ملخص: في حين أن القادة يولون الكثير من الاهتمام لبدء مسيرتهم المهنية في وظائفهم الجديدة، من المهم أيضاً أن يضعوا خطة مُحكمة لعملية مغادرتهم العمل. وتعد إدارة عملية مغادرة العمل أحد أهم الأمور التي يمكنك فعلها لنفسك وفريقك ومؤسستك، وهي عملية ضرورية لتأمين إرثك وسمعتك. ويستعرض كُتَّاب هذه المقالة 6 خطوات يجب اتخاذها بعد إرسال إخطار الاستقالة: 1) تحديد أولوياتك؛ 2) توضيح حدودك؛ 3) وضع خطة انتقالية مفصلة لمديرك؛ 4) تجهيز فريقك؛ 5) تأهيل مَنْ سيخلُفك في المنصب وإعداده للنجاح؛ 6) إبداء الاحترام وحُسن التجاوب.
إذا كنت مسؤولاً قَبِل للتو شغل منصب قيادي جديد، فلا بد أن ذهنك سيكون مشغولاً بالكثير من الأمور. ومن الطبيعي أن ينشغل بالك بكيفية إتقان مهمات منصبك الجديد، خاصة إذا كنت ستترك منصباً كنت تشغله لفترة طويلة من الزمن وتشعر بالتوتر حيال التغيير. قد تنشغل أيضاً بتدبير متطلبات الخدمات اللوجستية التي يستلزمها تغيير مكان العمل أو كيفية تأثير الوظيفة الجديدة على شؤونك الأسرية.
من المنطقي أن ينشغل بالك بالتركيز على مستقبلك، ولكن من المهم أيضاً ألا تغفل عملية مغادرتك لعملك. فالطريقة التي تدير بها مغادرة العمل لها تأثيرات كبيرة على كلٍّ من فريقك ومؤسستك. وهي تؤثر على الطريقة التي سيتذكرك بها زملاؤك في العمل والطريقة التي سيتذكرك بها مسؤولو مؤسستك، وإما أنها ستسهم في تعزيز سمعتك أو تشويهها.
وإليك هذين المثالين:
يشغل هاني* منصب مسؤول تنفيذي مالي في إحدى كبرى شركات السلع الاستهلاكية، وطُلب منه مؤخراً تزكية زميل سابق يبحث عن وظيفة جديدة. كان هذا الزميل موظفاً متميزاً في منصبه، ولكنه لم يقدم إخطار استقالته إلا قبلها بفترة وجيزة، وترك وراءه فوضى عارمة. وبسبب هذه الفعلة، كان ديفيد متردداً في تزكيته وقرر في النهاية رفضه، لأنه لم يكن يريد المخاطرة بسمعته.
تشغل هناء* منصب الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا في إحدى شركات الخدمات المهنية، وقد اعتادت العمل لساعات طويلة حتى يومها الأخير في المنصب، في محاولة منها لإنهاء مشروع مهم بمفردها. وبالتالي، لم تقضِ وقتاً كافياً مع مَنْ سيخلُفها في المنصب ولم تطوِ صفحة الماضي مع فريقها بطريقة جيدة. ونتيجة لذلك، توقف "مشروع الشغف" (The Passion Project) الذي كانت تعتقد أنه سيكون إرثها الخالد. ولم تدرك أنها لم تفلح في تمهيد الطريق لاستمرار إرثها إلا بعد فوات الأوان. لقد انهمكت في التركيز على محاولة إنجاز المشروع، ونسيت أمر فريقها.
احذر أن تقع في مزالق كهذه. واعلم أن إدارة عملية مغادرة العمل أمرٌ ضروريٌ لتأمين إرثك. واستناداً إلى أكثر من 20 عاماً من الخبرة في تدريب القادة خلال فترات الانتقال الوظيفي، فإننا ننصح باتخاذ الخطوات الآتية بعد إرسال إخطار الاستقالة:
1. تحديد أولوياتك
كن واقعياً بشأن ما يمكنك إنجازه قبل يومك الأخير في العمل. ووجّه تركيزك إلى القضايا التي تُعتبر فيها الشخص الوحيد الذي يمتلك المعرفة والخبرة والعلاقات اللازمة للتعامل معها. واسأل نفسك الأسئلة التالية لتحديد "أولويات مغادرة العمل":
- ما أهم القضايا التي أتعامل معها وأكثرها حساسية، ومَنْ يجب إطلاعه على أسرارها؟
- ما هي المعرفة التاريخية أو التقنية أو السياسية المعرَّضة للضياع حالما أغادر منصبي، وكيف يمكنني إعداد الآخرين لسد هذه الفجوة؟
- ما الذي ما زلت بحاجة إلى تحقيقه لأشعر بالرضا عن مدة تولي الوظيفة؟
- ما هي المشاريع التي يتعين عليّ تركها دون إكمالها، وما هي المعارك التي يجب أن أتركها دون حسمها، حتى لو كان الأمر مؤلماً؟
2. توضيح حدودك
بمجرد توضيح أولويات مغادرة العمل ضع حدوداً شخصية لضمان استمرار تركيزك وتجنب التورُّط في أزمات جديدة. احرص على تعريف الجميع بأولوياتك، بدايةً من مديرك وصولاً إلى زملائك، مروراً بمرؤوسيك المباشرين وأصحاب المصلحة. إذ ستؤدي مغادرتك إلى نشوء ديناميكيات جديدة، سواء داخل مجموعة أقرانك السابقين أو بين مرؤوسيك الذين كنت تشرف عليهم، وسيحاول الآخرون ملء فراغ السلطة. ومن المهم توضيح الدور المنوط بكل فرد خلال العملية الانتقالية وعلاقتهم بأصحاب المصلحة والعملاء. ولا بد أن تظل يقظاً لأي مطالبات قد تدعوك إلى المشاركة في الإشراف على مشاريع جديدة، ومن ثم عليك أن تحيلها إلى الشخص المناسب، كما يتعين عليك أيضاً أن تحرص على إشراك الآخرين في عملية صناعة القرار وتخفيف قبضتك على العمليات التشغيلية بالتدريج.
