزارة المالية إبلاغ المؤسسات المتأخرة عن طريق إرسال رسالة بالبريد بعد أسبوع واحد فقط من تاريخ الاستحقاق مفادها أنه لم يجر استلام الإقرار الضريبي بعد مع تذكير بتقديم الإقرار على الفور لمنع اتخاذ مزيد من الإجراءات. افترضت الرسالة أن المؤسسات نسيت ببساطة تقديم الإقرار أو أنها كانت تماطل لأنها لم تأخذ تلك المهمة على محمل الجد. لذلك، أجرينا تعديلاً واحداً على رسالة تقديم الإقرار الضريبي المتأخر الموحدة تلك لمعرفة ما إذا كان ذلك التعديل سيفيد في التغلب على مشكلة التقاعس والتقصير من قبل المؤسسات.

أعدنا في نسختنا المعدلة كتابة الرسالة إلى تعليمات واضحة اشتملت على خطوات تفصيلية حول كيفية تقديم الإقرار الضريبي ومكان تقديمه، وحددنا موعداً نهائياً. اخترنا إضافة موعد نهائي لتقديم الإقرارات لسببين اثنين، أولاً، حددنا الوقت الذي ستبدأ فيه جهود التحصيل الإضافية، بما في ذلك توظيف العاملين في مراكز الاتصال، والتعاقد مع وكالات التحصيل. ثانياً، مثّل الموعد النهائي هدفاً أكثر واقعية من مجرد مطالبة شخص ما بالدفع "على الفور". من ناحية الأسلوب، استخدمنا ضمائر الشخص المخاطب والمبني للمعلوم، دون إجراء أي تغيير كبير في المعنى أو إضافة نصوص صعبة الفهم. وتوقعنا أن تساعد تلك التعديلات الصغيرة المؤسسات التي تعتزم دفع ضرائبها في اتخاذ إجراء ما.

وأرسلنا في العامين اللاحقين النسخة الأصلية للوزارة أو نسختنا المعدلة بشكل عشوائي إلى جميع مقدمي الإقرارات المتأخرين، ما بين 6,300 و6,200 مؤسسة. وبالمقارنة مع رسالة تقديم الإقرار الضريبي المتأخر الموحدة التي اعتادت الوزارة إرسالها، زادت رسالتنا التي انطوت على إطار زمني محدد من احتمالية امتثال المؤسسات المتأخرة للطلب وتقديم ضرائبها السنوية قبل 4 أو 5 أيام من بدء جهود التحصيل الإضافية الأكثر تكلفة.

ما الذي يعنيه ذلك بالدولار؟ جمعت رسالتنا المعدلة في العام الأول 61% أكثر في الضرائب المحولة قبل بدء جهود التحصيل الإضافية، وهو ما أدى إلى جمع 288,335 دولاراً في غضون 10 أيام فقط من إرسال الرسالة المعدلة بالبريد وتوفير 5,766 دولاراً من تكاليف التحصيل على الحكومة. ولو أننا أرسلنا رسالتنا المعدلة إلى جميع المؤسسات المتأخرة، لكان من الممكن أن تكسب الحكومة مبلغاً إضافياً قدره 475,438 دولاراً أميركياً في شكل حوالات مالية قبل الشروع في إجراءات التحصيل الإضافية وتوفير حوالي 9,508 دولار أميركي في تكاليف التحصيل. وكانت النتائج في العام الثاني متشابهة.

وبما أننا أجرينا دراستنا على مدى عامين متتاليين، لم نجد أي دليل على استمرار تأثير رسالتنا لأكثر من عام. وليس من المستغرب ألا تؤسس رسالة واحدة ثقافة مؤسسية قائمة على الاكتفاء الذاتي. ولكن هذه النتيجة هي بمثابة تذكير أنه عندما يتعلق الأمر بالترغيب، فإن توقيت استخدامها مهم جداً. والأهم من ذلك هو أننا وجدنا أن تأثير رسائلنا كان ثابتاً بمرور الوقت. حققت نسختنا المعدلة من الرسالة نجاحاً جيداً، وكان نجاحها أفضل حتى عندما تلقتها المؤسسات للمرة الثانية، وهو ما يشير إلى أن الترغيب المستمرة قد تؤدي إلى تغيير مؤسسي مستدام.

وأدى تدخلنا إلى تعزيز أهداف الحكومة والجمهور الذي تخدمه، فقد وفر على الحكومة إنفاق أموال على تكاليف التحصيل، ووفر على المؤسسات إنفاق أموال إضافية على الغرامات وفوائد إضافية، وزاد مقدار الضرائب المحصلة. وبالنظر إلى أن تنفيذ ذلك "الترغيب" لا يتضمن أي تكاليف هامشية، وأننا لم نعثر على دليل أن التعرض المتكرر للرسالة قلل من تأثيرها، تنفّذ الحكومة الرسالة التجريبية بصفتها المعيار اليوم.

المؤسسات معقدة ومتنوعة، مثل الأشخاص الذين توظفهم، ولا يزال يوجد الكثير من العمل الذي يجب أداؤه بشأن التقاطع بين الاقتصاد السلوكي والسلوك التنظيمي. وما تعلمناه هو أن نقاط الضعف التي يمكن أن تتسبب في فشل الأفراد في السعي وراء أفضل نواياهم قد تستمر على الرغم من نجاح المؤسسة، وأنه يمكن في بعض الحالات تطبيق نفس الأدوات للتغلب على نقاط الضعف تلك بنجاح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي