ملخص: يساعدنا التدريب على فهم أنفسنا واكتشاف الخيارات الجديدة المتاحة أمامنا والتخلص من العوائق التي تقف في طريقنا، لكن فرصة إيجاد وقت لتلقي التدريب على يد مدرّب مؤهل ليست متاحة إلا لعدد محدود من الأفراد المحظوظين والمؤسسات الكبرى التي يمكنها تحمل تكاليفه. والتدريب الذاتي هو مهارة طرح الأسئلة لتحسين الوعي الذاتي والعمل الإيجابي الفوري. وباستخدام المهارات الأساسية الثلاث التي سيجري تناولها في هذه المقالة، يمكن للجميع تعلم كيفية تدريب أنفسهم، بغض النظر عن مستوى خبراتهم أو عمق تجاربهم العملية. وغالباً ما تبدو مساراتنا المهنية محاطة بهالة من الغموض، لكن التدريب الذاتي مهارة نمتلك جميعاً القدرة على فرض سيطرتنا عليها. ويمكن أن يساعدك الالتزام بتطوير مهارات التدريب الذاتي في التغلب على العقبات التي تقف في طريقك وإتاحة المزيد من الفرص لنموك. وإذا كانت هناك مهارة واحدة يجب أن تكرّس لها وقتك لتعلمها وممارستها وتحسينها في عام 2022، فهي مهارة التدريب الذاتي التي تعتبر نقطة بداية جيدة.
لا يسير النجاح في الحياة المهنية المعاصرة في خط مستقيم، وقد تسببت الأحداث التي مرت بنا خلال السنوات القليلة الماضية في خلق بيئة تفرض علينا جميعاً ضرورة الاعتياد على التغيير المتواصل وزيادة التعقيد. ويُعد التدريب طريقة قيّمة لخلق حالة من الوضوح والتعامل مع حالة الغموض في عالم العمل الذي بات يسير في خطوط متعرجة على نحو متزايد.
يساعدنا التدريب على فهم أنفسنا واكتشاف الخيارات الجديدة المتاحة أمامنا والتخلص من العوائق التي تقف في طريقنا، لكن فرصة إيجاد وقت لتلقي التدريب على يد مدرّب مؤهل ليست متاحة إلا لعدد محدود من الأفراد المحظوظين والمؤسسات الكبرى التي يمكنها تحمل تكاليفه. ونحن نعلم أن التدريب يمكن أن يجعل العمل أفضل حالاً، لكننا بحاجة إلى طريقة أفضل ليصبح متاحاً للجميع.
ولإتاحة التدريب للجميع، نحتاج إلى توسيع تعريفه من شيء يرتبط بشخص محدد إلى منهج عام. ويستلزم اتباع المنهج التدريبي تعلّم مجموعة المهارات التي تؤهلك لأن تصبح مدرّب التوجيه المهني لنفسك. ولا يُعتبر هذا بديلاً يمكن أن يحل محل المحادثات المهنية مع أشخاص آخرين، بل على العكس من ذلك، فإن هذا المنهج يشجّعك على إجراء محادثات تدريبية أكثر جدوى مع مجموعة متنوعة من الأشخاص، مثل المدراء والأقران والموجهين. حيث تعمل مهارات التدريب الذاتي على تسريع وعيك واكتفائك الذاتيين، ما يساعدك على التعامل مع مجريات الأحداث في حياتك المهنية بمزيد من الثقة والتحكم.
والتدريب الذاتي هو مهارة طرح الأسئلة لتحسين الوعي الذاتي والعمل الإيجابي الفوري. ويمكن للجميع تعلم كيفية تدريب أنفسهم، بغض النظر عن مستوى خبراتهم أو عمق تجاربهم العملية. يستلزم الأمر بعض الممارسة العملية، وقد تشعر بعدم الراحة في بعض الأحيان، لكن النتائج المتحققة تستحق الجهد المبذول. وعندما نطور أفكارنا وسلوكاتنا استجابةً للتحديات التي نواجهها في حياتنا المهنية، فإننا نزيد من قدرتنا على التحمل ونقلل من اعتمادنا على الآخرين.
ولكي تبدأ في تدريب نفسك، اعمل على تطوير المهارات الثلاث التالية:
الوعي الذاتي
يتطلب الوصول إلى مستويات عالية من الوعي الذاتي أن نرى أنفسنا بوضوح وأن نفهم كيف يرانا الآخرون. ولا ينشأ الوعي الذاتي عن طريق المصادفة، بل نحققه بأيدينا. ونورد فيما يلي طريقتين لتحسين وعيك الذاتي يمكنك استخدامهما في أثناء يوم العمل:
ارسم خريطة ذهنية مدتها 5 دقائق
من النادر أن نضع على رأس أولوياتنا تخصيص وقت للتركيز على التفكير في أنفسنا، لكن عندما نزيد من الوعي بكيفية تأثُّر سلوكاتنا بقيمنا ومعتقداتنا، يمكننا أن نكون أكثر وعياً بشأن الخيارات التي نتخذها في المستقبل.
ويمكن أن يساعدك رسم خريطة ذهنية مدتها 5 دقائق على الحصول بسرعة على رؤية ثاقبة لردود فعلك تجاه التحديات المهنية. ولرسم هذه الخريطة، اكتب التحدي الذي تواجهه في منتصف الصفحة، ثم دوِّن أي أفكار تخطر على ذهنك حول طبيعة التحدي (ما؟)، والأطراف المعنية به (مَنْ؟) وتوقيت ظهوره (متى؟) وأسبابه (لماذا؟)، وانظر إلى الناتج. على سبيل المثال: إذا كانت لديك علاقة متوترة مع أحدهم في العمل، فقد تفكر في حاجتك إلى أن يحبك الآخرون (وهو ما يعطيك فكرة عن السبب "لماذا؟")، أو قد تتوصل إلى استنتاج مفاده أن الأشخاص الذين تشعر بتوتر علاقتك معهم يعملون بطريقة تختلف عن طريقتك، لا أكثر ولا أقل (وهو ما يعطيك فكرة عن الأطراف المعنية بالتحدي "مَنْ؟"). وعندما تفعل ذلك بشكل منتظم، ستلاحظ أنماطاً في تفكيرك يمكن أن تعمل لصالحك أو ضدك في العمل. وسيساعدك هذا الوعي الذاتي على الخروج من الدائرة المغلقة التي تدور في رحاها خلال رحلة تعلّم تدريب نفسك.
فهم النوايا والآثار الفعلية
لكي نحدّد فجوات الوعي الذاتي التي نحتاج إلى العمل عليها، لا بد أن نعرف ما إذا كان سلوكنا في العمل يتوافق مع الشخصية التي نريد أن نرسمها لأنفسنا. وإذا أردت أن تستكشف هذا بنفسك، فما عليك إلا أن تفكّر في 3 مواقف مهمة تعرّضت لها خلال أسبوع العمل، لكي تتكوّن لديك رؤية واضحة حول المظهر الذي تريد أن تظهر به. لخص نيتك في كل سيناريو باستخدام كلمة واحدة أو كلمتين على الأكثر. على سبيل المثال: قد ترغب في أن تبدو "ذا مصداقية" في عرض تقديمي أو "متعاوناً" في اجتماع الفريق. وبعد كل موقف، اطلب من شخص واحد على الأقل من الأطراف المعنية بهذا الموقف أن يصف تأثيرك من وجهة نظره بكلمة واحدة أو كلمتين على الأكثر. قد يستلزم هذا طرح سؤال، مثل: "ما الكلمة التي ستستخدمها لتلخيص سلوكي في اجتماع اليوم؟" أو "ما الكلمة التي ستستخدمها لوصف تأثيري على الآخرين في العرض التقديمي؟". ستساعدك المقارنة بين نواياك والتعليقات التي تتلقاها بشأن تأثيرك على معرفة ما إذا كان وعيك الذاتي يتوافق مع أهدافك، أو أن هناك فجوة محتملة وفرصة للنمو.
أسئلة التدريب الذاتي
يؤدي طرح أسئلة تدريبية ثاقبة على نفسك إلى فتح آفاق تفكيرك ودعمك لتحديد الخطوات التي ستساعدك على تحقيق تقدم إيجابي. ويمكنك تقييم جودة أسئلتك باستخدام المعايير الثلاثة الآتية:
الانفتاح
تبدأ أسئلة التدريب الذاتي بإحدى أدوات الاستفهام الست ذات الإجابات المفتوحة (مَن؟ أو ماذا؟ أو لماذا؟ أو أين؟ أو متى؟ أو كيف؟)، وليس بأداة استفهام ذات إجابات مغلقة إما بنعم أو لا. وإذا وجدت نفسك تطرح سؤالاً ذا إجابة مغلقة، مثل: "هل أستمتع بعملي؟"، فعاود طرحه مرة أخرى بطريقة مفتوحة: "ما الذي أستمتع به في عملي؟". وستجد أنك تحصل على كمٍّ أكبر من الأفكار نتيجة لذلك.
الملكية
تركّز أسئلة التدريب الذاتي على الملكية وتنطوي دائماً على استخدام ضمير المتكلم. فبدلاً من طرح سؤال يقول: "كيف حقّق هذا الشخص هذا التقدم أسرع مني؟"، يصبح السؤال: "كيف يمكنني تسريع تقدمي؟". وإذا وجدت نفسك تلقي باللوم على الآخرين أو العوامل الخارجية عند تدريب نفسك، فهذه إشارة إلى أنك بحاجة إلى إعادة التركيز على ما يمكنك التحكم فيه. وعند تحديد سلوكاتك الشخصية، ستكون أكثر التزاماً بإحداث التغيير.
التراتبية
تجنّب "تكديس" الأسئلة بطريقة تدعو إلى طرح أسئلة متعددة في الوقت نفسه. وبدلاً من طرح سؤال يقول: "لماذا تفوتني المواعيد النهائية وأشعر بأنني عاجز عن السيطرة على وقتي؟"، اطرح سؤالاً واحداً وأجب عنه قبل أن تطرح السؤال التالي: "لماذا تفوتني المواعيد النهائية؟" و"لماذا أشعر بأنني عاجز عن السيطرة على وقتي؟". يساعدك طرح الأسئلة بطريقة تراتبية على إيجاد المزيد من الخيارات والإجراءات كجزء من منهجك التدريبي الشخصي.
وإليك 5 أمثلة للبدء بها:
- ما الذي يمنحني أكبر قدر ممكن من الطاقة في العمل؟
- متى تؤدي الثقة المفرطة بنفسي إلى عرقلتي؟
- كيف يمكنني زيادة وتيرة التعليقات والملاحظات التي أحصل عليها؟
- مَنْ يمكنه أن يقدم لي وجهة نظر مختلفة عن التحديات التي أواجهها في حياتي المهنية؟
- ما الذي أريد تحقيقه خلال 12 شهراً وهو غير متحقق اليوم؟
الإصغاء إلى نفسك
يستلزم تدريب أنفسنا أن نتقن مهارة الإصغاء إلى الأفكار والمعتقدات التي توجّه سلوكاتنا الوجهة الصحيحة، لكن عوامل الإلهاء وعدم الراحة يمكن أن تتسبب في تشتيت عقولنا أو انجذابها نحو أشياء يسهل العمل عليها. وعندما يتم تشتيت انتباهنا، فسنعجز عن نيل القدرة على عمق التفكير الذي يساعدنا بدوره على التفكير أو التصرف بشكل مختلف. وهناك طريقتان يمكنك التدربُّ عليهما في أثناء تعلم الإصغاء إلى نفسك:
ابحث عن أساليب المقاومة
كلنا معرّضون لتشتت الانتباه. ويعد فهم مكان وزمان حدوث هذا التشتت خطوة مهمة للتأكد من عدم وقوفك أنت شخصياً في طريق تعلم التدريب الذاتي. ويمكن تجنّب الوقوع في مستنقع الإلهاء والتخلُّص من تأثيره السلبي على جهود التدريب الذاتي، وذلك من خلال إيجاد طرق لتعزيز أساليب المقاومة. على سبيل المثال: إذا كانت التكنولوجيا هي نقطة ضعفك، فيمكنك اكتشاف أسلوب للمقاومة من خلال ترك أجهزتك الذكية في غرفة أخرى. وإذا كان الآخرون يتسببون في إضعاف قدرتك على التركيز، فحاول تدريب نفسك في مقهى أو في بداية اليوم قبل أن تتسبب متطلبات العمل في تشتيت انتباهك.
كن أفضل صديق لنفسك
يستلزم تدريب نفسك أن تعرف مَنْ تصغي إليه داخل رأسك. فلدينا جميعاً مدرب داخلي وناقد داخلي، وستكون هناك أوقات يتسلل فيها ناقدك الداخلي ويبدأ في فرض سيطرته. قد يبدو هذا أشبه بقولك لنفسك: "أنا لست ذكياً بما يكفي لاكتشاف ذلك" أو "لا يمكنني فعل ذلك، ويجب أن أستسلم الآن".
ولكي تُسكت ناقدك الداخلي، حاول التحدث إلى نفسك بالطريقة ذاتها التي يتحدث بها صديقك المقرب إليك. تخيل نفسك تجري محادثة مع هذا الشخص واكتب 3 جمل داعمة سيقولها لك. ربما يذكّرك بنجاحاتك السابقة أو يلفت انتباهك إلى كيفية تغلبك على الشدائد من قبل، أو ربما يتحدث عن مدى إعجابه بقوة عزيمتك أو شجاعتك. فكّر في هذا الشخص عندما يتسلل ناقدك الداخلي إلى تفكيرك.
وغالباً ما تبدو مساراتنا المهنية محاطة بهالة من الغموض، لكن التدريب الذاتي مهارة نمتلك جميعاً القدرة على فرض سيطرتنا عليها. ويمكن أن يساعدك الالتزام بتطوير مهارات التدريب الذاتي في التغلب على العقبات التي تقف في طريقك وإتاحة المزيد من الفرص لنموك. وإذا كانت هناك مهارة واحدة يجب أن تكرّس لها وقتك لتعلمها وممارستها وتحسينها في عام 2022، فهي مهارة التدريب الذاتي التي تعتبر نقطة بداية جيدة.