وبمجرد أن تعلن عن قرار مغادرتك للعمل، يجب أن تتوقع استبعادك من عملية صناعة القرارات المستقبلية، إضافة إلى تضاؤل ثِقلك السياسي. وستحتاج إلى الوثوق بالآخرين لبدء اتخاذ القرارات الصحيحة.
3. وضع خطة انتقالية مفصلة لمديرك
تأكد من فهم مديرك للأولويات التي يجب أن تحوز الاهتمام بعد مغادرتك العمل. قد يكون من المفيد أيضاً تقديم: 1) رأيك حيال أنسب الهياكل الإدارية والتنظيمية لقسمك في المستقبل؛ 2) رؤيتك الثاقبة حول التحديات المستقبلية التي تواجه الأعمال التي تشرف عليها؛ 3) المشورة بشأن أفضل آلية لنقل المسؤوليات إلى مَنْ سيخلُفك في المنصب وغيره من الموظفين الرئيسيين. لخّص كل هذا في وثيقة عمل وأرسلها إلى مديرك. وستتأثر خطتك أيضاً بمدى استعداد مديرك وفريقك لتولي بعض مسؤولياتك، بالإضافة إلى ما إذا كان يتم استبدالك بآخر يحل محلك، أو سيتم توزيع مسؤولياتك على أكثر من شخص، أو سيتم إلغاء منصبك نهائياً.
4. تجهيز فريقك
خصّص بعض الوقت للتأكد من جاهزية أعضاء فريقك للمرحلة التالية بصحبة قائد جديد؛ لأنك إذا واصلت العمل بالطريقة المعتادة، فلن تجهّز فريقك لهذه المرحلة الانتقالية. واحرص على بناء ثقة فريقك في نفسه من خلال تسجيل ما حققتموه معاً ومشاركته معهم. تحدث معهم بشأن ما يأملون تحقيقه في المستقبل. واطلب منهم تحديد أصحاب المصلحة المهمين الذين لا بد من الحصول على مساندتهم لتحقيق النجاح، وما يمكنك فعله لتعزيز هذه العلاقات قبل أن تغادر.
واعلم أن توديع فريقك قد يكون أصعب مما تتخيل. قد تشعر بالسعادة عندما يلجأ إليك الآخرون للحصول على حلول أو ليتساءلوا عما سيحيق بهم عند رحيلك. لكن قد يؤدي ذلك إلى اعتياد أعضاء فريقك الاتكال عليك في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى تعزيز استقلاليتهم.
وكن مبدعاً في التخطيط لطي صفحة الماضي مع فريقك. على سبيل المثال: دعا أحد المسؤولين في إحدى شركات الأدوية أعضاء فريقه إلى وضع مخطط زمني وتعليقه على الحائط بحيث يشير إلى مواعيد انضمامهم إلى القسم والنجاحات والإخفاقات التي مروا بها معاً. قضى الفريق ثلاث ساعات معاً تذكروا خلالها خبراتهم وما تعلموه.
5. تأهيل مَنْ سيخلُفك في المنصب وإعداده للنجاح
يجب أن يستفيد خليفتك في المنصب من خبرتك، لا أن يبدأ من الصفر. صحيح أن هناك قرارات يُفضَّل أن يتخذها بنفسه، لكنه سيكون بحاجة إلى المعلومات الصحيحة لاتخاذها. وإذا لم تكن حريصاً في انتقاء سلوكاتك وأسلوبك في التواصل مع الآخرين، فسوف تخذلهم من دون قصد. ما هي القصة الخفية لسير الأمور بالشكل الذي تسير به؟ ربما أدت الضغوط التي مورست من قِبَل أصحاب المصلحة وكانت تمليها مقتضيات السياسة الداخلية والموارد المحدودة والقيم الثقافية والصلات الجغرافية، وغيرها من العوامل، إلى اتخاذ خيارات أقل وضوحاً. فما الذي يجب الاعتراف به أو قبوله أو تغييره للسماح بمزيد من النجاح؟ وكيف تعمل أنت وأصحاب المصلحة الرئيسيون على رصد التحديات التي تواجه الفريق وتشخيصها؟ وما هي الرؤى الثلاث التي يمكنك مشاركتها حول ما يحتاج فريقك إلى تغييره بنجاح في إطار الثقافة والسياق الحاليين؟
واحرص في الوقت نفسه على عدم ترك أي مشاكل لمَنْ سيخلُفك في المنصب ما دمت قادراً على حلها بشكل أفضل. على سبيل المثال: اعمل على إجراء محادثات حول ضعف مستوى الأداء مع الموظفين الأسوأ أداءً، واسمح لهم بعرض الطريقة التي يحبون أن يتعاملوا بها مع مَنْ سيخلُفك. قد لا تحظى بعض القرارات الصحيحة بشعبية كبيرة، مثلما يحدث عند إعادة هيكلة الفريق أو السماح لأصحاب الأداء الضعيف بالرحيل، لذا قد تحدّثك نفسك بتحاشيها. احرص على عدم تبرير التقاعس عن العمل بحُجَج، مثل: "قد يؤدي أسلوب مَنْ سيخلُفني إلى تحقيق نتائج أفضل"، أو: "إذا انفجرت الأمور الآن، فسوف تنهار سمعتي"، أو: "من المحتمل أن يقدم المدير وقسم الموارد البشرية دعماً أكبر للمسؤول الجديد". وحينما تمتلك الشجاعة اللازمة لإجراء المحادثات المهمة واتخاذ القرارات الصحيحة، فإن هذا سيتيح لمَنْ سيخلُفك القدرة على اتخاذ الإجراء الصحيح.
6. إبداء الاحترام وحُسن التجاوب
قد تكون متحمساً بقوة لمنصبك الجديد أو ترغب في الهروب بأسرع ما يمكن، حتى إنك قد تخاطر باكتساب سمعة "التارك لعمله". في هذه الحالة، قد لا تُحسن التجاوب مع الزملاء السابقين وغيرهم ممن يظلون معتمدين عليك في التوجيه. ولا بد من توخي الحذر لأنك إذا اكتسبت سمعة بأنك شخص تهوى الهروب أو لا تكترث بالآخرين أو بأنك شخص طموح أكثر من اللازم أو شديد الأنانية، فقد تلتصق بك هذه السمعة في منصبك الجديد. واعلم أن زملاءك قد يرغبون في قضاء بعض الوقت معك لطي صفحة الماضي وتوجيه الشكر لك على دورك في حياتهم.
وليست كل النهايات سعيدة. فقد تغادر العمل لأسباب تجعلك تشعر بغصة في الحلق أو سوء المعاملة. وما لم تكن هناك اعتداءات أخلاقية أو مخالفات قانونية، ففكر ملياً قبل استخدام استقالتك كنوع من الاحتجاج أو فرصة للانتقام. فنادراً ما يجلب التعبير العلني عن مظالمك شعوراً دائماً بالرضا الشخصي، وقد يسفر عن حرق جسور العلاقات مع العاملين في المؤسسة، على الرغم من رغبتهم في مساعدتك. وفي أغلب الأحيان، تقف الإدارة مع الأشخاص الذين يبقون في المؤسسة. فاسع لمشاركة ما حققته بمساعدة الآخرين وما تعلمته من خبرة العمل في هذه المؤسسة. ومن خلال تعزيز هذه الإيجابيات، فإنك تختار أسلوب مغادرتك.
خلاصة القول: لا تهمل ضرورة مغادرة العمل بصورة مشرفة لمجرد أنك تريد توجيه كل تركيزك إلى البداية الجديدة. واحرص على تطبيق هذه القاعدة سواء كنت ذاهباً إلى "وظيفة الأحلام"، أو في سبيلك إلى التقاعد بعد مسيرة مهنية طويلة، أو كنت تغادر بسبب عملية إعادة الهيكلة. واعلم أن الانتقالات تثير لا محالة مجموعة من المشاعر المتناقضة التي تمزج بين الشعور بالإثارة والفخر من ناحية، والإحساس بالخسارة والشعور بالنقص من ناحية أخرى. ولا تعد المرحلة النهائية لمنصبك الوظيفي مجرد عملية تستكمل فيها إجراءات مغادرتك للعمل في مؤسسة معينة فحسب، بل هي فرصة لترسيخ إرثك وإعداد فريقك السابق للنجاح في المستقبل وتقوية علاقاتك وشبكة معارفك.